غير شكل
23-06-2004, 04:32 PM
تناقل الأثير وغير الأثير صرخات الفرح بمقتل زعيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، وتطايرت التهاني من واشنطن مرورا بعواصم أوروبية إلى عواصم عربية، بل وحتى تل أبيب هللت لهذا الإنجاز الأمني "الرائع"، حين صرح أحدهم في مقال في صحيفة (معاريف) الإسرائيلية أنه يتعين على نصف الكرة الأرضية أن يشكر المخابرات السعودية لأنها نجحت في تصفية قائد تنظيم القاعدة في الرياض 'عبد العزيز المقرن' الذي تمكن من رفع سعر برميل النفط إلى 42 دولار!
ألا يحق لنا أن نتساءل، لماذا هذا الفرح العارم وهذه الضجة الكبيرة بمقتل المقرن بالذات؟ وفي هذا الوقت بالتحديد؟
لن نقف كثيرا عند مقتل المقرن، فالأحداث تؤكد أن مقتل المقرن لن يؤثر كثيرا على القاعدة في الجزيرة العربية، خاصة أن لديهم قيادات كثيرة ومنهجيتهم في العمل تجعلنا متأكدين من أنهم لن يتوقفوا عند مقتل زعيمهم، فهم مجموعة آمنت بالسيف وسيلة للتغير ولا ترى أمامها إلا السيف حتى من الطرف الآخر!
لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه بتعمق وهدوء، من الذي يمسك بزمام الأمور في هذه الأحداث؟
الذي يقرأ الأحداث بسطحية سوف يرد بأنها الدولة! والذي يتعصب ويؤيد هذه الأعمال سيجيب بأنها القاعدة رغم كل هذه الضربات!
لكن الحقيقة أن كلا الطرفين لا يمسكان بزمام الأمور؟ فالحرب سجال والخبطات الإعلامية التي يمارسها كلا الطرفين لا تعدو أنفاسا سريعة الانقضاء!
إذن من الذي يمسك بزمام الأحداث؟ أو لديه القدرة للإمساك بها؟
إنهم (مشايخ الصحوة) أو بتعبير يحبه المثقفون (تيار الإصلاح)! نعم .. هذه هي الحقيقة التي لا يريد أن يراها الجميع، الذي يستطيع أن يمسك بزمام الأحداث ويغير مجرى الأمور هم مشايخ الصحوة، لأنهم يحملون مشروعا ينقذ البلاد والعباد من فتنة سوف تتراءى فتنة الجزائر أمامها أمنية للجميع!
لكن المشكلة تكمن في أن هناك أطرافا لا تريد لتيار الإصلاح أن يمسك بزمام الأحداث! أطرافا ترى أنه من المصلحة استمرار هذه الأحداث حتى تصل إلى رؤوس مشايخ الصحوة وأصحاب التيار الإصلاحي، لأن توجيه الضربة إليهم يعني صعود تيارات أخرى تعاني من التهميش على حد تعبيرها .
إنها ثلاثية الثلج والنار! الدولة والقاعدة ومشايخ الصحوة، لا نستطيع أن نتجاوزهم عندما نريد تحليل الأحداث في السعودية، فهم أطراف الصراع الظاهر والخفي.
إن الدولة ترتكب خطأ جسيما وتاريخيا بوضعها الشمع الأحمر على مشروع التيار الإصلاحي، لأنها سوف تفقد مفتاح الحل الرئيسي لهذه الأزمة.
فمثلا في فتنة الجزائر، رغم تعاون أكثر التيارات مع الدولة ورغم مشروع التصالح الوطني ورغم كل شيء، بقيت الأحداث أكثر من عشر سنوات زهقت فيها أرواح كثيرة، ومازالت حتى الآن تشتعل بين فترة وأخرى!
فكيف يريد النظام في السعودية حل الأزمة برفع السيف وحده في ساحة المعركة؟! وكيف يتم تغييب تيار الإصلاح الذي يملك مفاتيح كثيرة لحل هذا الإشكال؟ ولعل في تجربة اليمن خير مثال في هذه المرحلة.
وفي اللحظة التي تم فيها تجنيد سبعين شخصية للحوار في المدينة، كان هناك تجنيد أكثر 15 ألف عسكري للبحث عن الرهينة الأمريكي وعن المقرن!! لا يوجد تناسب بين التجنيد للإصلاح والحوار وبين التجنيد للتصفية والقتل!
وتيار الجهاد أو قاعدة الجهاد أو المجموعات الشبابية ترتكب خطأ جسيما آخر لرفضها محاولات الإصلاح أو التقريب أو الحوار عبر قنوات التيار الإصلاحي، فالتعنت في هذا الأمر لن يجدي شيئا وسوف تكون التجربة بهذه المعطيات فاشلة مثل كثير من التجارب المشابهة.
وتيار الإصلاح يرتكب خطأ أكثر جسامة لأنه مازال يخفي رأسه ويحنيه أمام هذه العاصفة، فالخطوات التي يقوم بها لا تتناسب مع مجريات الأحداث، وهناك ضمور عجيب في تحرك تيار الإصلاح!
إن انحناءة المشايخ للعاصفة بهذه الطريقة سوف يقوي تيار الاستئصال في الدولة، ويغلق الباب كليا أمام المجموعات الشبابية، ويريح أطرافا أخرى تتمنى ألا يتدخل المشايخ في هذه الأحداث.
قد يقول قائل إن الدولة أغلقت الباب في وجه تيار الإصلاح وأخلفت العهود المواثيق للمصالحة، وأن المجموعات الشبابية أو تيار القاعدة لا يثق بالمشايخ ولا يؤمن بنظريتهم للتغيير، إذن ماذا يفعل المشايخ ؟؟؟
هذا السؤال يجيب عليه مشايخ الصحوة بأنفسهم لأنهم يدركون الطرق المثلى للتعامل مع هذه الأحداث بوقفة حازمة مع جميع الأطراف، لا نريد تصريحات البعض التي تنطلق بين الفينة والأخرى وضررها أكثر من نفعها، لكننا نريد مشروعا متكاملا يرفع الملامة ويكسر القيد، وهذا يتمثل في الآتي:
- إصدار بيان شامل يوضح موقف تيار الصحوة من جميع الأحداث ويشرح الملابسات والأخطاء التي ارتكبتها جميع الأطراف.
- تكوين مجلس حل وعقد من جميع رموز الإصلاح الذين يستطيعون التواصل مع هذه المجموعات، ويجب أن يتم الضغط على الدولة في السماح لهم بالتواصل مع المجموعات الجهادية.
- نشر بحث تأصيلي (قراءة شرعية) لهذه الأزمة وتداعياتها والمقدمات التي كانت سببا فيها.
- التحرك إعلاميا في جميع المنابر من أجل توضيح هذه الرؤية وشرحها لعامة الشعب الذي لعب بعقله الإعلام الحكومي.
- التواصل مع الدولة في إيقاف حملات الملاحقة والقتل إلى حين إعطاء فرصة للحوار والإقناع وشرح وجهات النظر.
هذا إذا أردنا للثلج أن يعم أرجاء الجزيرة العربية، وإلا فالنار سوف تصل إلى بيوت الجميع، وعندها سوف ينحني الجميع احتراما للموت!
عمر محمد العزي
22/06/2004
مجلة العصر
ألا يحق لنا أن نتساءل، لماذا هذا الفرح العارم وهذه الضجة الكبيرة بمقتل المقرن بالذات؟ وفي هذا الوقت بالتحديد؟
لن نقف كثيرا عند مقتل المقرن، فالأحداث تؤكد أن مقتل المقرن لن يؤثر كثيرا على القاعدة في الجزيرة العربية، خاصة أن لديهم قيادات كثيرة ومنهجيتهم في العمل تجعلنا متأكدين من أنهم لن يتوقفوا عند مقتل زعيمهم، فهم مجموعة آمنت بالسيف وسيلة للتغير ولا ترى أمامها إلا السيف حتى من الطرف الآخر!
لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه بتعمق وهدوء، من الذي يمسك بزمام الأمور في هذه الأحداث؟
الذي يقرأ الأحداث بسطحية سوف يرد بأنها الدولة! والذي يتعصب ويؤيد هذه الأعمال سيجيب بأنها القاعدة رغم كل هذه الضربات!
لكن الحقيقة أن كلا الطرفين لا يمسكان بزمام الأمور؟ فالحرب سجال والخبطات الإعلامية التي يمارسها كلا الطرفين لا تعدو أنفاسا سريعة الانقضاء!
إذن من الذي يمسك بزمام الأحداث؟ أو لديه القدرة للإمساك بها؟
إنهم (مشايخ الصحوة) أو بتعبير يحبه المثقفون (تيار الإصلاح)! نعم .. هذه هي الحقيقة التي لا يريد أن يراها الجميع، الذي يستطيع أن يمسك بزمام الأحداث ويغير مجرى الأمور هم مشايخ الصحوة، لأنهم يحملون مشروعا ينقذ البلاد والعباد من فتنة سوف تتراءى فتنة الجزائر أمامها أمنية للجميع!
لكن المشكلة تكمن في أن هناك أطرافا لا تريد لتيار الإصلاح أن يمسك بزمام الأحداث! أطرافا ترى أنه من المصلحة استمرار هذه الأحداث حتى تصل إلى رؤوس مشايخ الصحوة وأصحاب التيار الإصلاحي، لأن توجيه الضربة إليهم يعني صعود تيارات أخرى تعاني من التهميش على حد تعبيرها .
إنها ثلاثية الثلج والنار! الدولة والقاعدة ومشايخ الصحوة، لا نستطيع أن نتجاوزهم عندما نريد تحليل الأحداث في السعودية، فهم أطراف الصراع الظاهر والخفي.
إن الدولة ترتكب خطأ جسيما وتاريخيا بوضعها الشمع الأحمر على مشروع التيار الإصلاحي، لأنها سوف تفقد مفتاح الحل الرئيسي لهذه الأزمة.
فمثلا في فتنة الجزائر، رغم تعاون أكثر التيارات مع الدولة ورغم مشروع التصالح الوطني ورغم كل شيء، بقيت الأحداث أكثر من عشر سنوات زهقت فيها أرواح كثيرة، ومازالت حتى الآن تشتعل بين فترة وأخرى!
فكيف يريد النظام في السعودية حل الأزمة برفع السيف وحده في ساحة المعركة؟! وكيف يتم تغييب تيار الإصلاح الذي يملك مفاتيح كثيرة لحل هذا الإشكال؟ ولعل في تجربة اليمن خير مثال في هذه المرحلة.
وفي اللحظة التي تم فيها تجنيد سبعين شخصية للحوار في المدينة، كان هناك تجنيد أكثر 15 ألف عسكري للبحث عن الرهينة الأمريكي وعن المقرن!! لا يوجد تناسب بين التجنيد للإصلاح والحوار وبين التجنيد للتصفية والقتل!
وتيار الجهاد أو قاعدة الجهاد أو المجموعات الشبابية ترتكب خطأ جسيما آخر لرفضها محاولات الإصلاح أو التقريب أو الحوار عبر قنوات التيار الإصلاحي، فالتعنت في هذا الأمر لن يجدي شيئا وسوف تكون التجربة بهذه المعطيات فاشلة مثل كثير من التجارب المشابهة.
وتيار الإصلاح يرتكب خطأ أكثر جسامة لأنه مازال يخفي رأسه ويحنيه أمام هذه العاصفة، فالخطوات التي يقوم بها لا تتناسب مع مجريات الأحداث، وهناك ضمور عجيب في تحرك تيار الإصلاح!
إن انحناءة المشايخ للعاصفة بهذه الطريقة سوف يقوي تيار الاستئصال في الدولة، ويغلق الباب كليا أمام المجموعات الشبابية، ويريح أطرافا أخرى تتمنى ألا يتدخل المشايخ في هذه الأحداث.
قد يقول قائل إن الدولة أغلقت الباب في وجه تيار الإصلاح وأخلفت العهود المواثيق للمصالحة، وأن المجموعات الشبابية أو تيار القاعدة لا يثق بالمشايخ ولا يؤمن بنظريتهم للتغيير، إذن ماذا يفعل المشايخ ؟؟؟
هذا السؤال يجيب عليه مشايخ الصحوة بأنفسهم لأنهم يدركون الطرق المثلى للتعامل مع هذه الأحداث بوقفة حازمة مع جميع الأطراف، لا نريد تصريحات البعض التي تنطلق بين الفينة والأخرى وضررها أكثر من نفعها، لكننا نريد مشروعا متكاملا يرفع الملامة ويكسر القيد، وهذا يتمثل في الآتي:
- إصدار بيان شامل يوضح موقف تيار الصحوة من جميع الأحداث ويشرح الملابسات والأخطاء التي ارتكبتها جميع الأطراف.
- تكوين مجلس حل وعقد من جميع رموز الإصلاح الذين يستطيعون التواصل مع هذه المجموعات، ويجب أن يتم الضغط على الدولة في السماح لهم بالتواصل مع المجموعات الجهادية.
- نشر بحث تأصيلي (قراءة شرعية) لهذه الأزمة وتداعياتها والمقدمات التي كانت سببا فيها.
- التحرك إعلاميا في جميع المنابر من أجل توضيح هذه الرؤية وشرحها لعامة الشعب الذي لعب بعقله الإعلام الحكومي.
- التواصل مع الدولة في إيقاف حملات الملاحقة والقتل إلى حين إعطاء فرصة للحوار والإقناع وشرح وجهات النظر.
هذا إذا أردنا للثلج أن يعم أرجاء الجزيرة العربية، وإلا فالنار سوف تصل إلى بيوت الجميع، وعندها سوف ينحني الجميع احتراما للموت!
عمر محمد العزي
22/06/2004
مجلة العصر