ثابت الجنان
24-02-2008, 10:07 PM
لماذا أركز في كل مواضيعي على روسيا الاتحادية وعلاقاتها مع العربي العالم الإسلامي ؟
لآن روسيا هي البلد الأوربي الوحيد الذي يقطنه من سكانه الأصليين حوالي 35 مليون مسلم، وأرى فيها الدولة العظمى الوحيدة التي تقف اليوم في وجه المخططات الإمبريالية الأمريكية التي تريد الهيمنة على العالم، وهي ـ أي روسيا ـ كما ذكرت في مقالاتي السابقة من أشد معارضي الحرب على العراق وأفغانستان ومع الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني ومتمسكة بخطة خارطة الطريق الدولية وتعتبر الانسحاب الإسرائيلي من غزة جزءًا منها وحريصة على صياغة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط علي كافة المسارات، وهي اليوم عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهيً بلد أرثوذكسي و مسلم، وهي الدولة الأوربية الوحيدة التي دعت قادة حماس لزيارة موسكو بعد فوزها بالانتخابات التشريعية في الوقت الذي اعتبرتهم معظم دول العالم قادة إرهاب، كما أن في روسيا اليوم صحوة إسلامية بعد انهيار الشيوعية، فبنيت فيها آلاف المساجد والمدارس الدينية والمعاهد الإسلامية، وهي عازمة اليوم بكل إصرار وتصميم على إنهاء نظام القطب الواحد الذي أصابنا نحن العرب وأصاب الأمة الإسلامية بالويلات والدمار والدماء والحروب .
إن أمريكا وإسرائيل هم وجهان لعملة واحدة، وعندما تقف روسيا في وجه الولايات المتحدة، تقف بالتالي في وجه إسرائيل ولو بشكل غير مباشر، وهذا يعني لي ويعني للسواد الأعظم من أبناء الأمة الإسلامية أن روسيا تقف في وجه السفاحين الحقيقيين والجزارين والمجرمين الذين يحتلون أراضينا ويضعونها بشكل دائم تحت وطأة الإغلاق بعد تسويتها بالأرض ويشردوا ويقتلون ويروعون الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني وشعبنا العراقي، ويغتالون المئات من قيادات المقاومة الباسلة، ويعتقلون بالجملة الآلاف من رجالنا ونسائنا وأطفالنا، عدى عن أنهم يتنصلون من كل المعاهدات الدولية التي من شأنها إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعراقي .
إن روسيا و العالم الإسلامي يمران بفترة صعبة للغاية, ويقفان أمام تحديات لا يستهان بها . والأخطار التي باتت تهدد شعوب روسيا و العالم الإسلامي تتميز بنزعة متزايدة . و في السنوات الأخيرة بدأت السلطات الروسية تدرك مدى هذه الأخطار و أصبحت تتعامل معها بشكل مماثل ومن ثم بدأت تعزز علاقاتها مع حلفائها الإستراتيجيين : بلاد العالم الإسلامي و الشرقي . إلا أن الأهداف الجيوسياسية لم تكتمل معالمها بعد و يلاحظ وجود بعض التناقضات في السياسة الخارجية والداخلية لروسيا الاتحادية . الأمر الذي من الممكن تفهمه إذا أخذنا في عين الاعتبار التأثير الكبير للقوي الموالية للصهيونية العالمية و الغرب في روسيا . ومن ناحية أخرى من الممكن تفسير هذه السياسات بضعف تأثير اللوبي الفاعل لأجل المصالح القومية و الوطنية في روسيا و من ضمنهم وجهاء المسلمين و"الأمة الإسلامية" عموما في روسيا .
سؤال يقلق الكثيرين اليوم :
ما هو نوع السياسة الخارجية الروسية الحالية و ما هو مدى تحول أو تغير المبدأ الجيوسياسى في السنوات الأخيرة؟
صرٌح الرئيس الروسي بوتين في السنوات الأخيرة أكثر من مرة أنٌ روسيا تعارض بشدٌة قيام عالم أحادىٌ القطب (إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ). و كان كلامه في مؤتمر ميونخ الدولي حول قضايا الأمن (فبراير 2007م) أكثر صرامة و حدٌة, الأمر الذي جعل الكثيرين يتوقٌعون إمكانية عودة الحرب الباردة بين الطرفين من جديد .
المواقف المتميزة لروسيا في عدة قضايا منها القضية الفلسطينية وملفٌ إيران النووي وحول سوريا وفي كثير من القضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالعالم الإسلامي تؤكٌد لنا : أنٌ فترة الحذر قد ولٌت وأنٌ روسيا مستعدٌة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعاون أنشط مع العالم العربي خصوصاً و العالم الإسلامي عموما ً. و يأتي تأكيدا لذلك النشاط الملحوظ في إصلاح العلاقات الثنائية و زيارات رئيس روسيا إلى السعودية و قطر و غيرها من البلدان الإسلامية, و أضف إلى ذلك التحاق روسيا كما ذكرت سابقاً بمنظمة المؤتمر الإسلامي في وضع مراقب. وأعتقد جازماً أنٌ روسيا مستعدٌة لتصبح عضوا كاملاً في المنظمة لولا وجود بعض الظروف التي تحول دون ذلك .
أكرر إنٌ عدد مسلمي روسيا اليوم يصل حسب الإحصاءات المختلفة من 25 إلى 35 مليون نسمة و هو ما يعادل قرابة 22- 31% فى المائة من عدد سكان البلاد, و عددهم في تزايد مستمرٌ . و لذلك نجد أن المسلمين في روسيا على قناعة تامة أنٌ كل المسوغات المواتية لإقامة علاقات قوية بين الطرفين متوفرة . وفى ذلك فإنٌ لعلماء المسلمين و للشخصيات الاجتماعية دورًا إيجابيًاً و فعالا لا يستهان به .
و بطبيعة الحال فإن مسلمي روسيا يتمنون أن تكون للدولة الروسية مواقف ثابتة ومتلاحقة وحتى صارمة عند الحاجة حول هذه القضايا . ولكنهم يدركون كذلك تماماً أنٌ السياسة – فنٌ المستطاع ومهمتهم في هذه الظروف هي توسيع المجال للمناورات أمام المسئولين لكي يتٌخذون القرارات المصيرية واضعين قضايا العالم الإسلامي العادلة نصب أعينهم . و لا ننسى كذلك أنٌ الوضع كان مخالفاً تماماً لذلك في الماضي القريب (في عهد يلتسين و بداية عهد بوتين) . ولا ننسى أيضاً أن الأوهام لغاية سنة 2003-2004م كانت تتغلب القيادة الروسية في إمكانية قيام "شراكة استراتيجية" مع الولايات المتٌحدة . تحدٌثوا كثيراً عن الحرب على "الإرهاب العالمي" و عن "جذور الحضارة المسيحية " المشتركة, إلى غير ذلك . وكان الأمل واضحاً جلياً لا يغادرها في التفاهم مع الغرب وأن تجد لنفسها مكانتها الخاصٌة في نادى صفوة الغرب .
و كان وراء هذا الأمل عاملان يدعمانه:
الأول: هي دوائر الليبراليين الموالين للغرب المرتبطة ارتباطا وثيقاً بالولايات المتحدة والتي كانت تكوٌن نواة فريق يلتسين, وهى مسيطرة بالكامل على رأس المال وموارد البلاد الطبيعية وموالية لأمريكا والصهيونية, و توصف إعلامياً بطريقة مهذبة : "رئاسة روسيا" و مجموعة "خبراء" و "أكاديميين" و "محللين" . هذه الدوائر لا تستطيع أن ترى لروسيا مكانة خارج إطار نفوذ الغرب و إن كانوا من وقت لأخر يحملون على أمريكا ورغم ذلك إنهم في الغالب سيحافظون على العلاقات المتميزة مع الغرب (أمريكا و بريطانيا و إسرائيل في المقام الأول) لأجل مصالحهم الفئوية ولو على حساب المصالح الوطنية للبلاد . هذه الدوائر المكونة من أناس ومؤسسات يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد الفعليين، وهم بطبيعة الحال ليسوا على استعداد للتنازل نهائيا عن الثروات الهائلة في البلاد لصالح الشركات المتعدٌدة الجنسيات الغربية بدون مقابل . ولذلك استمرت عملية المتاجرة بين الطرفين إلى وقت قريب . بل ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا . وقد تسللت كثير من الشركات الغربية إلى سوق الثروات الإستراتيجية في روسيا و العملية ما زالت مستمرة...
وفى هذا الصدد نستطيع أن نقول أنٌ الخطر يكمن في أنٌ الغرب يعي ما يريده و هو واثق من نفسه وقوته وإمكانياته في التخطيط المحكم في استيعاب و تقسيم روسيا من جهة, ومن جهة أخرى فإنٌ المشكلة في عدم وجود إيديولوجية حماية المصالح الروسية عند قيادتها من المؤامرات والأخطار، وبعد هذه القيادة من شعوبها .
إنٌ الدائرة المذكورة من أناس و مؤسسات هي التي تنسف كل محاولات التعاون مع العالم الإسلامي وهى التي تنشر و تشيع الأكاذيب والتلفيقات حول الوضع في الشرق الأوسط و العالم العربي و تحاول ربط روسيا مع الكيان الصهيوني خاصٌة والغرب عامٌة . إنٌ كثيرًا من المشروعات المالية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والتعليمية وغيرها المرتبطة مع العالم الإسلامي تتعرٌض للضغط و التخريب من قبل هذه القوى .
الثاني: و هو مرتبط بضعف "الحزب" الموالى للمصالح القومية و الوطنية الروسية والذي يبذل كل جهد في سبيل إقامة علاقات وطيدة مع حضارات مختلفة غير الغربية و من ضمنها العالم الإسلامي . هؤلاء يدركون تماماً أنه لا بدٌ من الاصطدام عاجلاً أو آجلاً مع الولايات المتٌحدة (أو مع الصين) و يحاولون بالكاد إقامة حلف أو إتحاد يورو-آسيوي بين بلدان أعضاء الإتحاد السوفياتى سابقاً, وتقوية إمكانيات الدفاع المشترك والتعاون العسكري الفني والتكنولوجي مع البلدان العربية وغيرها من البلدان غير الغربية . لكنٌ "حزب" الليبراليين الموالي للغرب و الصهاينة استطاع أن يقلل من تأثير الوطنيين على سياسة الكرملين . و "حزب" الغربيين هذا متكاتف متراص ويتلقى دعمًا مادٌياً و لوجستياً كبيرين من الولايات المتٌحدة و كذلك هو مجهٌزة بشكل جيٌد أيديولوجيا . وهذا يلاحظ واضحا في مختلف المجالات : الإعلامية والثقافية والمالية والاقتصادية والدينية ومجالات القوميات والسياسة الخارجية, و هذا رغم أنٌ الجميع يدرك أنٌ أيديولوجيتهم تؤدى بالإنسانية والحضارة العالمية إلى الكارثة المحققة .
و لوضوح ما نقول نلاحظ هنا عن عدم تغيٌر الخطٌ الليبرالي الفعلي في المال والاقتصاد منذ عهد يلتسين والذي يتوافق مع سياسة واشنطون (بالاتفاق بين النظام الإحتياطى الفدرالي و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي) . و للأسف فإنٌ السياسة المالية والاقتصادية الروسية لم تتغير كثيرا مع مرور الوقت وبقيت تقرٌر على يد الالكارخي ( تشوبايس و أعوانه) .
و نرى كذلك عبر وسائل الإعلام العمل المدمٌر ضدٌ الدين والأخلاق والقيم بشكل لا يدع مجالاً للشكٌ والمواربة : إنٌ الهدف قد حدٌِد وهو تدمير الأسس و الثوابت الدينية و الأخلاقية والتاريخية والأعراف لشعوب روسيا و إيجاد الصدام بين الدين والفكر القومي ومن ثمٌ السيطرة الكاملة على البلاد . وعلميا يسمى هذا بـ "التحكم عبر الفوضى و البلابل" . ليس هذا أمرا غريباً ولا جديدا إذ أنٌ طرق وأساليب إدارة المجتمعات قد جرٌبت سابقاً في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى . والآن جاء دور روسيا وخاصٌة أنٌ نظام الديموقراطية وقوانين السوق تسهٌل المهمٌة . وتقوم بإدارة هذه المهمٌة وتنفيذها وتملى أجندتها على الآخرين (السلطة الفكرية الإعلامية العالمية) الدولية في الغرب حيث التأثير الكبير للصهيونية وتصرفات فرعها في روسيا قد تكون أكثر استهتار ووقاحة ولا تبالي بإخفاء عدائها للإسلام . ويقلقنا أن أنصار "حزب" الغربيين يتقدٌمون إلى الأمام خطوة بعد خطوة و يتسللون ويثبتون وجودهم في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية الروسية وآلية تمرير وغرس كوادرهم إلى المناصب الحسٌاسة في هذه الميادين صعب وسهل في آن واحد
. الفضائح والفساد – عاملان أساسيان تسهٌل إيصال الكوادر إلى هذه المناصب الحساسة .
أمٌا "حزب" القوميين الوطنيين ما زال ضعيفاً مالياً وإعلامياً رغم كثرة عدد أنصاره و لذلك ليس بامكانه أن ينتصر على هذه النزعة الفتاكة . وفى ضوء كلٌ هذا فإنٌ "حزب" المسلمين غائب تماماً عن الساحة ولا يؤثر في مجريات الأمور . و بعض الإنجازات التي حقٌقها رئيس جمهورية تتارستان ( التي تسكنها غالبية مسلمة ) شامييف لا تغيٌر الوضع العامٌ المأساوي في البلاد, ووجود هذه العوامل مجتمعة قد يكون تفسيراً لبعض مظاهر معاداة بعض القضاة والمدٌعين وكذلك مؤسسات الأمن والشرطة وحملاتهم ضدٌ الإسلام والمسلمين في مناطق متعدٌدة من البلاد مثل شمال القوقاز وجمهوريات واقعة في مناطق متاخمة لنهر فولغا وغيرها بشكل علني .
ثـابـت الـجنـان
لآن روسيا هي البلد الأوربي الوحيد الذي يقطنه من سكانه الأصليين حوالي 35 مليون مسلم، وأرى فيها الدولة العظمى الوحيدة التي تقف اليوم في وجه المخططات الإمبريالية الأمريكية التي تريد الهيمنة على العالم، وهي ـ أي روسيا ـ كما ذكرت في مقالاتي السابقة من أشد معارضي الحرب على العراق وأفغانستان ومع الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني ومتمسكة بخطة خارطة الطريق الدولية وتعتبر الانسحاب الإسرائيلي من غزة جزءًا منها وحريصة على صياغة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط علي كافة المسارات، وهي اليوم عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهيً بلد أرثوذكسي و مسلم، وهي الدولة الأوربية الوحيدة التي دعت قادة حماس لزيارة موسكو بعد فوزها بالانتخابات التشريعية في الوقت الذي اعتبرتهم معظم دول العالم قادة إرهاب، كما أن في روسيا اليوم صحوة إسلامية بعد انهيار الشيوعية، فبنيت فيها آلاف المساجد والمدارس الدينية والمعاهد الإسلامية، وهي عازمة اليوم بكل إصرار وتصميم على إنهاء نظام القطب الواحد الذي أصابنا نحن العرب وأصاب الأمة الإسلامية بالويلات والدمار والدماء والحروب .
إن أمريكا وإسرائيل هم وجهان لعملة واحدة، وعندما تقف روسيا في وجه الولايات المتحدة، تقف بالتالي في وجه إسرائيل ولو بشكل غير مباشر، وهذا يعني لي ويعني للسواد الأعظم من أبناء الأمة الإسلامية أن روسيا تقف في وجه السفاحين الحقيقيين والجزارين والمجرمين الذين يحتلون أراضينا ويضعونها بشكل دائم تحت وطأة الإغلاق بعد تسويتها بالأرض ويشردوا ويقتلون ويروعون الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني وشعبنا العراقي، ويغتالون المئات من قيادات المقاومة الباسلة، ويعتقلون بالجملة الآلاف من رجالنا ونسائنا وأطفالنا، عدى عن أنهم يتنصلون من كل المعاهدات الدولية التي من شأنها إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعراقي .
إن روسيا و العالم الإسلامي يمران بفترة صعبة للغاية, ويقفان أمام تحديات لا يستهان بها . والأخطار التي باتت تهدد شعوب روسيا و العالم الإسلامي تتميز بنزعة متزايدة . و في السنوات الأخيرة بدأت السلطات الروسية تدرك مدى هذه الأخطار و أصبحت تتعامل معها بشكل مماثل ومن ثم بدأت تعزز علاقاتها مع حلفائها الإستراتيجيين : بلاد العالم الإسلامي و الشرقي . إلا أن الأهداف الجيوسياسية لم تكتمل معالمها بعد و يلاحظ وجود بعض التناقضات في السياسة الخارجية والداخلية لروسيا الاتحادية . الأمر الذي من الممكن تفهمه إذا أخذنا في عين الاعتبار التأثير الكبير للقوي الموالية للصهيونية العالمية و الغرب في روسيا . ومن ناحية أخرى من الممكن تفسير هذه السياسات بضعف تأثير اللوبي الفاعل لأجل المصالح القومية و الوطنية في روسيا و من ضمنهم وجهاء المسلمين و"الأمة الإسلامية" عموما في روسيا .
سؤال يقلق الكثيرين اليوم :
ما هو نوع السياسة الخارجية الروسية الحالية و ما هو مدى تحول أو تغير المبدأ الجيوسياسى في السنوات الأخيرة؟
صرٌح الرئيس الروسي بوتين في السنوات الأخيرة أكثر من مرة أنٌ روسيا تعارض بشدٌة قيام عالم أحادىٌ القطب (إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ). و كان كلامه في مؤتمر ميونخ الدولي حول قضايا الأمن (فبراير 2007م) أكثر صرامة و حدٌة, الأمر الذي جعل الكثيرين يتوقٌعون إمكانية عودة الحرب الباردة بين الطرفين من جديد .
المواقف المتميزة لروسيا في عدة قضايا منها القضية الفلسطينية وملفٌ إيران النووي وحول سوريا وفي كثير من القضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالعالم الإسلامي تؤكٌد لنا : أنٌ فترة الحذر قد ولٌت وأنٌ روسيا مستعدٌة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعاون أنشط مع العالم العربي خصوصاً و العالم الإسلامي عموما ً. و يأتي تأكيدا لذلك النشاط الملحوظ في إصلاح العلاقات الثنائية و زيارات رئيس روسيا إلى السعودية و قطر و غيرها من البلدان الإسلامية, و أضف إلى ذلك التحاق روسيا كما ذكرت سابقاً بمنظمة المؤتمر الإسلامي في وضع مراقب. وأعتقد جازماً أنٌ روسيا مستعدٌة لتصبح عضوا كاملاً في المنظمة لولا وجود بعض الظروف التي تحول دون ذلك .
أكرر إنٌ عدد مسلمي روسيا اليوم يصل حسب الإحصاءات المختلفة من 25 إلى 35 مليون نسمة و هو ما يعادل قرابة 22- 31% فى المائة من عدد سكان البلاد, و عددهم في تزايد مستمرٌ . و لذلك نجد أن المسلمين في روسيا على قناعة تامة أنٌ كل المسوغات المواتية لإقامة علاقات قوية بين الطرفين متوفرة . وفى ذلك فإنٌ لعلماء المسلمين و للشخصيات الاجتماعية دورًا إيجابيًاً و فعالا لا يستهان به .
و بطبيعة الحال فإن مسلمي روسيا يتمنون أن تكون للدولة الروسية مواقف ثابتة ومتلاحقة وحتى صارمة عند الحاجة حول هذه القضايا . ولكنهم يدركون كذلك تماماً أنٌ السياسة – فنٌ المستطاع ومهمتهم في هذه الظروف هي توسيع المجال للمناورات أمام المسئولين لكي يتٌخذون القرارات المصيرية واضعين قضايا العالم الإسلامي العادلة نصب أعينهم . و لا ننسى كذلك أنٌ الوضع كان مخالفاً تماماً لذلك في الماضي القريب (في عهد يلتسين و بداية عهد بوتين) . ولا ننسى أيضاً أن الأوهام لغاية سنة 2003-2004م كانت تتغلب القيادة الروسية في إمكانية قيام "شراكة استراتيجية" مع الولايات المتٌحدة . تحدٌثوا كثيراً عن الحرب على "الإرهاب العالمي" و عن "جذور الحضارة المسيحية " المشتركة, إلى غير ذلك . وكان الأمل واضحاً جلياً لا يغادرها في التفاهم مع الغرب وأن تجد لنفسها مكانتها الخاصٌة في نادى صفوة الغرب .
و كان وراء هذا الأمل عاملان يدعمانه:
الأول: هي دوائر الليبراليين الموالين للغرب المرتبطة ارتباطا وثيقاً بالولايات المتحدة والتي كانت تكوٌن نواة فريق يلتسين, وهى مسيطرة بالكامل على رأس المال وموارد البلاد الطبيعية وموالية لأمريكا والصهيونية, و توصف إعلامياً بطريقة مهذبة : "رئاسة روسيا" و مجموعة "خبراء" و "أكاديميين" و "محللين" . هذه الدوائر لا تستطيع أن ترى لروسيا مكانة خارج إطار نفوذ الغرب و إن كانوا من وقت لأخر يحملون على أمريكا ورغم ذلك إنهم في الغالب سيحافظون على العلاقات المتميزة مع الغرب (أمريكا و بريطانيا و إسرائيل في المقام الأول) لأجل مصالحهم الفئوية ولو على حساب المصالح الوطنية للبلاد . هذه الدوائر المكونة من أناس ومؤسسات يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد الفعليين، وهم بطبيعة الحال ليسوا على استعداد للتنازل نهائيا عن الثروات الهائلة في البلاد لصالح الشركات المتعدٌدة الجنسيات الغربية بدون مقابل . ولذلك استمرت عملية المتاجرة بين الطرفين إلى وقت قريب . بل ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا . وقد تسللت كثير من الشركات الغربية إلى سوق الثروات الإستراتيجية في روسيا و العملية ما زالت مستمرة...
وفى هذا الصدد نستطيع أن نقول أنٌ الخطر يكمن في أنٌ الغرب يعي ما يريده و هو واثق من نفسه وقوته وإمكانياته في التخطيط المحكم في استيعاب و تقسيم روسيا من جهة, ومن جهة أخرى فإنٌ المشكلة في عدم وجود إيديولوجية حماية المصالح الروسية عند قيادتها من المؤامرات والأخطار، وبعد هذه القيادة من شعوبها .
إنٌ الدائرة المذكورة من أناس و مؤسسات هي التي تنسف كل محاولات التعاون مع العالم الإسلامي وهى التي تنشر و تشيع الأكاذيب والتلفيقات حول الوضع في الشرق الأوسط و العالم العربي و تحاول ربط روسيا مع الكيان الصهيوني خاصٌة والغرب عامٌة . إنٌ كثيرًا من المشروعات المالية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والتعليمية وغيرها المرتبطة مع العالم الإسلامي تتعرٌض للضغط و التخريب من قبل هذه القوى .
الثاني: و هو مرتبط بضعف "الحزب" الموالى للمصالح القومية و الوطنية الروسية والذي يبذل كل جهد في سبيل إقامة علاقات وطيدة مع حضارات مختلفة غير الغربية و من ضمنها العالم الإسلامي . هؤلاء يدركون تماماً أنه لا بدٌ من الاصطدام عاجلاً أو آجلاً مع الولايات المتٌحدة (أو مع الصين) و يحاولون بالكاد إقامة حلف أو إتحاد يورو-آسيوي بين بلدان أعضاء الإتحاد السوفياتى سابقاً, وتقوية إمكانيات الدفاع المشترك والتعاون العسكري الفني والتكنولوجي مع البلدان العربية وغيرها من البلدان غير الغربية . لكنٌ "حزب" الليبراليين الموالي للغرب و الصهاينة استطاع أن يقلل من تأثير الوطنيين على سياسة الكرملين . و "حزب" الغربيين هذا متكاتف متراص ويتلقى دعمًا مادٌياً و لوجستياً كبيرين من الولايات المتٌحدة و كذلك هو مجهٌزة بشكل جيٌد أيديولوجيا . وهذا يلاحظ واضحا في مختلف المجالات : الإعلامية والثقافية والمالية والاقتصادية والدينية ومجالات القوميات والسياسة الخارجية, و هذا رغم أنٌ الجميع يدرك أنٌ أيديولوجيتهم تؤدى بالإنسانية والحضارة العالمية إلى الكارثة المحققة .
و لوضوح ما نقول نلاحظ هنا عن عدم تغيٌر الخطٌ الليبرالي الفعلي في المال والاقتصاد منذ عهد يلتسين والذي يتوافق مع سياسة واشنطون (بالاتفاق بين النظام الإحتياطى الفدرالي و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي) . و للأسف فإنٌ السياسة المالية والاقتصادية الروسية لم تتغير كثيرا مع مرور الوقت وبقيت تقرٌر على يد الالكارخي ( تشوبايس و أعوانه) .
و نرى كذلك عبر وسائل الإعلام العمل المدمٌر ضدٌ الدين والأخلاق والقيم بشكل لا يدع مجالاً للشكٌ والمواربة : إنٌ الهدف قد حدٌِد وهو تدمير الأسس و الثوابت الدينية و الأخلاقية والتاريخية والأعراف لشعوب روسيا و إيجاد الصدام بين الدين والفكر القومي ومن ثمٌ السيطرة الكاملة على البلاد . وعلميا يسمى هذا بـ "التحكم عبر الفوضى و البلابل" . ليس هذا أمرا غريباً ولا جديدا إذ أنٌ طرق وأساليب إدارة المجتمعات قد جرٌبت سابقاً في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى . والآن جاء دور روسيا وخاصٌة أنٌ نظام الديموقراطية وقوانين السوق تسهٌل المهمٌة . وتقوم بإدارة هذه المهمٌة وتنفيذها وتملى أجندتها على الآخرين (السلطة الفكرية الإعلامية العالمية) الدولية في الغرب حيث التأثير الكبير للصهيونية وتصرفات فرعها في روسيا قد تكون أكثر استهتار ووقاحة ولا تبالي بإخفاء عدائها للإسلام . ويقلقنا أن أنصار "حزب" الغربيين يتقدٌمون إلى الأمام خطوة بعد خطوة و يتسللون ويثبتون وجودهم في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية الروسية وآلية تمرير وغرس كوادرهم إلى المناصب الحسٌاسة في هذه الميادين صعب وسهل في آن واحد
. الفضائح والفساد – عاملان أساسيان تسهٌل إيصال الكوادر إلى هذه المناصب الحساسة .
أمٌا "حزب" القوميين الوطنيين ما زال ضعيفاً مالياً وإعلامياً رغم كثرة عدد أنصاره و لذلك ليس بامكانه أن ينتصر على هذه النزعة الفتاكة . وفى ضوء كلٌ هذا فإنٌ "حزب" المسلمين غائب تماماً عن الساحة ولا يؤثر في مجريات الأمور . و بعض الإنجازات التي حقٌقها رئيس جمهورية تتارستان ( التي تسكنها غالبية مسلمة ) شامييف لا تغيٌر الوضع العامٌ المأساوي في البلاد, ووجود هذه العوامل مجتمعة قد يكون تفسيراً لبعض مظاهر معاداة بعض القضاة والمدٌعين وكذلك مؤسسات الأمن والشرطة وحملاتهم ضدٌ الإسلام والمسلمين في مناطق متعدٌدة من البلاد مثل شمال القوقاز وجمهوريات واقعة في مناطق متاخمة لنهر فولغا وغيرها بشكل علني .
ثـابـت الـجنـان