PDA

View Full Version : تقرير للمخابرات الأمريكية حول تجارة الهيروين


fahad11
03-01-2001, 10:48 PM
تقرير للمخابرات الأمريكية حول تجارة الهيروين فى باكستان (1992)

تنشر صحيفة "ذا فرايداى تايمز "–أول صحيفة أسبوعية مستقلة فى باكستان

النص الكامل لتقرير "سرى للغاية "حول الاتجار فى الهيروين فى باكستان أعدته وكالة المخابرات الأمريكية يكشف التقرير بعدة أساليب ، وبمزيد من التفاصيل عن أنشطة بعض تجار المخدرات الأقوياء فى باكستان، إلا أن هذا التقرير تعوزه الدقة أحيانا، إذ تعتمد معظم الأدلة المقدمة على نقل الأحداث من شخص لآخر، كما تسللت للتقرير أيضا بعض الأخطاء التى لا تفسير لها، مما يرجح عدم دقة البحث فى بعض المواضع والأجزاء ، فعلى سبيل المثال يشير التقرير إلى السيد سوهال ضياء بوت على أنه أخ زوجة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، بينما فى حقيقة الأمر أن السيد سوهال ضياء هو أحد أبناء أخوال السيد شريف، كما يشير أيضا إلى السيد مؤمن خان أفريدى على أنه أخ للسيد رحمة شاه أفريدى مالك ورئيس تحرير صحيفة "ذا فرانت لاين بوست.

وكان السيد شاهباظ شريف قد أنكر رسميا وجود أية صلات أو ارتباطات تجارية مع السيد سوهال ضياء بوت فى حين اعترض السيد رحمة شاه أفريدى بقوة على الاتهامات الموجهة ضده.

وفى حادثة فريدة تظهر بشجاعة حرية الصحافة ، سمح السيد رحمة شاه أفريدى بنشر مقتطفات مفصلة من التقرير فى صحيفته "ذا فرانت لاين بوست "بما فى ذلك بعض أجزاء التقرير المتعلقة به، وقد نفى السيد أفريدى بالطبع تورطه فى الاتجار فى المخدرات، بل وتطوع بفتح حساباته التجارية أمام الشعب لدرأ أية شكوك محتملة، كما أرسل السيد أفريدى رسالة للسفير الأمريكي فى باكستان يعرب فيها عن استعداد ه للتوجه للولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة أية محاكمة بشأن الاتهامات الموجهة ضده ما لم يتم توضيح التقرير وتبرئة اسمه من التورط فى مثل هذا الشأن على الفور.

والجدير بالذكر أن صحيفة "ذا فرايدى تايمز "بنشرها لهذا التقرير لا تعد طرفا فى أية اتهامات يحويها ضد أى شخص من الأشخاص المذكورين.

نظرة عامة على الوضع فى باكستان

أصبح الهيروين هو عماد الاقتصاد وركيزة النظام السياسي فى باكستان، أما من يسيطرون على عمليات الإنتاج والتوزيع العالمي للهيروين فيستخدمون نفوذهم وأموالهم لشراء الحماية وتأمين أنفسهم ، ولتملك نسبة كبيرة فى البنوك والمؤسسات الصناعية الهامة التي يجري بيعها للمستثمرين فى القطاع الخاص ، وباستثناء الجيش ،لم تسلم أية مؤسسة داخلية رئيسية ،أو أية جهة معنية بتنفيذ القانون من اختراق أعضاء شبكات المخدرات ، ويرى بعض الباكستانيين الآن أن الجيش وحده هو القادر على مواجهة وهزيمة شبكات الاتجار فى المخدرات.

وهناك بعض الباكستانيين الذين يرون غير ذلك ، إذ يعتقد البعض أن الجيش ضالع بصورة كبيرة فى الاتجار بالمخدرات ، وهم يشيرون فى ذلك إلى العديد من التقارير التى تفيد بأن جهاز المخابرات الحربية يستخدم أرباح الاتجار فى الهيروين للمساعدة فى تمويل الحرب الدائرة فى أفغانستان، كما قام الجهاز أيضا بوضع ترتيبات أخرى مماثلة من أجل تمويل المتمردين السيخ فى الهند، ومتمردي كشمير فى ولاية كشمير الواقعة تحت سيطرة الهند، وهناك اعتقاد سائد بأن رئيس الوزراء نواز شريف قد استخدم أموال المخدرات لرشوة كبار الجنرالات فى الجيش لضمان البقاء فى السلطة، وأن بلايين الدولارات التى تسيطر عليها شبكات الاتجار فى المخدرات ربما تكون قد استخدمت لشراء أسلحة متقدمة للجيش.

تعد باكستان منتجا رئيسيا للأفيون ، وطبقا للوزير الاتحادي المسئول عن مكافحة المخدرات، أنتج المزارعون فى باكستان 200 طن من الأفيون الخام فى عام 1991-1992، بزيادة 20 طن عن إنتاج عام 1991 ، وواصل الاتجاه المتزايد فى الإنتاج بعد ذلك منذ أقل إنتاج للبلاد والذى بلغ 40 طنا عام 1985.

وتسيطر جماعات الاتجار فى المخدرات القبلية فى باكستان على أكثر من نصف الزراعة وعمليات تسويق الأفيون فى أفغانستان، وربما تصبح أفغانستان خلال العام الحالي أكبر منتج للأفيون فى العالم، وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن الإنتاج الحالي يبلغ ألفي طن، إلا أن بعض العاملين فى عمليات الإغاثة والدبلوماسيين والخبراء فى بشاور وكابول يقدرون الإنتاج الحالي بنحو ثلاثة آلاف طن ، ومع ذلك لم يتأكد هذا الرقم.

وتسيطر نفس عصابات المخدرات فى باكستان على عملية تصنيع معظم الأفيون المنتج فى باكستان وأفغانستان وتحويله إلى هيروين ، وتنتج المعامل المتنقلة فى المناطق القبلية التى تتمتع بالحكم الذاتي فى باكستان وعلى الحدود الباكستانية الأفغانية معظم الهيروين المصنع فى منطقة "الهلال الذهبي "،فى حين توجد بعض المعامل القليلة فى مقاطعة بالوخستان الباكستانية ، ويذكر بعض الصحفيين أنه تم مؤخرا إقامة عدد من المعامل الجديدة فى جلال آباد وكنداهار فى أفغانستان.

ومن ناحية أخرى تتحكم مافيا المخدرات فى باكستان فى حركة منتجات القنب والمورفين والهيروين عبر قنوات دولية عن طريق الهند وإيران ودبي ، وعن طريق البحر إلى أمستردام وهاواى ، وتتعامل المافيا الباكستانية مع أفراد إيرانيين وأكراد وأتراك وهنود وتايلانديين ، ويوفر العالم الخفي لتجارة المخدرات بتركيا سبيلا مريحا لباكستان للوصول إلى قنوات التوزيع بسهولة ، كما ساعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، والأوضاع فى أفغانستان بعد الرئيس نجيب الله على إيجاد طرق جديدة لتركيا ودول البلقان من خلال آسيا الوسطى.

وتجني عصابات المخدرات الباكستانية أرباحا طائلة على الرغم من استحالة التأكد من الأرقام، وتشير إحدى الدراسات إلى أن نصيب باكستان من تجارة المخدرات العالمية يبلغ نحو 120 مليار دولار فى العام، وهو رقم ضخم للغاية حتى بافتراض أن معظم تلك الأموال تبقى بالخارج، وذكرت الهيئة القومية للتمويل والتنمية الشهر الماضي (أغسطس 1992) أن الاقتصاد الأسود للبلاد يجني سنويا 32.5 مليار دولار نظير زراعة وإنتاج وتهريب المخدرات من منطقة "الهلال الذهبي "وإذا صحت هذه الأرقام يصبح الاقتصاد الأسود لباكستان أكثر من نصف حجم إجمالي الناتج المحلي، وكشفت دراسة أخرى أجرتها إحدى شركات المحاسبة الأمريكية أن إجمالي حجم الاقتصاد الأسود لباكستان يبلــغ 20.8 مليار دولار، إلا أن الجزء الأعظم من هذه الأرباح يذهب لبارونات المخدرات فى البلاد.

وبفضل هذه الأرباح الطائلة تمكنت مافيا المخدرات من اختراق أجهزة الدولة والاقتصاد على كافة المستويات ، ويرى خبراء المخدرات الباكستانيون أن أموال المخدرات تدعم النظام السياسي والمؤسسات الحزبية ، وتمول الحملات الانتخابية ، كما أنها توفر الحماية لمافيا المخدرات على أعلى المستويات السياسية فى باكستان ، إذ ساعد برنامج الخصخصة فى البلاد الذى تتبناه حكومة نواز شريف على إتاحة الفرصة على مصراعيها أمام أباطرة المخدرات لغسيل أموالهم وأرباحهم، وإضفاء الشرعية على أوضاعهم عن طريق شراء حصص فى البنوك والمؤسسات والاتحادات الصناعية.

ويجلس بارونات وتجار المخدرات المعروفين فى البرلمان الوطني ومجالس المقاطعات بالمقاطعة الشمالية الغربية الحدودية وبالوخستان، أما فى السند فيمتلأ المجلس بملاك الأراضى ممن يسبغون حمايتهم على العصابات المتورطة فى عمليات الاختطاف والاتجار بالمخدرات وبالأسلحة غير المشروعة، بل واستطاع أحد تجار المخدرات المعروفين والذى يتمتع بعضوية البرلمان من الدخول إلى منزل الرئيس، وتشير التقارير إلى أن تجار المخدرات فى باكستان هم من أصهار رئيس الوزراء نواز شريف، بل ويتواجدون فى الاجتماعات الداخلية لعائلة شريف.

وعلى صعيد آخر أصبحت باكستان دولة مستهلكة للهيروين ، حيث زادت نسبة التعاطي فى البلاد بصورة كبيرة ، وبعد أن كانت صفرا عام 1979 ارتفعت إلى 1.2 مليون شخص على الأقل فى الوقت الحالي، فى حين تظهر بعض الإحصاءات أن عدد مدمني الهيروين فى الوقت الحالي يصل من 1.7 إلى 2 مليون شخص، ويذكر الخبراء والمراقبون أن نحو 50 إلى 55 طن متري من إجمالي الهيروين – الذى يصل إلى 70 طن متري والذى انتقل عبر باكستان عام 1990/1991 –قد جرى استهلاكه محليا ، ويقدر أحد الصحفيين الباكستانيين أن المدمنين فى بلاده ينفقون نحو 1.5 مليون روبية (60 مليون دولار) سنويا على الهيروين.

لم تحرز باكستان سوى تقدم ضئيل فى مكافحة زراعة الخشخاش والمخدرات ويجرى مصادرة نحو 5 إلى 6 طن متري من إجمالي 70 طن متري من الهيروين الذي ينتقل سنويا داخل باكستان أو عبر باكستان، وقد استطاعت باكستان مصادرة أكبر كمية من الهيروين إما مصادفة أو بمساعدة بعض أعضاء شبكات الاتجار فى المخدرات المنافسة، أو عملاء نفس الشبكة المنشقين، وقد أعترف كبار مسئولي الشرطة ورئيس وحدة مكافحة المخدرات فى باكستان خلال الشهور الثلاثة الماضية بما يتردد فى الشارع الباكستاني ألا وهو وجود بعض المسئولين الفاسدين فى الهيئات المعنية بتنفيذ القانون حيث يتعاون العديد من هؤلاء مع مافيا المخدرات.

فقدت الولايات المتحدة الكثير من نفوذها وتأثيرها التى طالما تمتعت بهما فى باكستان من خلال مساندتها للمقاومة الأفغانية، وكان لقطع المساعدة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لباكستان أكبر الأثر حيث أصبحت العلاقات الثنائية بين البلدين عند أدنى مستواها ، ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تتعاون مع باكستان من أجل مكافحة المخدرات، ويجرى تمويل الجهود الرامية لحل المشكلة من خلال برنامج المعونة الأمريكية، ولاسيما فى ضوء تراجع البرامج السابقة لمكافحة المخدرات.

ولا شك أن تنشيط العلاقات الأمريكية الباكستانية سيعيد جهود واشنطن لمكافحة المخدرات، ولكن من غير المنتظر أن تعالج باكستان مشكلة الهيروين إلى أن تدرك دوائر القيادة أن الهيروين يمثل تهديدا مباشرا على المجتمع الباكستاني وأمن البلاد، ويوجد الآن عدد ضئيل من القادة يشعرون بالخطر الداهم للمخدرات ، إلا أن أصوات من ينبهون البلاد ويحذرون من العواقب الوخيمة للمخدرات تقابل بكل تجاهل.

انتعاش صناعة المخدرات الحديثة فى الثمانينات

تتميز منطقة وادي الإندوس بمعرفتها الطويلة للمخدرات، وتصف المخطوطات الهندوسية القديمة "الفيدا "الاستخدام الشعائري لشراب السوما المخدر، ومن المعتقد أن جيوش الإمبراطور الاسكندر الأكبر قد أحضرت معها نبات الخشخاش إلى المنطقة، فى حين كثرت زراعات نبات القنب بوفرة فى سفوح الجبال فى المناطق المعروفة الآن باسم المقاطعة الشمالية الغربية الحدودية ومنطقة بوتوهار بمقاطعة البنجاب، وقد عرفت المنطقة على مدى قرون طويلة استخدام أشكال متعددة للأفيون والقنب سواء عن طريق تعاطيها كل على حدة ، أو على شكل خليط لأغراض طبية وكذلك للترويح عن النفس، ويذكر أن أهالي البشتون بشكل خاص أقبلوا على تدخين الشاندو والماداك "وهو عبارة عن خليط من القنب والأفيون ونبات التنبول ، فى حين ينتشر فى منطقة جنوب شرق آسيا استخدام أشكال متعددة من القنب سواء على هيئة شراب البهانج المسكر أو عجينه القنب المدخن "شاراس "فى أواسط المتعبدين فى بعض أشكال الصوفية المتدنية ، وعرفت شبه القادرة الهندية كذلك مسح لثة الأطفال فى مرحلة التسنين بالأفيون لتخفيف آلامهم ومساعدتهم على الخلود للنـوم.

أجاز البريطانيون إنتاج واستخدام الأفيون كنظام لإحكام السيطرة على الشعب، وهو نفس الأسلوب الذى ورثته باكستان عام 1947، وحتى عام 1979 كان ينظر إلى إدمان الأفيون كمشكلة طبية ، وكان الأفيون متوفرا ويمكن الحصول عليه من بعض الباعة المرخص لهم ببيعه، ومن محلات الحكماء ممن يمارسون الطب التقليدي وطب الأعشاب* ويمكن القول بشكل عام إن نسبة إدمان الأفيون لإجمالي عدد السكان ظلت ثابتة إلى حد ما ،وارتفعت من نحو 100 ألف عام 1947 إلى 250 ألف فى نهاية السبعينات.

وفيما يلي جدول يوضح استخدام المواد المخدرة فى باكستان.





المادة المخدرة
عدد المتعاطين

الأفيون / الماداك
261896

الكودايين
2459

المورفين
3920

الهيروين
30194

الشاراس
802401

البهانج
43643

المهدئات
37009

الماندراكس
70078

الروكيتس
7803

الكحوليات
224967

الإجمالي
1484370





ويوضح الجدول السابق عدد متعاطي المواد المخدرة فى باكستان وتؤكد هذه الأرقام التى تم الحصول عليها عام 1982 أن مخدر الشاراس أو عجينة القنب المدخن كانت شائعة الاستخدام، بالرغم من عدم وجود أى أنماط مفاجئة بالنسبة لدولة يبلغ تعداد سكانها مائة مليون نسمة، ولعل وباء الهيروين قد بدأ فى الثمانينات كما يتضح من هذا الجدول إذا أخذنا فى الاعتبار عدم وجود أي متعاطي للهيروين فى باكستان عام 1979 ، وفيما يتعلق بنسبة الإدمان فى المناطق الريفية والحضر يتضح أن "الشاراس "شائع الاستخدام فى البنجاب ولاسيما بين العمال الصناعيين والمهاجرين من المناطق الريفية للحضر، وكذلك فى المقاطعة الشمالية الغربية الحدودية ،فى حين ينتشر استخدام مخدر البهانج فى المناطق الريفية فى مقاطعة السند، فى حين ينتشر استخدام الأفيون فى مناطق الحضر فى البنجاب وبالوخستان، إلا أنه ظهر فى مناطق الحضر فى السند اعتبارا من عام 1982 ، وأصبحت المخدرات المصنعة الحديثة شائعة الانتشار فى المدن كروالبندى وإسلام آباد ولاهور وكراتشى.

وقد أدت التحولات الإقليمية التى وقعت عام 1979 إلى تحويل باكستان من دولة تقف على هامش تجارة المخدرات العالمية إلى دولة لا تكتفي فقط بمجرد إنتاج وتصنيع الأفيون، بل وتقدم طرقا هامة لنقل المخدرات للأسواق العالمية،ويتم كل ذلك من خلال عصابات مافيا محلية ذات باع طويل فى التهريب الدولي،ومع حركة الكميات الهائلة من الهيروين عبر باكستان، أصبح الأمر مجرد مسألة وقت حتى تجد البلاد نفسها فى مواجهة حادة مع مشكلة حقيقية أصبحت بمثابة الوباء كظاهرة إدمان الهيروين.

بدأت تلك الأحداث بالثورة الإيرانية فى فبراير عام 1979، عندما حظر نظام الخوميني كافة أنواع إنتاج واستخدام المخدرات، وأعدم العديد من بارونات المخدرات المعروفين عقب محاكمات سريعة فى محاكم الثورة الإيرانية، ومع إحكام النظام لقبضته على مقاليد البلاد، توقف المزارعون أو على الأقل خفضوا من زراعة الخشخاش إلى حد كبير، وأجاز البرلمان الإيراني المعروف باسم المجلس قوانين تجيز تنفيذ عقوبة الإعدام على تجار المخدرات، وبالرغم من النظر فى قضايا المخدرات فى محاكم عادية إلا أن عقوبة الإعدام لا تزال مطبقة. وكان نتيجة لذلك أن اختار تجار المخدرات والوسطاء الإيرانيون إما العمل بصورة سرية ، أو السفر للخارج سواء إلى باكستان أو إلى دول الخليج ، واستقر عدد قليل ممن أتوا إلى باكستان فى منطقة قيتا فى مقاطعة بالوخستان فى حين توجه الكثير منهم إلى كراتشى.

وقد لعب هؤلاء التجار دورا أساسيا فى نقل تجارة المخدرات إلى باكستان وأفغانستان، إذ أتاحوا الفرصة أمام مهربي المخدرات الباكستانيين للوصول إلى الشبكات الدولية، بل وتفيد الأنباء أنهم قد استقدموا الخبراء لتدريب الباكستانيين على العمليات الكيمائية البسيطة لتحويل الأفيون إلى مورفين وهيروين، وبل وقدم تجار المخدرات الإيرانيون رأس المال اللازم الذى جعل منطقة وادي هيلماند تصبح مركزا رئيسيا لإنتاج الأفيون خلال فترة الثمانينات، وساعدوا كذلك على إقامة طرق تهريب سرية عبر بالوخستان الإيرانية عن طريق منطقة سيستان، وسرعان ما استغلوا طرق التهريب القائمة بين سواحل ماكران والمواني الواقعة على الخليج.

أما الحدث الثاني الهام فى المنطقة فقد كان قيام نظام ضياء الحق بسن قانون حظر المخدرات عام 1979، والذى حظر بدوره زراعة وتوزيع الأفيون، وقد ساعد هذا القانون الذى جاء فى إطار سياسة ضياء الحق الإسلامية على دفع تجارة الأفيون عبر قنوات سرية، وإلى أيادي تجار المخدرات التقليديين فى المقاطعة الشمالية الغربية الحدودية والبنجاب، وفى ظل وجود عدد من وحدات التصنيع فى المقاطعة الحدودية، وإمكانية التوسع فى زراعات الخشخاش فى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي فى المقاطعة، لم يستغرق الأمر طويلا حتى تنتقل عصابات التهريب نحو تصنيع الهيروين، وتهريبه عبر قنواتها السرية للتصدير للسوق العالمي.

ولا شك أن الاتصالات التى أقامها الباكستانيون مع تجار المخدرات الإيرانيين والتايلانديين قد سهلت كثيرا من الأمر أمام التجار الباكستانيين إلا أن هؤلاء الخبراء بالطبع لم يعدموا وسيلة لاحقا لإنجاح تجارتهم بسبلهم الخاصة دون مساعدة من أحد، إذ مثل الهيروين بالنسبة لهم الشيء الثمين الذى ينقصهم لإيجاد نوع من التوازن مع اتجارهم فى السلع الاستهلاكية كالأجهزة الكهربائية وغيرها والذهب ، وتعد شبه القارة الهندية مستوردا رئيسيا للأدوات والأجهزة الكهربائية التى دأبت الحكومات على مر التاريخ على إحكام سيطرتها عليها وفرض الضرائب بشأنها، وقد برعت عصابات التهريب فى المقاطعة الحدودية فى جلب هذه السلع والمنتجات، إلا أن تجارتهم كانت محدودة نظرا لافتقارهم لوجود أي شئ يمكن مقايضته بهذه المنتجات، أو بيعه والحصول على مال لشراء ما يحتاجون إليه من سلع وأجهزة ، وبدأت تلك العصابات فى القيام بعمليات تهريب صغيرة للسجاجيد وغيرها لبيعها فى الخارج، إلى أن ظهر الهيروين وغير الوضع برمته، إذ وفر الموارد الهائلة حتى لصغار المهربين، ولا عجب أن أطبقت عصابات التهريب بفكيها على الفرصة الهائلة التى أتاحها لهم الهيروين.

أما الحدث الثالث الهام فقد كان الغزو السوفيتي لأفغانستان فى شهر ديسمبر عام 1979، إذ أدى احتلال السوفيت لأفغانستان والصراع الناجم فى المنطقة إلى قطع طرق التهريب القديمة بين أفغانستان وأوروبا عبر إيران وتركيا وعلى الحدود الإيرانية السوفيتية، وكانت هذه الطرق تخضع لحماية الجوالة الأفغان الذين يتاجرون فى كل شئ بدءا من الملابس والجينز الأمريكي حتى سيارات المرسيدس، وتاجر القليل منهم فى المخدرات أيضا ، إلا أن الغالبية العظمى لجأت لتسخير الفقراء الأفغان لتهريب الأفيون والقنب عبر الحدود مثلما فعل التجار الإيرانيون، ولذا أدى قطع هذه الطرق إلى تحويل معظم تجارة المخدرات إلى جهة الجنوب والشرق فى باكستان، ولم يستطع التجار الذهاب غربا إلى مشهد بل توجهوا إلى الجنوب الشرقي إلى كنداهار وقيتا وإلى نقاط أخرى لشحن تجارتهم فى نوشكى ودالبنادين فى مقاطعة بالوخستان الباكستانية ومنطقة روبات القريبة من ملتقى أفغانستان وباكستان وإيران.

انتشار الهيروين داخل باكستان

على الرغم من أن القرآن الكريم يحظر صراحة استخدام المخدرات (السورة الثانية – الآية رقم 219) ، إلا أن الباكستانيين والأفغان المتورطين فى الاتجار فى المخدرات يبررون أنشطتهم بأنها موجهة لغير المسلمين فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وقد أجمع علماء المسلمين فى المقاطعة الحدودية وبالوخستان وجنوب أفغانستان على ذلك، وأصدروا فتاوى تبيح زراعة الخشخاش وإنتاج الهيروين طالما أن تلك المخدرات غير موجهة للمستهلكين المسلمين، إلا أن الكثير من الباكستانيين سواء داخل أو خارج الحكومة ينظرون إلى الهيروين بوصفه خطرا داهما، ويهزؤون من مقولة تجار المخدرات بأن الهيروين بالنسبة لباكستان كالبترول بالنسبة لدول الشرق الأوسط. . . ثروة استراتيجية، ولا يرون أى ضرر فى استغلال الهيروين لإشباع حاجة المجتمعات الغربية المنحلة متأكدين أن الهيروين لن ينفذ داخل المجتمع الباكستاني.

أثبتت تلك الفرضية خطؤها الفادح ، إذ عصفإدمان الهيروين بباكستان ، وزاد عدد المدمنين بصورة هائلة خلال الثمانينات واستمر نفس الاتجاه التصاعدي لاحقا كما يتضح من الجدول التالي:

إدمان المخدرات بين الذكور فى باكستان




العام
عدد مدمني أو متعاطي الهيروين
عدد مدمني أو متعاطي الأفيون

1979
2500
261896

1982
30194

1983
96000

1986
657392
262071

1988
1079635
260745

1991
1200000



المصدر: بيانات الهيئة الباكستانية لمكافحة المخدرات أعوام 82 و 83 و 88 (لم يتم نشرها) والتقارير الصحفية والمؤتمر الصحفي المنعقد فى إسلام آباد فى 5 يونيو 1992.

وطبقا لإحصاءات الهيئة لعام 1982، والتى نشرت عام 1986 فقد انحصرت إساءة استعمال الهيروين خلال عام 1980 فى بيشاور ولاهور وكراتشى والمناطق النائية الواقعة على الحدود الإيرانية، وانتشر بعد ذلك فى منطقة بالوخستان عام 1981 قبل أن يكتسح المقاطعة الحدودية والسند والبنجاب عام 1982، وقد أوردت دراسة للهيئة عدة أسباب وراء الانتشار السريع للهيروين فى البلاد تضمنت الآتى:

وجود نظام طويل وقائم لتهريب السلع والمنتجات بشكل عام، وتهريب المخدرات بشكل خاص عن طريق بعض القبائل والعصابات المسيطرة على عمليات الشحن الطويل والتهريب.

عمليات الاتجار المنظمة من المقاطعة الحدودية إلى كراتشي ومكران.

عدم معرفة المتعاطين بطبيعة وتأثير الهيروين ، بالإضافة إلى استعداد المدمنين لتجربة مخدر جديد (وأظهرت دراسة ميدانية أجريت فى منتصف عام 1992 أن هناك اعتقادا شائعا بأن تدخين المخدر قبل الممارسة الجنسية يزيد من المتعة الجنسية للمتعاطين).

تزايد أنشطة الجهات المعنية بتنفيذ القانون وجهودها لقمع الاتجار فى المخدرات داخل البلاد، مما دفع التجار لنقل نشاطهم إلى مناطق أخرى فى البلاد بعيدا عن أعين تلك الجهات.

وأظهرت الدراسة التى أجرتها الهيئة أن شبكات الاتجار فى المخدرات تسعى لخلق مجتمعات مدمنة داخل باكستان، على عكس الاعتقاد الشائع بأنه يجرى إنتاج الهيروين للتصدير فقط، ولذا لجأوا لمنح الجرعات الأولى مجانا ، أو بسعر الإغراق حتى يعتاد المدمنون عليه، ويقبلون على شرائه بعد ذلك مهما ارتفع ثمنه، وبذلك يضمن التجار تحقيق هوامش ربح عالية، وأحيانا ما كان الهيروين يباع بسعر أقل من الأفيون والشاراس، أو يلجأ التجار لإخفاء الأنواع الأخرى من المخدرات لضمان استهلاك الهيروين.

وهناك العديد من التقارير التى تؤكد منح الجرعات الأولى من الهيروين مجانا فى باكستان (وهذا يختلف تماما عن جلسات الأصدقاء التى يدفع فيها المتعاطون أصدقاءهم لتجربة المخدر لأول مرة) وتشير دراسة ميدانية أجريت مؤخرا أن الكثير من المتخصصين الباكستانيين المعنيين بدراسة أزمة الهيروين سواء من الصحفيين أو الأطباء المعالجين للمدمنين يلقون باللوم على الولايات المتحدة الأمريكية للانتشار السريع لتعاطي الهيروين داخل باكستان ، ويرى هؤلاء أن مسئولي هيئة مكافحة ووكالة المخابرات الأمريكية العاملين فى باكستان قد مولوا عمليات جلب الهيروين لخلق أزمة مخدرات داخل البلاد، ويرى البعض أن هذا يعد محاولة لمعاقبة باكستان لسماحها بازدهار مافيا محلية للمخدرات، فى حين يرى البعض الآخر إنها محاولة لدفع إسلام آباد للتعاون مع سياسات واشنطن فى مكافحة المخدرات، وبالنسبة للعقول التى تتبنى منطق المؤامرة وهو الحال بالنسبة للسواد الأعظم من الباكستانيين فلا يوجد أى تفسير آخر للانتشار السريع لإدمان الهيروين داخل البلاد.

وطبقا لإحصاءات الحكومة الباكستانية يوجد فى الوقت الحاضر نحو 1.2 مليون مدمن للهيروين فى باكستان ، فى حين يرى العديد من المراقبين لأزمة المخدرات أن العدد يقرب من 1.5 إلى 1.7 مليون مدمن ، ويجرى استهلاك نسبة كبيرة من الهيروين الذى يمر عبر باكستان أو إلى باكستان محليا (من 50 إلى 55 طن متري من إجمالي 70 طن متري) ويلجأ تجار المخدرات إلى الترويج محليا للهيروين لتغطية تكاليف الإنتاج والشحن ، وبذلك يكون الهيروين أو المورفين الذى ينجحون فى تهريبه ربحا صافيا لبارونات المخدرات بعد تغطية كافة المصاريف الأخرى من البيع المحلي.

وبالرغم من كل ما سبق هناك بعض المؤشرات الإيجابية، فيذكر أحد المتخصصين فى علاج مدمني الهيروين فى لاهور أن عدد المترددين للعلاج قد انخفض بصورة كبيرة فى الفترة من منتصف عام 1991 حتى عام 1992 سواء ممن يأتون طواعية ، أو بصحبة ذويهم، وأشار إلى أن هؤلاء المدمنين ينتمون لعائلات موسرة ، ولأسر التجار ورجال الأعمال، ويؤكد الخبراء بذل الجهود لنشر المعلومات حول أخطار تعاطي الهيروين فى لاهور وكراتشى بين أوساط المثقفين والمتعلمين، ويقوم فى كراتشى بعض الأشخاص ممن أقلعوا عن التعاطي بإرشاد ونصح الآخرين وتوعيتهم، وربما تكون كلية الطب استثناء من ذلك حيث تزداد الضغوط الدراسية ونسبة الإدمان بين الطلبة، وهناك العديد من حالات الوفاة نتيجة لتعاطي جرعات زائدة من الهيروين فى كليات الطب فى كراتشى.

ومن ناحية أخرى لا يزال تعاطي الهيروين منتشرا فى مناطق الحضر الفقيرة فى كراتشي، بل ويشهد الاتجاه تصاعدا فى المدن الصغيرة والمناطق الريفية فى كافة أنحاء باكستان، وكان العديد من الصحفيين ومسئولي الحكومة قد قاموا بزيارات لمسقط رأسهم عام 1992 وتحدثوا عن وباء الهيروين المنتشر فى قرى باكستان.

متعاطو الهيروين

من الصعب رسم صورة محددة لمدمني الهيروين فى باكستان لأن الهيروين هو المخدر الأول الذى يتجاوز كافة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية التى تميز الاستخدام التقليدي للمخدرات فى البلاد، وأصبح من الواضح تماما أن الهيروين قد مس كل جزء فى المجتمع الباكستاني وإن كان قد أثر على بعض المجموعات الاجتماعية أكثر من غيرها، وقد أظهرت الدراسات والأبحاث الميدانية الحقائق التالية:

أظهر المسح الذى أجرى عام 1983 على الذكور فقط أن مدمني الهيروين إما من الشباب فى أواخر فترات المراهقة الذين لم يجربوا قط المخدرات أو من المدمنين السابقين لأنواع أخرى من المخدرات (وغالبيتهم فى منتصف أو أواخر العشرينات من عمرهم) ، والذين تنقلوا من مخدر لآخر، ومن أكثر المخدرات الشائع استخدامها قبل الهيروين الشاراسى والكحوليات والماندراكس.

أن متوسط عمر مدمني الهيروين كان 24 عاما فى سنة 1983 و 27.5 عاما فى سنة 1988، والجدير بالذكر أن 89.4 بالمائة من المدمنين عام 1983 كانوا ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 30 عاما و 75.8 بالمائة من غير المتزوجين ، أما بالنسبة لمجموعة مستخدمي المخدرات لأول مرة فقد كان سن معظمهم من 15 إلى 19 عاما، ونسبة 31.2 بالمائة ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاما ، وذكر 75.6 بالمائة من هؤلاء أنهم تعاطوا أول جرعة فى حياتهم من أصدقائهم.

كان غالبية متعاطي الهيروين عام 1983 من المتعلمين (60.3 بالمائة) ، سواء من أكملوا تعليمهم الثانوي (39.4 بالمائة) أو من استكملوا دراستهم لمدة عامين بعد المدرسة الثانوية (37.1 بالمائة) ، ولم تتعد نسبة من انتهوا من الدراسة الجامعية 6.1 بالمائة ، أما مجموعة الأميين (39.7 بالمائة) فقد تركزت بين فقراء المدن.

وأظهر مسح عام 1983 أن 31.5 بالمائة من متعاطي الهيروين من المتعطلين، وأن 78.7 بالمائة من هؤلاء يعتمدون على أسرهم ماديا ، إلا أن الدراسة قد أوردت بعض المعلومات المشوشة حول وظائف المدمنين، واحتوت على جدولين متضاربين بالنسبة لمناصب المتعاطين، ومع ذلك فقد أمكن من خلال التقارير المتاحة، والمسح الذى أجرى عام 1988 ومن اللقاءات التى أجريت مع المصادر المطلعة فى باكستان - أمكن الخلوص إلى الحقائق التالية:

ينتمي 6 بالمائة من متعاطي الهيروين لصفوة المجتمع وكبار رجال الصناعة والتجارة وكبار مسئولي الحكومة، وقد تعلم معظم هؤلاء تعاطي المخدر فى الخارج، ويتميزون بإقبالهم على الأنواع ذات الجودة العالية من الهيروين (ويتعاطى المدمنون الهيروين إما عن طرق التدخين (27%) أو الاستنشاق (71%).

وينتمي نحو 9 بالمائة من المدمنين إلى الطبقة المتوسطة، كالعاملين فى مجال التعليم وقطاعات العمال الحديثة كالصرافة والإنشاء والتعمير والعقارات وما شابه ذلك.

وينتمي 38 بالمائة من متعاطي الهيروين للطبقة المتوسطة الدنيا أي أبناء التجار وموظفي الحكومة من الدرجة الثالثة وموظفي المكاتب ورجال الدين وغيرهم ، ويتميز أبناء تلك الطبقة بتطلعاتهم الهائلة التى دائما ما تنتهي بهم إلى إحبـاط نظرا لعجز مواردهم عن مسايــرة تطلعاتهم، سـواء مـن جــراء ضعف النظام التعليمي أو نقـص الوظائـف أمام الشباب المتعلـم، ومعظـم طلبـة الكليـات الذيـن يدمنـون الهيروين ينتمون لتلك الطبقة التى تعد أقوى طبقة اجتماعية متمسكة بتقاليد الإسلام فى المجتمع.

وينتمي 14 بالمائة إلى الأسر التى يعمل أربابها فى الأعمال الفنية كأعمال الكهرباء والميكانيكا واللحام وقيادة الشاحنات والسيارات.

وينتمي 20 بالمائة إلى الأسر التى يعمل أربابها فى المهن التى لا تتطلب مهارات معينة كالعمل فى المصانع والخدمة الحكومية من الدرجة الرابعة، وعمليات إنشاء الطرق وخدمة المنازل.

وينتمي نحو 14 بالمائة إلى الأسر العاملة فى الوظائف الهامشية كالعاملين فى كنس الشوارع، والعمالة الزراعية فى المناطق الريفية والنظافة وما شابه ذلك.

المقاطعة الحدودية وأزمة الهيروين فى باكستان

تعد المقاطعة الشماليــةالغربيـة الحدودية مكانا مثاليا لإقامة صناعة الهيرويــن غير المشروعة ، فزراعات الخشخاش تنمو هناك على مدى عدة قرون، وتتميز بقدرتها على مقاومة الجفاف والآفات، كما ينمو نبات الخشخاش فى التـربة الصخريــة المرتفعــة، ولـذ اعتمدت قرى ومجتمعات بأسرها على زراعة الخشخـاش كمحصول نقدي أساسي، ولذا اهتمت تلك المنطقة بزراعة الخشخاش فى فصل الربيع والذرة أو الجوار فى فصل الخريف كمصدر من مصادر الغذاء ، وكانت مناطــق زراعة الخشخاش التقليدية على مر التاريخ هى سلسلة مهابان فى مقاطعة سوابي وبونير وأجزاء من منطقة مالاكاند المحمية ، وفى مرتفعات وديان نهر بانجكورا فى دير ، ولكن مع تجريم زراعة الخشخاش ، ووضع برامج للزراعات البديلة امتدت زراعة الخشخاش فى دير،وظهرت كذلك فى المناطق القبلية ذات الإدارة المركزية فى باجور وخيبر، وتفيد التقارير أن مزراعي كمارخيل أفريدى قد زرعوا أربعة آلاف هكتار من الخشخاش عام 1992، ويشير الجدول الثالث إلى تقديرات هيئة مكافحة المخدرات حول إنتاج الخشخاش فى السنوات الأخيرة.

إنتاج الأفيون فى باكستان





المساحة المزروعة بالخشخاش

مقدرة بالهكتار
الأفيون المنتج

مقدر بالطن المتري

32600
800

3550
125

3240
85

2940
67

2750
63

2190
45

2000
40

6107

5530
118

6600
130

7555
130

7578
150

8060
160

10400
200



ربما يرجع السبب فى اختلاف الإنتاج لتغير الظروف المناخية أو لتلف بعض الحقول.

تقع المقاطعة الحدودية غرب نهر الإندوس ، وتقطنها الغالبية العظمى من قبائل البشتون المعروفة بثقافتها الحربية وحبها للسلاح وازدراء كافة القوانين باستثناء قوانينها الخاصة بها، وتتجسد ثقافة البشتون على سجيتها فى المناطق الواقعة على الحدود الباكستانية الأفغانية، وفى المنطقة الجبلية شمال بيشاور حيث تكاد تنعدم سطوة الحكومة على المنطقة.

وبالرغم من تمتع قبائل البشتون التى تقطن الجبال بدرجات متفاوتة من الاستقلالية، إلا أن أكثرهم حرية هم من يعيشون على الحدود الباكستانية الأفغانية القاحلة ، حيث يتحررون تماما من الانصياع لأية قوانين تفرضها حكوماتهم، وتمارس إسلام آباد إدارتها لتلك المنطقة من خلال ما يعرف باسم الهيئات القبلية ذات الإدارة اللامركزية ، وتمارس باكستان سيادتها المطلقة من خلال ممثل سياسي لها فى كل هيئة بمساندة القوات شبه العسكرية من رجال القبائل.

ويحتاج الممثل السياسي للحكومة مهارات دبلوماسية وصبرا شديدا، وقدرة هائلة على التفاوض من أجل إحلال السلام فى المنطقة وحماية مصالح الحكومة، وتسيطر القوة النظامية الحدودية على عدد من الحصون والمواقع المقامة بين المناطق القبلية الواقعة تحت الإدارة الفيدرالية والأقاليم، وبذلك تعد الخط الأول للدفاع ضد أى هجوم على الحدود.

وتعيش القبائل الحدودية الرئيسية كقبيلة وزير ومسعود وبهاتاني ومنجال وبنجاش وأوراكزاى وأفريدى ومهمند وطارق نارى وعثمان خيل طبقا لقوانينها وأعرافها الخاصة، وهم ينظرون لأنفسهم بوصفهم أناسا أحرارا لا سلطان لأحد عليهم ، بل ويعمدون إلى تأليب إسلام آباد وكابول كل ضد الآخر، وظلت تلك القبائل تقاوم عملية الاندماج البطيئة مع باكستان على الرغم من إدراك شباب القبائل لاحتياجهم وضرورة اعتمادهم على الحكومة الباكستانية من أجل توفير الكهرباء وشبكات الطرق والخدمات الأساسية كالتعليم، وخلال الصراع الدائر فى أفغانستان ساند معظم أبناء البشتون المجاهدين الأفغان، فى حين حاولت قبائل أبناء أفريدى وأبناء محمند انتهاز الفرصة لحماية مصالحهم الخاصة، وعمليات التهريب التى يقومون بها عبر الحدود.

ولا عجب أن استغلت قبائل الحدود الصراع من أجل دعم وضعها، حيث أجبروا المجاهدين العائدين للحرب داخل أفغانستان على دفع رسوم مرور عبر أراضى القبائل، وقد مكنت هذه الرسوم التى كانت تدفع إما نقدا أو عينا على هيئة أسلحة – مكنت قبائل الحدود من بناء أنفسهم وحشد ترسانات من الأسلحة والذخيرة.

ويقول رجال القبائل الحدودية إنهم كانوا يخشون الجيش الباكستاني قليلا قبل الحرب الأفغانية، أما الآن فقد قل خوفهم منه كثيرا عن ذي قبل، أما على صعيد العلاقات مع الهند والتى تعد المصدر الحقيقي لمخاوف باكستان الأمنية، فترغب إسلام آباد فى الإسراع فى عملية اندماج القبائل داخل المجتمع الباكستاني لتأمين حدودها.

ويعد تهريب المخدرات من المهن القديمة التى يعتز بها سكان المقاطعة الحدودية على طول الحدود الباكستانية الأفغانية ، وظلت الحكومات فى المنطقة مغمضة أعينها على مر القرون عن عمليات التهريب طالما حافظت القبائل والعشائر الحدودية على إحلال السلام، ومساندة مطالب الحكومة بالسيادة الإقليمية ولو بالكلمة، وقد اكتشفت الحكومات المتعاقبة أنه أيسر عليها وأوفر مالا أن تغمض أعينها عن عمليات التهريب، وتترك تلك القبائل الحدودية تعيل نفسها من خلال ما تقوم به من تهريب غير مشروع بدلا من بذل الجهد لقمع عمليات التهريب كلية، فالقمع يؤدى دائما لإزكاء هجمات القبائل وإغارتها على المناطق المجاورة، والقيام بعمليات اختطاف طلبا للفدية ، ونشوب موجات متلاحقة من العنف.

وسمحت الحكومة – بصورة غير رسمية – بإقامة أربعة أسواق للمهربين فى منطقة خيبر بما فى ذلك تجارة الهيروين، من بينها لاندى كوتال فى وسط ممر خيبر للاتجار فى السلع المهربة الوافدة عبر الحدود عند نقطة تورخارن أو عبر ممر شيلمان، ويخدم منطقة لاندى كوتال خط حديدي للركاب يعمل مرة أسبوعيا ، إلا أن لاندى كوتال قد تنازلت عن السوق لمنطقتي بارا وجامرود بالقرب من بيشاور.

وتقع جامرود على الحدود بين بيشاور وخيبر، ويمر الطريق السريع الدولي بين بيشاور وكابول عبر جامرود ثم بعد ذلك إلى ممر خيبر الشرقي، وبالرغم من عدم أهمية السوق الذى يقام فى جامرود، إلا أن أهميتها تكمن فى أنها معبر رئيسي كطريق تجاري، ومعبر رئيسي للتهريب الذى تستخدمه قبائل مهمند، ونظرا لوقوعها فى أراضى كوكي خيل أفريدي يقيم معظم لوردات المخدرات المشهورين تجمعات سكنية لهم بالقرب من جامرود.

وأقيم سوق بارا بالقرب من قلعة بارا عام 1962 أيام نظام الرئيس محمد أيوب خان، إذ أراد الرئيس خان أن يضعف من سطوة قبائل زاخا خيل أفريدى الذين لم يساندوا باكستان بصورة كافية خلال أزمتها مع أفغانستان عام 60/1963 ، وتقع منطقة بارا بين أراضى قبائل أكا خيل أفريدى وبارا مهمند ، ويعد السوق من أكبر أسواق المهربين وأكثرها تنوعا.

وتشتهر منطقة دارا آدام خيل بأنها مركز هام لصناعة البنادق المحلية فى باكستان، وكذلك كسوق للبضائع المهربة والمخدرات، وتعد منطقة دارا اليوم نظرا لتميز موقعها – أكبر معبر لتجارة الهيروين، ýويلجأ صغار التجار وشبكات التهريب الصغيرة والسيخ وأهالي كشمير إلى دارا للحصول على ما يحتاجون إليه من مخدرات ، وطبقا لمصادر باكستانية عليمة فإن تجار المخدرات فى دارا يبيعون الهيروين فى شحنات لا تقل عن 25 كيلو جراما ، بل ويعرضون خدمات توصيل الهيروين لأى مكان فى البلاد نظير أجر إضافي، وفى يونيو عام 1992 بلغ سعر شحنة الهيروين التى تزيد 25 كيلو جراما 30 ألف روبية فى دارا ، ويتضاعف سعرها إلى 60 ألف روبية إذا تم التسليم فى لاهور و 80 ألف فى كراتشى.

أهم شبكات المخدرات فى المقاطعة الحدودية

هناك عدد كبير من شبكات الاتجار فى المخدرات التى لا تزال غير معروفة ، ومع ذلك يمكن تحديد أربع شبكات رئيسية تمارس عملها فى المقاطعة الحدودية.

تجار جنداف

تقع مدينة جنداف على الضفة الغربية لخزان نهر تاربيلا، ويقطنها العديد من قبائل جادون بشتون ، وخليط من القبائل والعشائر التى تشردت بسبب إقامة مشروع تاربيلا، وينتمي معظم التجار فى مدينة جنداف لقبيلة جادون المسيطرة على منطقة جادون، ويعمل تجار قبيلة جنداف فى العديد من الأشغال كالإنشاء والتعمير وقيادة الشاحنات فى الأسفار الطويلة، إلا أن بدايتهم كانت التجارة غير المشروعة بين المقاطعات، وتهريب الثلاجات والأجهزة الكهربائية ومخدر الشاراس فى العجل الداخلي للشاحنات عبر وادي الإندوس والبنجاب ومدينة غازى على الضفة الشرقية للنهر، ولحماية مصالحهم الخاصة وتجارتهم غير المشروعة كون تجار جنداف قوة عسكرية خاصة بهم قوامها مائتان من الرجال الأشداء المسلحين، ومن المعروف عن هؤلاء قدرتهم وبأسهم وترويعهم لكل من يقف أمام مصالحهم، وبعد صدور القرار الخاص بإقامة "الحد "على تجار الأفيون عام 1979، بدأ تجار جنداف السيطرة على تجارة الأفيون بصورة سرية، ويتردد أنهم قد أقاموا معملين على الأقل للهيروين الخام فى أوائل الثمانينات.

وفى تطور آخر للأحداث أصبحت جادون فى الثمانينات مركزا هاما لمشروعات المعونة الأمريكية لتوفير فرص عمل بديلة لمزارعي الخشخاش فى المنطقة ، ولما بلغت المساعدات الأمريكية لباكستان ذروتها خلال الحرب الأفغانية ،وافقت إسلام آباد على إقامة مشروع جادون الصناعي وأعفته من الضرائب، ومنح برنامج المعونة الأمريكية مبلغمليون دولار لإقامة وتطوير الطرق اللازمة وسائر مشروعات البنية التحتية ، إلا أن هذا المشروع لم ينجز فى الوقت المحدد له، وتأخر عن الجدول الزمني فى ظل حكومة جانيجو (1985-1988) إذ رأى رجال الأعمال أن امتيازات المشروع ضئيلة للغاية ولا توازي الانتقال لتلك المنطقة النائية، وفى نفس الوقت ظل تجار جنداف فى تقديم العون والمساعدة لمزارعي الخشخاش فى المنطقة، وفى مارس عام 1986 أرسلت الحكومة قوات الشرطة لتدمير محصول الخشخاش فى جادون، مما أدى إلى اشتعال الاشتباكات المسلحة مع المزارعين، وأسفرت عن مصرع 16 شخصا ، وفى نهاية المطاف وافق شيوخ القبيلة فى جادون على حظر زراعة الخشخاش مقابل الحصول على حصة معينة فى قوة العمل فى مشروع جادون ، ثم جاءت حكومة بنازير بوتو (1988-1990) واستطاعت استكمال العمل فى المشروع من خلال تقديم حوافز إضافية فى أوائل عام 1989.

وبالطبع لم يتخل تجار جنداف كلية عن تجارة الأفيون حيث واصل المزارعون فى منطقة بونر المجاورة وفى غيرها من المناطق الأخرى زراعة الخشخاش ، إلا أن كمية المحصول فى المنطقة قد انخفضت عن ذي قبل، وفى مايو عام 1991 انقلب الحال مرة ثانية لصالحهم ، عندما اضطر رئيس الوزراء نواز شريف – تحت ضغط رجال الصناعة فى البنجاب وكراتشي - لسحب المميزات الرئيسية التى منحتها الحكومة السابقة لمشروع جادون الصناعي، وبذلك سحب البساط من تحت هذا المشروع ، واضطر ملاك المصانع إلى وقف أعمالهم كلية أو نقل نشاطهم، وعلى الرغم من أن أكثر من 3500 من العمال الصناعيين العاملين فى المشروع كانوا قد قدموا من البنجاب ، إلا أن المشروع فى مجمله قد وفر نحو 15 ألف فرصة عمل للمواطنين المحليين فى المنطقة.

ونتيجة لهذا الوضع عاد مزارعو الجادون مرة أخرى لزراعة الخشخاش بتشجيع من مسئولي المقاطعة الحانقين الذين شعروا أن إسلام آباد قد خانت المشروع الصناعي الكبير، ورجع تجار جنداف لاحتضان زراعة الخشخاش ، بل بدءوا فى تحويل الأفيون لهيروين، والجدير بالذكر أن قوات الشرطة قد صادرت خلال الشهور الستة الماضية كميات كبيرة من الهيروين القادمة من منطقة تاربيلا، وتمت أكبر عملية مصادرة فى شهر مايو عام 1992، عندما وقعت فى أيدي الشرطة شحنة تزن 32 كيلو جراما من الهيروين النقي من شاحنة بمنطقة بدابير عن طريقكوهات ، وكان ركاب الشاحنة من أهالي غازى – تاربيلا.

قبائل الصفوة يوسف زاى وخاتاك

لا يعرف الجميع الشيء الكثير عن أنشطة الاتجار فى المخدرات التى يقوم بها أفراد قبيلتي يوسف زاي وخاتاك من ذوي النفوذ ، إذ تنخرط المجموعتان فى الكثير من المناصب ويمثل أفراد القبيلتين الجزء الأعظم من الباتان المعينين كضباط وجنود فى الجيش الباكستاني ، إذ يمثلون نحو 22 بالمائة من إجمالي قوة الجيش، وتنتمي كبار الأسر فى القبيلتين عن طريق المصاهرة إلى قبائل الصفوة وينتشر أبناؤهما فى معظم المؤسسات العامة والخاصة الرئيسية فى باكستان، سواء الجيش أو قطاع الخدمة المدنية أو قوات الشرطة وقطاع البنوك والصناعة والشركات متعددة الجنسيات، ومن المعروف أن صلة الدم والقرابة تشكل عصب الحياة فى باكستان ، وتتضح فى أبرز صورها فى المناطق الحدودية ، إذ تعمل الأسر والعشائر كتجمعات نفوذ يستخدم فيها أفرادها بأسهم وسطوتهم ومواقعهم فى المؤسسات الكبرى لحماية مصالحهم الخاصة ، ولحماية بعضهم البعض إذا دفعت بهم مصالحهم خارج حدود القانون.

تلقى السلطة والنفوذ ظلالا ثقيلة فى باكستان ، ويحاول المهربون وتجار المخدرات حماية أنفسهم تحت مظلة السلطة والنفوذ ، سواء عن طريق علاقات المصاهرة مع أصحاب النفوذ ، أو عن طريق تقديم الهدايا والهبات، أو عقد صفات تجارية، أو تقديم خدمات لا غنى عنها، وبالطبع تعد حاشية ذوى النفوذ هى المكان الآمن إذ أنها توفر الحماية من قوات الشرطة ، وإمكانية الدخول إلى كافة دهاليز السلطة، فضلا عن حرية ممارسة النشاط فى ظل تلك الحماية، ولعل أبرز مثال لذلك ما حدث خلال فترة حكم الرئيس ضياء الحق (توفى عام 1988) ، وربما يكون هناك قليلون ممن يتشككون فى نزاهته الشخصية ولكن من المعروف وجود رجال فى حاشيته ممن استغلوا مراكزهم لدعم وحماية مصالح غير مشروعة بما فى ذلك الاتجار فى المخدرات ، وقد استخدم اثنان من طياري الرئيس ضياء الحق طائرة الرئاسة لتهريب الهيروين (أحد هؤلاء كان متوجها للولايات المتحدة عندما كان الرئيس فى زيارة رسمية لأمريكا) ، وقد تم إلقاء القبض على حامد حسنين المستشار المالي للرئيس ضياء الحق عام 1985 لعلاقته بعمليات تهريب هيروين لأوروبا عبر النرويج، وكان حسنين يتمتع بحرية تامة بلا أية قيود فى الدخول إلى منزل الرئيس،كما تولى حسابات أسرة ضياء الحق لمدة خمس سنوات على الأقل، وقد تم اعتقاله لأن النرويج هددت بإثارة أزمة دبلوماسية، ولو كان حسنين قد تعرض للتحقيق فى باكستان لكان الرئيس ضياء قد طلب تفسيرا ليس من حسنين ذاته، ولكن ممن اصدروا الأوامر باعتقاله.

وتنقسم الآراء بشأن اللفتانينت جنرال فضل الحق أحد أقرب المساعدين لضياء الحق، وسليل أسرة مردان يوسف زاى، وقد عمل الجنرال فضل الحق كثيرا مع الرئيس ضياء الحق ،سواء فى القوات المدرعة ، أو فى هيئة القيادة العسكرية حيث ساعد فى عملية التخطيط للإطاحة برئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو، ثم أصبح محافظ المقاطعة الحدودية لفترة طويلة، وكبير مستشاري ضياء الحق خلال الحرب الأفغانية، وعقب تركه للخدمة فى الجيش، حول فضل الحق مواهبه تجاه العملية الانتخابية، وقد تم اعتقاله وحبسه خلال حكومة بنازير بوتو بتهمة إصدار الأوامر بقتل الزعيم الشيعي العلامة عارف حسين، وقد اغتيل فضل الحق فى الثالث من أكتوبر عام 1991 بعد فوزه فى الانتخابات بمقعد فى برلمان المقاطعة.

وخلال حياته الحافلة ترددت الأقاويل حول تورطه فى تجارة المخدرات، وإن ظلت بلا دليل كتورطه فى مقتل العلامة عارف حسين، ولم يثبت أى أحد دافع فضل الحق فى عملية الاغتيال اللهم سوى بعض التقارير التى تفيد بكره الجنرال فضل الحق للزعماء الدينيين والسياسة الدينية، وكان الجنرال فضل الحق دائم الإنكار لتورطه فى الاتجار فى المخدرات ، وإن كان معروف عن عدد من أقاربه الاتجار فى المخدرات بما فى ذلك عمه رويداد خان الذى نظم الاتصالات مع مزارعي الخشخاش فى بونير وملاكاند سوات ودير فى الشمال ، وكذلك أخوه فضل رازق زعيم مجموعة مردان ، ويؤكد خبراء مطلعون أن رازق لديه اتصالات مع شبكات المخدرات فى جنوب شرق آسيا من خلال كبار ضباط الجيش التايلاندى، وبعض المسئولين فى بانكوك، والجدير بالذكر أن الرئيس ضياء الحق قد عين فضل رازق عام 1986 ممثلا لباكستان لدى هونج كونج، وتفيد المصادر أن رازق قد حمل معه حاوية كاملة لهونج كونج كأمتعة دبلوماسية ، وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن تلك الحاوية التى ظلت فى كراتشي لمدة عامين ولكن دون أى تفتيش كانت تحوى كميات هائلة من الهيروين.

ما فيا عائلة أفريدى

تعد مافيا عائلة أفريدي من أهم الجماعات وأكثرها تأثيرا على مستقبل عمليات الاتجار فى المخدرات داخل وعبر باكستان، كما تسيطر على عمليات التهريب عبر الحدود بلا منازع ، ولا شك أن وقوع أراضيهم على شكل هلال يحيط ببيشاور من الجنوب للغرب، وسيطرتهم على ممر خيبر الذى يعد المعبر الرئيسي الشمالي لشبه القارة الهندية قد جعل من عائلة أفريدى قوة لا يستهان بها، ودائما ما كانت جميع القوى فى المنطقة تعمل لهم ألف حساب سواء من المغول أو السيخ او الدوراني أو البريطانيين أو الباكستانيين أنفسهم، وأقام آل الأفريدى الكثير من الحصون والقلاع فى منطقتهم لحماية ديارهم ، ويتورط أفراد الأفريدي فى عمليات الخطف والقتل وتهريب المخدرات وإنتاجها وسرقة السيارات وما غير ذلك ، وتتكون المجموعة من نحو 400 ألف فرد وهى مقسمة إلى ثمانية عشائر أهمها زاخاخيل وهى اكبر عشيرة من حيث العدد والأشد بأسا وعدم الالتزام بالقانون، ثم الكوكى خيل التى تسيطر على أهم موقع استراتيجي فى المنطقة بأسرها، وعشيرة آدم خيل المعروفة بامتلاكها لمصانع إنتاج السلاح وتجارة السلاح غير المشروعة ، وقد ساعدت الحرب الأفغانية تلك العشيرة على إجادة تقنيات الأسلحة الحديثة والمعقدة، وتمكنوا من نشر تجارتهم فى منطقة جنوب آسيا بأسرها بما فى ذلك سرى لانكا، وهناك أيضا عشيرة أكا خيل التى قاومت محاولات الحكومة الباكستانية لإقامة طريق وادى بارا.

تولى العديد من آل الأفريدى مناصب مختلفة على مر العصور أبعدتهم جميعا عن أصولهم القبلية، أما بالنسبة لمن بقوا فى منطقة خيبر وحول منطقة بارا فلم يعملوا قط فى تجارة أو عمل مشروع ، وحتى سائقي الشاحنات على المسافات الطويلة حتى كراتشى كانوا يستخدمون شاحنتهم كقنوات للتهريب، ويعيش كبار المهربين وتجار المخدرات داخل منطقة خيبر فى ظل حراسة مشددة وتجمعات سكنية أشبه بالقلاع حيث لا وجود لقانون العقوبات الباكستاني ، ومع ذلك يضطر أفراد قبيلة الأفريدى للتعامل مع المجتمع المدني خارج الحدود القبلية لحماية "مصالحهم المشروعة "فى التجارة والنقل وهم فى ذلك يعتمدون على قبيلة خليل كهمزة وصل بينهم وبين العالم الخارجي.

اشتغل آل الأفريدى بتجارة الهيروين منذ البداية، بل واشتركوا فى كافة المراحل المختلفة لدورة الإنتاج بدءا من تقديم مبالغ نقدية مقدما للمزارعين ، وجمع الأفيون ونقله إلى المعامل، ثم توزيعه داخل باكستان وعبر القنوات الدولية ، وفى أوائل الثمانينات ظهر فى منطقة خيبر بعض المعامل لإنتاج الهيروين ، وبحلول عام 1984 أفادت الأنباء بوجود 60 معملا من هذا النوع فى المنطقة ،ويعتقد الخبراء أن هناك فى الوقت الحالي أكثر من مائة معمل فى خيبر ، ومنها المعامل المتنقلة التى تنتقل على الشاحنات أو سيارات الفان ومن أشهرها سيارات ماركة تويوتا هاياس.

وخلال فترة الثمانينات ذاع صيت مالك والى خان من عشيرة كوكى خيل (الذى توفى عام 1990) ، وهو أحد أبرز أفراد قبيلة أفريدى ، وعضو سابق فى البرلمان (من عام 1960 حتى عام 1965) ، وقد عمل لفترة طويلة فى تجارة البضائع المهربة بما فى ذلك السيارات والسلاح والأفلام الإباحية ، والسلع الاستهلاكية ومخدر الشاراس وغيرها، وقد بدأت الحكومة الآن فى ممارسة ضغوطها على القبيلة من أجل إغلاق معامل الهيروين القائمة على أراضيها، وردا على ذلك أدان مالك والى خان محاولة الحكومة للسيطرة على "الثروة الطبيعية "لعائلة الأفريدى ، ونظم جيشا من رجال القبيلة قوامه عدة آلاف رجل (يزعم مالك أن جيشه يتألف من 20 ألف رجل) بل وحاول أن يكره المواطنين على مقاطعة الانتخابات عام 1985 ، ونجح بالفعل فى إغلاق سوق لاندى كوتال ووقف نشاطه كلية لمدة أسبوع.

ولما فشلت الحكومة فى حل الموقف بصورة ودية عن طريق عقد مجلس لكبار القوم فى قبيلة أفريدى، لجأت لاستخدام القوة ، وبادرت بفتح السوق باستخدام كتيبة من قوات الجيش النظامي ، وانتقلت القوات إلى منطقة غونداى ، واجتاحت البلدوزرات المجمعات السكنية ودمرت أحد مصانع الرخام التى تمتلكها عشيرة كوكي خيل ، وأعلنت تدمير 40 معملا لإنتاج الهيروين ، ونتيجة لذلك تقهقر مالك فى بادئ الأمر لمنطقة تيراه، ثم ظهر بعد ذلك فى كابول حيث عامله الأفغان كبطل مغوار، وهناك أعلن تأييده لمزاعم أفغانستان بحقها فى أراضى باكستان، وحضر اجتماع القبائل الحدودية ، وأعلن قبوله للأسلحة من الاتحاد السوفيتي وأفغانستان، وقرر عدم السماح للمجاهدين الأفغان بالعبور فى أراضى الأفريدى فى طريقهم من باكستان للحرب فى أفغانستان.

ولم يكتف مالك بذلك بل هدد وتوعد بدفع الصراع الأفغاني للأراضي الباكستانية، ورجع مالك إلى تيراه فى شهر أكتوبر عام 1985 بصحبة نحو ألفين من أعوانه بعد حصولهم على أسلحة من كابول ، وفى شهر نوفمبر 1985 عندما انتهت المهلة التى حددتها إسلام آباد لكوكي خيل ،هاجمت الحكومة باستخدام قوات برية وجوية منطقة الأفريدى فى عملية استغرقت ستة أسابيع ، وفى منتصف شهر يونيو عام 1986 بدأ مالك فى التفاوض مع عبد الغفور حوتى محافظ المنطقة فى ذلك الوقت بشأن استسلامه، وأجبر مالك على التقاعد من نشاطه السياسي نظير إعادة بناء منزله فى غونداى حيث توفى بعد سنوات قليلة.

وعلى عكس المتوقع لم تؤد تلك الحرب إلى إغلاق ملف تجارة الهيروين فى قبيلة الأفريدى ، فانسحاب السوفيت فى أوائل عام 1987، وتولى جماعات المجاهدين لزمام الأمور ، وعودة المزارعين الأفغان الذين استقروا بعض الوقت فى باكستان إلى بلادهم قد مكن تجار الهيروين فى قبيلة الأفريدى من نقل زراعة الخشخاش إلى أفغانستان، وفى ذات الوقت التوسع فى زراعات القنب داخل أراضيهم.

وطبقا للخبراء الباكستانيين فهناك نحو خمس أو ست أفراد من الأفريدى يتولون إدارة عمليات الاتجار فى المخدرات، وهم يتعاونون معا إذا اقتضت المصلحة ذلك، ويعملون بصورة فردية كل على حدة إذا تنافرت المصالح، وخلال السنوات الخمس الماضية أكد الخبراء المطلعون وجود أربعة زعماء رئيسيين لتجارة المخدرات فى منطقة خيبر، وقد سعى كل زعيم من هؤلاء لإقامة علاقات طيبة مع المجاهدين الأفغان ومع الحكومة الباكستانية، وكذلك مع الشخصيات البارزة فى المؤسسة الباكستانية ، والجدير بالذكر أن ثلاثة زعماء من هؤلاء الأربعة قد انتخبوا فى البرلمان عن دائرة خيبر فى اثنين من الانتخابات السابقة وهم:

مالك واريس خان أفريدى وانتخب فى البرلمان عن دائرة خيبر عام 1988، ويتخذ مالك من منطقة بارا مقرا له، وكان أبوه قد انتقل من منطقة لاندى كوتال بعد إقامة السوق الجديد للسلع والبضائع المهربة، ولم يخف واريس خان زاخا خيل تعاطفه مع حزب الشعب الباكستاني، وقد عينته رئيسة الوزراء بنازير بوتو فى منصب وزير الدولة لشئون القبائل ، وأثناء الاقتراع بسحب الثقة عن حكومة حزب الشعب الذى حركه نواز شريف عام 1989، ترددت أنباء تفيد باستخدام واريس خان لأموال المخدرات لشراء أصوات الأعضاء المترددين فى البرلمان، وفى عام 1990 تم إلقاء القبض على واريس خان بتهمة تهريب مخدر الشاراس من منطقة خيبر لإقليم كوهات ، وأفرج عنه بكفالة ، ثم تمت محاكمته ، وثبتت عليه التهمة عام 1992 عن طريق قاض خاص للمحاكمات السريعة، وحكم عليه بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات وغرامة ألفي دولار و 20 جلدة ، ولم يحظ واريس بالحماية فى ظل حكومة نواز شريف ، وتعد قضيته مثالا واضحا لعزم الحكومة والتزامها بالقضاء على تجارة المخدرات.

والرجل الثاني هو مالك مؤمن خان أفريدى الذى انتخب فى البرلمان عام 1988، وقد اشترى مالك مؤمن خان مقعده فى البرلمان عن طريق دفع أموال للناخبين، ويعد مؤمن خان من أقدم تجار المخدرات الذى بدأ عملياته من خلال تايلاند تحت ستار شركة مقرها بيشاور للاستيراد والتصدير ، ويستثمر أمواله فى العقارات والصحف ،وهو الآن يملك العديد من المحال التجارية فى بيشاور وصحيفة "فرانتير بوست "الناطقة بالإنجليزية ، ويزمع مؤمن خان إصدار صحيفة باللغة الأوردية ، وتعتقد بعض المصادر الموثوق بها أنه يملك العديد من الممتلكات فى كراتشى ودبى ، وتترد أنباء بأنه شريك غير معلن فى إحدى التجمعات الدولية التى قامت بشراء البنك التجاري الإسلامي ، كما يتحكم فى تجارة الأسمنت كذلك.

أما الرجل الثالث فهو مالك رحمة شاه أفريدى الأخ الأصغر لمؤمن خان ، والمدير السابق لوحدة تحقيقات "الفرانتير بوست "، ويعيش رحمة شاه فى لاهور فى الوقت الحالي حيث يصدر طبعة لاهور من الصحيفة السابق ذكرها، ويذكر أحد الخبراء المهتمين بمشكلة المخدرات فى باكستان أن رحمة شاه قد أرسل إلى لاهور لإقامة اتصالات مع المتمردين السيخ الخالستان الموالين لباكستان ،والذين يتخذون من باكستان مقرا ومخبأ لهم حتى يراقب عن كثب عمليات التهريب إلى الهند ، ومن المعتقد أيضا أن شاه هو همزة الوصل بين مؤمن خان ورجال الصناعة فى البنجاب المسيطرين على تحويل ملكيتها للقطاع الخاص.

أما الرجل الرابع فهو مالك محمد أيوب خان أفريدى والمعروف باسم حاجى أيوب زاخا خيل، وهو من أكبر بارونات المخدرات فى باكستان ، وتفيد الأنباء أنه بدأ حياته كسائق للشاحنات، ثم بدأ يكون ثروته من تهريب الذهب ، واستطاع من خلال ذلك توثيق صلاته فى جنوب غرب آسيا ومنطقة الخليج وتركيا، وقد ساند حاجى أيوب الجنرال ضياء الحق ، وتعاون مع المخابرات الباكستانية فى جهودها لتسليح ومساندة المجاهدين الأفغان ، ويرى الخبراء أن مالك أيوب خان له صلات وثيقة مع مساعدي ضياء الحق المقربين من خلال علاقته بالجنرال أخطار عبد الرحمن خان رئيس جهاز المخابرات الباكستانية ، ويعيش أيوب أفريدى اليوم فى قلعة محصنة فى خيبر بالقرب من لاندى كوتال ، وتتميز بمبانيها الرخامية وأماكن الضيافة المتعددة ، ويحمى قصره رجال أشداء مسلحون من قبيلة الأفريدى ويقال إن لديه عدة آلاف من رجال القبائل المسلحين والمستعدين للقتال حال حدوث أية مشاكل.

وفى عام 1988 ساند أيوب حزب الاتحاد الجمهوري الإسلامي لنواز شريف ، فأصدرت حكومة بنازير بوتو قرارا بإلقاء القبض عليه عقب مصادرة شحنة كبيرة من الهيروين فى كراتشى،وهددت بتدمير منازله، وقد تهرب أيوب من أمر الاعتقال ، وعمل على حشد آلاف من الرجال المسلحين لمقاومة أمر الهدم ،ولم يستمر الأمر طويلا ، وعاد خان إلى بأسه وسطوته عقب سقوط حكومة بنازير بوتو فى أغسطس عام 1990، وظهر فى إسلام آباد حيث اجتمع مع الرئيس غلام اسحق خان ،ونظم مؤتمرا صحفيا نفى فيه تورطه فى تجارة المخدرات، واتهم حكومة حزب الشعب الباكستاني السابقة بمضايقته.

وأثناء الحملة الانتخابية عام 1990 ، ساند حزب الاتحاد الجمهوري الإسلامي علنا حاجـى أيوب ، وجعله مسئولا عن الإشراف على الحملة الانتخابية فى منطقة القبائل ، وطلب منه المساعدة فى تمويل مرشحي الحزب، وتفيد التقارير أن أيوب قد أشترى المقعد الذى فاز به ، حيث أعلن أنه على استعداد لدفع ألفى دولار مقابل الصوت الواحد، وفاز بنسبة 69.2 بالمائة من الأصوات ، متغلبا بذلك على مالك نادر خان زاخا خيل.

ويقيم حاجى أيوب زاخاخيل روابط وعلاقات وثيقة فى كافة مؤسسات السلطة فى باكستان بما فى ذلك المخابرات الحربية، والرئاسة والائتلاف الحاكم، ويعد مقر إقامته فى لاندى كوتال المكان المفضل لتوقف كبار قادة المجاهدين أثناء عبورهم من وإلى أفغانستان، وعلى الرغم من ذيوع صيته كإمبراطور الهيروين فى خيبر يحضر مالك أيوب جلسات البرلمان دون أدنى خوف من الاعتقال، وينفق بسخاء وبذخ على علية القوم وهو واثق أن كل مبلغ ينفقه يعني مزيدا من الحماية له ولأعماله،وفى شهر مايو عام 1992 قاد مالك وفدا للمساعي الحميدة لكابول يضم 60 عضوا يمثلون مختلف المناطق القبلية والمقاطعة الحدودية وشيوخ القبائل ، وقد بدأ الوفد رحلته من مقر إقامة أيوب ، وسافر برا إلى كابول، حيث عقد فى الطريق مناقشات فى جلال آباد مع الحاكم الحاج عبد القادر وبعض قادة المجاهدين.

شبكة مهمند وشمال خيبر توجد قبائل مهمند وعثمان خل والتركلانرى ويوسف ضياء فى دير كما أن العديد من القبائل الأصغر - من بينها ملاجورى وشيهانى فى خيبر وقبيلة صافى فى منطقة مهمند - منتشرون بين هذه الجماعات الأكثر قوة. وتقع منطقة مهمند وباجور ودير هناك حيث تربط بين هذه المناطق الإدارية الثلاث طرق صالحة لمرور المركبات مما يتيح عدة طرق للمواصلات لتفادى الطريق القديم عبر ممر مالاكاند. كما ان الطرق الرئيسية التى تربط هذه المناطق تتيح الوصول السريع إلى ممرات عديدة تؤدى إلى خط دران فى وادي كونار الأفغاني وبعض هذه الطرق الجانبية تصلح لمرور السيارات التى تصل إليها عن طريقها إلى خط دراند.

ورغم أن قوات الحدود تقوم بدوريات على هذه الطرق فإنها تعتبر طرق تجارة يمكن من خلالها نقل الأفيون المحلي والأفغاني إلى منطقة خيبر ودير وباجاور ومهمند وجميعا مناطق زراعة خشخاش بينما أصبحت منطقتا كونار ونانجهار فى أفغانستان من المناطق الرئيسية لزراعة الخشخاش فى عام 1991 و 1992.

ويوجد فى باجاور ومهمند معامل هيروين إلا أنها أقل بكثير من تلك الموجودة فى منطقة خيبر وفى عام 1987 اعتقد الخبراء أن هناك ما بين ستة إلى عشرة معامل تعمل فى منطقة مهمند وفى عام 1991 استطاعت قوات الحدود (بنادق مهمند) تحديد أماكن وتدمير خمسة مصانع هيروين. ومن المقبول افتراض أن معظم الأفيون المنتج فى مهمند وباجاور ودير فضلا عن الذى يصل من خط دراند إلى هذه المنطقة يتم تكريره فى منطقة خيبر. وقبائل مهمند وعثمان خل ويوسف ضياء فى دير من القبائل الرئيسية فى المنطقة المتورطة فى تجارة الأفيون والهيروين. ورغم الحاجة إلى مزيد من المعلومات عن الوضع فى دير يمكن القول أن قبيلتي مهمند وعثمان خل كانا دائما يمثلان مشكلة لإسلام آباد فالقبيلتان لم تؤيدا قيام باكستان فى الأربعينات. كما أن الميول اليسارية والافتقارإلى الأرض والهجرة البطيئة إلى الأرض الزراعية المنخفضة شمال بيشاور أقامت علاقات قوية بين هذه القبائل والسياسيين الموالين لكابول وموسكو أمثال خان عبد الوالي خان. وخلال النزاع فى أفغانستان كان أفراد قبيلة مهمند ينفذون عمليات المخابرات الأفغانية داخل باكستان ومعظم القنابل التى هربت إلى باكستان جاءت من منطقة مهمند وردا على ذلك حشد الباكستانيون المنطقة باللاجئين الأفغان المسلحين وأقاموا الطرق لإنهاء عزلة هذه القبائل. وقبيلة مهمند ترتحل على طول الحدود ويعيش أفراد القبيلة فى أفغانستان فى المنطقة الواقعة شمال نهر كابول وغرب خط دراند حتى جلال آباد وفى الجنوب يفصل نهر كابول منطقة مهمند عن افريدى (فى باكستان) وشينوارى وخوجيانى. كما تعيش قبيلة

مهمند فى المناطق الدنيا من وادى كونار وعند التقاء نهـرى كونار وكابول اسفــلـ جلال آباد.

وينشط مهربو مهمند على طول خط دراند من ممر شيلمان شمالا إلى ممر ناوا. ويسيطرون على حركة الأفيون من شمالي نانجهار وجنوبي كونار إلى منطقة مهمند ومنها إلى خيبر. ولا يمتلك أفراد قبيلة مهمند القدرة على التكرير والاتصالات جنوبي البلاد حتى يستطيعون منافسة قبيلة أفريدى فى الجوانب المحلية والدولية لعمليات تهريب المخدرات، وقد تشير التقارير الأخيرة عن إقامة معامل تكرير داخل مدينة جلال آباد وحولها إلى محاولة آل مهمند الهروب من هيمنة عائلة الافريدى على تجارة الهيروين.

بلوخستان: البواية الخلفية لباكستان

بلوخستان واحدة من أكبر المناطق برية فى العالم حيث العواصف الرملية التى تعمى الأبصار والحرارة الحارقة صيفا وتسكن المنطقة قبائل محاربة ورماه يكافحون طبيعة قاحلة وقاسية، وكانت بلوخستان دائما من المناطق النائية المتخلفة. ولا تزال مناطق شاسعة منها بعيدة عن أي سلطة إدارية ، ولا يزال يحكمها ساردارات (زعماء القبائل). ويندر السكان فى بلوخستان أكبر مقاطعة فى باكستان من حيث المساحة إذ يوجد مليونان ونصف مليون من البلوش فى وسط وجنوب المقاطعة، بينما يعيش مليونان من الباشتون فى الشمال. وتقوم الحياة الاجتماعية للبلوش على الرعي وزراعة القمح في الأراضى الجافة فى المرتفعات الوسطى والشرقية. بينما يعتمد اقتصاد المناطق الجنوبية والغربية على الواحات المزروعة فى الداخل والصيد والتجارة على السواحل. وفى الولاية بأسرها يعوض السكان قلة الدخل سواء من البر أو البحر عن طريق نهب القوافل والتهريب والاستيلاء على الغنائم.

وإذا اعتبرنا ما تم ضبطه من مخدرات مؤشرا فإن بلوخستان أصبحت ممرا رئيسيا لتهريب المخدرات وقد سجلت باكستان أكبر ضبطيات أو محاولات ضبط فى هذه الولاية:

"10 أكتوبر 1990: ضبطت قوات الحدود 1743 كيلو جراما من الهيروين و 8.5 طن متري من الحشيش بعد مناوشات مع قبائل نوتزاى فى جبال تشاجاى.

"11 ديسمبر 1990: نصب كمين لدورية حدودية بالقرب من تافتان على الحدود بين باكستان وإيران ، مما أسفر عن مقتل خمسة من أفرادها وأسر سبعة آخرين احتجزوا لمدة شهر. وفى هجوم مضاد بعد عدة أيام ضبطت قوات الحدود كميات ضخمة من الأسلحة والمخدرات من المنطقة.

"9 إبريل 1991: حاولت إدارة مكافحة المخدرات الباكستانية ضبط سيارة مملوكة لمحمد عاصم كردى عضو مجلس المقاطعة، وكان من المعتقد أن كردى يحمل 500 كيلو جرام من الهيروين فى طريقه إلى توربات عند محاولة القبض عليه، إلا أنه تمكن من الهرب ولجأ إلى منزل عضو فى حكومة بلوخستان.

"25 فبراير 1992: بناء على معلومات أغارت قوات الجيش والحدود على مخزن للمخدرات فى جبال شوكور بالقرب من ميناء باسنى فى ماكران، واستولت القوات على 3.2 طن متري من الهيروين و 39 طن مترى من الحشيش مخبأ فى كهوف جبلية وفيما وصف بأنها أكبر ضبطية فى العالم حرقت المضبوطات فى الرابع من مارس فى احتفال شهده سفراء غربيون وخبراء مخدرات.

"13 مارس 1992: ضبطت القوات الباكستانية خمسة وثلاثين طن مترى من المخدرات المهربة من وكر نائي بالقرب من توربات.

ويعد ساحل بلوخستان مفتوحا أمام عمليات التهريب منذ زمن بعيد لا تعيه الذاكرة. وفى بداية الثمانينات بدأت جهود باكستان الأولى للسيطرة على أجزاء من الساحل بعد أن أصبحت عمليات التهريب أوضح من أن تتجاهلها. واستغل المهربون سفن تعمل فى المياه الضحلة لتهريب كميات كبيرة من السيارات والأجهزة الإليكترونية وعدد من السلع الاستهلاكية عبر سواحل بلوخستان شرق كراتشى.

وفى عام 1982 ضبط حرس السواحل الباكستاني أحد هذه السفن، ويستخدم المهربون القوارب الشراعية التقليدية للعمل على طرق ومواني بحرية قديمة جدا، وظهرت القوارب البخارية السريعة على ساحل بلوخستان فى العقد الأخير، وتنتقل بين مواني فى عمان وإيران والخليج فضلا عن نقل البضائع من السفن التى تقف فى عرض البحر.

كما أن الحدود البرية لبلوخستان مليئة بالثغرات ، ويصعب السيطرة عليها، وتتحرك قبائل البلوش التى تنتشر على الحدود جيئة وذهابا حسب رغبتها. وتحاول الحكومة الباكستانية التحكم فى حركة العبور عبر الحدود الباكستانية الإيرانية عن طريق نقاط العبور غرب توربات وبانجور وتافتان فى الشمال حيث يمتد الطريق الآسيوي السريع وخط سكك حديد سبيزاند / زاهايدن الحدودي، وأدى تطوير وزيادة عدد أفراد حرس الحدود فى بلوخستان إلى تحسين قدرة الحكومة المركزية على تغطية بعض هذه الأراضى، ويدلل على ذلك العديد من الضبطيات الضخمة التى تمت فى المنطقة.

وأدت هذه التطورات وإجراءات السيطرة الصارمة التى يفرضها الجانب الإيراني على الحدود إلى صعوبة تخطي تجار المخدرات لنقاط عبور مثل تافتان ، ولجاءوا إلى استغلال فقراء الأفغان لتهريب الهيروين داخل كبسولات يبتلعونها داخل بطونهم. وعلى الرغم من ذلك فإن مساحات شاسعة من حدود بلوخستان جنوب تافتان لا تزال خارج السيطرة، ويتردد أن حرس الحدود الإيراني فى المناطق النائية جدا يحصلون على رشاوى للسماح بمرور شحنات ضخمة.

وفى بداية التسعينات أصبحت بلوخستان طريقا رئيسيا لتهريب الهيروين بعد أن استقر تجار المخدرات الإيرانيين وزعماء قبائل البلوش الإيرانية الذين فروا من حكم الخميني فى كيتا وكراتشى، وساعدت الأموال الإيرانية على تحويل وادي هلماند فى أفغانستان إلى منطقة رئيسية لزراعة الخشخاش تحت إشراف المجاهدين الأفغان بينما يقوم وسطاء من البلوش بنقل المحصول سواء على ظهور الإبل أو بالشاحنات إلى مراكز التكرير فى روبات وشوراواك فى أفغانستان وفى نوشكى وتشاجاى فى باكستان. ويتنامى دور بلوخستان فى تجارة الهيروين سنويا ومن المؤكد أن أهميتها ستتعاظم بعد أن أصبحت قندهار فى أفغانستان مركزا لزراعة الخشخاش وتكريره.

حادثة تشالغازى

فى العاشر من أكتوبر عام 1992 اعترضت دورية لحرس الحدود بقيادة الكابتن ساماندار رانا مجموعة مسلحة من قبائل البلوش فى جبال تشاجاى غرب دالباندين. وفيما يبدو أن المسلحين كانوا يقومون بحماية قافلة صغيرة من السيارات، وقد أطلقوا النار على الدورية مما أدى إلى مقتل أحد الضباط الصغار فى الدورية. وبعد تبادل إطلاق النار تمكنت إحدى الشاحنات من الفرار إلا أن الدورية تعقبتها لتقودها إلى مجمع فى تشالغازى نولاه وقد ضبطت الدورية داخل الشاحنات وفى المجمع 1743 كيلو جراما من الهيروين و 8.5 مليون طن مترى من الحشيش ومعدات لتكرير الأفيون وتحويله إلى هيروين إلى جانب مئات من الأسلحة الآلية.

وخلص التحقيق المبدئي بعد القبض على المسلحين إلى تورط عدد من الشخصيات التى لها نفوذ وأن الشبكة التى تتخذ من تشاجاى مقرا لها يرأسها ساردار قبيلة من البلوش هو ساخى دوست جان نوتزاى. وبالفعل فإن نوتزاى يمتلك المبنى الذى تم العثور فيه على بعض المهربات.

وقدم التقرير المبدئي الأول الذى تضمن أسمه فى 24 أكتوبر بعد تعطيله، غير أنه لم تصدر أوامر اعتقال. كما شمل الاتهام اثنين من أقارب نوتزاى هما مير محمد على نوتزاى وحاجى على جان نوتزاى والأخير هو رئيس مجلس إقليم دالباندين.

وأفاد صحفي محل احترام كبير حقق فى الحادث أن حاكم بلوخستان نواب اكبر خان بوجتى زعيم قبيلة بوجتى القوية اتصل خلال هذه الفترة بقائد قوات الحدود ورئيس أركان الجيش والرئيس غلام إسحاق خان وزعم أنه تم القبض على أبرياء أثناء التحقيق وسعى إلى إلغاء تقديم التقرير الأول أو تعطيله.

وفى الوقت ذاته فإن جميع أفراد فريق التحقيق المكون من 16 شخصا فى كويتا طلبوا أجازات نتيجة تهديدات، ورفضوا التحقيق فى الحادثة بينما قام بوجتى بالدفاع عن نوتزاى وصحبه لمقابلة رئيس الحكومة المؤقت آنذاك غلام مصطفى جاتوى، وقدمه على أنه واحد من أكبر زعماء بلوخستان ثراء ونفوذا ، وأن يمكنه تقديم تبرعات فى الانتخابات العامة المقبلة.

وظل نوتزاى طليقا خلال الانتخابات بينما احتفظ حاجى على خان برئاسة مجلس إقليم دالباندين، ومن جانبه انتخب مير على محمد فى مجلس بلوخستان ممثلا لحزب "جمهوري وطن "وهو حزب سياسى يشرف عليه نواب أكبر خان بوجتى حاكم الولاية وذلك كنائب عن دائرة تشاجاى.

ويعتقد بعض المراقبين أن عائلة نوتزاى تمول حزب "جمهوري وطن "، ويرى آخرون أن نواب أكبر خان هو "الأب الروحي "الحقيقي لتجارة الهيروين فى المقاطعة وانه يستغل رئاسته للمؤسسة السياسية فى الولاية واتصالاته بالجيش ورئيس الدولة ورئيس الوزراء ليخرج التحقيقات عن مسارها ويحمي من يتم إلقاء القبض عليهم، ووفقا لهذا الرأي يحصل بوجتي على نسبة (24 فى المائة) من الأرباح عن دوره كحامي لعائلة نوتزاى التى تمتد علاقتها وتحالفاتها فى نرموز شرقا فى أفغانستان وساراوان فى إيران وغيرها من القبائل.

وفى 19 إبريل عام 1991 بعد تولى حكومة نواز شريف السلطة ألقى القبض أخيرا على ساخى دوست جان بفضل الضغوط المتواصلة من قوى خارجية وكذلك إصرار الجيش على أن مقتل أحد ضباطه لن يفلت بلا عقاب. غير أن المحكمة العليا أفرجت عن ساخى بكفالة فى شهر يوليو رغم توجيه التهم إليه ووفقا للقانون كان لا يسمح بالإفراج بكفالة عن المتهمين فى قضايا تتعلق بحيازة نصف جرام من الهيروين أو اكثر.

ويروى صحفي كبير حقق فى القصة الحادثة كما يلي فقد تم الافراج عن نوتزى ضمن صفقة بين أعضاء البرلمان ورئيس الوزراء نواز شريف. فمع إدراكهم أن نواز شريف يحتاج إلى أغلبية الثلثين لإقرار التعديل الثاني عشر (الذي يخول سلطات خاصة لمحاكم مكافحة الإرهاب) توجه أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ وعددا من أعضاء الجمعية الوطنية إلى رئيس الوزراء لمقايضة موافقتهم على التعديل بالإفراج عن نوتزاى. وتردد أن شريف وافق وسمح بالإفراج عن الثلاثة بكفالة ولا يزال زعيم القبيلة طليقا ويتردد أنه يمارس نشاطه بحرية.

حادثة جاللو

"جاللو "هو الاسم الذى يعرف به محمد عاصم كرد عضو مجلس مقاطعة بلوخستان وحزب "جمهورى وطن "برئاسة بوجتى، ويمثل كرد الأجزاء الشمالية لمنطقة كاستش التى تضم ممر بولان كاملا، ويعد الممر الذى يحوى طريقا بريا وخط سكك حديدية من سيبى إلى كويتا بوابة تاريخية واستراتيجية هامة إلى شبه القارة تماما مثل منطقة خيبر الواقعة على بعد آلاف الأميال إلى الشمال. وبينما يسكن البلوش الأكراد بولان العليا نجد خليطا من الماريس والدوميك فى بولان السفلى وهم مثل الأكراد يشتهرون بالتهريب والسلب.

وقعت حادث جاللو فى التاسع من إبريل عام 1991 فى كويتا عندما حاولت إدارة مكافحة المخدرات بمساندة شرطة بلوخستان الاحتياطية القبض على محمد عاصم. وتلقت الشرطة معلومات بأن عاصم أمر بتحميل 500 كيلو جرام من الهيروين فى سيارته وأنه ينوى التوجه بها إلى ساحل بلوخستان حيث تنقل بقوارب بخارية إلى الشرق الأوسط. وافترض الكرد الذى كان يرافقه حرس مسلحون فى سيارته وسيارة أخرى أن لوحة سيارته التى تدل على أنه عضو فى مجلس مقاطعة بلوخستان ستتيح له المرور عبر أى متاريس على الطريق. وكانت الشرطة قد أصدرت بالفعل أمرا بالقبض على كرد بعد أن تم ضبط سلاح مرخص باسمه بعد كمين فى 11 ديسمبر فى تافتان. وقدم أمر إلقاء القبض لوزير الداخلية فى بلوخستان سندا قانونيا ليصدر أوامره إلى شرطة بلوخستان الاحتياطية لمساندة إدارة مكافحة المخدرات فى القبض على كرد.

وتمكن كرد من الفرار بسيارته التى يفترض أن بها 500 كيلو جرام من الهيروين، ولجأ كرد وحراسه المسلحون إلى منزل مير أصرار الله زهرى عضو مجلس المقاطعة ووزير الصحة فى حكومة الولاية الذى حاصرته إدارة مكافحة المخدرات وشرطة المقاطعة فى نفس الوقت، وبعد فترة قصيرة انضم إلى أصرار الله شقيقه الأكبر ساردار سناء الله زهرى وهو أيضا عضو فى مجلس المقاطعة ووزير الأجهزة المحلية، وقد منع الاخوان زهرى تفتيش المنزل أو تسليم السيارة التى مشتبه أن بها الهيروين، كما زعما انه لا يمكنهما تسليم كرد إذا أنه طلب حمايتهما وفقا للقانون العرفي للبلوش، ومن خلف الكواليس عمل الاثنان مع أكبر خان بوجتي ووزير الداخلية على سحب شرطة المقاطعة وعندما حدث ذلك بعد ثلاث ساعات انسحبت قوات إدارة مكافحة المخدرات بعد ان فقدت القوة التى تدعم مطالبتها بتسليم كرد ، ووصف كرد والأخوان زهرى الأمر برمته بأنه محاولة من "الأجهزة الحكومية "ومعظم أفرادها من البنجاب الإطاحة بحكومة بلوخستان.

غير أن ظهور الأخوان زهرى فى قضية تتعلق باحتمالات تهريب مخدرات لم يكن مثيرا للدهشة ،إذ أنهما ينتميان إلى قبيلة براموى الصغيرة إلا أنها ذات نفوذ. ومنذ الستينات تحتكر عائلة زهرى استخراج الرخام فى المقاطعة وتدعم إسلام آباد مقابل الحصول على تراخيص فى مجال التجارة والصناعة. وبما عرف عنهم من انتهاز للفرص أصبحت عائلة زهرى ضمن قلة من أسر براهوى التى برعت فى مجال التجارة ولها اتصالات بإسلام آباد وكراتشى والخليج، وتشتهر عائلة زهرى بأنها على استعداد للقيام بأى عمل من أجل المال، وتورطها فى تجارة الهيروين أمر متوقع غير أنه يعني أن وراء هذه التجارة إناس فى منتهى الدهاء والبراعة.

وتشير الحادثتان إلى مدى تورط زعماء القبائل التقليديين فى بلوخستان فى تجارة المخدرات ، وفى إبريل عام 1991 ذكرت صحيفة محلية فى لاهور أن إدارة مكافحة المخدرات قدمت للحكومة الاتحادية قائمة تضم أسماء 73 من بارونات المخدرات فى بلوخستان وتقريرا عن تجارة المخدرات هناك، وتضمنت القائمة اسم عضو واحد فى الجمعية الوطنية وأربعة من أعضاء مجلس مقاطعة بلوخستان فضلا عن عدد من الساردارات والشخصيات المعروفة. ولم تنشر القائمة أو التقرير على الإطلاق رغم نشر تقارير صحفية تشير إلى علاقات وثيقة بين بارونات المخدرات وعدد من كبار مسئولي الحكومة فى كويتا ، كما أن التقارير الصحفية تتفق مع آراء خبراء مطلعين يعتقدون أن بارونات المخدرات يتعاونون مع عصابات سرقة وخطف فى السند ، ويقوم أعضاء عصابات السند بدور الوسطاء لبارونات المخدرات إذ يوفرون وسائل الانتقال وأماكن آمنة وحراسة للشحنات المتوجهة إلى كراتشى، بينما يتيح بارونات المخدرات لهذه العصابات المأوى بعيدا عن شرطة السند وأماكن آمنة لاحتجاز من يتم اختطافهم انتظارا لتسلم الفديــة.

البنجاب: الهيروين فى قلب السلطة

تعتبر مقاطعة البنجاب موقع السلطة العسكرية والسياسية فى باكستان، وهنا يقترب الهيروين أكثر من موقع السلطة، ويحكم باكستان اليوم ثلاث مؤسسات لها مصالح متبادلــة.

الرئيس ويمثل الجهاز البيروقراطي والبشتون وبدرجة اقل الساردارات البلوش وملاك الأرض فى السند.

رئيس الوزراء الذى يمثل الائتلاف الحاكم ومصالح البنجاب وبصفة خاصة رجال الصناعة والتجارة.

الجيش ويمثل مواطنو البنجاب نسبة 72 فى المائة منه والبشتون نسبة 26 فى المائة وهو يقف خلف التحالف السياسي التقليدي الذى يضم الأسر القديمة التى تمتلك الأرض وزعماء القبائل ورجال الدين الإصلاحيين.

وكما أشرنا من قبل فإن أكبر تاجر مخدرات فى باكستان وهو حاجى أيوب زكا خل يمكنه الوصول إلى الرئيس غلام إسحاق خان (من البشتون) عن طريق عضوين فى مجلس الشيوخ هما حاجى جولشر افريدى (وهو حاليا وزير الحج والأوقاف) وعبد الواحد خان مهمند، وفى البنجاب فإن الشخصيات الرئيسية فى تجارة الهيروين لا يحتلون مقاعد فى المجالس السياسية الداخلية لرئيس الوزراء نواز شريف فحسب بل بعضهم متزوج من أقارب له من الدرجة الأولى.

ويتم حاليا شراء وبيع وتهريب المخدرات وتناولها فى معظم مناطق البنجاب واجتذب توافر الهيروين بسهولة فى بارا ودارا ادام خل مئات من العصابات الصغيرة ورجال الأعمال الذين يسعون لتحقيق الثراء، وتعمل عصابات الهيروين فى كل مدينة كبيرة وعدد كبير من البلدات، كما أن الجماعات السياسية تلجأ بشكل متزايد لاستغلال الهيروين لتوفير الأموال لشراء الأسلحة. وفى مدينة جانج على سبيل المثال تتصارع جماعات شيعية وسنية على تجارة الهيروين المحلية كما تعمل عصابات الهيروين فى مدينة فيصل آباد الصناعية.

وفى مارس عام 1992 اكتشفت جمارك كراتشى 9.8 طن من الشاراس فى شحنة منسوجات فى طريقها إلى أنتويرب، وجرى تعبئة الحاوية فى فيصل آباد ، وكان يمكن أن تمر عبر الجمارك لولا معلومات وردت للمفتشين من منافسين فى أعمال التهريب.

حاجى اقبال بيج وكونسرتيوم لاهور

وصلت تجارة الهيروين إلى لاهور فى عام 1980 بعد تكرير أول محصول من الخشخاش لتصديره للسوق الدولية، والشخصية الرئيسية فى لاهور والبنجاب ليست سوى حاجي إقبال بيج صاحب سينما بلازا وهو مهرب مخضرم. وعمل بيج فى التهريب على مدار اكثر من ثلاثين عاما، وقد بدأ التهريب عبر الحدود الباكستانية الهندية إذ كان يهرب الذهب والقمح إلى الهند والحرير والأحجار الكريمة إلى باكستان، وقد أصبح بيج شخصية معروفة فى دلهي حيث عمل بعدة أسماء مستعارة. وفى السبعينات وسع نشاطه ليصل إلى الخليج وإيران وتركيا حيث وطد صلاته بعالم الإجرام هناك مما أتاح له الوقوف على أرض صلبة مع دخوله عالم تجارة الهيروين فى الثمانينات. كما تردد أنه سافر إلى أوروبا (بريطانيا وهولندا) والولايات المتحدة أيضا.

وغالبا ما يستغل حاجى إقبال الرشاوى واتصالاته السياسية لمواصلة نشاطه وقد كان أول سؤال طرحه على مفتش ضرائب شاب زاره لبحث زيادة الضرائب المفروضة على سينما بلازا "أى نوع من الأشخاص أنت ؟ هل أنت من النــوع الذى يمكن شراؤه أم لا؟ "وعندما تأكد من أمانة الموظف اعترف بأنه كان يتهرب من سداد قيمة الضرائب بالكامل ووافق طواعية على سداد الغرامة والضرائب كاملة.

واتصالات بيج السياسية متنوعة وواسعة النطاق وهو عضو فى مجموعة صغيرة من الموجال التى تنجذب عادة إلى تحالف من الجماعات الأصغر فى لاهور يقودها "القاقازاى "التى تسعى دائما إلى الإيقاع بين اثنين من الجماعات ذات الهيمنة (الآراى والكشمير) لضمان مصالحها. ومن أقرب الحلفاء السياسيين لحاجي إقبال مالك ميراج خالد وهو أحد زعماء القاقازاى الذين يقيمون داخل قرية بوركى الحدودية وحولها. وخالد من مؤسسي حزب الشعب الباكستاني فى عام 1967.

وقد فاز خالد فى انتخابات الجمعية الوطنية فى عام 1970 كممثل حزب الشعب، ثم تولى منصب رئيس وزراء البنجاب. وقد ظل على ولائه لرئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو وحزب الشعب خلال فترة حكم ضياء ،وعاد إلى الجمعية الوطنية فى عام 1988 وتولى رئاستها. ويتردد أن بيج كان يمول جميع الحملات الانتخابية لخالد، وعلى عكس الشخصيات السياسية الأخرى فإن خالد لم يتخل أبدا عن صداقته مع بيج – وفى عام 1990 بعد سقوط رئيسة الوزراء بى نظير بوتو وجهت إلى بيج اتهامات بتهريب المخدرات ، وقد اتصل مالك ميراج خالد بالسلطات نيابة عنه وتفاوض بشأن استسلامه ودفع الكفالة وأرسل سيارته لإحضار بيج من تيراه التى لجأ إليها.

وبالإضافة إلى مالك ميراج خالد – الذى سهل نفوذهلدى الشرطة وكذلك حرس سلطاج داخل وحول منطقة بوركى عملياته عبر الحدود فإن حاجى إقبال بيج تعاون فى عمليات التهريب مع قبائل على الحدود ، إلا أن بيج لم تقتصر شبكته على قبائل صغيرة كما استعان بأفراد من الأراى والكشمير فى شبكته الموسعة. ومن بين هؤلاء اثنان خلفا بيج وسعيا إلى حد كبير إلى توسيع تعاملاتهما فى عالم الجريمة وهما سهيل ضياء بوت من الكشمير وشودرى شوكت بهاتى.

ومع ازدهار تجارة الهيروين فى الثمانينات فإن إمبراطورية التهريب التى يتزعمها بيج وثروته تضخمت وأصبح يعرف باسم "ملك الطريق الهندى "بعد أن سيطر على تجارة الهيروين عبر الحدود الهندية مما جعله يلعب دورا فى عالم المخابرات والتمرد وتهريب الأسلحة، ويعتقد بعض خبراء المخدرات فى لاهور أن بيج تعاون مع المخابرات فى برنامجها لمساعدة المتمردين السيخ المعارضين للهند فى تمردهم العنيف ضد نيودلهي. وتقول تقارير موثوق بها إن المتمردين السيخ أصبح يعتمد عليهم فى تجارة الهيروين عبر الحدود إذ يحملون الهيروين إلى الهند مقابل الحصول على أموال وسلاح. وينقل بيج الهيروين إلى الهند عبر الحدود فى أقصى الجنوب ويقوم حلفاؤه فى دلهي وبومباى بنقله إلى قنوات دولية عن طريق البحر والجو.

وعمليات بيج جعلت من الهيروين مصدرا هاما جديدا للثراء فى اقتصاد البنجاب. وقد أدت الأموال المتدفقة إلى إزدهار فى قطاع العقارات والبناء فى لاهور إذ استثمر الذين حصلوا على أموال من رشاوى والذين كونوا ثروات من تجارة الهيروين ذاتها أموالهم فى الأراضى. ويعتقد بعض الخبراء أن أموال المخدرات مولت إلى حد بعيد عمليات البناء الجديدة فى لاهور، وقد اشترى بيج عددا من الممتلكات السكنية والتجارية ودخل شريكا فى العديد من الجمعيات المصرفية التعاونية الجديدة، وبإيعاز من بيج وآخرين استخدمت الجمعيات التعاونية أموالها التى جاءت من مدخرات مئات الآلاف من المستثمرين الصغار لشراء العقارات بكثافة فضلا عن تقديم قروض ضخمة لشراء مشروعات صناعية ، وأدى شراء بيج للأراضي وأموال المخدراتالتى استثمرها فى العقارات من خلال الجمعيات التعاونية إلى ارتفاع كبير فى أسعار الأراضى.

وفى أوج خطته لم يقنع بيج التعاونيات بشراء حصته فحسب بل بشراء ممتلكاته الخاصة بأسعار مرتفعة كان بيج يدرك أنها لن تحتفظ بقيمتها. وبعد عام واحد انهار سوق العقارات والجمعيات، وقد أدى انهيار الأخيرة إلى ضياع مدخرات 2.5 مليون مستثمر وقد شعر رئيس الوزراء نواز شريف ووزير الداخلية شودرى شجاعة حسين بالحرج سياسيا نتيجة هذه الفضيحة إذ أن عائلتيهما استفادتا بشكل غير مباشر من قروض التعاونيات للمشروعات الصناعية. غير أن بيج خرج من المشروع بأموال أكثر مما شارك بها فى بداية الأمر.

وفى الوقت الذى انهارت فيه التعاونيات فى منتصف عام 1991 كان بيج فى طريقه إلى السجن بعد أن صدر ضده حكم بالسجن لمدة ثلاثة أعوام. وقد أدى قربه من حزب الشعب والضغط الدولي المكثف إلى سجنه رغم انتشار شائعات بأن نواز شريف كان يريد أن يظل طليقا. ومع دخوله السجن بدأ بيج يظهر كرجل صناعة كبير إذ يملك عشر وحدات صناعية (مصانع بعضها اشتراها فى ظل برنامج الخصخصة) وثلاث شركات بناء وشركتين للاستيراد والتصدير وفقا لما ذكره خبير مطلع. غير أنه أحبطت محاولته لشراء مصنع رافى رايون فى كالاشاه كاكو عندما احتج خبراء مخدرات دوليون من أن ذلك سيؤدى إلى تسهيل حصوله على مادة كيماوية حيوية لتكرير الهيروين. ورغم سجنه فى كراتشى تردد أن بيج نشط فى تقديم عروض لشراء بنوك وممتلكات صناعية تعرضها الحكومة للبيع. ويعتقد الخبراء أنه شريك خفي فى المجموعة الوطنية التى اشترت البنك التجاري الإسلامي فى وقت سابق من هذا العام.

ومن غير الواضح ما إذا كان بيج سيستأنف السيطرة على عملياته الخاصة بتهريب المخدرات بعد خروجه من السجن ، ومن المؤكد أن إمبراطوريته تفتت واستولى عليها آخرون أكثر قسوة ويتمتعون بحماية سياسية أقوى. وربما كان بيج لم يعد يحتاج لتجارة المخدرات إذ أنه كغيره من الأثرياء الجدد فى البنجاب استغل أموال المخدرات فى شراء ممتلكات "قانونية "وإذا استرشدنا بالماضي فإن وضعه الجديد سيشجعه على قطع صلاته بعالم الجريمة بينما يستخدم أبناؤه وأحفاده الأموال وثرواتهم فى الانضمام إلى صفوة المجتمع حيث يتجنبون الإشارة إلى كيفية حصول كبير العائلة على ثروته.

السياسة وعالم الإجرام

تركزت السياسة فى لاهور لعدة عقود حول الصراع على السلطة بين الآراى والكشميريين وهما الطائفتان المهيمنتان على الإقليم، واستفاد الآراى كثيرا من امتداد المدينة إلى ممتلكاتهم، وكان العديد من المناطق المجاورة للاهور مثل كيشانجار ومورانج قرى الآراى من قبل ، ومازالت المدينة محاطة بقرى آرانية سوف تدخل فيما بعد فى دائرة المدينة، وعلى مدار الأعوام الخمسة والسبعين الماضية تحرك الآراى سريعا فى جميع المهن والجيش والمراكز العليا فى الحكومة فالجنرال ضياء الحق ينتمي إلى الآراى ولكنه من جولون دور وليس من لاهور وحاكم البنجاب الحالي ميان محمد أزهار عمدة لاهور أيضا ينتميان لنفس الطائفة.

أما الكشميريين فهم اكثر انتماء إلى الحضر وكان موطنهم سرينماجار إلا أن أغلبهم يقيم فى لاهور (ومدن البنجاب الأخرى) منذ قرن من الزمان أو اكثر هربا من المجاعات والزلازل والحكم الاستبدادي فى كشمير ، لم ينسجم الكشمير تماما فى نسيج المجتمع فى البنجاب وهما يمارسون أعمال الغزل والنسيج وتجارة التجزئة للملابس والصناعات الصغيرة. وقد انتقل بعض الكشميريين إلى أعمال مهنية وحكومية دون أن يحرزوا النجاح الكبير الذى حققه الآراى الأكثر عددا. ورئيس الوزراء الحالي ميان نواز شريف من الكشميريين وقد انتقل والده بأسرته من أمريستار إلى لاهور خلال التقسيم وهو يرأس حاليا مجموعة الاتفاق الصناعية.

ونجد الكشميريين والآراى فى مختلف الطبقات الاجتماعية والمهنية من القمة إلى أدنى المستويات فى المدينة من كبار المحاميين ورجال الصناعة إلى مهن الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا (الأطباء والمدرسون والتجار) إلى العمال والفقراء وعالم الإجرام. وطالما تمتع عالم الإجرام بأهمية فى السياسة سواء من حيث الموارد التى يجلبها من الأنشطة غير المشروعة أو القوة التى تمنحها للأحزاب السياسية فى الشارع وبفضل جذورهم فى المدينة القديمة فأن للكشميريين ضلع أكبر فى عالم الجريمة ، ويتمتعون بقدرة أكبر على التحكم فى الاتصالات التى تربطهم برجال السياسة. وبالطبع فإن السياسيين من الكشميريين فى المدينة القديمة بما فيهم من وصل إلى عضوية مجلس المقاطعة أو البرلمان الوطني بدءوا كلوردات فى عالم الجريمة لهم مصالح فى مجال الدعارة والقمار وتهريب الأسلحة والمخدرات.

ولم يغير وصول الهيروين أسلوب العمل فى عالم الإجرام أو اتصاله الوثيق بالصفوة السياسية، إذ يعمل عالم الأجرام وفق نظام قديم يقايض تقديم الحماية بالمساهمة فى الحملات الانتخابية، ولكن ما غيره الهيروين هو حجم العمليات فى عالم الجريمة التى امتدت إلى الخارج لتتيح موارد أكبر لتقديم رشاوى لرجال الشرطة وأعضاء الوكالات المعنية بتنفيذ القانون، كما أصبحت مصدرا لاغنى عنه لتمويل الحملات الانتخابية وتلعب دورا هاما فى عالم التمويل والصناعة. فقد جعل الهيروين النظام أكثر جاذبية لجميع الأطراف إذ يحصل رجال الشرطة على رشاوى تمثل ربع قيمة ما تحققه التجارة من أرباح كما يتوافر للسياسيين أموالا سرية أكثر بكثير من الحد الرسمي المسموح رسميا بإنفاقه على تعاملاتهم الانتخابية، ويحصل تجار المخدرات على نصيبهم على شكل حماية ووظائف لأقاربهم فى الشرطة والجمارك ومساكن وعقود حكومية وتراخيص استيراد وتصدير.

عصابات المدينة القديمة

ويسيطر على عالم الإجرام فى لاهور ست عصابات تخضع جميعا بدرجة أو أخرى لزعيم الجريمة فى المدينة القديمة وهو حاليا سهيل ضياء بوت وهو كشميرى له صلات قوية للغاية ويعرف بشكل غير رسمي باسم "ملك هيرا ماندى "ولكل عصابة منطقة عمل معروفة حول واحد من أبواب المدينة القديمة والتى لايزال بعضها موجودا وترجع إلى الوقت الذى كانت فيه الأسوار تحيط بمدينة لاهور القديمة، وقد أصبح الهيروين المجال الرئيسي لعمل هذه العصابات ، إلا أنها كانت تقوم من قبل بتهريب الكحوليات والأنواع الأخرى من المخدرات وإدارة أوكار القمار والمواخير والاستيلاء على إتاوات البازارات مقابل توفير الحماية.

ولكل عصابة وكر للهيروين على الأقل فى منطقتها فضلا عن شبكة من المروجين، كما أن لكل عصابة شبكة توريد تصل إلى أجزاء أخرى من لاهور، ولكل عصابة منطقة معروفة تماما، إلا أن الخلافات قد تنشأ عند نقل الهيروين إلى مدينة لاهور ككل. وفى العادة يتوسط رئيس عصابة بوابة تاكسالي فى الخلافات فى المدينة الصغيرة، إلا أن الخلافات المتزايدة خارج المدينة القديمة تسويها الشرطة عن طريق تحديد مناطق النفوذ وتنفيذها من خلال ضابط بقسم الشرطة (ثانادار).

ويصل الهيروين إلى المدينة القديمة عبر عدة طرق ، وتقوم وكالات الشحن لمسافات طويلة مثل بيلا للشحن وشركة النقل الدولي الباكستانية وشركة آزاد – باك لشحن السلع بنقل البضائع من الموردين فى أفريدى فى مقاطعة الحدود الشمالية الغربية إلى بادامى باغ أو حتى إلى المخازن فى المدينة القديمة شريطة أن يحصل رجال الشرطة على طول الطريق إليها على رشاوى مناسبة، أما الشحنات الأكبر الموجهة إلى طرق دولية فنادرا ما تدخل المدينة إذ يتم تخزينها فى مدن وبلدات قريبة مثل بهاى بيرو وشيخوبور أو باتابور انتظارا لشحنها عبر الحدود الهندية. كما أن هذه الأماكن تستخدم كنقاط عبور لنقل الهيروين محليا عند التعرض لأي ضغوط ، وعندما يحدث ذلك فإن العصابات تنقل الهيروين بكميات صغيرة إلى أماكن آمنة داخل المدينة القديمة عن طريق رسل موثوق بهم مثل المزارعين الذين ينقلون الحبوب والخضراوات وسيدات بصحبتهن أطفال يذهبون لزيارة أقارب لهم أو موظفين أو طلبة أو بائعين متجولين.

عصابات الهيروين الست فى المدينة

بوابة تاكسالي زهير اماندى ويتزعمها سهيل ضياءبوت عضو مجلس الإقليم ومن الناحية التاريخية بدأ نشاط العصابة فى الدعارة كما أن للعصابة اهتمام بصناعة السينما وإدارة مواخير للدعارة فى جميع أنحاء المدينة ،وكانت تسيطر على عمليات التوريد مول ضريح داتا جانج باخش وهو قديس فى لاهور وتوزع الهيروين حاليا فى حول الدنيا وحتى طريق مولتان كما تسيطر على الأسواق المغرية فى الأحياء الراقية.

بواية ياكى / بادامى باج: تركز على المحطات الرئيسية للحافلات والشاحنات فى المدينة مما يتيح لها الحصول على نسبة من إمدادات الهيروين التى تصل برا.

بوابة لوهارى / اناركال: تتحكم فى توزيع الهيروين فى مناطق جامعة البنجاب (الحرم القديم) وجامعة الحكومة وجامعة الملك ادوارد الطبية فضلا عن منطقة مول الوسطى.

شاه علام شوك: ويديرها بهاى بيهلوان بادماش وتسيطر على توزيع الهيروين فى مناطق المهاجرين فى رامجالي وجوالماندى وحتى كيلا جوجار سينح وجارحى شاهو، ويقول أحد رجال الأعمال من المنطقة الذى بدأ فى حياته عالم الإجرام ولايزال يمارس نشاطه فى عالم الإجراء من آن لآخر. إن بهاى بلوان يمتلك مبنى كبير "شاه غلام شوك "بالقرب من الطريق الدائري ويستخدم كقاعدة لتجميع وتوزيع الهيروين ويحرس المبنى طوال الوقت ما بين عشرين وأربعين مسلحا وكلاب شرسة. ويعتقد السكان المحليون فى المنطقة أن هناك ثلاثة نمور مقيدة بسلاسل داخل الفناء لإرهاب السكان المحليين والفضوليين ويقال ان بهاى بيهلوان يستخدم شركة آزاد – باك للنقل التى تنقل الهيروين والكحوليات والمهربات الأخرى. ومثل زعماء العصابات الأخرى فإن بهاى بيهلوان يستخدم الشابات والمحجبات لتوزيع الهيروين على عملائه. كما أنه يدفع رشاوى يومية لرجال الشرطة. وقال رجل أعمال له سوابق فى عالم الجريمة أنه يمكنك ان تضبط الساعة عند وصول مفتش الشرطة يوميا إلى دار الشرطة لجمع الأموال التى توزع على الضباط على جميع المستويات وصولا إلى مفتش عام الشرطة فى البنجاب.

بوابة دلهي: وتسيطر على كشميرى بازار ومحطة السكك الحديدية والمنطقة المحيطة بالجامعة الإسلامية وخط السكك الحديدية.

ميسرى شاه: ويتزعمها الأخوان ناجا بادماش وفاجا بادماش وتسيطر على شمال الطريق الرئيسي الكبير فى لاهور ويتردد أن لها علاقات مع شبكة شودرى شوكت بهاتى وهو عضو مجلس المقاطعة ومقره باجبانبورا وباتابور وبوركى.

اتحاد كشمير

تشكل عصابات المدينة القديمة قاعدة يمكن أن يطلق عليها "اتحاد هيروين كشمير "ويعتبر سهيل ضياء بوت الشخصية الرئيسية فى الربط بين عصابات المدينة القديمة والرجال الذين ينظمون تدفق المخدرات والأموال والنفوذ داخل الاتحاد حسبما يقول خبراء المخدرات الباكستانيون. ويتمتع سهيل بعدد من الاتصالات المثيرة للاهتمام ومن أهمها أنه بدأ ممارسة نشاطه فى إمبراطورية التهريب الخاصة بحاجى اقبال بيج كما أنه زوج شقيقه ميان نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني الحالي. وفى دولة حيث تعد الزيجات تحالفا بين الثراء والنفوذ فقد ازدهر عمله كما ازدهر عمل اخوى شريف. وبعد أن انتقلت أسرة شريف إلى مقاعد السلطة تحت رعاية الجيش استغل سهيل ضياء بوت نفوذه والحصانة شبه الكاملة التى تتيحها له اتصالاته فى دعم مصالحه فى تجارة الهيروين، وفى عام 1990 انضم سهيل ضياء إلى مجلس مقاطعة البنجاب وفى عام 1991 عندما دخل بيج السجن استولى على حصة كبيرة فى إمبراطوريته.

ويعتقد أن شخصين آخرين يعملان بشكل وثيق مع سهيل ضياء بوت فى تجارة الهيروين وهما حاجى اقبال بوت عضو مجلس المقاطعة السابق (انتخابات عام 1988 الفرعية) ويعتبر مستشار سياسي وثيق الصلة بميان نواز الشريف وشقيقه الأصغر ميان شاهباز شريف، والشخصية الثانية إسلام بوت زوج شقيقة نواز شريف أيضا. ويتردد أن له مكانة فى منظمة بيج. وإسلام بوت خبير مالي يعمل أيضا "كسفير "للاتحاد لدى عصابات المخدرات الأخرى. ويقال إن له علاقات طيبة مع شودرى شوكت بهاتى الذى يدير شبكة الآراى فى المناطق الريفية والحضرية حول لاهور وهى العلاقة التى حالت دون أن يؤدى التوتر القديم بين الآراى والكشميرين إلى إثارة صراع بين ورثة إمبراطورية بيج وهؤلاء الرجال ليسوا أشخاصا عاديين أو هامشيين فى بطانة شريف – فكلما زار شريف مسقط رأسه فى لاهور يلتقي وأشقاؤه مع هؤلاء الرجال سواء لأغراض ترفيهية أو تجارية. وفى البنجاب حيث علاقة الدم والقرابة هى الروافد التى تنتقل عن طريقها الثروة والسلطة فإن الباكستانيين يجدون صعوبة فى تصديق أن الاخوة شريف غير متورطين فى المخدرات أو يستفيدون على الأقل من الأموال الضخمة التى تدرها التجارة، وبالطبع فإن الاخوة شريف يدركون أن عددا كبيرا من أعضاء اتحاد جمهوري إسلامي يمولون حملاتهم الانتخابية بمساهمات سرية من عصابة بيج، وبالتأكيد يدركون أن مبالغ ضخمة من الأموال التى تظهر فى البلاد كسندات وحسابات بالعملات الأجنبية وبرامج خصخصة هى فى الواقع أرباح تجارة المخدرات.

وحتى الآن لا يوجد دليل على أى صلة مباشرة بين الاخوة "إتفاق "وأرباح المخدرات ، ولم تتكون ثروة إتفاق حتى اختار حاكم البنجاب الليفتانينت جنرال غلام جيلانى خان (1980-1985) - الذى يبحث عن قاعدة من الطبقة الوسطى من المسلمين ليضفي الطابع المدنى على حكمه العسكري – اختار ميان محمد شريف (والد نواز وشاهباز) وأخوته فى الجولة الأولى من الخصخصة ابان حكم الرئيس ضياء الحق. وفى ذلك الوقت بدأ صعود نجم نواز شريف ليشغل منصب وزير مالية البنجاب ورئيس وزراء البنجاب ثم رئيس وزراء باكستان وفى نفس الوقت نما اتحاد الاتفاق الصناعي.

وجاء التوسع السريع لصناعات الاتفاق لتصل إلى عشرين وحدة صناعية (صلب ومنسوجات وسكر) تصل قيمتها إلى نحو 333 مليون دولار فى أقل من عشرة أعوام بفضل ميان محمد شريف وابنه الثاني شاهباز الذى يعتبره كثيرون العقل المدبر للعمليات الصناعية والسياسية للأسرة، وترجع الثروة إلى الحصول على رأس مال ضخم من البنوك المصرفية والجمعيات المصرفية التعاونية، وإذا كانت أموال المخدرات لها دور فى نمو صناعات الاتفاق فقد تم تمويل هذه الأموال عن طريق الجمعيات التعاونية من خلال منظمة حاجى اقبال بيج أو من أموال المخدرات التى دخلت النظام المصرفي من خلال السندات. وكما أشار شاهباز شريف فى مناقشاته مع الصحافة وأعضاء البرلمان الغاضبين فى الفترة التى انهارت فيها التعاونيات فإن عمليات اتفاق قانونية تماما فى جميع جوانبها، ولازالت مجموعة اتفاق مدينة بنحو 113 مليون دولار أمريكي اقترضتها من برامج وطنية يجرى بيع إحداها الآن، كما أنها تعانى من بعض المشاكل الداخلية إذ أن أبناء سبعة من الأخوة السبعة المؤسسين – أولاد أعمام رئيس الوزراء يريدون تقسيم صناعات الاتفاق وأصولها على العائلات السبع.

وبالطبع هناك بعض وجهات النظر أكثر إثارة للريبة تجاه العلاقة بين عائلة شريف وأموال المخدرات، إلا أنها تقوم حتى الآن على أقاويل وتكهنات ويستند هذا الرأي إلى أن عائلة شريف استخدمت أموال المخدرات لبناء إمبراطوريتهم السياسية والصناعية، وأن المسئول الرئيسي هو شاهباز الذى يحرص على أن يبعد أخوته عن أى صفقات مشبوهة. ووفقا لهذا الرأي فإن عائلة شريف تحتاج إلى الأموال الضخمة التى توفرها تجارة المخدرات لرشوة الجنرالات الكبار لإبقاء نواز شريف فى السلطة، كما أن العائلة تحتاج إلى الأموال ضخمة لسداد القروض الكبيرة التى حصلت عليها من البنوك الوطنية – إذ ان بعض المصانع لم تحقق أرباحا بعد إلى جانب تعويض من فقدوا مدخراتهم فى انهيار التعاونيات. وهذه الاحتياجات دفعتهم إلى الاعتماد على أموال المخدرات وفى المقابل فإن الأخوة شريف يوجهون بيع ممتلكات صناعية لمجموعات شركات يمولها جزئيا بارونات المخدرات ويجرى ذلك عن طريق التلاعب بلجنة الخصخصة ورئيس اللجنة الجنرال المتقاعد سعيد قادر وهو حليف قديم لنواز شريف وهو شخص لم تكن أبدا استقامته فوق مستوى الشبهات حتى وهو فى الجيش.

مافيا الآراى

تورطت عناصر من طائفة الآراى فى تجارة المخدرات منذ بداية العقد ، فحاجى إقبال بيج الذى أحضر أخصائيا لعلاج ابنة الرئيس ضياء المتخلفة خبير فى ضمان الوصول إلى جميع دوائر السلطة والنفوذ فى البنجاب بما فى ذلك صفوة طائفة الآراى فى لاهور وحولها. وذكر أحد أقارب ميان منذر بشير أن بيج قدم الهيروين الذى فشل بشير فى تهريبه إلى ألمانيا فىعام 1986. كما أن مفتش عام شرطة البنجاب وكبير المسئولين الإداريين فى سلطة تنمية لاهور شارك فى تخطيط وتمويل محاولة التهريب. وميان منذر شريف الذى اعتقل وسجن فى ألمانيا ينتمي إلى واحد من أكثر عائلات الآراى مكانة وكان جده شخصية رئيسية فى حركة باكستان وخدم كحاكم للأقاليم المتحدة فى الهند البريطانية. كما أن عمه الكبير وزير العدل فى البنجاب ووالدته البيجوم شاهنواز من أشهر السيدات التى عملن فى مجال السياسة فى وقتها.

والشخصية الثانية من مافيا الآراى فى لاهور هو ميان عزام وهو مليونير كان أول من توصل لأسلوب تهريب الهيروين إلى أوروبا والولايات المتحدة عن طريق البريد. وعصابة عزام التى تضم عاملين فى مكتب بريد باكستان ترسل طرود تحتوى على هيروين إلى امستردام ونيويورك عن طريق دولة لا تنتج الهيروين بافتراض انه لن يتم تفتيشها وهو أمر صحيح فى معظم الحالات. وألقت وكالة التحقيقات الاتحادية القبض على عزام فى 17 يونيو بناء على معلومات حصلت عليها من الشرطة الدولية (الانتربول) ، وقد أصدرت مدينة نيويورك أمرا بالقبض على عزام وطلبت الولايــات المتحـدة تسليمـه لها.

وأهم شخصية فى المافيا شودرى شوقى على بهاتى عضو مجلس مقاطعة البنجاب الذى انضم إليه فى عام 1990، حيث يمثل منطقة بوركى الريفية الواقعة من شرق لاهور إلى حدود الهند، وكان بهاتى يعمل لدى حاجى اقبال بيج ويشرف على عمليات التهريب عبر حدود الهند ثم سيطر على طريق التهريب إلى الهند بعد سجن معلمه.

ويمول عملياته عن طريق أنظمة مساهمة يشترى من خلالها تجار ومتخصصون عمليات تهريب محددة، وبذلك يتم توزيع أرباح الهيروين ومخاطره ويتيح لبهاتى دعم مجموعة كبيرة من المستفيدين الذى يستغلون نفوذهم لحمايته وحماية استثماراتهم.

واستخدم بهاتى أمواله واتصالاته لانتخابه فى مجلس مقاطعة البنجاب، ويستغل موقعه الآن لتعزيز قبضته على المنطقة الحدودية ، ويقول مصدر فى عالم الجريمة إن بهاتى يوظف نحو ألفى مسلح، ومن مهام هؤلاء تشكيل مجموعات استيلاء تستولي على منازل وقطع أرض أو أراضى زراعية يريدها بهاتي ، كما يستخدم هذه المجموعات لإرهاب معارضيه فى القرى الرئيسية ، أومن يمتلكون أرضا على طول الحدود ، ويقدم بهاتي رشاوى للمسئولين المحليين لتغيير سجلات الأراضى ، كما يرشى القضاة أو يرهبهم لإبطال القضايا التى ترفع ضده، ثم يمنح هذه الممتلكات إلى اتباعه أو يحضر إليها إناسا يثق بهم.

وتفيد مصادر مطلعة أن بهاتي يهرب بالفعل كل كميات الهيروين التى تعبر حدود البنجاب إلى الهند ،وتضيف هذه المصادر أن السور الذى تقوم الهند بتشييده لا يمثل مشكلة إذ أن المسلحون السيخ يسيطرون خلال الليل على أجزاء من الحدود حيث توجد فتحات كبيرة تكفي لمرور الشاحنات. وفى حالة الضرورة يتم إلقاء عبوات من فوق السور إلى المسلحين المنتظرين على الجانب الآخر. وهناك دائما نتوء "جاسر "بالقرب من ديرا بابا ناناك حيث يوجد فتحات ضخمة فى السور لمد الطرق أو للتحركات العسكرية فى المستقبل. ونادرا ما يوجد قوات حدودية على جانب الحدود فى الهند وباكستان ويتردد أنهم يحصلون على رشاوى ويضمن بهاتى "أمانة "المسلحين السيخ بتوفيره الأسلحة والذخيرة وإدراكهم أن المسلحين وعائلاتهم الذين يلجئون إلى باكستان هم بالفعل رهائن لديه ضمانا لحسن سلوكهم. وقال مصدر فى عالم الجريمة إن بهاتى توسط فى مايـو الماضي فى صفقة سلاح قيمتها 375 ألف دولار أمريكي بين تجار سـلاح ومسلحين سيـخ.

السند وكراتشى

كراتشى هى المركز الرئيسي لنقل الهيروين إذ تخدمها عدة طرق رئيسية تعبر بلوخستان عن طريق كالات ولاس بيلا والطريق السريع الوطني عبر حيدر آباد ، ويأتي الهيروين والشاراس عن طريق كراتشى فى حاويات معبأة فى شمال البلاد ويتم تهريبها عن طريق ميناء كراتشى ،كما يتم تهريب الهيروين عن طريق الخطوط الجوية الباكستانية عن طريق بعض موظفي الشركة غير الأمناء ، وأحيانا بعض الطيارين – وينقل الهيروين من خلال رحلات الشركة إلى الغرب عبر فرانكفورت وباريس وامستردام ومانشستر إلى وجهته النهائية فى نيويورك ولندن ، كما أن كراتشى نقطة عبور للهيروين الذى يهرب إلى الهند عن طريق التجارة الساحلية من كيتى بندر ،أما الطريق إلى الهند فتمر عبر حيدر آباد.

أصبحت حيدر آباد محطة هامة لنقل الهيروين إلى كراتشى ، وقد أصبحت العصابات الإجرامية تسيطر بالفعل على المدينة فى ظل حماية سياسيين ذوى نفوذ على صلة برئيس وزراء السند الراحل جام صادق (1990-1992) والمسئول عن تنفيذ القانون عرفان الله ماروات وهو من البشتون وهو أيضا زوج ابنة الرئيس غلام إسحاق خان، والعصابات الرئيسية فى حيدر آباد هى ميليشيات "قومى مها جرى مهاز "التى حولت تنظيمها واتصالاتها وترسانتها إلى الجريمة كتهريب المخدرات والأفيون والهيروين والكحوليات والدعارة ، وهذه العصابات ضمنت ولاء الشرطة بتقديم الرشاوى ،وحاول رجل شرطة كبير عين فى حيدر آباد إغلاق أوكار المخدرات غير أن رئيس وزراء السند فى ذلك الحين طالبه بالابتعاد وتم نقله فيما بعد.

ويعقد تجار الهيروين صفقات مع العصابات فى السند وعصابات المهاجرين فى المدن للمساعدة فى حماية ما يتم تخزينه فى حيدر آباد أو حولها ونقل الهيروين غربا إلى كراتشى وشرقا إلى الحدود الهندية ومعظم الهيروين يأتي إلى كراتشي فى شاحنات يتم توزيعه على مخازن صغيرة فى جيوب البشتون والمهاجرين فى المدينة.

وقد سمح الباشتون لعصابات المهاجرين بالمشاركة فى النشاط وبصفة خاصة إدارة شبكات التوزيع فى كراتشى وعن طريق شراء المجموعات العرقية والطائفية فى المدينة فإن المهربين البشتون يسهلون عملياتهم الدولية وهى أكثر إغراء.

وتمثل الصفقة الجانب الخفي من التحالفات السياسية التى أقامها جام صادق الراحل بين السند والمهاجرين والمهاجرين البشتون المناهضين لحزب الشعب الباكستاني، ومن المثير للاهتمام أن جام صادق جعل ماروات مستشار الشئون الداخلية ليتولى مسئولية جميع الوكالات المعنية بتطبيق القانون فى الإقليم، وفى الوقت نفسه عين ماروات شقيقه سميح الله ماروات رئيسا لوكالة التحقيقات المركزية فى السند ، وكانت أول خطوة اتخذها عرفان الله توسيع سلطة وكالة التحقيقات لتصبح السلطة الرئيسية فى تنفيذ القانون فى السند ، ويعتقد صحفيون فى كراتشى أن هذه الخطوة التى عززت إلى حد كبير سيطرة الأخوان ماروات كانت إلى حد بعيد لصالح مهربي وتجار المخدرات فى كراتشى.

وعندما تصل الشحنات إلى كراتشى يقوم المهربون واغلبهم أقارب لبارونات المخدرات على الحدود بتوزيعها على الشبكات المحلية وتنظيم عمليات التهريب عن طريق ميناء ومطار كراتشى. وهذا يعنى التخطيط والتأكد من تقديم الرشاوى للأشخاص اللازمين وضمان التنفيذ بسلاسة ، ويقيم المهربون الكبار فى منازل تخضع للحراسة مثل الحصون ويعملون عن طريق أفراد من الأسرة الذين يثقون بهم، وهم نادرا ما يلمسون الشحنات بأنفسهم إلا أن انتقامهم سريع ممن يخون الأمانة.

وينقل المهربون المحليون الهيروين إلى واحد من الأوكار الثمانية الكبرى أو العشرين الصغيرة التى تقدم الهيروين لنحو نصف مليون مدمن فى المدينة، وفى كل وكر مجموعة صغيرة من المروجين ومعظمهم مدمنين أيضا. وتخدم الأوكار الثمانية الكبرى ما بين 20 ألف و 30 ألف مدمن يوميا وتحقق ما بين مليون و 1.4 مليون روبية يوميا، وربع هذا المبلغ يكون من نصيب وكالة التحقيقات والشرطة وغيرها من وكالات تطبيق القانون أي ما بين مليوني و 2.5 مليون روبية يوميا من الأوكار الكبرى فقط، وعندما تطالب الشرطة بأكثر من الربع كما يحدث فى فترات العطلات فإن المبلغ قد يتضاعف.

تطبيق القانون

بالرغم من تباين سجل باكستان فى تطبيق قانون المخدرات فما لاشك فيه أن هناك بعض التطورات الإيجابية ، وإحدى هذه التطورات تقديم مشروع إلى الجمعية الوطنية (البرلمان) فى فبراير ينص على مصادرة ممتلكات مهربي المخدرات الذين يتم إدانتهم. وفى نفس الوقت أصدر الرئيس قانون قوة مكافحة المخدرات التى تخول الحكومة مصادرة ممتلكات مهربي وتجار المخدرات. غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كان سيتم اتخاذ أى إجراء ضد المهربين المدانين مثل حاجى إقبال بيج ، ومن المهم الإشارة إلى أن باكستان تطبق قوانين بينامي (ترجمته الحرفية: بدون اسم) الذى يسمح للأفراد بأن يحتفظوا بممتلكات دون الإفصاح عن اسمهم أو بأسماء زائفة. وهو أداة مفيدة لإخفاء الأصول والممتلكات ويشير إلى مدى الصعوبة التى ستواجها إسلام آباد حتى تجعل من المصادرة تهديدا حقيقيا لتجار المخدرات.

كما أن القانون يشكل قوة عمل خاصة تابعة لوزارة المخدرات، الاتحادية للتحقيق فى جميع المسائل المتعلقة بإنتاج وتصنيع وتهريب المخدرات وترسل جميع الوكالات المعنية بتطبيق القانون سجلاتها بشأن قضايا المخدرات إلى القوة الخاصة مع إشارة خاصة إلى كبار التجار كما هو واضح، غير أنه لم يتضح ما إذا كان للقوة دور نشط فى التنفيذ ومن المؤكد أن البلاد تحتاج إلى مزيد من التنسيق لمكافحة تجارة الهيروين فى جميع مراحلها.

والتطور الإيجابي الآخر هو النشاط الأخير فى تطبيق قوات الحدود فى بلوخستان للقانون مما أدى إلى ضبطيات هامة فى ماكران ، ومع التحسن فى التنظيم والتسليح فإن قوات الحدود تعد قوة فعالة لمكافحة المخدرات وبصفة خاصة على طول الحدود حيث ينقل التجار الشحنات فى قوافل مسلحة ، غير أن تعليق خبراء المخدرات الباكستانيين أن السجل الطيب للقوات سيكون مؤقتا ، ويشيرون إلى أن تغيير القيادات على جميع مستويات قوات الحدود أصبح أمرا متكررا مما يحد من الكفاءة والخبرة والمعرفة، وقد تغير القائد العام لقوات الحدود فى بلوخستان أربع مرات فى ثلاثة أعوام ، ومن الواضح أن العسكريين مثلهم مثل الموظفين العموميين لا يرغبون فى العمل فى بلوخستان ويسعون دائما لمناصب فى لاهور أو إسلام آباد ، كما أن التغيير المتكرر للقيادات قد يعنى أن المنصب له إغراءات ، وأن الجيش ينقل الضباط حتى لا يطول الفساد أيا منهم. وبالطبع فإن الضابط الذى لديه ميل للانحراف فإن فترة العمل القصيرة بالنسبة له تعنى الاستعداد لإبرام صفقات أكبر.

ضبطيات المخدرات

إذا كانت الأرقام الرسمية تمثل أى مؤشر فإن الوكالات المعنية بتطبيق القانون تضبط ما بين خمسة وسبعة أطنان من سبعين طنا من الهيروين ويعتقد خبراء غربيون أنها تأتى من باكستان أو تنقل عن طريقها سنويا (انظر جدول 4) وحتى فى حالة ما إذا كانت الكمية المضبوطة ككل متجهة إلى الأسواق الدولية وليس للاستهلاك المحلي فإنه يعتقد أنها ما بين 25 إلى 33 فى المائة فقط من ما يتراوح ما بين 15 و 20 طنا يعتقد أنها تهرب إلى الخارج. ويعتقد خبراء باكستانيون أن كمية أكبر تعبر الحدود فقط لأن نسبة من المهربات التى يتم مصادرتها يتم تهريبها من جديد عن طريق مسئولين فاسدين مكلفين بتطبيق القانون، كما يؤكدون أن الوكالات المعنية بتطبيق القانون لم تقبض على الإطلاق على كبار التجار أو حتى وسطائهم بل من يتم اعتقالهم يكونون إما مدمنين أو مروجين على مستوى الشوارع أو أشخاص فقراء يحملون ما بين كيلو أو نصف كيلو إلى إحدى المدن الكبرى، والبيانات فى جدول أربعة تعكس هذا النوع من الضبطيات. وكما يشير الجدول رقم (5) فإن هناك تباينا كبيرا بين وكالات تطبيق القانون بشأن الكميات التى ضبطتها كل وكالة فى عام 1990 وهو العام الأخير الذى توافرت فيه مثل هذا النوع من البيانات.

وتوضح البيانات أرقاما منخفضة للغاية لوكالات مثل حرس السواحل والفصائل المختلفة وقوات الحرس الباكستاني والتى يجب أن تضبط فى الأحوال العادية كميات مساوية للجمارك والضرائب. وربما تعكس هذه الأرقام أن حرس السواحل وقوات الحرس الباكستاني يحصلون على مبالغ كبيرة من مهربي المخدرات، وقد أصبح الأمر جليا حتى أن حرس السواحل لا يقومون بضبطيات وهميةللإبقاء ولو على بصيص من المصداقية، ومن ناحية الإدارة فإن حرس السواحل تابعون للجيش وليس للبحرية كما هو متوقع وضباط الجيش الذين ينقلون إلى حرس السواحل هم فى الغالب من يثبت فسادهم أو من أوشك على التقاعد ويريد أن يحصل على منصب حيث يمكنه تحقيق بعض المكاسب. ويقال إن القائد الحالي لحرس الحدود البريجادير صادق جمال ليس فوق مستوى الشبهات.

الجدول رقم 4

ضبطيات المخدرات (بيانات إدارة مكافحة المخدرات)





المادة
1988
1989
1990
1991

الهيروين

الكمية المضبوطة (كيلوجرام)
6068
852
6458
50667

عدد القضايا
17875
21984
24355
20692

عدد المتهمين
18975
23804
24608
20971

الأفيون

الكمية المضبوطة (كيلوجرام)
3948
5990
8274
5886

عدد القضايا
3205
4395
3548
3179

عدد المتهمين
3488
4026
3471
3177

الشاراس

الكمية المضبوطة (كيلوجرام)
118489
106351
240625
23687

عدد القضايا
24351
25445
25439
21739

عدد المتهمين
24881
26221
25468
21883



الجدول رقم 5

ضبطيات المخدرات لكل وكالة (بالكيلو جرام)

بيانات إدارة مكافحة الضرائب لعام 1990





الوكالة
أفيون
هيروين
شاراس

حرس السواحل
3.4
-
201.6

الجمارك
550.0
703.2
95038.6

الضرائب
245.3
554.4
31726.9

الشرطة العسكرية
1282.3
1750.9
8170.1

الرسوم
34.0
100.0
26.0

سلطات الشرطة
3018.0
7.6
28.0

إدارة مكافحة المخدرات
367.9
921.0
70880.1

الشرطة
2733.8
2314.1
34283.5

قوات الحرس
0.5
62.0
36.7

شرطة السكك الحديدية
38.4
44.6
230.6



مفوضو الأقاليم وعملاء سياسيون يشرفون على تدمير محصول الخشخاش

المخدرات والمجتمع والخدمة العامة

إن مشكلة تطبيق القانون فى باكستان لا تتعلق بالحصول على معلومات داخلية أو جمع استخبارات، فالوكالات المعنية بتطبيق القانون فى باكستان ماهرة فى وضع مخبرين واستغلالهم ، وغالبا تدرك ما يدور أو على الأقل تعرف كيفية الوصول إلى ما يحدث بالفعل ، وتكمن المشكلة فى عدم قدرة هذه الوكالات على التصرف بشكل حاسم ضد بارونات المخدرات شبكاتهم سواء بسبب الموارد المحدودة وعدم تدريب الأفراد وضعف المعدات (بما فى ذلك استخدام أسلحة أقدم وأقل فعالية من تلك المتاحة لمافيا المخدرات). وضعف الأجور والتدخل السياسي.

والمشكلة الأكثر صعوبة انهيار المعايير الأخلاقية فى المجتمع والمؤسسات الباكستانية بصفة عامة، وببساطة فإن باكستان تمر بمرحلة تنمية أصبح فيها الفساد أمرا عاديا، فمن يتمتعون بأي نوع من النفوذ أو قدرة على الوصول إلى دهاليز السلطة يسخرون من القانون بما يتمتعون به من حصانة ، ولا يطبق القانون إلا على الفقراء ومن لا حول له ولا قوة ، وعلى المواطن العادي والتاجر الصغير ، وحتى فى هذه الحالة فإنهم يصبحون وسيلة ضغط للحصول على الرشوة ، والباكستانيون لم يخطئوا كثيرا فى اعتقادهم بأن الصفوة فى البلاد سواء من رجال السياسة أو الصناعة أو الجنرالات أو المصرفيين مع إستثناءات بسيطة يستخدمون مناصبهم لتحقيق الثراء لأنفسهم وأسرهم وأقاربهم ، إنهم يعيشون فى عالم يسوده الفساد حيث يتطلب كل شئ سواء الحصول على تليفون أو وصلة غاز أو إلحاق طفل بمدرسة محترمة إلى دفع رشاوى وحيث جميع القطاعات العاملة فى المجتمع بما فى ذلك التعليم تدهورت إلى حد غير قابل للإصلاح.

وأصبحت المناصب العامة فى باكستان تقدر بشكل متزايد بما يمكن ان تحققه من ثروة لشاغلها ،وأصبحت الوظائف فى الجهاز الحكومي تشترى بمعنى الكلمة ، فمن يحصلون على مناصب أعلى أو ينتقلون إلى موقع أكثر إغراء يشترون هذه المناصب ممن هم فى مناصب أرفع مستوى ، وإذ كان صاحب أكبر عرض لا يمتلك من الأموال ما يكفى للوفاء بما وعد به على الفور فإنه يحصل عليها من مرتبات من هم أدنى منه، ويحدث ذلك فى جهاز الشرطة كما يحدث فى أجهزة الإدارة الأخرى، فجميع المناصب فى الشرطة من أدنى مستوى إلى مفتش عام شرطة المقاطعة تباع ، ومع توافر مبالغ ضخمة من تجارة المخدرات فإن الرشاوى ضخمة، وأصبحت القدرة على شراء مناصب إدارية عليا أيسر.

وفى تطور آخر متعلق بالمخدرات فإن الأغلبية من بين خمسين مسئولا احتلوا المراكز المتقدمة فى اختبار لجنة الخدمة العامة اختاروا العمل فى الشرطة أو الوكالات الأخرى المعنية بتطبيق القانون أو الجمارك خلال السنوات الخمس الماضية ، وقبل عشرين عاما كان الأوائل يحتلون مناصب رفيعة فى الخدمة المدنية بينما يدخل الشرطة من يأتون فى ذيل القائمة ، وهذا التغيير فى أولويات العمل دليل واضح على الوظائف التى تحقق الثراء فى الوقت الحالي على حسب قول خبراء المخدرات الباكستانيين ، فقد اختفى فى باكستان المعاصرة الموظف العام المثالي فى ظل وجود وافدين جدد يساندهم أفراد أسرهم وعشيرتهم ويسعون لكسب المال من أجل الحصول على مناصب أكثر إغراء.

وفى ظل هذه الظروف يسهل على مافيا المخدرات أن تضع أفرادا تابعين لها سواء الأقارب أو من اشترتهم من ضباط الشرطة فى مناصب هامة وبصفة خاصة إذا ما كانوا يتمتعون بمساندة من سياسيين ، كما أن هناك صعوبة متزايدة فى بقاء الشرفاء فى مناصب هامة، فإلى جانب حقيقة أن الأجور أصبحت أقل بكثير من تكاليف المعيشة على مدى العقد الماضي فإن ضغوط الأسرة والأقارب لاستغلال الوظيفة إلى أقصى حد ممكن لصالح العائلة الكبيرة قد تصبح أكثر حدة ، وفى الإطار الثقافي لباكستان من الصعب مقاومتها، فصلة الدم والقرابة هى العلاقة الأساسية فى المجتمع الباكستاني، فطموح الشخص ليس لنفسه فحسب بل لعدد كبير من الأقارب، وإذ كان إغراء المال ليس كافيا فإن التهديد قد ينجح، فرجل الشرطة الأمين قد لا يجد الحماية عندما يعمل الضباط الكبار لصالح بارونات المخدرات.

وفى ظل هذه الظروف المسمومة فإن الناس والأحداث قد لا تبدو على حقيقتها، وبالطبع فإن خبراء المخدرات الباكستانيين يعتقدون أن معظم ما ينشر عن الحملات والاعتقالات ضد تجار المخدرات ليس سوى نصف الحقيقة، وذكروا أن ما نشر عن القبض على عصابة مخدرات تضم عددا من كبار رجال الشرطة وإدارة مكافحة المخدرات فى البنجاب فى منتصف عام 19، هو فى الحقيقة ناجم عن صراع مرير بين رجال الشرطة على رشاوى المخدرات، وأن من اعتقلوا هم من خسروا المعركة ، وتردد أن ذلك يرجع إلى رفضهم التعامل مع ضباط اصغر نقلوا حديثا ، إلا أن لهم اتصالات أفضل مع مافيا المخدرات ورجال السياسية.

وغالبا ما تكون هناك قصة أكبر وراء أي ضبطية مخدرات التى يتم تزييف معظمها أو اختراعها، وقال خبير مخدرات إن مثل هذه الحوادث عمليات تمويه يجرى التخطيط لها بشكل جيد، إذ تصل معلومات للشرطة أو إدارة مكافحة المخدرات عن شحنة مخدرات حيث تقام المتاريس ويتم ضبط شاحنة فيحصل المخبر على كيلو جرام من الهيروين، وتحتفظ الشرطة بثلاثة كيلو جرامات، بينما يتم الإبلاغ عن باقي الكمية، وتفوز الشرطة لانها تنقذ سمعتها وتحصل على تقدير لتنفيذ الضبطية كما تحقق مكاسب على الهامش. كما أن التجار الذين يقدمون هذه المعلومات يفوزون لانها تكون عملية تمويه تمكنهم من تهريب شحنة أكبر من الهيروين دون تفتيش عبر طريق قريب.

وهناك العديد من الحوادث التى تثير الشكوك بشأن نزاهة الوكالات المعنية بتطبيق القانون والعاملين بها وتشير بعض الأمثلة إلى تنوعها:

الهروب المزدوج لماجور افريدى إذ استخدم فى أول مرة شهادة طبية مزورة أصدرها طبيب من الجيش تفيد بحدوث صراع بين الماجور السابق وحراسه العسكريين، ومازال افريدى مطلق السراح وقد يكون وراء استخدام الشاحنات والزي العسكري فى تهريب الهيروين.

سرقة خمسة أطنان من الاندريد الخلى وهو مادة كيماوية حيوية لإنتاج الهيروين من مخزن يخضع لحراسة فى المنطقة الجمركية فى كراتشى، وتمت مراقبة الشحنة التى تضم 19 طنا من المادة من ألمانيا إلى امستردام ، وضبطت عند وصولها إلى كراتشى فى أكتوبر 1990، ونقلت الحاوية إلى مخزن خاص يخضع لحراسة على مدار الساعات الأربع والعشرين ، وفى مايو 1991 اكتشف سرقة خمسة أطنان من المادة من الحاوية، وتم استرداد جزء من المادة المسروقة فى غارة على بيشاور قادها سالم مالك رئيس التحقيقات فى جمارك كراتشى.

اغتيال سالم مالك ويعتقد خبراء المخدرات أنه عمل انتقامي لتورطه فى قضية الاندريد الخلي ، فقد كان مالك يعيش فى ثراء يتجاوز إمكانياته، كما كان يقود سيارة مرسيدس وله ثلاثة حسابات سرية فى بنوك سويسرية، ويقول الخبراء إن مالك استغل منصبه لابتزاز مهربي المخدرات، ويقولون إنه عقد صفقة بشأن شحنة الاندريد الخلي ثم قاد حملة من بيشاور للقضاء على الشائعات عندما ظهر اسمه فى القضية.

قضية المجلس المركزي للإيرادات حيث اكتشفت القضية فى عام 1991 عندما اتهم رئيس المجلس المركزي للإيرادات فى لاهور وعدد من العاملين بالتورط فى تجارة المخدرات، والشخص الذى كشف النقاب عن القضية هو مشتاق أخطار مفتش جمارك له ماضي ليس فوق مستوى الشبهات فضلا عن وقفه عن العمل ثلاث مرات للحصول على منح بشكل غير قانوني، وبعد القضية رقى أخطار كمساعد لمدير وكالة التحقيقات الاتحادية فى لاهور، ويقول خبير مخدرات إنه متورط فى تجارة المخدرات، ويحظى بحماية من هم فى مناصب أعلى ويحقق أرباحا طائلة.

المخدرات والجيش

هناك اختلاف بين خبراء المخدرات والصحفيين المحققين فى باكستان بشأن مدى تورط الجيش فى تجارة المخدرات، والرأي الأكثر شيوعا أنه فيما تورط ضباط فى القوات المسلحة بصفتهم الفردية فى التجارة فإن الجيش كمؤسسة بمنأى عن ذلك، وخلال فرض الأحكام العرفية التى امتدت ثمانية أعوام أبان حكم الجنرال ضياء الحق (1977-1985) تورط بعض الضباط فى تجارة المخدرات وأغلبهم من رؤساء المحاكم العرفية، وبدءوا بالحصول على رشاوى ممن اتهموا فى قضايا مخدرات، وفى بداية الثمانينات وجه الجيش اتهامات لثلاث عشر ضابطا برتبة رائد واثنين برتبة عميد فى قضايا فساد، وبعض هؤلاء الضباط من بينهم افريدى وجودا وزهور تمكنوا من الهرب من السجن وتورطوا أكثر كمهربين لهم صلات بمافيا الحدود.

ويعتقد العديد من المراقبين أن هذه القضايا ليست سوى قمة الجبل، وأن الفساد متفشي فى الجيش فيما يتعلق بالمخدرات وعمولات مبيعات الأسلحة، وهناك شائعات بأن قائد القوات السابق فى لاهور الليفتانينت جنرال محسود علام جان حقق أموالا طائلة بتسهيل نقل المخدرات من الحدود إلى لاهور ومنها إلى الهند ، ومن المؤكد أن وجود عدد كبير من الضباط يعيشون فى مستوى يفوق بكثير مواردهم أمر ملحوظ منذ أكثر من عشرة أعوام، وقد حاول رئيس أركان الجيش الجنرال ميرزا إسلام بيج إعادة الانضباط إلى الجيش بعد سنوات حكم ضياء الحق ، ويسير خليفته الجنرال عاصف نواز جانجوا على نفس السياسة بما فى ذلك إنهاء خدمة الضباط الذين لم يستطيعوا تفسير مصادر ثرائهم المفاجئ.

والاستثناء الوحيد المقبول على نطاق واسع لعدم تورط الجيش كمؤسسة فى تجارة المخدرات هو دور إدارة المخابرات العسكرية، ويعتقد كثيرون أنها سمحت لمجموعات المقاومة الأفغانية بالتجارة فى المخدرات بعد أن قطعت الولايات المتحدة مساعداتها وأن ضباط من الإدارة شاركوا فى التجارة سواء فى إطار عمليات مسموح بها أو لتحقيق الثراء، كما أن المخابرات متورطة مع المسلحين السيخ الذى يلجأون لباكستان كملاذ آمن ويستخدمون الهيروين لتمويل أهدافهم العسكرية ، وعلى أقل تقدير فإن المخابرات تتسامح مع تورط السيخ فى تجارة الهيروين ، كما يحتمل أن حركة التمرد فى كشمير تمول جزئيا من تجارة الهيروين، فأقوى الجماعات الموالية لباكستان "حزب المجاهدين "تدعمه إدارة المخابرات والجمعية الإسلامية الباكستانية والحزب الإسلامي بقيادة غلب الدين حكمتيار والأخيرة من أكثر الجماعات الأفغانية التى يشار إلى تورطها فى تجارة الهيروين.

ويعتقد بعض الخبراء أن الجيش أكثر تورطا فى تجارة المخدرات ويزعم مصدر فى عالم الإجرام أن مافيا المخدرات وحلفاءهم السياسيين - ويدرج من بينهم رئيس الوزراء نواز شريف – تدفع رشاوى بشكل منتظم لقادة الجيش، ويثير قلق البعض الآخر أن اجتماع قطع المعونة الأمريكية وتدفق أموال المخدرات على باكستان من خلال اقتصاد أسود وسندات قانونية لحاملها قد تغرى القوات المسلحة على استغلال المخدرات لتمويل التكاليف الباهظة لشراء الأسلحة، ويقول عضو أسرة لها صلات قوية بالجيش إن الضباط سواء أواسط الضباط وصغارهم يشعرون بالخيانة تجاه الولايات المتحدة ويتحدثون علنا عن استغلال التجارة الدولية للهيروين لدعم احتياجات الجيش، ولم يعرف ما إذا كان أى من ذلك تجاوز مستوى الحديث.

المستقبــــلـ

لا يبدو فى الأفق أى احتمال لتغيير مفاجئ أو كبير فى حجم تجارة الهيروين المحلية فى باكستان على أن التطورات فى أفغانستان وآسيا الوسطى والهند قد تغير أشكال التهريب الدولي ، وقد يكون لها تأثير هائل على مافيا المخدرات فى باكستان، وعلى مستوى البلاد فإن مستويات الإدمان ستشهد تزايدا ، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن المخدرات آخذة فى الانتشار فى المناطق الريفية والبلدات الصغيرة ، إلا أن هناك علامات مشجعة تتمثل فى ظهور عدد أقل من المدمنين فى لاهور، إذ أدرك الشباب مخاطر الهيروين، إلا أن شبكة معالجة الإدمان البدائية والصغيرة والتى تضم نحو ثلاثين مركزا تحتاج إلى برنامج سريع لإعادة التدريب وتوسع كبير قبل أن يصبح تقليص الطلب اتجاها مجديا.

وتفتقر باكستان إلى حملة قوية بين الرأي العام لمكافحة المخدرات والقدرة المنظمة على التفوق على مافيا المخدرات ، ويعتقد بعض خبراء المخدرات أن الجيش وحده هو القادر على منع تحول باكستان إلى "كولومبيا أخرى "، وأن تحقيق ذلك يستوجب أن يشن الجيش حربا على مافيا المخدرات بما فى ذلك قادتهم، وفيما عدا ذلك فإن هناك العديد من جهات المصالح القوية التى تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من المخدرات بما لا يترك للوكالات المعنية بتطبيق القانون المدنية إلا تأثيرا هامشيا على إنتاج الهيروين وتجارته، وأموال المخدرات تعزز الاقتصاد الأسود الذى أصبح الآن فى نفس حجم الاقتصاد الشرعي وكذلك يدعم الدخل اليومي لأسر الآلاف من الباكستانيين.

ومن المستبعد أن يمثل المعروض مشكلة نظرا لاستئناف زراعة الخشخاش فى باكستان والتوسع الكبير فى زراعته أيضا فى أفغانستان فضلا عن وجود أنباء عن انتشاره فى طاجيكستان، وبالطبع فإن الزيادة المحتملة فى المعروض من الهيروين وانفتاح أفغانستان كمركز محتمل للتكرير والتهريب قد يؤدى إلى صراعات بين مافيا المخدرات حول التسعير والطرق والوصول إلى الأسواق الدولية، وإذا نشطت الطرق الرئيسية من أفغانستان عبر إيران وأجزاء من آسيا الوسطى – كما يبدو الحال – فإن مهربي المخدرات فى باكستان سيفقدون تجارة الهيروين المغرية للغاية ، ومما لا شك فيه أن المافيا من البشتون (افريدى وشنبوارى ومهمند) يتحركون لإقامة مراكز لهم داخل وحول جلال آباد، إلا أن عليهم إبرام اتفاقيات مع قبائل أخرى إذا أرادوا النجاح.

ومن المحتمل أن يحاول المهربون البشتون على جانبي الحدود الباكستانية الأفغانية تكوين اتحاد للسيطرة على عمليات التوريد والتسعير والاتصالات الدولية، ومن المؤكد أن ذلك لصالح لوردات المخدرات الباكستانيين مثل حاجى أيوب افريدى، إلا أن نجاح مثل هذا الاتحاد فى مجتمع قبلي مضطرب مسألة صعبة للغاية، وخلال العامين القادمين قد يجد لوردات المخدرات أنفسهم مضطرين للقتال للسيطرة على عمليات توريد المخدرات والطرق التى تسلكها أو يواجهون احتمال تخطيهم من جانب عصابات أحدث وأكثر قوة فى أفغانستان.

التبعات بالنسبة للولايات المتحدة

فقدت الولايات المتحدة الكثير من نفوذها. ومصداقيتها التى اكتسبتها فى حقبة الثمانينات بمساندتها لموقف باكستان القوى تجاه أفغانستان،وساعدت المعونات الاقتصادية والعسكرية الضخمة المقدمة لباكستان خلال النزاع الأفغاني والدعم المالي والعسكري للمقاومة الأفغانية على تحقيق تقارب بين إسلام آباد وواشنطن بشأن هدف مشترك بشكل لم يتحقق من قبل، وعلى الرغم من أن الباكستانيين ما كانوا ليثقوا بواشنطن كما كان الحال قبل عام 1965، إلا أن حكومة ضياء الحق استمعت إلى آراء واشنطن فى قضايا أخرى بخلاف قضية أفغانستان من بينها المخدرات، وفى ظل حكم ضياء الحق نفذتباكستان برامج تدمير محصول الخشخاش وتوفير دخل بديل ، واتخذت إجراءات صارمة ضد مهربي المخدرات فى منطقة خيبر لينخفض إنتاج الأفيون إلى أدنى مستوياته إلى أربعين طنا فى عام 1985 وهو آخر أعوام الأحكام العرفية.

ومكنت عودة الحكومات المنتخبة مزارعي الخشخاش وتجار المخدرات إلى العودة لممارسة نشاطهم بقوة عن طريق استغلال الولاءات الحزبية ورشوة السياسيين ، كما أن تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة وقدرتها على الضغط كان عاملاً وراء ظهور صناعة المخدرات من جديد، وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان إلى أدنى مستوياتها نتيجة فقدان الولايات المتحدة الاهتمام بأفغانستان بعد الانسحاب السوفيتي منها وقطع المساعدات العسكرية لباكستان بسبب القضية النووية ، ولازالت باكستان تريد حلاً وسطاً بشأن هذه القضية يسمح باستئناف المساعدات الأمريكية، كما تريد باكستان الحد من التقارب بين واشنطن ونيودلهي وهذه الاعتبارات لازالت تسمح بسماع صوت الولايات المتحدة فى باكستان ، إلا أنه صوت يود معظم الباكستانيين تجاهله، وعلى مستوى الرجل العادي فإن هناك نظرة متزايدة للولايات المتحدة كعدو لباكستان والعالم الإسلامي.

وفيما يتعلق بالمخدرات فإن إسلام آباد تبقى على مستوى من التعاون إلا أنه ليس كافياً لانقاذ مشروع جادون أو برامج الدخل البديل فى بونر ومالاكاند وباجاور التى يحتاج إلى مراقبة لصيقة ومستمرة ، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن باكستان قامت " بالمطلوب منها فيما يتعلق بالمخدرات فبعض أكبر ضبطيات المخدرات قد جرت فى باكستان ، والقي باثنين من بارونات هذه التجارة فى السجن وتم تسليم أحد المطلوب القبض عليهم إلى الولايات المتحدة، ويجرى الإعداد لتسليم آخرين، إلا أن من الواضح أن هناك ما هو أكثر من ذلك ينبغي على باكستان القيام به ، فإلقاء القبض على حاجى إقبال وأنور خاطاك ليس محاولة لتجميل الصورة إذ أن شبكاتهم تحولت على أيدي آخرين إلى كيانات أكثر نشاطاً. ولم تفعل باكستان شيئاً لوقف نمو إدمان المخدرات أو التغلغل المستمر لمافيا المخدرات إلى الاقتصاد والمؤسسات السياسية والوكالات المعنية بتطبيق القانون فى البلاد.

ومعظم ما شجعت الولايات المتحدة باكستان على تنفيذه معقول شريطة أن يتم تمويل هذه البرامج بشكل مناسب والإبقاء عليها ومراقبتها عن كثب على المدى الطويل، وإلى جانب البرامج التى يتم تنفيذها بالفعل تحتاج باكستان إلى اتخاذ خطوات أخرى للحد من الطلب ، ويشمل ذلك إقامة مراكز علاج من الإدمان تستخدم أساليب أكثر فعالية وحشد المنظمات غير الحكومية لزيادة الوعي بشأن مكافحة إدمان المخدرات فى جميع أنحاء البلاد وتنظيم برامج لتعليم المدرسين وأولياء الأمور ودعم تطوير النوادي الرياضية حتى يشارك الشباب فى أنشطة بناءة .

ويعتقد بعض خبراء المخدرات الباكستانيين أن البلاد بحاجة لتشكيل قوة مكافحة المخدرات، جيدة التسليح وذات مستوى رفيع، ويتصورون أن تكون قوة متنقلة على درجة عالية من التنظيم ومرتبات عالية على أن يكون لها استخباراتها الخاصة والقدرة على التنفيذ وتعقب المهربين، ويرون أنه يمكن الحفاظ على نزاهة القوة بإعطاء مرتبات عالية ومكافآت لكل عملية ناجحة وحماية أفراد أسرهم، وضمان رعاية أرامل من يلقون مصرعهم أثناء القيام بواجبهم ووعود بتقديم أرض أو سكن عند التقاعد وفرض عقوبات صارمة على من يثبت فساده، وستكون القوة شبيهة بقوات الحدود إلا أنها تركز على تهريب المخدرات وتتبع وزارة المخدرات ويحتمل أن تضم قوة العمل الخاصة لتقوم بدور المخابرات.

وإذا أرادت الولايات المتحدة التلويح بالعصا فى دبلوماسيتها بشأن المخدرات مع باكستان فبإمكانها أن تضع شروطاً بشأن التقدم فى مكافحة المخدرات على الحصة التى تستوردها من المنسوجات الباكستانية، وتشمل هذه الشروط إجراءات اكثر صرامة لتنفيذ القانون والقضاء على المحصول وبرامج لتقليص الطلب والقبض على بارونات المخدرات مثل أيوب زاكا خيل وسهيل ضياء بوت ، ومصادرة سينما بلازا وغيرها من ممتلكات حاجى إقبال بيج ، وفرض حظر على جميع عمليات التهريب فى منطقة خيبر حتى يتم ضبط جميع معامل التكرير، وفرض لوائح صارمة على النظام المصرفي والسندات التى تمكن التجار من تحويل أرباحهم وإلغاء بيع وحدات صناعية حكومية إلى مجموعات شركات خاصة تمول كلياً أو جزئياً من أموال المخدرات وفرض عقوبات صارمة على مسئولي تطبيق القانون المتعاملين مع تجار المخدرات.

واستهداف الولايات المتحدة لحصص المنسوجات قد يسبب صدمة للقطاع الوحيد فى اقتصاد باكستان الذى يعد الأضخم والأكثر نفوذاً من مافيا المخدرات وهو مزارعو القطن ومصنعو المنسوجات وهم فى البنجاب ، كما أن المقابلة بين مصالح القطن والمنسوجات ومصالح الهيروين سيضع الحكومة وبصفة خاصة حكومة نواز شريف فى وضع صعب، ولن يكون أمامها حقاً سوى دعم الأول مقابل الثاني أو المخاطرة بفقد السيطرة على الحكومة .

وبالطبع فإن البديل هو إعادة بناء العلاقات مع باكستان والسعي لتحقيق تقدم فى مكافحة المخدرات من خلال اهتمامات مشتركة أوسع نطاقاً ، وهذا يتطلب دراسة واقعية للقضية النووية فى جنوب آسيا واستعداد واشنطن لقبول الواقع النووي والضغط على الجانبين (الهند وباكستان) من اجل نظام متوازن لعدم الانتشار النووي ، ولا يمكن ان ينجح مثل هذا النظام إلا إذا سوت باكستان والهند الخلاف بينهما حول كشمير عن طريق السماح لسكان جامو وكشمير بتقرير مصيرهم.

إن إعادة هيكلة الشراكة بين واشنطن وإسلام آباد يتطلب إدراكاً متجداً للأهداف الاستراتيجية المشتركة للبلدين، ويشمل ذلك تحقيق الاستقرار وإعادة البناء فى أفغانستان ودعم البدائل الاجتماعية والسياسية المعتدلة فى العالم الإسلامي، وضم إيران ودول آسيا الوسطى إلى شبكة تعتمد على العلاقات الاقتصادية والأمنية المتبادلة والمفيدة لجميع الأطراف يكون محورها باكستان وتركيا.