PDA

View Full Version : ( وأستــعلي بإيمـــاني ... على الدنيا وما فيها ..)


بو عبدالرحمن
26-09-2003, 08:47 PM
إذا كانَ لسانُ حالِ المؤمنِ في كل ِ زمانٍ ، هو قولُ القائلِ :
وأستعلي بإيماني على الدنيا وما فيها ..

فإن صورُ الاستعلاءِ التي يزرعُها الإيمانُ في قلبِ المؤمنِ كثيرةٌ ،
تتجلى في أكثر من ميدانٍ من ميادين الحياة .. بل في كلّ ميادين الحياة بلا استثناء ..
قال تعالى : (.. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ..) ..لاحظ : وللمؤمنين .. بشرطِ أن يتحققَ لهم هذا الإيمان في قلوبهم ، ليجدوا العزةَ ثمرة طبيعية لهذا الإيمان ..

ونريدُ اليومَ أن نركزَ على دائرةٍ من دوائرِ الحياةِ ، التي يتجلى فيها استعلاءُ الإيمانِ ، وعزةُ المؤمنِ .. فتأملْ ..

ترى جمالاً يلوحُ في صورةٍ ملونةٍ ، أو في امرأةٍ حقيقةٍ ، أو حتى في مشهدٍ من مشاهدِ الكونِِ الكثيرةِ ..
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ غمرتهُ أنوارُ التربيةِ الإيمانيةِ الربانيةِ ..
فإن هذا المشهدَ بعينهِ ، سوفَ يشدكَ مباشرةً _ بمجردِ أن وقعَ نظركَ عليه _ يشدكَ إلى ما هو أجملَ منه وأروع ، وخيرٌ وأبقى ...!

وفي لمحةِ بصرٍ ، وطرفةِ عينٍ ، فإذا أنتَ تستعلي على الجمالِ المعروضِ الذي مر بك ، أو مررتَ به ، أو لاحَ لك فجأة .. مهما كانَ آسراً باهراً ..
ذلكَ لأنّ جمالاً مبهراً مضاعفاً ، يلوحُ لقلبكَ على الفورِ ، فيتعلقُ قلبكَ به ، ويتعامى عن الجمال العارضِ للسكون ..!!!

ولنزيد القضيةَ توضيحاً ..
إليكَ هذا المشهد ، عشْ فيها ، وتخيلْ أنك أحدُ أبطالهِ ..!!
ذكرَ بعضُ العلماءِ الربانيينَ هذهِ الصورةََ .. فتأملها وزدها تأملاً ..!

تمرُ فتاةٌ فاتنةٌ قد بهرجتْ نفسَها ، وبرقشتْ حالها !! وأجادتْ حركاتها ..!! تكادُ تقولُ لكل من يراها : هيتَ لكَ ..ما الذي يمنعُـكَ ..!!

تمرُ بشابينِ ، أما الأولُ منهما ، فيبهرهُ ما يرى ، ويشدهُ هذا الجمالُ المتراقصُ أمامهُ ، فيبقى محملقاً مشدوهاً لا يملكُ إلا المتابعة في اشتهاء ..! .. وقد يطلقُ وراءها صفيراً وعواءً ..!

أما الثاني فعلى النقيضِ من ذلك تماماً ..
بمجرد أن وقعتْ عيناهُ فجأةً على تلكَ الفتاةِ التي كأنها دميةٌ مصورة !!
بادرَ يديرُ رأسهُ إلى جهةٍ أخرى .. وقد ارتسمتْ على شفتيهِ ابتسامة ساخرةٌ مستعليةٌ ..!
ويحاولُ صديقهُ أن يلفتَ نظرهُ إلى هذا الجمالِ المتراقص ، فيأبى في إباء..!

والسؤالُ الآن .. _ كما يقولُ الشيخُ _ ..:
أي الرجلينِ أعشقُ للجمالِ ، واشدُ حباً له ، وتعلقاً به ، وحرصاً عليه ؟!!
الأولُ الذي تابعَ ،، أم الثاني الذي أعرضَ ..؟؟!

النظرةُ الساذجةُ المتعجلةُ .. تقولُ :
بل الأولُ .. لأنهُ لم يملكْ إلا أن يبقى أسيرَ هذا الجمالِ ، مسحوراً بهذهِ الفتنةِ ..!!

ولكنّ النظرةَ المؤمنةَ ، المتخرجةَ من مدرسةِ الإيمان العميقِ ، تقول غيرَ ذلكَ ..
تقولُ بملءِ صوتها :
كلا .. ثم كلا ..! بل الثاني هو الأذكى ..! وهو الأشد عشقاً للجمالِ ، والأكثرَ حرصاً عليه ، ورغبةً فيه ..!! بل هو الأقوى إيماناً ، والأشد حباً لله ..!
لماذا ...؟!

لأنهُ بمجردِ أن وقعتْ عيناهُ على هذا الجمالِ العارض الذي يزخرفه الشيطانُ في عيونِ الناسِ ، فيعطيهُ مساحةً أكبرَ ما هو عليه حقيقةً .. !!
بمجردِ أن وقعتْ عيناهُ :
لاحَ لقلبهِ جمالٌ آخر .. يفوقُ هذا الجمالَ أضعافاً مضاعفةً ، بحيثُ يصبحُ هذا الجمال العارضُ _ رغم روعتهِ والبهرجةِ التي هو فيها _ يصبح قبحاً لا جمالاً ، بالنسبةِ للجمالِ الذي لاح لروحهِ ، وبرق برقُهُ في قلبهِ..!!

مباشرةً وعلى الفورِ وفي أقلِ من طرفةِ عين :
كأنما هو يسمعُ أحاديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ وهو يصفُ جمالَ الحور ، وكيفَ أن الواحدةَ منهن لو أطلتْ على الدنيا بوجهها الباسمِ ، في منتصفِ النهارِ ، لغلبَ جمالها ضياء النهارِ كله !! ولحجبتْ نورَ الشمسِ وهي ساطعةٌ متوهجةٌ مشتعلةٌ ..!
وكيف أنّ خمارها لو سقطَ على الأرضِ ، لملأ الدنيا من أقصاها إلى أقصاها أريجاً وعبقا وطيبا وعطرا ..!
ومن ثم فلا تصحُ الموازنة على الإطلاق بين ضوءٍ ينبعثُ من عود ثقابٍ مشتعلٍ ، وبين نورِ الشمسِ وهو يغسلُ الكونَ بنوره ..!

من تمام الحماقةِ أن نقارنَ هذهِ بتلك ..!!

وحينَ أدركَ صاحبنا جيداً هذهِ الحقيقةَ ، واستقرتْ في قلبهِ يقيناً ،
رأى أن من الحماقةِ بمكانٍ أن يتركَ الجمالَ المضاعف الذي لا تعبرُ عنهُ الكلماتِ ، من أجلِ جمالٍ عارضٍ زائل باهت ،
وربما تكونُ صاحبته مملوءةً من داخلها بما لا يعلمه إلا الله من آفااات وبلايا ساحقةً ماحقةً ..!!

فعزّ على نفسه أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ..!!
وكأنما قالَ لنفسهِ :
أي الجمالين أولى بأن أحرصَ عليهِ ، وأسعى إليهِ ، وأتعلق به .. ؟؟!
أجمالُ امرأةٍ من طين .. أم جمالُ الحور العين ..!!؟؟ الأولى يزينها الشيطانُ ، والثانية يحببُ فيها الرحمن .. !!!؟؟

وبموازنةٍ سريعةٍ خاطفةٍ ، يخفتُ جمالُ هذهِ المخلوقةِ مهما بدا براقاً ، ويبقى عالقاً في حسهِ وقلبهِ :
جمالٌ سماويُ مبهرٌ للغاية ، تتلاشى شمسُ النهارِ لو بدا لها ..!!
فكيفَ بجمالِ تلكَ الخائبة ..؟!

وعلى هذا يتضحُ في جلاءِ :
أنّ الشابَ الذي أعرضَ ونأى بوجههِ ، ولم يكترثْ ، كانَ هو الأذكى ..!!
وكانَ هو الأشد عشقاً للجمال ، بل كانَ يجسدُ مصداقيةَ الإيمانِ في قلبهِ ، ويرتقي بهِ إلى مقامِ اليقينِ ..!

أما الشابُ الأولُ الذي تابعَ وانجرفَ .. فقد أثبت أنه غبي في الصميم ... !!.. مهما طالَ لسانه وتشدقَ وهرفَ بما لا يعرف ....!!
بل هو قد فقد مصداقية الإيمانِ في تلكَ اللحظةِ ، حيثُ آثرَ هواهُ على مرضاة اللهِ ..!!

فهلُ يفهمُ شبابنا هذه المعادلةِ ، ويزنونَ أنفسهم على ضوئها مع كل جمالٍ يمر بهم أو يمرون به ..؟؟!

فيا أخي .. قس نفسك على هذا ..
فإن استعليتَ ، فأنت أنتَ ..! وإلا فعليكَ أن تراجعَ إيمانكَ أصلاً ..
فالإيمانٌ ليس مجرد كلام ،وشقشقةِ لسان ، ولكنه ما وقرَ في القلبِ وصدقهُ العمل ..!

يبقى أن يقولُ إنسانٌ :
هذا أمرٌ صعبٌ وشديد ..!!
ونقولُ في ثقة : ليس الأمرُ كذلك ، وإلا لما كلفكَ الله به ، فتكليفُ الله دائما في قدرة الإنسان ووسعه ،
ولكن مصيبتك أنك ( تخور ) أمام نفسك وهواك ، فيركبانك ...!!

جاهدْ نفسك مرة بعد مرة ، وكرة بعد أخرى ، وستجد أن ( أداءك ) يتحسن مع الأيام ..!!
ومهما تعثرتَ وأنتَ تحاولْ ، جدد التوبةَ ، وابدأ من جديد ..
وثق أن الله لن يتخلى عنك إذا رآك صادقا في مجاهدتك لنفسكَ ..

وفي الحديث الشريف : والمجاهدُ : من جاهدَ نفسه في ذاتِ الله ..
وقال تعالى :
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
وهذا وعدٌ صادقٌ غير مكذوب ، فثق ...!

وكما هي العادةُ حينَ نتطرقُ لهذا الموضوعِ يجبُ أن ننوهَ ونذكّرَ لنقرر.. بما يلي :

أن المرأة الملتزمةَ بدينها ، المقبلةَ على ربها ، ستكونُ أجملَ أضعافاً مضاعفةٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، من الحور العين التي جاء ذكرهن الحديث الشريف ..
فعلى المرأةِ المسلمة أن تزداد تمسكاً بدينها ، وحرصا على رضا ربها ، شعارها الذي لا تفرط فيه هو قول الله سبحانه :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ..

والدنيا مهما طالتْ فهي قصيرةٌ فانيةٌ ، وستبقى الآخرةُ خيرٌ وأبقى ، وأكثر متعةٍ ، وأروع بهجةٍ ، وأطول عمر ..
وعلى هذا ..

فكما عرفنا أن الشاب الأول كان غبياً !! فاقداً لمصداقة الإيمان في قلبه ..
فكذلك هاهنا نقول بحزمٍ وجزمٍ :

أن المرأةَ غير المقبلةِ على ربها ، المتفلتةِ عن تعاليم دينها : حمقاء بكل ما تعني الكلمة ..!!
لأنها تحرص على ما لا يبقى .. وتريد ما لا يكون .. وتتمسك بظلِ الباطل .. وتسوق نفسها إلى الهاوية وهي تضحك ..!!

وصدق والله القائل ..
لكلِ داءٍ دواءٌ يُستطبّ بهِ ** إلا الحماقةَ ، أعيتْ من يداويها !!

**
فإن أصبنا فلا عــجبٌ ولا غــررُ *** وإن نقصنا فإن الناس ما كملوا
والــكاملُ الله في ذاتٍ وفي صفةٍ *** ونــاقص الذات لم يكمل له عملُ

*** ***

أحسب أن موضوع ( زفاف في الجنة ) للأخت الفاضلة ملاك حفظها الله ..
يعزز هذا الموضوع ، ويوضح هذه القضية .. تجد الموضوع على هذا الرابط :
http://www.swalif.net/sforum1/showt...threadid=175489