USAMA LADEN
11-04-2005, 05:41 AM
العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام
ومن الكُتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطي الذي عاش في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي . وكتب كتاباً زعم أنه دحضٌ للقرآن الكريم ، ذلك أن الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث ( 227 ـ 254 / 842 ـ 867 ) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن لله جل وعلا ابن يشاركه في أسمائه وصفاته ، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة . فكلَّفَ الامبراطور نيقتاس بالرد عليهما فقام نيقتاس بتأليف رده الذي وصفه بأنه ( دحض لكتاب محمد المزوَّر ) . ولم يكن نيقتاس متضلعاً في اللغة العربية ، فقام حسب زعمه بالإطلاع على القرآن ، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف ، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا ـ مثلما هو رقمها في القرآن ـ ثم يذكر اسمها . وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله ـ جل وعلا ـ على شكل كروي كامل ، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة في السماء . ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التي سأشير إليها بعد قليل . ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادي ـ بزعمه ـ ، وقال بأن محمداًعليه الصلاة والسلام قاد المسلمين ليعبدوا في مكة وثناً مصنوعاً على غرار أفروديت ـ معبودة الحب والجمال عند الأغريق ـ وأنه جعل الشيطان رباً للخلق ،وظل يؤكد على أن دين محمد عليه الصلاة والسلام دين وثني وأن اتباعه مجرد جماعة من الوثنيين. وكان في كل سورة يتحدث عنها يوجه السب والشتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ـ زاعماً ـ أنه هو الذي وضع القرآن وشحنه بالأساطير ، وأنه أمر اتباعه بقتل من يجعل شريكاً في جانب الله، ولذلك وقع معظم ذلك القتل على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن الله ـ بزعمه ـ وأخذ نيقتاس يحاول تفنيد بعض نصوص القرآن وقصصه عن طريق مقارنتها بنصوص العهدين القديم والجديد. ويبدو في هذا متأثراً برأي يوحنا الدمشقي ، فزعم على سبيل المثال أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يصل إلى مكة ولم يبن الكعبة ، لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك . كما حاول نيقتاس أن يستدل على عقيدة الثالوث ببعض آيات القرآن بتأويلها حسب عقيدته . واختتم حديثه بالتأكيد على أن الذي يعبده محمدعليه الصلاة والسلام ويدعو إلى عبادته إنما هو الشيطان نفسه . والحق أن كل أراء نيقتاس لا تتعدى هذا الهذيان وقد أوردناها لنرى الأثر الذي أسهمت به في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خلال العصور الوسطى وإلى الآن .
وقد كان لبعض أراء نيقتاس الزائفة أثرها في الدولة البيزنطية حتى أن أحد رجال الدين ألف رسالة في زمن الامبراطور مانويل كومنين ( 549ـ585هـ/ 1143ـ1180م ) يشجب فيها الدين الإسلامي وفيها يلعن مصنفها (الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام) وقدَّم تلك الرسالة للإمبراطور الذي أراد شطب هذه العبارة المقيته محتجاً بأن الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الأب الذي يعبده النصارى فأصَّر رجال الدين على أن الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو إله غير إله المسيحيين . وهذا يوضح إلى أي مدى بقيت هذه العقيدة الزائفة حية حتى اعتنقها وقال بها فرانكلين جراهام وجيري فاينز كما ذكرنا آنفاً .
ومنذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري / النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي أصبح في مقدور رجال الدين في الغرب الأوروبي الإطلاع على تلك الصور المشوهة حين ترجم أمين مكتبة البلاط البابوي أنستاسيوس بعض تلك الكتابات ، الشرقية والبيزنطية إلى اللاتينية وأدمجها في حولياته التاريخية .
وفي أواخر القرن الثاني الهجري / أواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الميلادي ظهرت مقالة في أسبانيا في أحد الأديرة الشمالية ، وهي عبارة عن نص هجومي بذئ على النبي عليه الصلاة والسلام عُرفت باسم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام ولا يُعرف كاتبها ، ويرجح ناشرها دياز أنها من عمل أحد النصارى المستعربين . وهذه المقالة تصِّور النبي عليه الصلاة والسلام بصورة مجافية للذوق ومعاكسة لصفاته ، فتزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أنه كان كاذباً مبتدعاً شهوانياً ، وأنه دعا عربه المتوحشين إلى أن يتخلوا عن الوثنية ، وأن يعبدوا إلها مادياً في السماء على شكل كرة مادية ، وتزعم هذه المقالة الزائفة أن إبليس ظهر لمحمد عليه الصلاة والسلام مدعياً أنه الملك جبريل ،وأخبره أن الرب أرسله ليبشر العرب بما كان قد سمعه في مدارس المسيحيين ويدعوهم إلى عبادة ذلك الإله المادي في السماء وهجر عبادة الأوثان . وتزعم المقالة البذيئة أن محمداً عليه الصلاة والسلام عندما مات تعفنت جثته فقامت الكلاب والخنازير بالتهام الجثة العفنة .
وقد نجم عن هذه المقالة المنحطة أن تشبع بها بعض الرهبان فظهرت حركة في قرطبة في منتصف القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي ، يقوم أفرادها بسب النبي عليه الصلاة والسلام علناً فيؤخذ أفرادها إلى القاضي فيكررون السب والشتم للنبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي أدى إلى إصدار حكم الإعدام على عدد منهم ، تذكر المصادر الأسبانية أن عددهم يبلغ زهاء 50 شخصاً ، وسمَّت تلك المصادر تلك الحركة بحركة الاستشهاد في قرطبة وبدأت تلك الحركة براهب يُدعى بيرفكتوس الذي ذهب إلى السوق فسأله بعض عامة المسلمين عن رأي النصارى في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فرد قائلاً بألوهية المسيح ووصف محمداً عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات الواردة في المقالة الأسبانية ، فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاضي فأصر على موقفه فصدر الحكم بقتله . وقد سار على منواله عدد من الرهبان ، منهم بول الفارو، وأولوخيو أسقف طليطلة الأسمي . وأولوخيو كتب رواية عن هذه الحركة وسبّ النبي عليه الصلاة والسلام فحُكمَ عليه بالأعدام سنة 245هـ / 859 م . وبول الفارو هو الذي كتب سيرة أولوخيو بعد مقتله . والاثنان اعتقدا بأن ظهور الإسلام وانتشاره إنما هو الإعداد النهائي لظهور المسيح الدجال ، أو هو الدجال نفسه . ومما أورده أولوخيو في روايته لتلك الحركة أن ثلاثة من الرهبان الأسبان هم جورجيوس، وأورليوس ، وناثاليا كتبا نصاً عن الأم المسيح . وقد احتوى النص على هجوم متعصب حاقد على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام فوصف الإسلام بأنه " العقيدة الضالة ، وخدعة الشيطان الماكرة وأن الإسماعيليين [أي العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام] يُجِّلون نبيّاً كاذباً ، صدَّقوا أنه من خلاله يكون طريق الخلاص ، وأن نبي المسلمين إنما هو ـ بزعمهم ـ غادر بطبعه ومؤمن بأبليس ، وهو وكيل المسيح الدجال ، والمستنقع لكل الرذائل ، والذي سوف يُلقى به في جهنم ، ومن خلال تعاليمه العقيمة كتب على أتباعه عذاب النار السرمدي ، وأن الذي تراءى له في هيئة ملاك إنما هو الشيطان " . ولا شك أن هذه الحركة الحاقدة المتعصبة في قرطبة وما صاحبها من كتابات الرهبان المقيتة قد أسهمت بدور كبير في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا طوال العصور الوسطى وإلى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية .
أما المشروع الكلوني : - فهو الذي أعدَّ كل المواد اللازمة لغرس تلك العقيدة الباطلة في العقل الغربي وأحكم معظم جوانبها لتستمر قائمة إلى العصر الحاضر .
وهذا المشروع الذي يعتبره بعض الباحثين الغربيين بأنه : المشروع الغربي العالمي الأول لدراسة الإسلام ، إنما هو في حقيقته المشروع الغربي الأكبر لتشويه صورة الإسلام ، الذي حدث سنة 537هـ / 1143 م .
ويُنسب هذا المشروع إلى دير كلوني في جنوب فرنسا الذي تأسس سنة 297هـ/910م ومنه انبثقت حركة لإصلاح الحياة الرهبانية عُرفت في التاريخ الأوربي باسم حركة الإصلاح الكلونية التي لم تلبث أن أسهمت في تقوية الجهاز الكنسي في الغرب الأوربي ونال دير كلوني منزلة الحصانة تحت الحماية المباشرة للبابا في روما ، والحق المطلق في أن ينشئ أديرة أخرى تابعة لهُ ، وخلال القرنين التاليين من تأسيسه نال دير كلوني تأثيراً كبيراً وثروة ضخمة ، وأصبح في الواقع عاصمة للامبراطورية الديرية حيث يتبعه أكثر من ستمائة دير ، وعشرات الآلاف من الرهبان في كل مكان من العالم الغربي النصراني . وأصبح رهبان ديركلوني بابوات وكرادلة وكثير من رؤسائه كانوا مستشارين للاباطرة والملوك . ومن أشهر رهبان دير كلوني الذين وصلوا إلى منصب البابوية ، البابا جريجوري السابع ، وتلميذه البابا أوربان الثاني الذي أطلق الحروب الصليبية ضد المسلمين .
ومن الكُتّاب البيزنطيين نيقتاس البيزنطي الذي عاش في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي . وكتب كتاباً زعم أنه دحضٌ للقرآن الكريم ، ذلك أن الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث ( 227 ـ 254 / 842 ـ 867 ) تلقى مقالتين من بعض العلماء المسلمين تفندان مزاعم النصارى بأن لله جل وعلا ابن يشاركه في أسمائه وصفاته ، وبطلان مقولة الأقانيم الثلاثة . فكلَّفَ الامبراطور نيقتاس بالرد عليهما فقام نيقتاس بتأليف رده الذي وصفه بأنه ( دحض لكتاب محمد المزوَّر ) . ولم يكن نيقتاس متضلعاً في اللغة العربية ، فقام حسب زعمه بالإطلاع على القرآن ، وقام باستعراض سوره من سورة البقرة إلى سورة الكهف ، وكل سورة يسميها الأسطورة المحمدية رقم كذا ـ مثلما هو رقمها في القرآن ـ ثم يذكر اسمها . وأصدر حكمه الباطل بأن القرآن يصوّر الله ـ جل وعلا ـ على شكل كروي كامل ، أو على شكل مطرقة معدنية مطروقة في السماء . ويبدو أن نيقتاس اقتبس هذا الزعم من المقالة الأسبانية التي سأشير إليها بعد قليل . ثم أخذ يسخر من المسلمين على مناصرتهم لهذا التصور المادي ـ بزعمه ـ ، وقال بأن محمداًعليه الصلاة والسلام قاد المسلمين ليعبدوا في مكة وثناً مصنوعاً على غرار أفروديت ـ معبودة الحب والجمال عند الأغريق ـ وأنه جعل الشيطان رباً للخلق ،وظل يؤكد على أن دين محمد عليه الصلاة والسلام دين وثني وأن اتباعه مجرد جماعة من الوثنيين. وكان في كل سورة يتحدث عنها يوجه السب والشتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ـ زاعماً ـ أنه هو الذي وضع القرآن وشحنه بالأساطير ، وأنه أمر اتباعه بقتل من يجعل شريكاً في جانب الله، ولذلك وقع معظم ذلك القتل على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن الله ـ بزعمه ـ وأخذ نيقتاس يحاول تفنيد بعض نصوص القرآن وقصصه عن طريق مقارنتها بنصوص العهدين القديم والجديد. ويبدو في هذا متأثراً برأي يوحنا الدمشقي ، فزعم على سبيل المثال أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يصل إلى مكة ولم يبن الكعبة ، لأن سفر التكوين لم يذكر ذلك . كما حاول نيقتاس أن يستدل على عقيدة الثالوث ببعض آيات القرآن بتأويلها حسب عقيدته . واختتم حديثه بالتأكيد على أن الذي يعبده محمدعليه الصلاة والسلام ويدعو إلى عبادته إنما هو الشيطان نفسه . والحق أن كل أراء نيقتاس لا تتعدى هذا الهذيان وقد أوردناها لنرى الأثر الذي أسهمت به في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خلال العصور الوسطى وإلى الآن .
وقد كان لبعض أراء نيقتاس الزائفة أثرها في الدولة البيزنطية حتى أن أحد رجال الدين ألف رسالة في زمن الامبراطور مانويل كومنين ( 549ـ585هـ/ 1143ـ1180م ) يشجب فيها الدين الإسلامي وفيها يلعن مصنفها (الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام) وقدَّم تلك الرسالة للإمبراطور الذي أراد شطب هذه العبارة المقيته محتجاً بأن الرب الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو الأب الذي يعبده النصارى فأصَّر رجال الدين على أن الذي يعبده محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو إله غير إله المسيحيين . وهذا يوضح إلى أي مدى بقيت هذه العقيدة الزائفة حية حتى اعتنقها وقال بها فرانكلين جراهام وجيري فاينز كما ذكرنا آنفاً .
ومنذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري / النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي أصبح في مقدور رجال الدين في الغرب الأوروبي الإطلاع على تلك الصور المشوهة حين ترجم أمين مكتبة البلاط البابوي أنستاسيوس بعض تلك الكتابات ، الشرقية والبيزنطية إلى اللاتينية وأدمجها في حولياته التاريخية .
وفي أواخر القرن الثاني الهجري / أواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الميلادي ظهرت مقالة في أسبانيا في أحد الأديرة الشمالية ، وهي عبارة عن نص هجومي بذئ على النبي عليه الصلاة والسلام عُرفت باسم المقالة الأسبانية عن محمد عليه الصلاة والسلام ولا يُعرف كاتبها ، ويرجح ناشرها دياز أنها من عمل أحد النصارى المستعربين . وهذه المقالة تصِّور النبي عليه الصلاة والسلام بصورة مجافية للذوق ومعاكسة لصفاته ، فتزعم ـ زوراً وبهتاناً ـ أنه كان كاذباً مبتدعاً شهوانياً ، وأنه دعا عربه المتوحشين إلى أن يتخلوا عن الوثنية ، وأن يعبدوا إلها مادياً في السماء على شكل كرة مادية ، وتزعم هذه المقالة الزائفة أن إبليس ظهر لمحمد عليه الصلاة والسلام مدعياً أنه الملك جبريل ،وأخبره أن الرب أرسله ليبشر العرب بما كان قد سمعه في مدارس المسيحيين ويدعوهم إلى عبادة ذلك الإله المادي في السماء وهجر عبادة الأوثان . وتزعم المقالة البذيئة أن محمداً عليه الصلاة والسلام عندما مات تعفنت جثته فقامت الكلاب والخنازير بالتهام الجثة العفنة .
وقد نجم عن هذه المقالة المنحطة أن تشبع بها بعض الرهبان فظهرت حركة في قرطبة في منتصف القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي ، يقوم أفرادها بسب النبي عليه الصلاة والسلام علناً فيؤخذ أفرادها إلى القاضي فيكررون السب والشتم للنبي عليه الصلاة والسلام، الأمر الذي أدى إلى إصدار حكم الإعدام على عدد منهم ، تذكر المصادر الأسبانية أن عددهم يبلغ زهاء 50 شخصاً ، وسمَّت تلك المصادر تلك الحركة بحركة الاستشهاد في قرطبة وبدأت تلك الحركة براهب يُدعى بيرفكتوس الذي ذهب إلى السوق فسأله بعض عامة المسلمين عن رأي النصارى في المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فرد قائلاً بألوهية المسيح ووصف محمداً عليه الصلاة والسلام بتلك الصفات الواردة في المقالة الأسبانية ، فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاضي فأصر على موقفه فصدر الحكم بقتله . وقد سار على منواله عدد من الرهبان ، منهم بول الفارو، وأولوخيو أسقف طليطلة الأسمي . وأولوخيو كتب رواية عن هذه الحركة وسبّ النبي عليه الصلاة والسلام فحُكمَ عليه بالأعدام سنة 245هـ / 859 م . وبول الفارو هو الذي كتب سيرة أولوخيو بعد مقتله . والاثنان اعتقدا بأن ظهور الإسلام وانتشاره إنما هو الإعداد النهائي لظهور المسيح الدجال ، أو هو الدجال نفسه . ومما أورده أولوخيو في روايته لتلك الحركة أن ثلاثة من الرهبان الأسبان هم جورجيوس، وأورليوس ، وناثاليا كتبا نصاً عن الأم المسيح . وقد احتوى النص على هجوم متعصب حاقد على الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام فوصف الإسلام بأنه " العقيدة الضالة ، وخدعة الشيطان الماكرة وأن الإسماعيليين [أي العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام] يُجِّلون نبيّاً كاذباً ، صدَّقوا أنه من خلاله يكون طريق الخلاص ، وأن نبي المسلمين إنما هو ـ بزعمهم ـ غادر بطبعه ومؤمن بأبليس ، وهو وكيل المسيح الدجال ، والمستنقع لكل الرذائل ، والذي سوف يُلقى به في جهنم ، ومن خلال تعاليمه العقيمة كتب على أتباعه عذاب النار السرمدي ، وأن الذي تراءى له في هيئة ملاك إنما هو الشيطان " . ولا شك أن هذه الحركة الحاقدة المتعصبة في قرطبة وما صاحبها من كتابات الرهبان المقيتة قد أسهمت بدور كبير في صياغة العقيدة الغربية تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا طوال العصور الوسطى وإلى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية .
أما المشروع الكلوني : - فهو الذي أعدَّ كل المواد اللازمة لغرس تلك العقيدة الباطلة في العقل الغربي وأحكم معظم جوانبها لتستمر قائمة إلى العصر الحاضر .
وهذا المشروع الذي يعتبره بعض الباحثين الغربيين بأنه : المشروع الغربي العالمي الأول لدراسة الإسلام ، إنما هو في حقيقته المشروع الغربي الأكبر لتشويه صورة الإسلام ، الذي حدث سنة 537هـ / 1143 م .
ويُنسب هذا المشروع إلى دير كلوني في جنوب فرنسا الذي تأسس سنة 297هـ/910م ومنه انبثقت حركة لإصلاح الحياة الرهبانية عُرفت في التاريخ الأوربي باسم حركة الإصلاح الكلونية التي لم تلبث أن أسهمت في تقوية الجهاز الكنسي في الغرب الأوربي ونال دير كلوني منزلة الحصانة تحت الحماية المباشرة للبابا في روما ، والحق المطلق في أن ينشئ أديرة أخرى تابعة لهُ ، وخلال القرنين التاليين من تأسيسه نال دير كلوني تأثيراً كبيراً وثروة ضخمة ، وأصبح في الواقع عاصمة للامبراطورية الديرية حيث يتبعه أكثر من ستمائة دير ، وعشرات الآلاف من الرهبان في كل مكان من العالم الغربي النصراني . وأصبح رهبان ديركلوني بابوات وكرادلة وكثير من رؤسائه كانوا مستشارين للاباطرة والملوك . ومن أشهر رهبان دير كلوني الذين وصلوا إلى منصب البابوية ، البابا جريجوري السابع ، وتلميذه البابا أوربان الثاني الذي أطلق الحروب الصليبية ضد المسلمين .