PDA

View Full Version : أي منظور لمستقبل الهوية في مواجهة تحديات العولمة؟(3)


الأستاذ محمد عادل التريكي
21-08-2000, 09:51 PM
 عصر العولمة :

نستطيع في ضوء هذا التحديد لمصطلح " العولمة " أن نصفَ عصرنا بأنه( عصر العولمة ).
ويمكننا ونحن نستحضر تاريخ القـرن العشريـن الميلادي بين يدي دخول قرن ميلادي
جديد، أن ندرك أن التحولات فيه هي حلقة ثالثة في التحرك الغربي نحو العالمية، سبقتهـا
تحولات ما بعد الحـرب الأولى في نهاية العقـد الثاني من القرن ،وتحولات ما بعد الحرب
العالمية الثانية في النصف الثاني من العقد الخامس من القرن،وفي مقدورنا ونحن نستحضـر
التاريخ الإنساني أن نلاحظ أنَّ هذا التاريخ حَفَلَ بتحرُّكاتٍ نحو العالمية في مختلف عصوره،
عبَّرت عن نزوع الإنسان للسياحة في كوكبنا الأرضي إستجابةً لدعوة خالقه أن يمشي في
مناكب الأرض وينتشر فيها .  هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِن رِزْقِهِ وإِلَيْهِ النُّشُور  .

  

 العولمة شيء والعالمية شيء آخر :

وبالمناسبة أذكر هنا ماجاء به الدكتور محمد عابد الجابري في أَنَّ العولمةَ شيء والعالميـةَ
شيء آخر..فقال:
"العولمة إرادة للهيمنة، وبالتالي قمعٌ وإقصاءٌ للخُصوصي..أما " العالميـة U niversalite "
فهي طموح إلى الإرتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي: العولمة إحتواء للعالم، والعالميـة
تَفَتُّحٌ على ماهو عالمي وكوني نشدانُ العالمية في المجال الثقافي . كما في غيره من المجالات ،
طموح مشروع، ورغبة في الأخد والعطاء، في التعارف والحوار والتلاقح. إنها طريق الأنا
للتعامل مع "الآخر" بوصفه " أناثانية" طريقها إلى جعل الإيثار يحُلُّ مَحَلَّ الأَثَرة..أما العولمة
فهي طموح، بل إرادة لاختراق "الآخر" وسلبُه خصوصيَتَه، وبالتالي نفيُه من "العالم".
العالمية إغناء للهوية الثقافية..أما العولمة فهي إختراق لها وتمييع."
وهذه المفارقة الدقيقة بين العولمة والعالمية تُعَبِّرُ بشكلٍ جَلِيٍّ على حِنكَةٍ الرَّجل ودقَّةِ
ملاحظته في التفريق بين المفاهيم وإعطائها الصبغة المناسبة لها.

  

 العولمة : ظاهرة قديمة أم جديدة ؟

شاع إستخدام"العولمة ~ Globalisation " في السنوات العشر الأخيرة ، وبالذات بعد
سقوط الإتحاد السوفياتي.ومع هذا فإن الظاهرة التي يشار إليها ليست حديثة بالدرجة التي
قد توحي بها حداثة هذا اللفظ.
فالعناصر الأساسية في فكرة العولمة: إزدياد العلاقات المُتَبَادَلَة بين الأمم ،سواءٌ المتمثِّلة في
تبادل السلع والخدمات، أوفي انتقال رؤوس الأموال.كلُّ هذه العناصر يعرفها العالمُ منـد
عدة قرون، وعلى الأخص مند الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الخامس عشـــر
الميلادي، أي مندخمسة قرون. ومند ذلك الحين والعلاقات الإقتصادية والثقافية بين الدول
والأمم تزداد قوة. باستثناء فتراتٍ قصيرةٍ للغاية، مالت خلالها الدول إلى الإنكفاءٍ علـى
ذاتها. وتراجعت معدَّلات التجارة الدولية ومعدل انتقال رؤوس الأموال ( كما حـدث
خلال أزمة الثلاثينات من هذا القرن مثلا ).وباستثناء مجتمعات محدود العدد،تركها العالم
في عزلةٍ أوفَضَّلت ْ هي أن تعزل نفسها عن العالم لسبب أوآخر. ( كما حدث خــلال
أزمة الثلاثينات من هذا القرن مثلا). وباستثناء مجتمعات محدودة العدد، تركها العـالم في
عزلة، أوفَضَّلَت هيَ أن تعزِل نفسَها عن العالم لسبب أو لآخر.( كماحدث للإتحـــاد
السوفياتي مثلا في العقود الثلاثة الأولى التالية لثورة تشرين الأول ‌‌‌‌‌‌‌‍‍‍/أكتوبر..أوللصـين في
الخمسينيات والستينيات..أولليمن حتى منتصف هذا القرن… إلخ ).
الظاهرة عمرها إذن.. خمسةُ قرون على الأقل، بدايتُها وغدُها مرتبطان إرتباطاً وثيقاً
بتقدم تكنولوجيةِ الإتصال والتجارة، مندإختراع البوصلة وحتى الأقمار الصناعية. ومن
المهم إدراك هذه الحقيقة والتأكد عليها ،ولكن من المهم أيضاً الإعتراف بأن أشياء جديدة
و مهمة قد طرأت على ظاهرة العولمة في الثلاثين سنة الأخيرة منها :
1. إنهيار أسوار عالية كانت تحتمي بها بعض الأمم والمجتمعات من تيار العولمة ، ومن تمَّ إكتسح تيار العولمة مناطق مهمة من العالم كانت معزولةٌ بدرجةٍ أو بأخرى عنها.أهم هذه الأمم هي بالطبع أمم أوروبا الشرقية والصين؛التي إنتهت عُزلتها الإختيارية أو أُجبرت بطريقة أو بأخرى على التَّخلي عن هذه العزلة .
2. الزيادة الكبيرة في درجة تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين الأمم ، وكذلك تنوع مجالات الإستثمار التي تتَّجه إليها رؤوس الأموال من بلدٍ لآخر .
فإذن..وكما ذهبت زمرة من الإقتصاديين إلى أنَّ العولمة ليست أمراً جديداً في المجال الإقتصادي ، لأنهناك عولمتين : قديمة وحديثة..ظهرت الأولى في القرن الخامس عشر أو القرن الثامن عشر مع الثورة الصناعية ، واسطاعت تنفيداً لِخُطَّتِهَا أن تَزيد في إنتاج السلع زيادة كبيرة دفعت بأوربا إلى البحث عن أسواق جديدة أقامتها عن طريق إنشاء المستعمرات بأمريكا وآسيا وإفريقيا،كما مكَّنتها هذه من الحصول على المواد الخام بأسعار
بأسعار جد منخفضة. وهذا يفسره ماكان من اندماج للدول الفقيرة المستعمرة في اقتصاديات الدول الصناعية الأوربية. أما العولمة الثانية، العولمة الحديثة فإنَّ تَحَقُّقَها سوف
لايكون عن طريق الإستعمار في شكله القديم وماكان يوفره من آليات. ولكن عن طريق
تحرير التجارة الدولية والتنافس على النطاق الدولي .بالإعتماد على التقدم التكنولوجي
وتطوره في مختلف المجالات، وتسابق الدول علىآقتنائِه وآمتلاك أزمَتِه. ومن أجـل ذلك
كُتِبت البحوث والدراسات، وأُقيمت النـدوات والمؤتمرات لبحث أوضاعه المختلفـة،
وتطوراته المتلاحقة، وماتوحي به من ثوراث عميقة وكبيرة في حياة المجتمعات الإنسانية.

بقلم:الأستاذ محمد عادل التريكي

(يتبع في اللقاء القدم إن شاء الله)