PDA

View Full Version : تلك الأشياء الصغيرة!


فتى الإيمان
22-10-2003, 12:54 AM
بقلم: د. ساجد العبدلي

أحيانا، قد يشم الواحد منا عطرا جميلا أو رائحة زكية ما في الصباح، وقد يرى شيئا لطيفا، طفلا يبتسم، منظرا بهيجا، وقد يسمع تغريد عصفور، أو ضحك أولاد في الطريق، أو أي شيء (صغير) آخر، لحظتها قد يشعر بأن الموقف أضفى على نفسه قدرا من سعادة، لكنها سعادة من نوع مختلف، يحسها تعانق روحه كنسمة هواء منعشة مرت عليه خطفا ورحلت، لكنها في الحقيقة ليست كذلك أبدا!
حاولوا أن تسترجعوا مثل هذه اللحظات، وحاولوا أن تستعرضوا يومكم من بعدها، أكاد أجزم بأنه كان بهيجا، أو لم يكن كئيبا على الأقل، وعلى النقيض تماما، في الأيام التي نبدؤها، أو تبدؤنا، بشيء من الحزن أو الإزعاج، تستمر كذلك لبقية اليوم، من يبدأ بـ «بهوشة» مع زوجته في الصباح، سيذهب إلى عمله ليختلق «هوشة» أخرى مع الموظفين و سوف «يفش غله» في المراجعين، سيفعل ذلك وكأنه يحافظ على لياقته ليكمل «الشوط» الثاني من «الهوشة» في البيت بعد الظهر!!


الآن لنتفق، أليست الحياة أياما مجموعة؟! إذن فببساطة، من يستطع أن يظفر بالسعادة في كل يوم ولو على حدة سيظفر بها في كل حياته.
البعض سيقول وأين هي السعادة لنظفر بها؟ وسأقول إن من يرغب بها فعلا سيجدها حتى في أصغر الأشياء، في ابتسامة طفل، في شذا عطر، في بريق عين محبوب، في سماء صافية، في كلمة إطراء أو شكر!

أندرو ماثيو في كتابه «اتبع قلبك» يذكر شيئا جميلا، يقول: عندما نتبع قلوبنا ونعمل ما نحب (وكان هنا يتكلم عن الوظيفة) قد نصل إلى أن يعطينا ذلك مالا كثيرا، ولكنه أحيانا لا يحصل، بل قد يصبح المال أقل من أي عمل آخر لا نحبه ولكن يمكن أن نقوم به، لكننا (ركزوا مع الرجل هنا، فهذا مربط العنزة الذي لأجله نقلت كلامه) أحيانا وعندما نجد العمل الذي نحب فقد لا نحتاج بعده إلى المال الكثير! (انتهى كلامه).
أندرو وكثيرون غيره مثل ديف بليزر الشهير صاحب كتاب «دروس الحياة» تحدثوا في النقطة نفسها وهم يقصدون أن الإنسان عندما يصل إلى تلك المرحلة من الانسجام في عمله الذي يحب سيكون سعيدا، وحينها ستتقلص معاني المال بالنسبة له لتصبح فقط بقدر احتياجاته، أي أن «لحافه سيكون بالضبط على قياس رجليه» وسينام هنيئا دون أن يشعر بالبرد، على عكس من يجري وراء المال (جري الوحوش) وكلما ملأ جيبه قال هل من مزيد؟!
لا أدري إلى أي حد يمكن أن يقنعكم هذا الكلام، لكن لنجرب العكس، لننظر إلى «الجماعة اللي فوق»، أقصد الأثرياء (سننظر طبعا دون حسد)، من يستطيع منكم أن يجزم أنهم يمتلكون السعادة لمجرد أن أموالهم (زي الرز)؟! من يستطيع أن يجزم أنهم بلا «مطبات» اجتماعية، ولا «هوشات على الريق»، ولا «كلاكيع» نفسية؟! أسمعكم تقولون إن «الجماعة اللي تحت» أيضا عندهم نصيبهم من هذا أيضا، وهذا صحيح تماما، لكنه يثبت لي ولكم أن السعادة والكآبة ليس من الضروري أن تكونا مرتبطتين بالمال.

وهنا سأعود إلى البداية، لأقول، بما أن السعادة يمكن أن نحصل عليها من الأشياء الصغيرة، فلماذا لا نعمل على البحث عنها واصطيادها؟ لماذا لا نحرص على أن نبدأ أيامنا بأشياء مفرحة، أن نجعل لكل يوم عطرا جديدا، أن نستمع لصوت العصافير، ما المشكلة في أن نشتري زوجا من الكناري ونضعه عند الباب؟ أن نحرص على تغيير مسارنا الروتيني إلى العمل إلى مسار آخر جديد حتى إن كان أطول، وما المانع أن نخرج لذلك إلى العمل مبكرا؟!
أطيعوني ولنفعل ذلك، ففي كل الأحوال لن نخسر شيئا، لنتبع قلوبنا، ولنلتقط تلك الأشياء الصغيرة، ولنساهم بدورنا في نشر السعادة، لنبتسم في وجوه عباد الله، أليست الابتسامة في وجه أخيك صدقة، (يا بلاش)، تصدقوا يا جماعة بالمجان .........
العمر أيام معدودة، بل الإنسان كله أيام، إذا مضى منه يوم مضى منه بعضه، وأكبر مأساة للإنسان في الحياة أن يولد على كآبة ويعيش في كآبة ويموت بين أحضان الكآبة!!