PDA

View Full Version : فرنسا واسرائيل ومعاداة السامية


ابو الامير
29-11-2003, 01:23 PM
اتضح أن حريق يوم السبت 15 الجاري الذي اتى على 3000متر مربع من المدرسة اليهودية "غانيي" بمنطقة سان سان ديني في ضواحي باريس أسبابه اجرامية. وقد فتح تحقيق ضد مجهول، في الوقت الذي تصاعدت الادانات من كل صوب بخصوص هذه الموجة الجديدة من معاداة السامية ، التي خصصت لها الحكومة الفرنسية اجتماعا وزاريا يوم الاثنين. فخطورتها تمس مركز فرنسا وسلطتها المعنويةفي أوروبا والشرق الاوسط، كما يعتقد، لا سيما وأن هناك سوابق مثيرة للجدل مع اسرائيل نفسها.
ببعض المعطيات: تذكير وهنا
فلو لم تكن العلاقات الفرنسية- الاسرائيلية تحت سيطرة العواطف الجياشة، منذ عهد الراحل الكبير الجنرال ديغول، لما أثارت تصريحات وقعت في ماليزيا أثناء قمة اسلامية، لا علاقة لها بفرنسا، تشنج الاسرائيليين الى حد اتهام الرئيس جاك شيراك ـ ومن ورائه فرنسا بأسرهاـ بمعاداة السامية. وكما هو معلوم، نشرت جريدة "معاريف" على صدر صفحتها الأولى صورة للرئيس شيراك تحت عنوان:"وجه فرنسا المعادي للسامية". وبدا أن وزير الخارجية الاسرائيلي، سيلفان شالوم، يتبنى هذه الرؤية الغريبة حين أصدر تصريحا يقول فيه " انه من المخجل أن يبدي بلد مهم كفرنسا أي تفهم أو قبول لملاحظة مهاتير محمد المناهضة للسامية". والنقطة الاولى التي نسجلها هنا، أن الوزير الاسرائيلي بدا وكأنه يبني مواقفه على أساس ما تقدمه صحيفة : فأيا كانت مصداقية الخبر، نلاحظ أن "معاريف" تفردت به من بين الصحف الاسرائيلية، وكان يفترض أن تتأكد وزارة الخارجية الاسرائيلية من صحة الخبر، قبل أن تصرح بما يؤكده. ففي العادة، تبني الصحف مواقفها وتحليلاتها على تصريحات الرسميين ، وليس العكس.
وبالعودة الى تصريحات المسؤولين الأوروبيين، وفي مقدمتهم السيد خافير صولانا- المكلف بالسياسة الخارجيةـ نرى هذا الأخير يفند تماما ما ورد في "معاريف" ، قائلا ان " جميع رؤساء الدول والحكومات (الاوروبيين) أجمعوا على ادانة تصريحات مهاتير محمد خلال القمة".
وأضافت السيدة كريستينا غالاش، الناطقة الرسمية باسم الاتحاد الاوروبي، لوكالة فرانس بريس قولها: " لقد وقع الاتفاق ببساطة على أن تتولى الرئاسة الاوروبية للاتحاد اصدار بيان باسمه، لأن نتائج اجتماعات المجلس الأوروبي لا يمكن أن تشمل هذا النوع من الردود على التصريحات. ومن ثم، فقد وقع سحب أي موقف بهذا الشأن من مشروع البيان النهائي، وتولت الرئاسة اصدار تصريح باسم الاتحاد".
ويبدو اذا أن هذا هو ما أثار حفيظة الاسرائيليين، فانساقوا في غضبهم الى حد الاستفزازات.
هل كان السيد جاك شيراك هو الذي ذكر زملاءه بأنه من الأفضل أن يتركوا التعليق على تصريحات السيد مهاتير لرئاسة الاتحاد ؟ لا يمكن أن يفهم المرء لماذا ثارت ثائرة الاسرائيليين ضد شيراك دون هذا. و من ثم، أفليس من الغريب أن يقيموا القيامة على مسألة لا دخل لهم فيها؟ فالذي يقرر مسألة كهذه ، تتعلق بالتصريحات والمواقف من القضايا الجارية، أليس هو الاتحاد الأوروبي نفسه؟ ولو رأى الزعماء الأوروبيون خطأ في ترك المسألة لرئاسة اتحادهم، فما الذي منعهم اذا من الاعتراض، وتضمين التصريح في بيانهم الختامي؟
الاسرائيليون لم يجرؤوا على الهجوم على الاتحاد الأوروبي بأسره: كانوا يريدون أن يكونوا في صدارة اهتمامات الاتحاد، وشعروا أن فصل الموقف من تصريحات مهاتير عن البيان الختامي لأعمال المجلس الأوروبي، وكأنه اهمال لهم! واذا قال قائل ان المسألة شكلية، بحيث ما كانت تتطلب كل هذه الضجة، فان الرد هو: بالنفي والايجاب.
النفي ، لأنه في السياسة الشكليات هي الجوهر، والبروتوكول هو التصرف نفسه، والمظهر هو اللب، ومن ثم فلا يمكن اغفال شيء. ومن هذه الناحية، فان الموقف الأوروبي يعد ايجابيا، بالرغم من أنه يشمل ادانة تصريحات رئيس وزراء ماليزيا. وايجابيته تتمثل في أنه لم يرد أن يضخم المسألة أكثر من اللازم، بحيث تحل مقام سياسات الدول. ونرى هذا الاعتدال حتى في تعليق الصحف الفرنسية. ففي افتتاحيتها بعنوان " مناهضة السامية" يوم 20 الجاري، أثنت جريدة "لوموند" على السيد مهاتير محمد، قائلة بالخصوص انه "جعل من ماليزيا نموذجا للبلدان الناهضة"، ومعددة الأمثلة على النجاح الاقتصادي وحسن التدبير، في الوقت الذي رأت فيه أن هذا النجاح بالذات هو الذي يجعل كلمات السيد مهاتير لها وزنها. ومن ثم، اعتبرت ما جاء في تصريحاته حول اليهود "مناهضة للسامية".
والايجاب، لأن قرارات الاتحاد الأوروبي مستقلة وديمقراطية، كما يفترض. والمسألة لا تتطلب اذا تدخل اسرائيل، ولا أي بلد خارجي، وهي بالتالي لا تستحق التضخيم والمغالاة.
ولكن الاسرائيليين المغتاضين – بشكل دوري – من فرنسا، لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من التهجم على شيراك، لابتزازه، وهم يعلمون مسبقا أنها مسألة فارغة: ففرنسا ليست معادية للسامية، ولكنها بلد يشعر بالذنب تجاه اليهود الذين أرسلتهم ادارة فيشي الى حجرات الغاز خلال الحرب العالمية الثانية. وقد بنى تيودور هرتزل الكثير من آرائه في كتابه "الدولة اليهودية" على أساس قضية درايفوس. و لايزال الاسرائيليون الى اليوم – كما نرى- يحركون أشباح الماضي ويصطادون في المياه العكرة، دون حياء، مدعين أنهم ما زالوا ضحايا، في الوقت الذي يجثمون فيه بدباباتهم وطائراتهم على صدور ملايين الفلسطينيين.
ونلاحظ أن الحكومة الماليزية أصدرت توضيحا حول تصريحات مهاتير، اعتبرته صحيفة "اسرائيل انسايدر" بمثابة اعتذار. فقد جاء على لسان وزير خارجية ماليزيا، سياد حميد، أن " المقصود لم يكن هو اطلاق جدل... وانما فقط أن نلاحظ أن المسلمين هم الذين يواجهون المشاكل اليوم. فليس هناك أية مشاعر معادية لليهود. لماذا ينبغي أن تكون لدينا مشاعر عنصرية؟"
وقد أوضحت وزارة الخارجية الفرنسية موقفها، وكذلك فعل السيد شيراك في رسالة خاصة الى محمد مهاتير. ويمكن أن نقول بالتالي أن القصة كادت تنتهي عند هذا الحد... لولا هذا الحريق في المدرسة اليهودية الذي يمنح شارون فرصة أخرى لاثارة عاصفة في فنجان... ذلك أنه لا مفر من أن نلاحظ تكرر الهجوم على فرنسا، واتهامها بمعاداة السامية، منذ وصول شارون الى السلطة. والهدف واضح: فتأثير فرنسا كبير في الاتحاد الأوروبي، والضغط عليها بالتالي، من شأنه أن يحيد على الاقل الاوروبيين، اذا لم يكن بالامكان وضعهم في الجيب
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,وطن