غير شكل
19-09-2004, 10:42 PM
http://www.alasr.ws/images/frea.jpg
قرار فرنسا بفرض حظر على ارتداء الحجاب في المدارس العامة كان يمكن أن يكلّفها حياة اثنين من صحفييها المحتجزين كرهائن في العراق.. وفرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تقرر حظر ارتداء الحجاب، وإنما سبقتها في ذلك العديد من الدول الغربية، بل إن قضية الحجاب مازالت محلاً لجدل واسع في بعض الدول الإسلامية مثل تركيا، التي تتبنى نظاماً علمانياً، وفي حين يلقى قانون حظر الحجاب في فرنسا معارضة نحو 55% من المسلمين هناك، وفقاً لاستطلاع أجرته "الفيجارو" مؤخراً ، فإن حظر الحجاب في تركيا يواجه بمعارضة شديدة من أكثر من 92% من المواطنين، فضلاً عن أن الحجاب يعد أحد القضايا محل الصراع بين القوي الإسلامية، والممثلة بالأساس في حزب العدالة والتنمية، والقوى العلمانية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
حتى نهاية الأسبوع الماضي، كانت باريس متفائلة بقرب إطلاق سراح الصحفيين، كريستيان جورج مالبرنوت من صحيفة "لو فيجارو" وكريستيان تشيسنوت من إذاعة "فرنسا الدولية"، واللذين اختطفا كرهينتين في العراق منذ 20 أغسطس الماضي. ومنذ ذلك الوقت لم نسمع أخباراً مبشرة حول هذا الموضوع. وكان الصحفيان قد اختطفا في المنطقة الواقعة بين بغداد والنجف، من قبل جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "الجيش الإسلامي للعراق"، وطالبت الجماعة في مقابل الإفراج عن الصحفيين ، بأن تقوم فرنسا بإلغاء الحظر الذي فرضته على ارتداء الحجاب في المدارس، والذي اعتبرته الجماعة بمثابة عدوان سافر على الدين الإسلامي والحريات الشخصية.
بداية، فإن نبأ اختطاف الصحفيين الفرنسيين والتهديد بقطع رأسيهما كان بمثابة صدمة مفزعة للحكومة الفرنسية، وخاصّة أن فرنسا عارضت بشدة الغزو الأمريكيّ للعراق العام الماضي وقدمت العديد من الدعم والمساعدة للقضية الفلسطينية، وقد تفاقمت صدمة فرنسا في وقت مبكر من الأسبوع الماضي عندما طالب المختطفون فجأة بفدية قدرها خمسة ملايين دولار أمريكي لتحرير الصحفيين الفرنسيين، وطالبوا بعقد هدنة مع أسامة بن لادن وعدم إبرام أية صفقات تجاريّة أو عسكريّة مع العراق، وعلى الرّغم من أنّ بعض هذه المطالب لم توجه إلى فرنسا بصفة خاصّة، فقد كان هناك بعض الشّكّ في مصداقية هذه المطالب. لكنّ الحكومة الفرنسيّة وجدت نفسها في ورطة، ومع ذلك فقد كرر المسئولون الفرنسيون تأكيداتهم بأن الصحفيين الفرنسيين آمنين، وعبروا عن تفاؤلهم الحذر بشأن قرب تحريرهم، وفي 2 سبتمبر الجاري أصبح القانون الخاص بحظر ارتداء الحجاب ساري المفعول.
وخلال الأسبوع الماضي، تم اختطاف اثنين من موظفي الإغاثة الإيطاليين، وطالب المختطفون بأن تسحب إيطاليا قواتها من العراق والبالغ عددها 2700 جندي. وقد أطلقت عمليّات الاختطاف الأخيرة العديد من المظاهرات الضخمة في روما و باريس وأدت لتصاعد المشاعر القومية الغاضبة لدى الجماهير. وخلال الأيام الأخيرة تم أيضاً اختطاف مقاولين استراليين من جانب جماعة تسمّي نفسها الجيش السري الإسلامي، قالت إنها ستقتل كلا الرجلين إذا لم تسحب الحكومة قواتها من العراق خلال 24 ساعة. وفي أثناء ذلك، بدأت إيطاليا جولة دبلوماسية جديدةً لإنقاذ حياة مواطنيها، حيث قام وزير الخارجيّة فرانكو فراتيني بزيارة إلى الكويت في بداية جولته بالشرق الأوسط.
لقد شهدت الأشهر الخمسة الماضية اختطاف نحو 100 رهينةً في العراق من جنسيات مختلفة، وتم قتل أكثر من عشرين من هؤلاء المختطفين، ومن بين خمسة إيطاليّين مختطفين، تم قتل اثنين، أحدهما يعمل صحفياً. وفي تعقيبه على هذه الحوادث، نشر "اوليفيه روى" المفكر الفرنسي الجنسية مقالاً، أشار فيه إلى أن هؤلاء المختطفين هم أشخاص انتهازيون لا يهمهم العراق، ولكنهم يسعون إلى قتال الغرب بأكمله.
وبينما طالب معظم الصحفيين العرب بتحرير الرهائن، فقد انتقدت قلة منهم وسائل الإعلام بسبب تبنيها معايير مزدوجة فيما يتعلق بالعرب والمسلمين، حيث حدث ما يشبه التعبئة الجماعية لحملة إطلاق الصحفيين الفرنسيين، في حين تم تجاهل عملية اختطاف وقتل مواطني دول أخرى، مثل نيبال، التي اختطف 12 من مواطنيها وتم قتلهم في العراق.
برتراند بادييه، خبير العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس، يعتقد أن باريس تحاول استغلال الشعور العربي المناهض للولايات المتحدة، من خلال العديد من الجهود والأنشطة الدبلوماسية والثقافية مع المنظمات العربية سواء الرسمية أو غير الحكومية، والتأكيد على التوافق بين فرنسا والدول العربية في مواجهة ما تتعرض له هذه الدول من تهديدات، ويشير بادييه إلى أن الأسلوب الذي تتبعه فرنسا يتسم بالمبالغة الشديدة، مؤكداً أنه لا يعدو كونه مناورة من أجل كسب تعاطف العرب مع قضية الصحفيين المختطفين في العراق. كما علقت إحدى الصحف الإقليمية في فرنسا بالقول بأن اختطاف الصحفيين الفرنسيين يشكل درساً لهؤلاء الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يكونوا محايدين في الحرب على ما يسمى بالإرهاب، ولأولئك الذين يعتقدون أنّه من الممكن التوصل إلى هدنة مع الجماعات الجهادية من خلال مواقف متخاذلة إزاء ما تقوم به هذه الجماعات من أعمال عنف.
وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه زار كل من الأردن وقطر ومصر لحشد الدعم والتأييد من الزعماء العرب و المسلمين لتحرير الرهائن الفرنسيين، وبالفعل فقد أدينت عملية اختطاف الصحفيين الفرنسيين من قبل قيادات العالمين العربي والإسلامي، بمن فيهم مقتدى الصدر، وقيادات حركة الإخوان المسلمين في مصر، وأدانتها أيضا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فلسطين.
وقد أشار الشيخ مهدي الصميدي، طالب علم عراقي واسع النفوذ بين الجماعات السنية، يوم 5 سبتمبر الجاري إلى أن قيام الولايات المتحدة بشن هجوم واسع النطاق على بلدة اللطيفية في اليوم السابق، أوقف عملية تحرير الرهائن الفرنسيين. وقد أصدر الشيخ الصميدي بياناً، حث فيه الجماعة الخاطفة على إطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين، وعدم إلحاق أي ضرر بهما. وقد نوهت جمعيّة الصداقة العراقيّة الفرنسيّة يوم الاثنين الماضي بحديث الشيخ الصميدي، واتهمت القوات الأمريكية بتعريض حياة الصحفيين الأمريكيين للخطر بشن هذا الهجوم العسكري.
وبالرغم من أزمة الصحفيين المحتجزين في العراق، فقد طبقت فرنسا بهدوء القانون الذي يحظر ارتداء الحجاب والرموز الدينية الأخرى في المدارس العامة. ومازال الحجاب يرتدى في المدارس الخاصة من قبل الفتيات المسلمات. وقد شهدت فرنسا فيما مضى جدلاً واسعاً حول قضية الحجاب وغيره من الرموز الدينية، وخاصة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وتزايد أعمال العنف من جانب جماعات اليمين المتطرف ضد المسلمين، حيث طالب البعض من المسلمين وغيرهم، بحظر الحجاب وغيره من الرموز الدينية، تجنباً لما يمكن أن تتعرض له الأقليات الدينية في فرنسا من اضطهاد من هذه الجماعات المتطرفة، مؤكدين أن هذا القانون ليس ضد المسلمين أو غيرهم ولكنه بمثابة حماية للوحدة الوطنية في فرنسا، في حين دافع البعض من المسلمين ومن جماعات حقوق الإنسان، عن ارتداء الحجاب، باعتباره فريضة دينية فضلاً عن كونه أحد مظاهر الحرية الشخصية.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوربية، يحتدم الجدل حول الحجاب في تركيا، الدولة الإسلامية التي تتبني نظاماً علمانياً منذ إلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية على يد كمال أتاتورك عام 1923، حيث يحظر ارتداء الملابس الإسلامية ، بما فيها أغطية الرأس في الأماكن العامة .
وقد تصاعدت الخلافات حول الحجاب حتى داخل الحكومة نفسها، عندما منعت الحكومة الحجاب حتى داخل المدارس الدينية، ومنعت النساء من لبس الحجاب في صور رخص القيادة، وجوازات السفر، والشهادات الدراسية وغير ذلك. وتعتقد القوات المسلحة التركية أن ما يسمى بالأصولية الإسلامية هي أكبر تهديد للأمن القومي التركي، ويرى قادة الجيش أنه إذا لم يتم التعامل بحذر مع قوى الإسلام السياسي، فإنهم سيقودون تركيا من جديد إلى عصور الظلام.وقد استطاعت المؤسسة العلمانية المتجذرة في تركيا، والتي تقودها القوات المسلحة ، أن تدافع بشدة عن الحظر المفروض على الحجاب ، في مواجهة جماعات حقوق الإنسان.. لكن معركتها الآن أصبحت مع حزب العدالة والتنمية ، الذي يطالب بشدة بحرية ارتداء الحجاب ، ومع جموع الشعب المسلم الذي أصبح صوته عالياً في مواجهة القوى العلمانية التي تحاول تكميم أفواهه وفرض نظامها العلماني رغم إرادته.
زوجات زعماء حزب العدالة والتنمية مثل رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان ( حتّى عندما كان محافظ اسطنبول )، ووزير الخارجية عبد الله جول والآخرون يتجنبن حضور الحفلات الرسمية للدولة، لأنه لن يسمح لهن بالدخول محجبات، كذلك فإن ابنة أردوجان وبنات عدد من زعماء حزب العدالة والتنمية فضلن الدراسة في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يرتدوا الحجاب هناك. والحقيقة أن الصراع الدائر في تركيا بشأن الحجاب لا يمكن التقليل من أهميته، حيث تعطي المؤسسة العسكرية اهتماماً كبيراً لمحاولات أعضاء حزب العدالة والتنمية وأسرهم إبراز هويتهم الإسلامية، ويرون في ذلك تهديداً كبيراً للدولة التركية.
وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً في تركيا أن توجهات المجتمع التركي أصبحت أكثر "إسلامية"، ففي أحد هذه الاستطلاعات، عارض نحو 91% من الأتراك السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لضرب العراق, وأبدى 92% ممن شملهم الاستطلاع معارضتهم لحظر الحكومة ارتداء الحجاب باعتباره فريضة إسلامية، كما وافق 88% على قانون تجريم الزنا، الذي تراجعت الحكومة عن إقراره مؤخراً ، بسبب مخاوفها من أن يعرقل هذا القانون جهود انضمامها للاتحاد الأوربي. ولكن هل يمكن أن يقبل الاتحاد الأوربي في عضويته دولة مثل تركيا بثقافتها ومجتمعها الإسلامي، على الرغم من الواجهة العلمانية للنظام؟
عبد الله صالح
18/09/2004
مجلة العصر
قرار فرنسا بفرض حظر على ارتداء الحجاب في المدارس العامة كان يمكن أن يكلّفها حياة اثنين من صحفييها المحتجزين كرهائن في العراق.. وفرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تقرر حظر ارتداء الحجاب، وإنما سبقتها في ذلك العديد من الدول الغربية، بل إن قضية الحجاب مازالت محلاً لجدل واسع في بعض الدول الإسلامية مثل تركيا، التي تتبنى نظاماً علمانياً، وفي حين يلقى قانون حظر الحجاب في فرنسا معارضة نحو 55% من المسلمين هناك، وفقاً لاستطلاع أجرته "الفيجارو" مؤخراً ، فإن حظر الحجاب في تركيا يواجه بمعارضة شديدة من أكثر من 92% من المواطنين، فضلاً عن أن الحجاب يعد أحد القضايا محل الصراع بين القوي الإسلامية، والممثلة بالأساس في حزب العدالة والتنمية، والقوى العلمانية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
حتى نهاية الأسبوع الماضي، كانت باريس متفائلة بقرب إطلاق سراح الصحفيين، كريستيان جورج مالبرنوت من صحيفة "لو فيجارو" وكريستيان تشيسنوت من إذاعة "فرنسا الدولية"، واللذين اختطفا كرهينتين في العراق منذ 20 أغسطس الماضي. ومنذ ذلك الوقت لم نسمع أخباراً مبشرة حول هذا الموضوع. وكان الصحفيان قد اختطفا في المنطقة الواقعة بين بغداد والنجف، من قبل جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "الجيش الإسلامي للعراق"، وطالبت الجماعة في مقابل الإفراج عن الصحفيين ، بأن تقوم فرنسا بإلغاء الحظر الذي فرضته على ارتداء الحجاب في المدارس، والذي اعتبرته الجماعة بمثابة عدوان سافر على الدين الإسلامي والحريات الشخصية.
بداية، فإن نبأ اختطاف الصحفيين الفرنسيين والتهديد بقطع رأسيهما كان بمثابة صدمة مفزعة للحكومة الفرنسية، وخاصّة أن فرنسا عارضت بشدة الغزو الأمريكيّ للعراق العام الماضي وقدمت العديد من الدعم والمساعدة للقضية الفلسطينية، وقد تفاقمت صدمة فرنسا في وقت مبكر من الأسبوع الماضي عندما طالب المختطفون فجأة بفدية قدرها خمسة ملايين دولار أمريكي لتحرير الصحفيين الفرنسيين، وطالبوا بعقد هدنة مع أسامة بن لادن وعدم إبرام أية صفقات تجاريّة أو عسكريّة مع العراق، وعلى الرّغم من أنّ بعض هذه المطالب لم توجه إلى فرنسا بصفة خاصّة، فقد كان هناك بعض الشّكّ في مصداقية هذه المطالب. لكنّ الحكومة الفرنسيّة وجدت نفسها في ورطة، ومع ذلك فقد كرر المسئولون الفرنسيون تأكيداتهم بأن الصحفيين الفرنسيين آمنين، وعبروا عن تفاؤلهم الحذر بشأن قرب تحريرهم، وفي 2 سبتمبر الجاري أصبح القانون الخاص بحظر ارتداء الحجاب ساري المفعول.
وخلال الأسبوع الماضي، تم اختطاف اثنين من موظفي الإغاثة الإيطاليين، وطالب المختطفون بأن تسحب إيطاليا قواتها من العراق والبالغ عددها 2700 جندي. وقد أطلقت عمليّات الاختطاف الأخيرة العديد من المظاهرات الضخمة في روما و باريس وأدت لتصاعد المشاعر القومية الغاضبة لدى الجماهير. وخلال الأيام الأخيرة تم أيضاً اختطاف مقاولين استراليين من جانب جماعة تسمّي نفسها الجيش السري الإسلامي، قالت إنها ستقتل كلا الرجلين إذا لم تسحب الحكومة قواتها من العراق خلال 24 ساعة. وفي أثناء ذلك، بدأت إيطاليا جولة دبلوماسية جديدةً لإنقاذ حياة مواطنيها، حيث قام وزير الخارجيّة فرانكو فراتيني بزيارة إلى الكويت في بداية جولته بالشرق الأوسط.
لقد شهدت الأشهر الخمسة الماضية اختطاف نحو 100 رهينةً في العراق من جنسيات مختلفة، وتم قتل أكثر من عشرين من هؤلاء المختطفين، ومن بين خمسة إيطاليّين مختطفين، تم قتل اثنين، أحدهما يعمل صحفياً. وفي تعقيبه على هذه الحوادث، نشر "اوليفيه روى" المفكر الفرنسي الجنسية مقالاً، أشار فيه إلى أن هؤلاء المختطفين هم أشخاص انتهازيون لا يهمهم العراق، ولكنهم يسعون إلى قتال الغرب بأكمله.
وبينما طالب معظم الصحفيين العرب بتحرير الرهائن، فقد انتقدت قلة منهم وسائل الإعلام بسبب تبنيها معايير مزدوجة فيما يتعلق بالعرب والمسلمين، حيث حدث ما يشبه التعبئة الجماعية لحملة إطلاق الصحفيين الفرنسيين، في حين تم تجاهل عملية اختطاف وقتل مواطني دول أخرى، مثل نيبال، التي اختطف 12 من مواطنيها وتم قتلهم في العراق.
برتراند بادييه، خبير العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس، يعتقد أن باريس تحاول استغلال الشعور العربي المناهض للولايات المتحدة، من خلال العديد من الجهود والأنشطة الدبلوماسية والثقافية مع المنظمات العربية سواء الرسمية أو غير الحكومية، والتأكيد على التوافق بين فرنسا والدول العربية في مواجهة ما تتعرض له هذه الدول من تهديدات، ويشير بادييه إلى أن الأسلوب الذي تتبعه فرنسا يتسم بالمبالغة الشديدة، مؤكداً أنه لا يعدو كونه مناورة من أجل كسب تعاطف العرب مع قضية الصحفيين المختطفين في العراق. كما علقت إحدى الصحف الإقليمية في فرنسا بالقول بأن اختطاف الصحفيين الفرنسيين يشكل درساً لهؤلاء الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يكونوا محايدين في الحرب على ما يسمى بالإرهاب، ولأولئك الذين يعتقدون أنّه من الممكن التوصل إلى هدنة مع الجماعات الجهادية من خلال مواقف متخاذلة إزاء ما تقوم به هذه الجماعات من أعمال عنف.
وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه زار كل من الأردن وقطر ومصر لحشد الدعم والتأييد من الزعماء العرب و المسلمين لتحرير الرهائن الفرنسيين، وبالفعل فقد أدينت عملية اختطاف الصحفيين الفرنسيين من قبل قيادات العالمين العربي والإسلامي، بمن فيهم مقتدى الصدر، وقيادات حركة الإخوان المسلمين في مصر، وأدانتها أيضا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فلسطين.
وقد أشار الشيخ مهدي الصميدي، طالب علم عراقي واسع النفوذ بين الجماعات السنية، يوم 5 سبتمبر الجاري إلى أن قيام الولايات المتحدة بشن هجوم واسع النطاق على بلدة اللطيفية في اليوم السابق، أوقف عملية تحرير الرهائن الفرنسيين. وقد أصدر الشيخ الصميدي بياناً، حث فيه الجماعة الخاطفة على إطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين، وعدم إلحاق أي ضرر بهما. وقد نوهت جمعيّة الصداقة العراقيّة الفرنسيّة يوم الاثنين الماضي بحديث الشيخ الصميدي، واتهمت القوات الأمريكية بتعريض حياة الصحفيين الأمريكيين للخطر بشن هذا الهجوم العسكري.
وبالرغم من أزمة الصحفيين المحتجزين في العراق، فقد طبقت فرنسا بهدوء القانون الذي يحظر ارتداء الحجاب والرموز الدينية الأخرى في المدارس العامة. ومازال الحجاب يرتدى في المدارس الخاصة من قبل الفتيات المسلمات. وقد شهدت فرنسا فيما مضى جدلاً واسعاً حول قضية الحجاب وغيره من الرموز الدينية، وخاصة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وتزايد أعمال العنف من جانب جماعات اليمين المتطرف ضد المسلمين، حيث طالب البعض من المسلمين وغيرهم، بحظر الحجاب وغيره من الرموز الدينية، تجنباً لما يمكن أن تتعرض له الأقليات الدينية في فرنسا من اضطهاد من هذه الجماعات المتطرفة، مؤكدين أن هذا القانون ليس ضد المسلمين أو غيرهم ولكنه بمثابة حماية للوحدة الوطنية في فرنسا، في حين دافع البعض من المسلمين ومن جماعات حقوق الإنسان، عن ارتداء الحجاب، باعتباره فريضة دينية فضلاً عن كونه أحد مظاهر الحرية الشخصية.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوربية، يحتدم الجدل حول الحجاب في تركيا، الدولة الإسلامية التي تتبني نظاماً علمانياً منذ إلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية على يد كمال أتاتورك عام 1923، حيث يحظر ارتداء الملابس الإسلامية ، بما فيها أغطية الرأس في الأماكن العامة .
وقد تصاعدت الخلافات حول الحجاب حتى داخل الحكومة نفسها، عندما منعت الحكومة الحجاب حتى داخل المدارس الدينية، ومنعت النساء من لبس الحجاب في صور رخص القيادة، وجوازات السفر، والشهادات الدراسية وغير ذلك. وتعتقد القوات المسلحة التركية أن ما يسمى بالأصولية الإسلامية هي أكبر تهديد للأمن القومي التركي، ويرى قادة الجيش أنه إذا لم يتم التعامل بحذر مع قوى الإسلام السياسي، فإنهم سيقودون تركيا من جديد إلى عصور الظلام.وقد استطاعت المؤسسة العلمانية المتجذرة في تركيا، والتي تقودها القوات المسلحة ، أن تدافع بشدة عن الحظر المفروض على الحجاب ، في مواجهة جماعات حقوق الإنسان.. لكن معركتها الآن أصبحت مع حزب العدالة والتنمية ، الذي يطالب بشدة بحرية ارتداء الحجاب ، ومع جموع الشعب المسلم الذي أصبح صوته عالياً في مواجهة القوى العلمانية التي تحاول تكميم أفواهه وفرض نظامها العلماني رغم إرادته.
زوجات زعماء حزب العدالة والتنمية مثل رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان ( حتّى عندما كان محافظ اسطنبول )، ووزير الخارجية عبد الله جول والآخرون يتجنبن حضور الحفلات الرسمية للدولة، لأنه لن يسمح لهن بالدخول محجبات، كذلك فإن ابنة أردوجان وبنات عدد من زعماء حزب العدالة والتنمية فضلن الدراسة في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يرتدوا الحجاب هناك. والحقيقة أن الصراع الدائر في تركيا بشأن الحجاب لا يمكن التقليل من أهميته، حيث تعطي المؤسسة العسكرية اهتماماً كبيراً لمحاولات أعضاء حزب العدالة والتنمية وأسرهم إبراز هويتهم الإسلامية، ويرون في ذلك تهديداً كبيراً للدولة التركية.
وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً في تركيا أن توجهات المجتمع التركي أصبحت أكثر "إسلامية"، ففي أحد هذه الاستطلاعات، عارض نحو 91% من الأتراك السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لضرب العراق, وأبدى 92% ممن شملهم الاستطلاع معارضتهم لحظر الحكومة ارتداء الحجاب باعتباره فريضة إسلامية، كما وافق 88% على قانون تجريم الزنا، الذي تراجعت الحكومة عن إقراره مؤخراً ، بسبب مخاوفها من أن يعرقل هذا القانون جهود انضمامها للاتحاد الأوربي. ولكن هل يمكن أن يقبل الاتحاد الأوربي في عضويته دولة مثل تركيا بثقافتها ومجتمعها الإسلامي، على الرغم من الواجهة العلمانية للنظام؟
عبد الله صالح
18/09/2004
مجلة العصر