PDA

View Full Version : الحركة السنوسية في ليبيا للكاتب علي محمد محمد الصلابي ( المدخل للجزء الأول )


الأسد الخجول
04-10-2007, 08:20 AM
أحوال العالم الاسلامي
قبيل ظهور الحركة السنوسية

بدأ الضعف والانحلال يدب في أوصال الأمة الاسلامية بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبين، وطهر بلاد المسلمين منهم، ومما زاد الأمر سوءً احتلال التتار للمماليك الاسلامية، وتمزيقهم للأمة، والعمل على إزالت معالمها الحضارية، والدينية، والعلمية، وشاءت إرادة الله النافذة أن يلطف بهذه الأمة، فأكرم الله العثمانيين بالتمكين، وكان قمة ذلك التمكين في زمن السلطان محمد الفاتح الذي أجرى الله على يديه فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 857هـ/1453م، وبذلك عادت للأمة هيبتها، وقوتها، ومجدها، وعزتها، وتولى العثمانيون زعامة الأمة الاسلامية ، وكان الشعب العثماني قد تميز بالحماس، وحب الجهاد، وعشق الشهادة في سبيل الله، وسلامة الفطرة، والبعد عن الأمراض الاجتماعية التي اصابت غيره من الشعوب، أضف الى ذلك القيادة الربانية التي كانت تقود الشعب نحو ساحات الوغى، وتعمل على نشر الاسلام، وتزيل العوائق من أمام الأمم المفتوحة، ليعرض عليها الاسلام صافياً نقياً من كل شائبة، وهيمن الاسلام من جديد على زعامة العالم وقيادته، وأصبحت الدولة العثمانية تحكم في ثلاث قارات: أوروبا ، وأفريقيا، وآسيا، وتوغلت في أوروبا، حتى بلغت الجيوش العثمانية أسوار فينا، وكانوا سادة البحر المتوسط من غير نزاع، وقد جمعوا بين السيادتين، البرية ، والبحرية، وبين السلطتين الروحية والسياسية(1). (ولكن من سوء حظ المسلمين. أخذ الترك في الانحطاط ودب إليهم داء الأمم من قبلهم: الحسد والبغضاء، واستبداد الملوك وجورهم، وخيانة الأمراء وغشهم للأمة. وإخلاد الشعب الى الدعة والراحة. وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب، وتنظيم الجيوش)(2).

وأخذت ملامح القوميات العرقية تظهر على مسرح الأحداث في الدولة، وتفجرت الثورات في البلقان، وشرعت في تشكيل جمعيات قومية سراً، وعلناً، وبدأت التوجيهات العلمانية تظهر في الأمة، وعمل اليهود والنصارى على تقوية هذه الاتجاهات المفسدة، فاليهود أرادوا الانتقام لأن العثمانيين منعوهم من فلسطين، والنصارى يريدون أن ينتقموا لحملاتهم الصليبية التي فشلت في تحقيق أهدافها أمام جهاد عماد الدين، ونور الدين ، وصلاح الدين .

كانت الأحزاب العلمانية ، والجمعيات السرية، والعصبيات القومية، تنخر في كيانها الدولة العثمانية؛ فظهر من يدعو الى القومية الطورانية، والعربية ، والكردية...الخ وبدأت الثورات تتفجر في البلدان، وأخذت الحركات الانفصالية تتكاثر ، وأخذت الدول الأوروبية في دعمها، وتعد المشاريع لاقتسام تركة الرجل المريض، وكان العالم الاسلامي آنذاك منضوي تحت لواء الدولة العثمانية التي فقدت عوامل النهوض، واهملت شروط التمكين، وتباعدت عن اسبابه، وتخلفت عن ركب الحضارة، فدخلت الأقاليم الاسلامية في دوامة التدهور، والظلام الحالك، والمحنة الشاملة، والجهل المطبق والظلم الفادح، والفقر المدقع، فتفجرت الثورات بدوافع مختلفة، فمرة بدوافع العرق والقومية، واخرى دفاعاً عن النفس ضد الجور، والتعسف والظلم، وتارة بدافع الحقد، والتعصب، وكانت اليهودية والصليبية خلف تمزيق السلطنة، وإضعافها، فكثرت مصائبها، وتعددت جبهاتها، وأصبح مركز الخلافة، مفككاً، ضعيفاً، متدهوراً، منحلاً، وقد اصيبت الولايات، كالجزائر ، وتونس ، وليبيا، ومصر، والشام والحجاز، بالضعف الشديد، والتدهور المريع، بسبب الظلم والاستبداد، وانتشار الجهل، وجمود العلم، وغياب القادة وصاحب هذا الانهيار في كيان الدولة ، أحداث خطيرة، كان لها أثر فعال على المسلمين وجميع جوانب حياتهم، الفكرية ، والدينية، والعلمية والسياسية فمن ذلك:

أ‌. احتل الفرنسيون مصر عام 1798م وظلوا فيها حتى عام 1801م، وتمكن محمد علي باشا من الانفراد بحكمها بعد خروج فرنسا (1805-1848م) وكان هذا الرجل مصيبة كبرى على الأمة، واستطاعت الدول الأوروبية ، والمحافل الماسونية أن تحقق اهدافها بواسطته، فعمل على:

1. تحطيم الدولة السعودية الأولى التي كانت خنجراً مسموماً في ظهر الاطماع البريطانية في الخليج العربي خصوصاً، والمشرق عموماً.
2. فتح البلاد على مصرعيها لإقامة مؤسسات معادية للدين الاسلامي والمسلمين؛ كالمحافل الماسونية، والارساليات التبشيرية، والأديرة والكنائس، ومدارس تتعهد التيارات القومية المعادية للاسلام، وبث الافكار المعادية للأمة.
3. اتاح الفرصة لشركات أوروبية تحكمت في اقتصاد البلاد.
4. منح امتيازات واسعة للأوروبيين، ومنع المسلمين منها.
5. خنق التيار الاسلامي الأصيل، وضيق على العلماء والفقهاء، ولم يسمح للمسلمين أن يتكتلوا من أجل أهدافهم السامية، وغير ذلك من المساوئ.

ب- وفي عام 1830م احتلت فرنسا الجزائر، وفشلت الدولة العثمانية في منعها، وحاولت فرنسا جعل الجزائر قطعة منها، ثم امتد نفوذها الى تونس عام 1881م، ودخلت الى السودان الغربي.

ج- احتلت بريطانيا عدن عام 1839م وبدأت في توسيع نفوذها وسلطانها على دول الخليج العربي، وبعض بلاد الشام، وحاولت الدولة العثمانية وقف السرطان الصليبي الذي انهك جسم الأمة ولكنها فشلت وأصبحت الأمة تعاني من الآثار المترتبة بسبب ابتعادها عن شرع الله تعالى؛ فمن الناحية الاجتماعية، تفشى الجهل، وأصبح عاماً شاملاً لكل الديار الاسلامية، وضمر الايمان ، وتقاعست النفوس، وكان النزاع بين الأمراء مستمراً على حطام الدنيا، وأصبح كل حزب بما لديهم فرحون، وولاة الدولة العثمانية همهم جمع الاموال، وتكثير الأملاك إلا مارحم الله، وأخذ الظلم الذي استشرى يعجل بزوال الدولة العثمانية، أما من الناحية العلمية؛ أصبحت الأمة في ليل حالك وظلام دامس؛ وتفشى الجهل في كل طبقات الأمة وفي جوانبها الثقافية كالأدب، والعلم، والصناعات، ... وكان العالم الاسلامي من شرقه الى غربه مصاباً بالجدب العلمي، وشبه الشلل الفكري، وأصبح في حالة غيبوبة، واستولى عليه النعاس الشديد، ومات فيه النشاط، والحيوية، والأبداع، والاجتهاد في العلم والدين، والأدب، والشعر، والحكمة ودخلت الأمة في نفق التقليد الأعمى، وكان مظلماً شديد الظلمة. وأصبحت الجامعات الكبرى كالأزهر، والزيتونة تهتم بالمتون وتترقى في الشروح، ومن بلغ الذروة في العلم والمعرفة فهم ما في الحواشي، وعاش العالم الاسلامي في عزلة سياسية وعلمية مخيفة، فلا علاقة له بشعوب الارض إلا من خلال النزاع السياسي، والصدام العسكري، فتجمدت حياته العلمية وانتهت الى ترديد كتب وعبارات الأقدمين والمجتهد النحرير من يفهمها(3).
(وأصبح العلم مع الزمن، احتكاراً لأسر معينة، وغدت طبقة العلماء طبقة اجتماعية ذات امتيازات خاصة، واتخذت موقفاً صلباً ضد كل تجديد في عالم الفكر، فقد قاوموا إدخال المطابع الى الدولة وطباعة الكتب الدينية الاسمية...)(4).

وكان العلماء هم المشرفون على التربية والتعليم في الدولة، ولم يستطع العلماء أن يجعلوا للتعليم في المدارس والمعاهد برنامجاً متطوراً يتناسب مع عصرهم، وقد تحدث بعض المفكرين عن عيوب التعليم متخذين من الأزهر الشريف مثلاً على ماوصلوا إليه؛ فقد قال محمد خليل المرادي عن عيوب التعليم في الأزهر مايلي:

1. قبول أبناء الأكابر والأغنياء في الأزهر ممن لايتمعون بمستوى تعليمي جيد.
2. تدني مستوى الأساتذة.
3. استئثار بعض الاساتذة بتعليم كثير من المواد بحيث يعينون بدلاء عنهم مقابل مرتب زهيد.
4. تحديد الموضوعات، وضيق النظر في التدريس، فقد كان الهدف في التعليم تلقي بعض المعلومات المحدودة، أما تجاوز هذه المعلومات أو مجرد التساؤل عن صحتها، فقد يثير الشكوك ومقاومة العلماء أو قد يصل الى حد العقاب والطرد من المعهد أو فقدان مصدر العيش ناهيك عن التشهير(5). هذه أهم ملامح الحياة الأدبية والعلمية في ذلك العصر .

أما من الناحية الصناعية:

فقد ضيع المسلمون الأعمار، وأخلدوا الى التقليد الأعمى، ورضوا بالجمود، ولم يبتكروا في الصناعات، بل أضاعوا ماكان لديهم من صناعات قديمة، وفقدوا مهارتهم، وحاول السلطان العثماني سليم الثالث أن يهتم بالإصلاح الصناعي ، فأنشأ مدارس جديدة، وكان يعلم نفسه في مدرسة الهندسة، وألف جيشاً على الطراز الحديث فثار عليه الجيش لغرابة ذلك، وتم قتله.

ومن الناحية الدينية:

(كان علماء الدين في الدولة العثمانية يعتبرون أنفسهم حماة الشريعة والحريصين على التمسك بمذهب أهل السنة، إذ كان دين الدولة الاسلام ومذهبها الرسمي هو المذهب الحنفي، وكان على رأس هؤلاء العلماء شيخ الاسلام ووظيفته شبيهة بوظيفة الخليفة العباسي الذي كان يقيم في القاهرة في ظل حكم الممالك، وكان مركزه معادلاً لمركز الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، ويتمتع شيخ الاسلام بصلاحية إصدار الفتاوى في القضايا الكبرى، كأن يصدر فتوى بعزل السلطان أو أعلان الجهاد، ولكنه من الناحية العملية يعين من قبل السلطان ويلي شيخ الاسلام في منصبه (قاضيا العسكر) في الروملي، والاناضول، وقاضي استانبول ، ويليهم عدد من القضاة يكونون جميعاً مع شيخ الاسلام (المجلس الاعلى للعلماء)(6).

وجمد المسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إلا ترديد بعض الكتب الفقهية، والنحوية، والصرفية، ونحوها، وجمدوا على فقه المذاهب، وجل همهم التعمق في الحواشي، وحفظ المتون، دون القدرة على الاجتهاد.
وجعلوا لكل مذهب من المذاهب الفقهية مفتياً وإماماً ، وتعددت الجماعات في المسجد الواحد كل ينتصر لمذهبه، وكل يصلي خلف إمام حسب المذاهب المتواجدة في ذلك المسجد، كما أن الافتاء في أي مسالة حسب مذهب السائل، وحرم على الناس خروجهم عنها، وأغلق باب الاجتهاد بمغاليق من حديد، وكان علماء الدين كما وصفهم المؤرخ الجبرتي: (انهم قد زالت هيبتهم من النفوس، وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية، ومشاركة الجهال في المآتم، والمسارعة الى الولائم في الافراح والمآتم، يتكالبون على الاسمطة ، كالبهائم، فتراهم في كل دعوة ذاهبين ، وعلى الخوانات راكعين ولما وجب عليهم من النصح تاركين)(7).

أمور يضحك السفهاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب

وعندما دخل نابليون بونابرت مصر غازياً، استفاد من أمثال أولئك العلماء وألف منهم ديوان القضاء وقال: (إني استعين بهم لاتقاء أكثر العقبات إذ أن أكثرها دينية، ولأنهم لا يعرفون أن يركبوا حصاناً، ولا أن يقوموا بأي عمل حربي، وقد استفدت منهم كثيراً، واتخذتهم وسيلة للتفاهم مع الشعب)(8).
لقد انتشرت في ذاك العصر الدعوات المنحرفة، والأفكار المسمومة ، وكثرت مظاهر تقديس القبور، وطلب الحاجات من أصحابها، وبناء القباب الضخمة عليها والصلاة حولها، وارتكاب البدع الخطيرة، وانتشر التصوف المنحرف في ارجاء البلاد الاسلامية، شرقها، وغربها، عربيها وعجميها، لقد ضاع مفهوم العبادة الصحيح، والولاء والبراء، وانحرفت الأمة عن كتاب ربها وسنة رسولها ، فكان من الطبيعي أن تتعرض لضربات أعدائها، وأطماعهم الشريرة، فإذا نظرنا للدولة العثمانية، نجدها قد انقلبت الى مطايا استبداد وفوضى واغتيال، وكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وانحرفت بعض السلاطين عن الصواب يقول محمد كمال جمعة: (وكانت قصور السلاطين والوزراء وكبار رجال الدولة مملؤة بالجواري والسبايا، وكان بعض أولئك السبايا أجنبيات من بلاد أجنبية فكن عيوناً لدولهن على الدولة العثمانية)(9). (وقد تعالى سلاطين هذه الدولة على الرعية فإذا خاطبوا الرعية كانوا لايوجهون الخطاب إليها مباشرة بل يقولون لولاتهم بلغوا عبيد بابنا العالي)(10).

وكانت الدولة العثمانية في آخر زمانها لا تحارب التصوف المنحرف بمختلف طرائقه وبصوره التي بعدت عن الاسلام بعداً شاسعاً، وكانت قد دخلت من عادات بعضها نصرانية، كالرهبانية، واللعب بذكر الله، وابتداع أساليب فيه، كالرقص، والغناء والصياح، والتصفيق...الخ.
فإذا نظرنا الى بلاد فارس؛ نجد الدولة الصفوية الرافضية قد عاصرت الدولة العثمانية، وكانت تدعي الاسلام وهي دولة رافضية على مذهب الامامية وكانت تغالي في الرفض حتى أنها حاربت الدولة العثمانية لأنها منسوبة الى السنية أشد الحرب بتحريض من النصارى والصليبيين، واستجابة لمعتقدهم الفاسد.
أما إذا نظرنا الى بلاد الهند؛ فقد كانت الدولة المغولية ؛ لكنها كانت بقية ورثها أبناء ملك الهند المغولي أكبر خان، وقد قرب الشاعر الشيعي المسمى الملا مبارك ووليده، أبا الفائز (وكان شاعراً متصوفاً) وأبا الفضل (وكان فيلسوفاً على طريقة الصوفية المنحرفة)، وجعل فتح اله الشيرازي من أكابر علماء الشيعة من فارس مستشاره الشرعي، وهو شديد الوطأة على علماء أهل السنة، وألغى اللسان العربي من بلاطه وجعل الفارسي مكانه، وكان ميالاً الى التصوف المنحرف ويراه أرقى طريقة إسلامية، وهو على طريقة تصوف أهل وحدة الوجود، وله عقائد أخرى منها تناسخ الأرواح - أخذه عن البراهمة(11).
مما دعا الشيخ العالم ولي الله الدهلوي (ت1176هـ) في نهاية هذا العصر المغولي أن يقوم بجهود تكسر الجمود، وتطلق العقول لتتمش مع صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان(12)، لكن انتهت دولة المغول في الهند، وطمعت البرتغال الكافرة في مسلمي الهند بسبب فساد ملوك هذه الدولة المغولية، وقامت حروب داخلية كثيرة، وتغلب فيها الهندوس واستعمرتها شركة الهند الشرقية الانجليزية حوالي 1175هـ(13).

وأما المغرب الأقصى:

كانت دولة العلويين تعاني من خلافات القبائل وثورات البربر ونزاع الطامعين على العرش، وتحاول جاهدة في الحفاظ على نفسها أمام أطماع الدول الاستعمارية، وقد كان لها قبل ذلك القرن اسطول بحري قوي حمى حدودها البحرية، وفرض احترامها على الدول الأوروبية ولكنها خسرته في عهد السلطان سليمان الذي اهمله واختار اتباع طريقة عقد المعاهدات مع الدول الأوروبية، وعندما حاول ابنه السلطان عبدالرحمن اعادة بناء الاسطول وقفت له تلك الدول بالمرصاد واجبرته على التخلي عن عزمه(14).

وبدأت الدول الأوروبية تستقطع من العالم الاسلامي دولاً كلما اتيحت لها الفرصة، لقد اهتز المسلمون لاحتلال الصليبيين لأجزاء من الوطن الاسلامي اهتزازاً عنيفاً، كما أثر عليهم احتكاكهم بالغرب، واطلاعهم على تقدمه، بالاضافة الى إحساس بعضهم بتخلف المسلمين وانحطاطهم.
ومن هذا نبعت حركات الاصلاح التي تتابعت في العالم الاسلامي منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر، بتأثير عوامل عديدة منها؛ إحساس بعض العلماء الربانيين بسوء الاوضاع في العالم الاسلامي، وتحدي العالم الصليبي الأوروبي للعالم الاسلامي احتلاله أجزاء منه، فقامت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نجد، وكان الدافع لها إحساس مؤسسها بإنحطاط المسلمين، وتأخرهم؛ لقد أذن الله سبحانه وتعالى بظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، بعد ما أطبقت الجهالة على الأرض، وخيمت الظلمات على البلاد، وانتشر الشرك والضلال والابتداع في الدين، وانطمس نور الاسلام، وخفي منار الحق والهدى وذهب الصالحون من أهل العلم فلم يبقى سوى قلة قليلة لا يملكون من الأمر شيئاً، واختفيت السنة وظهرت البدعة، وترأس أهل الضلال والأهواء واضحى الدين غريباً والباطل قريباً، حتى لكان الناظر الى تلك الحقبة السوداء المدلهمة ليقطع الأمل في الإصلاح ويصاب بيأس قاتل في اية محاولة تهدف الى ذلك.
فكانت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- تعد البداية الحقيقية لما حدث في العالم الاسلامي من يقظة جاءت بعد سبات طويل، وما تمخض عنها من صحوة مباركة ورجعة صادقة الى الدين(15).

لقد كان أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عظيماً في العالم الاسلامي، ويكفي في ذلك أن تكون عقيدة أهل السنّة آخذة في الظهور والزيادة والقوة، بعد أن كانت غريبة ومحاربة في أكثر البلاد، وبدأت الأمة تلتمس كتاب الله وسنة رسوله لتسير على هدى الاسلام الصحيح في حياتها.

وظهر الامام محمد بن علي السنوسي بدعوته الاسلامية بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب بعشرات السنين وكان لدعوته، أثر في مسيرة الأمة الاسلامية في الشمال الأفريقي، وغربها ووسطها، وكذلك في الحجاز وغيرها من أقطار العالم الاسلامي، ونترك للصفحات القادمة إعطاء القارئ الكريم صورة واضحة عن حياته ، ورحلاته، وأعماله، وكيف عاش واقع المسلمين المؤلم، وخطر الأوروبيين المحدق، فاندفع يعمل محاولاً الاصلاح، وماهي العوامل التي أثرت عليه ودفعته الى القيام بحركته؟ وماهي مؤلفاته وأفكاره؟ وماهو نظامه الحركي الذي سار عليه حتى وصل الى ماوصل إليه؟
هذا ماسوف نتركه للكتاب للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها.


البقية تاتي إن شاء الله .. ( في الفصل الأول )


--------------------------------------------------------------
(1) انظر: امام التوحيد ، محمد عبدالوهاب، ص8،9.
(2) انظر: ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين للندوي ،ص148.
(3) انظر: امام التوحيد ، ص17.
(4) انظر: زعماء الاصلاح في العصر الحديث، ص6.
(5) انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة، علي المحافظة ، ص14-15.
(6) انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة، ص12.
(7) انظر: امام التوحيد، ص22.
(8) انظر: انتشار دعوة الشيخ خارج الجزيرة العربية، ص12.
(9)انظر: انتشار دعوة الشيخ خارج الجزيرة العربية، ص12.
(10) المصدر السابق نفسه، ص13.
(11) انظر: موجز تاريخ تجديد الدين واحيائه للمودوي ، ص69-79.
(12) المصدر السابق نفسه، ص79،80.
(13) انظر: انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ص20،21.
(14) انظر : الحركة السنوسية ، ص12.
(15) انظر: الانحرافات العقدية والعلمية للزهراني (2/358).

شفيق
09-10-2007, 04:55 PM
بارك الله فيك وفي جهدك اخي الاسد الخجول
وننتظر البقيه بفارق الصبر

اجمل التحيات ازفها لك

الأسد الخجول
10-10-2007, 10:49 AM
حيا الله أصلك أخي شفيق وجزاك الله خير على ردك الطيب ..

الفصل الأول للجزء الأول من الحركة السنوسية في ليبيا للشيخ على محمد الصلابي سيظهر قريبآ بأذن الله.