الطارق
18-11-2000, 04:07 AM
كتاب البخلاء للجاحظ :
هذا كتاب آلفه الجاحظ ( 159- 255هـ ) في أواخر عمره الممتد لأكثر من 90 سنة .
وأعتقد أن هذا الكتاب قد آلف بعد سنة 233 هـ أي بعد أن بلغ الجاحظ من العمر 74 سنة أو يزيد .
وفي هذا الكتاب يسخر الجاحظ من البخلاء الذين كنوا في عصره والذي لم يصرح بأسماهم ويذكر الكثير من قصصهم الظريفة .
ويجمع في كتابه الكثير من قصص البخل في البصرة وخراسان والأهواز والجزيرة والعراق وغيرها من البلاد .
كما يجمع الجاحظ في كتابه عن مشاهير كثيرون في ذلك العصر ...
بعضاً منهم ذكر أسمه وبعض لم يذكر .
فقد ذكر الكندي ( فيلسوف عربي ) والنظام وثمامة وأبي هذيل العلاف ( كبار المعتزلة ) وسهل بن هارون ( كاتب ) وابن المقفع ( أديب ) وغيرهم.
والكتاب ظريف جداً برزت فيه شخصية الجاحظ بشكل واضح أكثر من كتبه الآخرة * .
كما أن أسلوب الجاحظ في المبالغة في تصوير القصة وأحداثها تثير الكثير من الاستمتاع والعجب .، وقد تأثر الكثير من الكتاب العرب بهذا الأسلوب حتى عصرنا الحالي .
كما أن الكتاب فيه الكثير من أدب الجدل والحجج والمناقشة والنقد على لسان هؤلاء البخلاء التي تثير الكثير من الضحك كما أنها تكاد تقنعنا بصحة مواقفها .
الكتاب ممتع جداً وهو كتاب خالد سابقاً لعصره فيه الكثير من روح العصر
يستمتع به أبناء عصرنا هذا كما أستمتع به أبنا عصر الجاحظ .
كما أن للكتب أهمية عظيمة في دراسة الحياة الاجتماعية والشعبية والعقلية في ذلك العصر .
كماأن في الكتاب الكثير من الكلمات العامية في ذلك العصر والتي ذكر الجاحظ معناها في هذا الكتاب ( قصة خالد بن يزيد ).
وإليكم هذه القصة الظريفة من هذا الكتاب :
( واشترى " محمد بن أبي المؤمل " شبوطة " نووع من السمك " ووهو ببغداد وأخذها فائقة عظيمة . وغالى بها وأرتفع في ثمنها ، وكان قد بعد عهده بأكل السمك ، وهو بصري لا يصبر عنه ، فكان قد أكبر أمر هذه السمكة لكثرة ثمنها ، ولسمنها وعظمها ولشدة شهوته لها .
فحين ظن عند نفسه أنه قد خلا بها ، وتفرد بأطايبها ، وحسر عن ذراعيه ، وصمد صمدها ، هجمت عليه ومعي السدري ( من أصحاب الجاحظ وكان أكول جداً ) .
فلما رآه رأى الموت الأحمر ، والطاعون الجارف ، ورأى الحتم المقضى ، ورأى قاصمة الظهر ، وأيقن بالشر ، علم أنه قد ابتلي بالتنين ! فلم يلبثه السدري حتى قورى السرة بالمبال فاقبل علي فقال لي : يا أبا عثمان ، السدري يعجبه السرر ! فما فصلت الكلمة من فيه ( أي خرجت ) حتى قبض على القفا ، فانتزع الجانبين جميعا ! فأقبل علي فقال : والسدري يعجبه القفاء ! .
فما فرغ من كلامه إلا والسدري قد اجترف المتن كله ! فقال : يا أبا عثمان ، والسدري يعجبه المتون !
ولم يظن أن السدري يعرف فضيلة ذنب الشبوط وعذوبة لحمه وأنه سيسلم له .
ظن معرفة ذلك من الغامض . فلم يدري إلا والسدري قد اكتسح ما على الوجهين جميعاً !
ولولا أن السدري أبطره وأثقله وأكمده وملأ صدره ، وملأه غيظا . لقد كان أدرك معه طرفا ، لأنه كان من الأكله . لكن الغيظ كان من أعوان السدرى عليه .
فلما أكل السدري جميع أطيابها ، وبقى هو في النظارة ، ولم يبقى في يده مما كان يأمله في تلك السمكة إلا الغيظ الشديد والغرم الثقيل ، ظن أن في سائر السمكة ما يشبعه ، ويشفي من قرمه . فبذلك كان عزاؤه . وذلك هو الذي كان يمسك بأرماقه ، وحشاشات نفسه !
فلما رأى السدري يفرى الفرى , ويلتهم التهاما ، قال : يا أبا عثمان ، السدري يعجبه كل شيء ! .
فتولد الغيظ في جوفه ، وأقلقته الرعدة ، فخبثت نفسه . فما زال يقيء ويسلح ! ثم ركبته الحمى ! .
وصحت توبته ، وتم عزمه في ألا يؤاكل رغيبا أبداً ، ولا زهيدا ، ولا يشتري سمكة أبدا ، رخيصة أو غالية ، وإن أهدوها إليه ألا يقبلها ، وإن وجده مطرحة لا يمسها . )
* ( تميز الجاحظ في كتبه المشهورة ( البيان والتبيين ) و ( الحيوان ) بذكر الكثير من القصص التي حدثت له بعكس الكتاب الذين كانوا معاصرين له أو من بعده .. ولذلك يعتبر الجاحظ مميز عن جميع المؤلفين العرب القدماء و اعتبرت مؤلفاته من أهم المصادر في دراسة الحياة الاجتماعية والعلمية في عصره )
هذا كتاب آلفه الجاحظ ( 159- 255هـ ) في أواخر عمره الممتد لأكثر من 90 سنة .
وأعتقد أن هذا الكتاب قد آلف بعد سنة 233 هـ أي بعد أن بلغ الجاحظ من العمر 74 سنة أو يزيد .
وفي هذا الكتاب يسخر الجاحظ من البخلاء الذين كنوا في عصره والذي لم يصرح بأسماهم ويذكر الكثير من قصصهم الظريفة .
ويجمع في كتابه الكثير من قصص البخل في البصرة وخراسان والأهواز والجزيرة والعراق وغيرها من البلاد .
كما يجمع الجاحظ في كتابه عن مشاهير كثيرون في ذلك العصر ...
بعضاً منهم ذكر أسمه وبعض لم يذكر .
فقد ذكر الكندي ( فيلسوف عربي ) والنظام وثمامة وأبي هذيل العلاف ( كبار المعتزلة ) وسهل بن هارون ( كاتب ) وابن المقفع ( أديب ) وغيرهم.
والكتاب ظريف جداً برزت فيه شخصية الجاحظ بشكل واضح أكثر من كتبه الآخرة * .
كما أن أسلوب الجاحظ في المبالغة في تصوير القصة وأحداثها تثير الكثير من الاستمتاع والعجب .، وقد تأثر الكثير من الكتاب العرب بهذا الأسلوب حتى عصرنا الحالي .
كما أن الكتاب فيه الكثير من أدب الجدل والحجج والمناقشة والنقد على لسان هؤلاء البخلاء التي تثير الكثير من الضحك كما أنها تكاد تقنعنا بصحة مواقفها .
الكتاب ممتع جداً وهو كتاب خالد سابقاً لعصره فيه الكثير من روح العصر
يستمتع به أبناء عصرنا هذا كما أستمتع به أبنا عصر الجاحظ .
كما أن للكتب أهمية عظيمة في دراسة الحياة الاجتماعية والشعبية والعقلية في ذلك العصر .
كماأن في الكتاب الكثير من الكلمات العامية في ذلك العصر والتي ذكر الجاحظ معناها في هذا الكتاب ( قصة خالد بن يزيد ).
وإليكم هذه القصة الظريفة من هذا الكتاب :
( واشترى " محمد بن أبي المؤمل " شبوطة " نووع من السمك " ووهو ببغداد وأخذها فائقة عظيمة . وغالى بها وأرتفع في ثمنها ، وكان قد بعد عهده بأكل السمك ، وهو بصري لا يصبر عنه ، فكان قد أكبر أمر هذه السمكة لكثرة ثمنها ، ولسمنها وعظمها ولشدة شهوته لها .
فحين ظن عند نفسه أنه قد خلا بها ، وتفرد بأطايبها ، وحسر عن ذراعيه ، وصمد صمدها ، هجمت عليه ومعي السدري ( من أصحاب الجاحظ وكان أكول جداً ) .
فلما رآه رأى الموت الأحمر ، والطاعون الجارف ، ورأى الحتم المقضى ، ورأى قاصمة الظهر ، وأيقن بالشر ، علم أنه قد ابتلي بالتنين ! فلم يلبثه السدري حتى قورى السرة بالمبال فاقبل علي فقال لي : يا أبا عثمان ، السدري يعجبه السرر ! فما فصلت الكلمة من فيه ( أي خرجت ) حتى قبض على القفا ، فانتزع الجانبين جميعا ! فأقبل علي فقال : والسدري يعجبه القفاء ! .
فما فرغ من كلامه إلا والسدري قد اجترف المتن كله ! فقال : يا أبا عثمان ، والسدري يعجبه المتون !
ولم يظن أن السدري يعرف فضيلة ذنب الشبوط وعذوبة لحمه وأنه سيسلم له .
ظن معرفة ذلك من الغامض . فلم يدري إلا والسدري قد اكتسح ما على الوجهين جميعاً !
ولولا أن السدري أبطره وأثقله وأكمده وملأ صدره ، وملأه غيظا . لقد كان أدرك معه طرفا ، لأنه كان من الأكله . لكن الغيظ كان من أعوان السدرى عليه .
فلما أكل السدري جميع أطيابها ، وبقى هو في النظارة ، ولم يبقى في يده مما كان يأمله في تلك السمكة إلا الغيظ الشديد والغرم الثقيل ، ظن أن في سائر السمكة ما يشبعه ، ويشفي من قرمه . فبذلك كان عزاؤه . وذلك هو الذي كان يمسك بأرماقه ، وحشاشات نفسه !
فلما رأى السدري يفرى الفرى , ويلتهم التهاما ، قال : يا أبا عثمان ، السدري يعجبه كل شيء ! .
فتولد الغيظ في جوفه ، وأقلقته الرعدة ، فخبثت نفسه . فما زال يقيء ويسلح ! ثم ركبته الحمى ! .
وصحت توبته ، وتم عزمه في ألا يؤاكل رغيبا أبداً ، ولا زهيدا ، ولا يشتري سمكة أبدا ، رخيصة أو غالية ، وإن أهدوها إليه ألا يقبلها ، وإن وجده مطرحة لا يمسها . )
* ( تميز الجاحظ في كتبه المشهورة ( البيان والتبيين ) و ( الحيوان ) بذكر الكثير من القصص التي حدثت له بعكس الكتاب الذين كانوا معاصرين له أو من بعده .. ولذلك يعتبر الجاحظ مميز عن جميع المؤلفين العرب القدماء و اعتبرت مؤلفاته من أهم المصادر في دراسة الحياة الاجتماعية والعلمية في عصره )