PDA

View Full Version : "مدرسة ضبط النفس" هذا عنوان خطبة جمعة رائعة من بيت المقدس


شهاب الحق
11-10-2003, 05:00 PM
مدرسة ضبط النفس

بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بداء الشيخ ابو عبد الله خطبته:

أيها الناس: لم أكن أعلم أن هناك مدرسةً لضبط النفس تديرها واشنطن، ولها فروع في جميع أنحاء العالم. خريجوا هذه المدرسة يتبوأون مناصب القيادة والزعامة في جميع بلاد الأرض، ولا زالت فصول هذه المدرسة مفتوحة، ومقاعدها تغص بالطلاب والطالبات، وليس من قانون هذه المدرسة أن يأخذ الطلبة والطالبات أو الأساتذة والعاملون فيها أيَّ نوع من أنواع العطل المدرسية أو الإجازات السنوية أو ما شاكل ذلك من أوقات الراحة والاستجمام، والبعد عن عناء دروسها والتدرب عليها. لم أكن أعلم أن الإقبال على هذه المدرسة شديد رغم صرامة قوانينها وصعوبة مناهجها التي تفتت الأكباد، وتكبت الأحقاد، وتولد الرقاد، وتلعن الآباء والأجداد. ولم أكن أعلم أن مدرسة ضبط النفس تلك هي المدرسة الوحيدة التي تُعلم طلابَها منهاجين متناقضين برغم وجودهم في فصول واحدة، ويدخل عليهم نفس المدرسين، وأنها تمنح خريجيها درجات متناقضة في ضبط النفس، فمنهم ضابطٌ لنفسه معتد أثيم، ومنهم ضابط لنفسه حقير ذميم، ومنهم ضابط لنفسه بدرجة عادية، وآخر بدرجة فوق العادية، وهناك من تخرج من تلك المدرسة يحمل أقصى درجات ضبط النفس مع المرتبة الأولى في الخسة والنذالة. حقاً إنها مدرسة عجيبة! وحتى يزول العجب الذي تملكني كما تملككم فلننظر إلى ما يفعله القائمون على تلك المدرسة العجيبة وبعضُ خريجيها. يضبط بعضهم نفسه باستخدام الطائرات لقصف المدنيين العزل عند جيران القربى وجيران الجنب والصاحب بالجنب، ويحاصر المدن والقرى، ويجتاح ويقتل ويجرح ويهدم البيوت ويصول ويجول، ويقف البعض الآخر منهم في طوابير طويلة لتحية هذا الزميل المتغطرس، ليثبتوا له أنهم ملتزمون بما تعلموه في مدرسة ضبط النفس، وأنهم لا يعصون مدير المدرسة ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فلا يحركون ساكناً حيال فساده، ولا يجرؤن على مجرد انتقاد تصرفاته. مدير هذه المدرسة يعيث فساداً في جميع بلاد العالم، مستخدماً أقصى وسائل القوة، وأخبث نشاط للمخابرات، وأذكى أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً وبطشاً ضد المخالفين لرغباته الجامحة، فيهلك دولاً ويفني شعوباً ويغير أنظمة ويطيح بحكام، ويقتل ويجرح ويهجر ويهدم ويحاصر ويغير على أراضي الغير، ويجوب السماء والبحار والأرضين مختالاً فخوراً أنه يكافح ما يسميه الإرهاب. دون أي رحمة أو إشارة لضبط النفس وكبح الجماح، ثم نراه يضبط نفسه تماماً في مسألة امتلاك كوريا للسلاح النووي وتطوير برامجها في هذا المجال!
يقول أحد خريجي تلك المدرسة: "عملنا على ضبط النفس رغم الإثارة والانفعال، ورغم الحماس داخل الأوساط السياسية والرسمية والشعبية عند احتلال حنيش الكبرى...، ولقد احتلت اليمن مكانة دولية كبيرة بضبط النفس وعدم الانجرار في هذه المعركة التي يرسمها الآخرون"، وهذا خريج آخر يقول: " أن الغارة الاسرائيلية على قاعدة فلسطينية مفترضة قرب دمشق تعتبر «تصعيدا خطيراً يهدد الأمن» في منطقة الشرق الاوسط??? وأضاف هذا المسؤول السوري الذي طلب عدم ذكر اسمه: "نحن طلبنا من مجلس الأمن أن يشجب العدوان ويمنع تكراره، ومارسنا أقصى درجات ضبط النفس".
أما مدير هذه المدرسة وأساتذتها وموظفوها الإداريون وعمال نظافتها وحراسها وبوابوها فهم قد رفعوا شعارات ضبط النفس بكل قوة ودأب ومثابرة، فأميركا تدعو دوماً جميع الأطراف المتنازعة إلى ضبط النفس، ورسيا تدعوهم كذلك إلى ضبط النفس، ومجلس الأمن يدعو الجميع إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والجامعة العربية لا تملك نفْساً تضبطها ومع ذلك تدعو إلى أقصى درجات ضبط النفس، وهكذا فإننا نعيش حالة دولية فريدة من ضبط النفس لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
أيها الناس: ما هي حقيقة قضية ضبط النفس؟ وما هو موقف الإسلام منها؟ وكيف ومتى يضبط المسلم نفسه؟ تلك مسألة تحتاج إلى بيان في زمن ضاع فيه الحق في مسألة ضبط النفس، وأصبح ضبط النفس مذلةً وخضوعاً وخزياً وعاراً. يقول الدكتور ناصر بن سليمان العمر في محاضرة له حول (ضبط النفس): "إن الفرق عظيم بين ضبط النفس وبين ذُلِّها، فضبط النفس هو تحمل الأذى في سبيل الله من أجل الله ومن أجل دعوته، وضبط النفس هو تحمل الأذى والنظر في مآلات الأمور، وضبط النفس هو مراعاة قواعد المصالح والمفاسد. أما الذل فهو تحمل الأذى والإهانة من أجل مصلحة النفس، وكثير من الناس يتحمل الأذى والإهانة من أجل مصلحة نفسه، يخشى على وظيفته، أو يخشى أن يسجن، أو يخشى من أذى شخصي، وهذا هو الذل..، هؤلاء الذين يتربون على الذل، أما أن تتحمل في سبيل الله.. فليس ذلاً.. ولهذا ينبغي التفريق بين ضبط النفس وبين الذل حتى لا يقع وهم، أو يتصور أحد منا أن هناك خلطاً بين الأمرين..، ولو تأملنا في موضوع ضبط النفس لوجدنا أن القلة من الناس من يتقن هذا الأمر ومن يوفق له، وموضوع ضبط النفس ليس خاصا بفئة دون فئة، بل هو للرجال والنساء، وللكبار والصغار، وللعلماء والدعاة وطلاب العلم وللعامة. وإنه بسبب عدم ضبط النفس، وإنفاذ الغيظ والانسياق وراء الغضب والتصرفات المفاجئة، حدثت جرائم ومفاسد بين المسلمين. روي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود رجلا فقال: يا رسول الله، إنه قتل ابني. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال نعم، قال: ولمَ؟ قال: كنت أحتطب أنا وإياه، فسبني وشتمني فأهويت بالفأس على رأسه فقتلته. ويقع كثير من الجرائم بسبب نزوة شيطان، وغضب لا يكتم فيه الإنسان غيظه، ولا يضبط نفسه. فنحن في أمس الحاجة إلى ضبط النفس في داخل بيوتنا ومع أقاربنا ومع أهلينا ومع جيراننا ومع أصحابنا. وقد أثنى الله جل وعلا على الكاظمين الغيظ، فقال جل من قائل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فالمتقون هنا من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ، فكظم الغيظ - وهو أحد معاني ضبط النفس - جزاؤه جنةٌ عرضها السماوات والأرض، ولو لم يأتنا إلا هذه الآية لكفانا بها والله فضلا وشرفا". وقال القرطبي: "ضبط النفس بمعنى كظم الغيظ، ومعناه رده في الجوف، يقال كظم غيظه، أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه". فضبط النفس إذن هو منعها من التصرف خطأ في المواقف الطارئة والمفاجئة التي تتطلب قدراً من الشجاعة والحكمة وحسن التصرف مع المسلمين. والتغلب على سرعة الغضب والانفعال والتأثر، وعدم إطلاق اللسان أو اليد فيما لا تحمد عقباه.
قال صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظاً وهو قادر أن ينفذه ملء الله جوفه أمناً وإيماناً". وقال صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء".
أيها الناس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله فلا يقوم لغضبه شيء، وهكذا فعل الخلفاء من بعده، وهذا الذي يطالَب به كل الحكام من بعدهم للقضاء على المنكر. ذكر صاحب كتاب مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق عن أبي بكر بن العربي أن امرأة تلقت المنصور بن أبي عامر وهو عائد من غزوة منتصراً فقالت: أنت والناس يفرحون وأنا باكية حزينة!! قال: ولم؟ قالت ولدي أُسر في بلد من بلاد الروم، فسير العساكر لوقته راجعة إلى البلاد حتى أحضروا ولدها. ثم علق قائلا: فرحم الله تلك الأمم الخلية بتلك الهمم العالية وأثابهم على إعزاز دين الإسلام رضوانه التام في دار السلام. ثم ذكر عن القوصي قال: بلغ المعتصم أن علجاً من علوج الفرنج لطم امرأة أسيرة من عمورية فقالت: وامعتصماه! فقال لها العلج: لا يجيء المعتصم إلا على فرس أبلق! فسير المعتصم إلى سائر الجهات في طلب الخيل البلق، وبذل فيها الأموال الجزيلة والخلع النفيسة، حتى كمل له ثمانية عشر ألف فرس أبلق، وقيل ثمانون ألفاً، ثم سار إليها بقوة العزم وصدق النية والغيرة على دين الله، ففتحها الله على يده ولم تكن فتحت قبل ذلك، وسبا وقتل وحرقها بالنار وأحرق جمعاً كبيراً وأحضر العلجَ والمرأةَ بين يديه وهو راكب على فرس أبلق وقال له: قد جئتك، قد جئتك على فرس أبلق. ثم علق الشيخ على ذلك قائلاً: (فهكذا فليكن إعزازُ الدين، ومثلَ هذا ينبغي أن تكون أئمةُ المسلمين). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

شهاب الحق
12-10-2003, 04:46 PM
السلام عليكم

يا أخوة هذا الجزء الأول من الخطبة فمن اراد الخطبة كاملة فليترك لي بريده وسأرسلها له كاملة .
وبارك الله بكم

كهرمانة العين
13-10-2003, 09:33 AM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

خطبة جميله وقيمة ...جزاك الله خيرا أخي شهاب

شهاب الحق
13-10-2003, 04:35 PM
أخت كهرمانة العين شكرا لحضورك الطيب وبارك الله بك ونتمنى ان نقرء مواضيعك الشيقة كما كان في السابق.وجزاك الله خيرا