dbooor
19-11-2004, 04:37 PM
لا شك أن الأيام بل الشهور أو السنوات المقبلة عقب موت الرئيس الفلسطيني 'ياسر عرفات' سيتم فيها كشف الكثير والكثير من الأسرار ،
المتعلقة بعرفات نفسه على المستوى الشخصي أو تلك التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحداث التي شهدتها الأمة العربية خاصة فلسطين ، خلال سنوات
ترأس ذلك الرجل للسلطة الفلسطينية، وقبلها وقت أن كان يرفع شعار النضال وتحرير الأرض المغتصبة من أيدي الصهاينة، قبل أن يتحول جذريًا إلى
المفاوضات السلمية التي أفقدته كثيرًا من رصيده لدى المقاومة الفلسطينية، ومن يناصرها في الداخل والخارج.
عرفات كان رمزًا لدى قطاع عريض من الشعب الفلسطيني, وكان خائنًا أو على الأقل مفرطًا في التنازل لدى كثيرين أيضًا من أبناء هذا الشعب
العظيم وكثير من الشعوب العربية, وأيًا كان الرجل, فإن حياته قد ظلت تحوي الكثير من الأسرار, تمامًا كموته الملغز... ومن هذه الأسرار علاقته بجهاز
الاستخبارات الأمريكية الذي تواترت فيه كثير من الأنباء لا ندري على وجه الدقة صحتها من عدمها؛ خصوصًا إذا ورد بعضها على لسان لم يسلم من الكذب
يومًا كصحيفة 'واشنطن بوست' الأمريكية والتي هي قريبة جدًا من جهاز الاستخبارات الأمريكية وأحد أذرعته برغم حديثها الناعم في آخر التقرير الذي أوردته
بتاريخ 12 نوفمبر 2004م - أي في اليوم التالي 'لإعلان' موت عرفات - والذي فضلت فيه العلانية على السرية فيما يخص تعاطي القيادة الفلسطينية مع مسألة
'السلام', وهذا التقرير بدورنا ننشره لنضع القارئ في محل الإجابة على التساؤل: كيف تنظرC.I.A ومن أمامها واشنطن بوست لعرفات؟ أو بصورة أظهر: ما الذي
يريدان أن يقولاه عن عرفات؟
التقرير:
لقد كان الفصل الخاص بتفاهمات عرفات غير المباشرة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أكثر الفصول الغامضة في حياة الرئيس الفلسطيني. فعلى مدى
الثلاثين عامًا الماضية سمح عرفات سرًا لكبار ضباط أجهزته الاستخبارية بالاتصال المنتظم مع مسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فعل عرفات ذلك ،
بالرغم من تحديه العلني وسعيه – الذي لم يسفر في النهاية عن نتيجة محددة - لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
كان الاتصال الفلسطيني بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أحد أكثر المواقف المعقدة والمتشابكة التي انتهجها عرفات في سبيل التوصل لحلول لبعض القضايا ،
وكانت هذه الاتصالات 'وسيلة لعب' بكل الأطراف الخاصة باللعبة.
ولنبدأ من بداية سنوات السبعينات ؛ عندما بدأت العلاقة الخفية مع الولايات المتحدة كان عرفات على اتصال مع كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز
المخابرات الروسي 'كيه جى بى' والمتشددين المصريين 'الإخوان المسلمين' والمحافظين السعوديين. ولم تمنح كل هذه الاتصالات التي هي مكائد من عرفات، لم تمنحه
في النهاية الكثير، بل ربما يكون ما فعله عرفات في هذا الصدد هو لُب القضية الحقيقية وهي الأمور التي تهم الشعوب في العالم هي الأمور العلنية وليست السرية.
الحقيقة أنني اندهشت وأصابني الارتباك عندما علمت بتلك الاتصالات التي كانت بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي جرت منذ 20 عامًا عندما كنت
أقوم بتغطية أحداث الشرق الأوسط لصحيفة 'وول ستريت جورنال', حيث نشرت آنذاك بالتحديد عام 1983 م تقريرًا كشفت فيه عن تلك الاتصالات, ومع رحيل عرفات ربما
يكون هذا التوقيت هو الأفضل للعودة للتاريخ السري للرجل.
بدأت الولايات المتحدة مداعبة عرفات في نهاية عام 1996م، عندما اكتشفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في البداية عضوًا واعدًا محتملاً في منظمة فتح التي
يتزعمها عرفات، ويدعى 'على حسن سلامة' والشهير باسم 'أبو حسن'، حيث اتصل به 'روبرت آميز' - ضابط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية كان يعمل في بيروت -
عبر وسيط لبناني، وبدأ تبادل المعلومات بصورة محدودة للغاية، وعلمت آنذاك أن عرفات رحب بتلك الإتصالات منذ البداية حيث كان راغباً في فتح قناة للإتصال مع الأمريكيين.
ويجدر القول أن تلك العلاقة كانت محفوفة بالمخاطر لكل الطرفين. في منظمة التحرير الفلسطينية كانت تمثل في ذلك التوقيت التهديد الإرهابي الرئيس لإسرائيل والغرب
والولايات المتحدة يفترض فيها الوقوف ضد العمليات الإرهابية لتلك المنظمة أو غيرها، علاوة على علاقتها بإسرائيل.
بالرغم من ذلك، عاود آميز وأبو حسن اتصالاتهما في ربيع عام 1970م، وكانت هذه المرة مقابلة ثنائية مغلقة في الكويت، وحاول ضابط أمريكي كبير تجنيد 'أبو حسن'، فعرض
عليه مبلغًا ماليًا كبيرًا، لكن 'أبو حسن' رفض، وغضب بشدة وقال: 'لست جاسوسًا لأمريكا'.
بعد هذه المحاولة المخابراتية الفاشلة من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أصبحت الفترة التالية لها مليئة بالأحداث الدموية، ففي سبتمبر 1970م طرد العاهل الأردني
الملك حسين رجال العصابات التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية من الأردن، ورد عرفات على ذلك بأن قام بتأسيس جناح إرهابي سري تابع للمنظمة عرف باسم 'أيلول الأسود'، حيث أصبح 'أبو حسن' صاحب الاتصالات السابقة مع الولايات المتحدة أحد أهم أعضاء الجناح الجديد.
الغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تعمل على اغتيال 'أبو حسن'، في أعقاب جناح 'أيلول الأسود' باغتيال الرياضيين الأسرائيليين في دورة الألعاب الأوليمبية التي جرت في مدينة ميونخ الألمانية عام 1972، عاودت الولايات الاتصال بـ'أبو حسن' في ظل مباركة ورعاية عرفات للمرة الثانية!
وفي الوقت الذي كان عرفات يزور فيه منظمة الأمم المتحدة في نوفمبر 1974، توصلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وضابط المخابرات الفلسطيني 'أبو حسن' لاتفاق سري، بعد اجتماع دام عدة ساعات في فندق 'والدورف إستوريا'.. تضمن الاتفاق السري بين الطرفين: عدم استخدام العمليات العدائية ضد أي طرف.
وشهدت سني الحرب الأهلية التي دارت رحاها في لبنان 1975-1976 المرحلة الثالثة من الاتصالات بين الطرفين، التي كانت أكثر عمقًا وتوسعًا هذه المرة، وكان عرفات هو من حمى الدبلوماسيين الأمريكيين بغرب العاصمة اللبنانية.
وأعلمني مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بأن الاتصال مع الفلسطينيين ساهم في الحفاظ على أرواح العشرات من الامريكيين في منتصف السبعينات، لكن مع استمرار 'أبو حسن' 'عدوًا قاتلاً' بالنسبة لإسرائيل, وقد قتلُ عبر تفخيخ سيارة إسرائيلية عام 1979م.
الحقيقة أن اغتيال 'أبو حسن' كان بمثابة أحد المؤثرات التي دمرت عرفات بعد أن فقد أحد أهم رجالاته الذين وثق بهم. إلا أن عرفات سمح – مع كل ذلك - بمعاودة الاتصالات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عبر مساعدين لـ'أبو حسن' كانوا يعملون في بيروت وتونس ورام الله.
بنظرة على عرفات في ذلك الحين، فقد كان يتصرف في كل لحظة كما أن الطريق لمدينة القدس يمر بواشنطن. لقد كان عرفات مفتونًا مثله مثل كل الزعماء العرب بما يتخيله كل منهم أنه السلطة ووسيط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في السيطرة على الأحداث. فضلاً عن الاعتقاد بأن المخابرات الأمريكية هي المسيطرة على الأحداث وصاحبة النفوذ في كل شيء.
لكنه لم يعرف خطأ ظنه إلا في أبريل عام 1983م عندما قُتل ضابط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية 'آميز' في انفجار شاحنة ضربت السفارة الأمريكية ببيروت ودمرتها. بل استمر عرفات في اعتقاده بالقوة الخفية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكان ذلك خطأ من ضمن أخطائه العديدة.
في هذه الأيام، يتحدث الساسة ويسهبون في الحديث عن الحاجة لمزيد من العمليات الاستخباراتية القائمة على العنصر البشرى لمكافحة الإرهاب كما لو كان ذلك وسيلة يمكن تحقيقها إذا تم إنفاق أموال كافية. لكن التاريخ الطويل من الاتصالات بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والفلسطينيين يوضح كيف أن تلك العمليات صعبة وطريقها مظلم.
يمكن للاتصالات الاستخباراتية بين المخابرات الأمريكية ومنظمة التحريرالفلسطينية أن تحافظ على وجود قنوات اتصال مفتوحة، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدبلوماسية.
السلام لا يُرتب له في السر... السلام عبارة عن عملية مفتوحة بين الأخذ والعطاء. وحاول عرفات السير على الطريق العلني بعض الوقت لكنه غالبًا ما كان يشعر براحة في هذا العالم الغامض الخفي حيث الجواسيس والحسابات المصرفية السرية.
لعل أحد أهم الدروس التي يجدر على خلفاء عرفات استيعابها هو: أنه لا يمكن إقامة دولة جديدة داخل الغرف الخلفية. فقط سيتحقق ذلك عبر العمل العلني، وهذا ما لم ينجح فيه عرفات.
منقول من مفكرة الإسلام
المتعلقة بعرفات نفسه على المستوى الشخصي أو تلك التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحداث التي شهدتها الأمة العربية خاصة فلسطين ، خلال سنوات
ترأس ذلك الرجل للسلطة الفلسطينية، وقبلها وقت أن كان يرفع شعار النضال وتحرير الأرض المغتصبة من أيدي الصهاينة، قبل أن يتحول جذريًا إلى
المفاوضات السلمية التي أفقدته كثيرًا من رصيده لدى المقاومة الفلسطينية، ومن يناصرها في الداخل والخارج.
عرفات كان رمزًا لدى قطاع عريض من الشعب الفلسطيني, وكان خائنًا أو على الأقل مفرطًا في التنازل لدى كثيرين أيضًا من أبناء هذا الشعب
العظيم وكثير من الشعوب العربية, وأيًا كان الرجل, فإن حياته قد ظلت تحوي الكثير من الأسرار, تمامًا كموته الملغز... ومن هذه الأسرار علاقته بجهاز
الاستخبارات الأمريكية الذي تواترت فيه كثير من الأنباء لا ندري على وجه الدقة صحتها من عدمها؛ خصوصًا إذا ورد بعضها على لسان لم يسلم من الكذب
يومًا كصحيفة 'واشنطن بوست' الأمريكية والتي هي قريبة جدًا من جهاز الاستخبارات الأمريكية وأحد أذرعته برغم حديثها الناعم في آخر التقرير الذي أوردته
بتاريخ 12 نوفمبر 2004م - أي في اليوم التالي 'لإعلان' موت عرفات - والذي فضلت فيه العلانية على السرية فيما يخص تعاطي القيادة الفلسطينية مع مسألة
'السلام', وهذا التقرير بدورنا ننشره لنضع القارئ في محل الإجابة على التساؤل: كيف تنظرC.I.A ومن أمامها واشنطن بوست لعرفات؟ أو بصورة أظهر: ما الذي
يريدان أن يقولاه عن عرفات؟
التقرير:
لقد كان الفصل الخاص بتفاهمات عرفات غير المباشرة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أكثر الفصول الغامضة في حياة الرئيس الفلسطيني. فعلى مدى
الثلاثين عامًا الماضية سمح عرفات سرًا لكبار ضباط أجهزته الاستخبارية بالاتصال المنتظم مع مسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. فعل عرفات ذلك ،
بالرغم من تحديه العلني وسعيه – الذي لم يسفر في النهاية عن نتيجة محددة - لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
كان الاتصال الفلسطيني بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أحد أكثر المواقف المعقدة والمتشابكة التي انتهجها عرفات في سبيل التوصل لحلول لبعض القضايا ،
وكانت هذه الاتصالات 'وسيلة لعب' بكل الأطراف الخاصة باللعبة.
ولنبدأ من بداية سنوات السبعينات ؛ عندما بدأت العلاقة الخفية مع الولايات المتحدة كان عرفات على اتصال مع كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز
المخابرات الروسي 'كيه جى بى' والمتشددين المصريين 'الإخوان المسلمين' والمحافظين السعوديين. ولم تمنح كل هذه الاتصالات التي هي مكائد من عرفات، لم تمنحه
في النهاية الكثير، بل ربما يكون ما فعله عرفات في هذا الصدد هو لُب القضية الحقيقية وهي الأمور التي تهم الشعوب في العالم هي الأمور العلنية وليست السرية.
الحقيقة أنني اندهشت وأصابني الارتباك عندما علمت بتلك الاتصالات التي كانت بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي جرت منذ 20 عامًا عندما كنت
أقوم بتغطية أحداث الشرق الأوسط لصحيفة 'وول ستريت جورنال', حيث نشرت آنذاك بالتحديد عام 1983 م تقريرًا كشفت فيه عن تلك الاتصالات, ومع رحيل عرفات ربما
يكون هذا التوقيت هو الأفضل للعودة للتاريخ السري للرجل.
بدأت الولايات المتحدة مداعبة عرفات في نهاية عام 1996م، عندما اكتشفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في البداية عضوًا واعدًا محتملاً في منظمة فتح التي
يتزعمها عرفات، ويدعى 'على حسن سلامة' والشهير باسم 'أبو حسن'، حيث اتصل به 'روبرت آميز' - ضابط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية كان يعمل في بيروت -
عبر وسيط لبناني، وبدأ تبادل المعلومات بصورة محدودة للغاية، وعلمت آنذاك أن عرفات رحب بتلك الإتصالات منذ البداية حيث كان راغباً في فتح قناة للإتصال مع الأمريكيين.
ويجدر القول أن تلك العلاقة كانت محفوفة بالمخاطر لكل الطرفين. في منظمة التحرير الفلسطينية كانت تمثل في ذلك التوقيت التهديد الإرهابي الرئيس لإسرائيل والغرب
والولايات المتحدة يفترض فيها الوقوف ضد العمليات الإرهابية لتلك المنظمة أو غيرها، علاوة على علاقتها بإسرائيل.
بالرغم من ذلك، عاود آميز وأبو حسن اتصالاتهما في ربيع عام 1970م، وكانت هذه المرة مقابلة ثنائية مغلقة في الكويت، وحاول ضابط أمريكي كبير تجنيد 'أبو حسن'، فعرض
عليه مبلغًا ماليًا كبيرًا، لكن 'أبو حسن' رفض، وغضب بشدة وقال: 'لست جاسوسًا لأمريكا'.
بعد هذه المحاولة المخابراتية الفاشلة من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أصبحت الفترة التالية لها مليئة بالأحداث الدموية، ففي سبتمبر 1970م طرد العاهل الأردني
الملك حسين رجال العصابات التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية من الأردن، ورد عرفات على ذلك بأن قام بتأسيس جناح إرهابي سري تابع للمنظمة عرف باسم 'أيلول الأسود'، حيث أصبح 'أبو حسن' صاحب الاتصالات السابقة مع الولايات المتحدة أحد أهم أعضاء الجناح الجديد.
الغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تعمل على اغتيال 'أبو حسن'، في أعقاب جناح 'أيلول الأسود' باغتيال الرياضيين الأسرائيليين في دورة الألعاب الأوليمبية التي جرت في مدينة ميونخ الألمانية عام 1972، عاودت الولايات الاتصال بـ'أبو حسن' في ظل مباركة ورعاية عرفات للمرة الثانية!
وفي الوقت الذي كان عرفات يزور فيه منظمة الأمم المتحدة في نوفمبر 1974، توصلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وضابط المخابرات الفلسطيني 'أبو حسن' لاتفاق سري، بعد اجتماع دام عدة ساعات في فندق 'والدورف إستوريا'.. تضمن الاتفاق السري بين الطرفين: عدم استخدام العمليات العدائية ضد أي طرف.
وشهدت سني الحرب الأهلية التي دارت رحاها في لبنان 1975-1976 المرحلة الثالثة من الاتصالات بين الطرفين، التي كانت أكثر عمقًا وتوسعًا هذه المرة، وكان عرفات هو من حمى الدبلوماسيين الأمريكيين بغرب العاصمة اللبنانية.
وأعلمني مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بأن الاتصال مع الفلسطينيين ساهم في الحفاظ على أرواح العشرات من الامريكيين في منتصف السبعينات، لكن مع استمرار 'أبو حسن' 'عدوًا قاتلاً' بالنسبة لإسرائيل, وقد قتلُ عبر تفخيخ سيارة إسرائيلية عام 1979م.
الحقيقة أن اغتيال 'أبو حسن' كان بمثابة أحد المؤثرات التي دمرت عرفات بعد أن فقد أحد أهم رجالاته الذين وثق بهم. إلا أن عرفات سمح – مع كل ذلك - بمعاودة الاتصالات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عبر مساعدين لـ'أبو حسن' كانوا يعملون في بيروت وتونس ورام الله.
بنظرة على عرفات في ذلك الحين، فقد كان يتصرف في كل لحظة كما أن الطريق لمدينة القدس يمر بواشنطن. لقد كان عرفات مفتونًا مثله مثل كل الزعماء العرب بما يتخيله كل منهم أنه السلطة ووسيط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في السيطرة على الأحداث. فضلاً عن الاعتقاد بأن المخابرات الأمريكية هي المسيطرة على الأحداث وصاحبة النفوذ في كل شيء.
لكنه لم يعرف خطأ ظنه إلا في أبريل عام 1983م عندما قُتل ضابط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية 'آميز' في انفجار شاحنة ضربت السفارة الأمريكية ببيروت ودمرتها. بل استمر عرفات في اعتقاده بالقوة الخفية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكان ذلك خطأ من ضمن أخطائه العديدة.
في هذه الأيام، يتحدث الساسة ويسهبون في الحديث عن الحاجة لمزيد من العمليات الاستخباراتية القائمة على العنصر البشرى لمكافحة الإرهاب كما لو كان ذلك وسيلة يمكن تحقيقها إذا تم إنفاق أموال كافية. لكن التاريخ الطويل من الاتصالات بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والفلسطينيين يوضح كيف أن تلك العمليات صعبة وطريقها مظلم.
يمكن للاتصالات الاستخباراتية بين المخابرات الأمريكية ومنظمة التحريرالفلسطينية أن تحافظ على وجود قنوات اتصال مفتوحة، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدبلوماسية.
السلام لا يُرتب له في السر... السلام عبارة عن عملية مفتوحة بين الأخذ والعطاء. وحاول عرفات السير على الطريق العلني بعض الوقت لكنه غالبًا ما كان يشعر براحة في هذا العالم الغامض الخفي حيث الجواسيس والحسابات المصرفية السرية.
لعل أحد أهم الدروس التي يجدر على خلفاء عرفات استيعابها هو: أنه لا يمكن إقامة دولة جديدة داخل الغرف الخلفية. فقط سيتحقق ذلك عبر العمل العلني، وهذا ما لم ينجح فيه عرفات.
منقول من مفكرة الإسلام