مستر
25-04-2001, 01:46 AM
تعريف الشهيد في اللغة كما جاء في القاموس الفقهي لسعيد أبو حبيب 202 هو : من شهد ويأتي بمعنى الشاهد ومن قتل في سبيل الله تعالى ويجمع على شهداء ، وأشهاد ، ومنه الشاهد : الحاضر ويجمع على شهود وأشهاد ، وهو أيضاً من يؤدي الشهادة .
أما الشهيد في الاصطلاح فهو
عند الحنفية : قال صاحب العناية شرح الهداية بهامش فتح القدير 2/142 وحاشية ابن عابدين 2/268 قال : هو من قتله المشركون أو وجد مقتولاً في المعركة وبه أثر أية جراحة ظاهرة أو باطنة كخروج الدم من العين أو نحوها .
وقالوا أيضاً في تبيين الحقائق للزيلعي 1/247: كل من صار مقتولاً في قتال أهل الحرب أو البغاة أو قطاع الطريق بمعنى مضاف إلى العدو كان شهيداً ، بالمباشرة أو التسبب ، وكل من صار مقتولاً بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيداً .
قال في البحر الرائق 2/211 : وفي التجنيس رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل ، لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة لأنه قصد العدو لا نفسه ، وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا لأن موته مضاف إليهم ، حتى لو أوطؤا دابتهم مسلما أو انفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا ، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمي مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما ، أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا ، خلافا لأبي يوسف لأن فعله يقطع النسبة إليهم وكذا فعل الدابة دون حامل ، وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا لأن ما قصد به القتل فهو تسبيبي وما لا فلا وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل .
عند المالكية : قال الدردير في الشرح الكبير 1/425 هو : من قتل في قتال الحربيين فقط ، ولو قتل ببلد الإسلام بأن غزا الحربيون المسلمين ، أو لم يقاتل بأن كان غافلاً أو نائماً ، أو قتله مسلم يظنه كافراً ، أو داسته الخيل ، أو رجع عليه سيفه أو سهمه ، أو سقط في بئر أو سقط من شاهق حال القتال .
عند الشافعية : قال ابن حجر في الفتح 6/129 هو : من قتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصاً .
وقال في مغني المحتاج 1/350 : هو الذي يقتل في قتال الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى دون عرض من أعراض الدنيا .
عند الحنابلة : قال صاحب كشاف القناع 2/113 بتصرف هو : الذي يموت في المعترك مع الكفار ، رجلاً كان أو امرأة بالغاً أو غير بالغ ، سواء قتله الكفار ، أو عاد عليه سلاحه فقتله ، أو سقط عن دابته ، أو وجد ميتاً ولا أثر به إذا كان مخلصاً .
قال ابن قدامة في المغني 2/206 : فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو ، وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه ما لو أصابه ذلك في غير المعترك ، ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه ، فأصاب نفسه بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ) فقالوا يا رسول الله أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا له شهيد ) وعامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه ، فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة فأشبه ما لو قتله الكفار .
ومما تقدم من تعريف الشهيد يتبين أن الجمهور خلافاً للحنفية لم يجعلوا لليد الفاعلة للقتل دوراً في تحقق الشهادة ، سوى ما جاء عند الحنفية بأن الشهيد الذي قتله المشركون أو وجد قتيلاً في أرض المعركة .
وقول الجمهور هو الراجح ، وقول الحنفية يرده ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر.. ثم ذكر الحديث .. وفيه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع – أخو سلمة - قال يرحمه الله ، قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به ، فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيراً ، فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه ، قال فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً وهو آخذ بيدي قال ( ما لك ؟ ) قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله ، قال ( من قاله ؟ ) قلت قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد ) .
وروى أبو داود في سننه حديث 2539 عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فأخطأه ، وأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدره الناس فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه ، فقالوا يا رسول الله ، أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا عليه شهيد ) .
وبهذا يتبين أنه ليس شرطاً أن يقتل المجاهد بسلاح العدو حتى يقال عنه شهيد ، إنما الشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وقتل في أرض المعركة بأية طريقة كانت فإنه ينطبق عليه وصف الشهيد .
ومن توقف عن القول بجواز العمليات الاستشهادية شبهته فيها أن المجاهد يقتل نفسه ، فتوقفه ليس له ما يبرره ، فإن كان توقف لهذه الشبهة فليعلم أنه لا تأثير لها في استحقاق الشهيد للشهادة .
فالشرع يفرق بين حكم متماثلين ظاهراً بسبب القصد والنية ، فهذا زواج المحلِل محرم والزواج الشرعي مباح ، والسبب أن قصد المحلِل التحليل أو هو قصد للطرفين سواءً سراً أو علانية ، فأثرت النية في العقد فأبطلته ، وحينما فارقت النية المنهي عنها العقد في الزواج الشرعي جاز ذلك العقد ، وكذلك اللفظ أو العرف أو الإشارة تؤثر بالعقود ، فلو أن رجلاً اقترض من آخر ألف روبل وأراد أن يردها له ألفاً ومائة بدون اتفاق جزاءً له بالحسنى فهذا جائز ، ولكنه لو اتفق معه أو أشار له أو تعارف أهل البلد بأنه لا بد من رد القرض أكثر من أصله لكان ذلك رباً محرماً ، وأيضاً لو صلى إمام رياءً وخلفه مأموم مخلص ، لبطلت صلاة الإمام وقبلت صلاة المأموم ، فالعمدة في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
فالنية هي مناط تغير الحكم والتفريق بين المتماثلين ظاهراً في الأحكام الشرعية ، ومن المتماثلات لقتيل المعركة التي فرق بينها الشارع ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين عن أبي موسى ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) فهذا بينه وبين من قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فرق رغم تشابه الظاهر ، وهو ما جاء عند مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أول ثلاثة تسعر بهم النار فذكر منهم مجاهد وقال : ( فيؤتى به فيعرف نعمة الله فيعرفها فيقال ماذا فعلت فيقول قاتلت فيك فيقول كذبت بل قاتلت ليقال شجاع فيؤخذ فيلقى في النار على وجهه ) ، فهذا ظاهره يشبه ظاهر من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ولكنه لاختلاف الباطن استحق النار والأول استحق الجنة .
وجاء أيضاً في التفريق بين المتشابهين في الظاهر ، ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة غزاها ( من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هذا ) ، فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال أشهد أنك رسول الله فقال ( وما ذاك ؟ ) قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك ( إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم ) ، ومثيل لهذا ظاهراً ما جاء في الصحيحين وقد قدمناه بأن عامر ابن الأكوع ارتد عليه سيفه فقُتل بسيفه وفعل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ( إنه شهيد وأنا عليه شهيد ) ، فالأول قُتل بسلاحه في أرض المعركة جزعاً فوجبت له النار ، والثاني قتل بسلاحه في أرض المعركة خطأ فوجبت له الجنة
هذه الأمثلة تدل دلالة واضحة على أن الحكم الشرعي للشهيد لا يتغير ولا يعتبر باليد القاتلة للمجاهد ، ولا بأداة القتل إذا كان ذلك لوجه الله و بنية خالصة لإعلاء كلمة الله ، فالذي قتله العدو مع سوء نيته كان في النار ، وآخر قتله العدو مع إخلاصه فهو في الجنة ، وآخر قتل نفسه جزعاً فهو في النار ، والرابع قتل نفسه خطأً فهو في الجنة ، والذي أعان على قتل نفسه لنشر الدين فهو في الجنة كالغلام ، وفيما قدمنا من أدلة عبرة للمعتبر وبيان لمن أراد الحق .
ذكر ابن حجر في الفتح 6/43 أربعة عشر وجهاً لسبب تسمية الشهيد بذلك ثم قال " وبعض هذا يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه .
وعد النووي في المجموع 1/277 وشرح مسلم 1/515 سبعة أوجه فقال : هي:-
1- لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شهدا له بالجنة .
2- لأنه حي عند ربه .
3- لأن ملائكة الرحمة تشهده فتقبض روحه .
4- لأنه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم .
5- لأنه شُهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله .
6- لأن له شاهداً بقتله وهو دمه .
7- لأن روحه تشهد دار السلام (أي الجنة) ،وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة .
تعريف المنتحر
الانتحار في اللغة : هو قتل النفس كما جاء في القاموس المحيط 616.
وفي الشرع : هو أن يقتل الإنسان نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال ، أو قتل النفس في غضب أو ضجر أو جزع ، أو يقال كل قتل للنفس بغير دافع ديني مجاز بالنصوص .
وهذا العمل لا خلاف بين العلماء على تحريمه وأن صاحبه مرتكب لكبيرة مستحق للنار إما خالداً فيها إذا استحل ذلك ، أو يمكث فيها بغير خلود .
قال تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا ).
شروط جواز العمليات الاستشهادية
تبين من أقوال العلماء في مسألة الاقتحام على العدو منفرداً تعليقهم المسألة بغلبة الظن ، أي أن من غلب على ظنه أنه يقتل في هذا الاقتحام ، أخذ حكم من سيقتل قطعاً ، فمن أجاز الاقتحام مع غلبة الظن كمن أجاز الاقتحام مع اليقين الجازم بالقتل .
وأيضاً فإن جمهور العلماء علقوا جواز الاقتحام بشروط:-
الأولى : الإخلاص .
الثاني :وجود النكاية بالعدو .
الثالث : إرهابهم .
الرابع : تقوية قلوب المسلمين .
وأجاز القرطبي وابن قدامة الاقتحام بنية خالصة طلباً للشهادة فقط لأن طلب الشهادة أمر مشروع ، و للمجاهد فيه غرض ، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يشترطوا ما اشترطه الجمهور في جواز الاقتحام ، فإن المصير لقول القرطبي وابن قدامة لا يبعد استحسانه ، لأننا لو أردنا أن نخرج من الأدلة التي جاءت بجواز هذا الفعل ما يعضد قول الجمهور بأن العمل الفاقد للشروط ممنوع لم تستقم لهم دلالة الأدلة ، إلا أنهم أخذوا ذلك من القواعد العامة للجهاد والعام لا يقضي على الخاص ، نعم نحن نقول بأن ما لا فائدة فيه لا ينبغي عمله ، ولكن القول لمن لم يحقق الشروط المذكورة أن عمله غير صحيح ولا محمود هذا ظلم ، لا سيما وأن هذه الشروط لم تأت بنصوص واضحة ولا آثار صحيحة ولا قياس جلي ، فأصل الجواز مع فقدها موجود ولكنه خلاف الأولى ، فلا ينبغي الإقدام على الشهادة فحسب بلا مقصود آخر يفيد المسلمين والمجاهدين .
إن العمليات الاستشهادية متفرعة عن جواز الاقتحام على العدو منفرداً والاقتحام على العدو منفرداً لا خلاف بين العلماء في جوازه وفضله لما صح فيه من أدلة ، ويتفرع عن الاقتحام على العدو منفرداً مع غلبة الظن بالهلاك العمليات الاستشهادية وبما أنه يجوز الأصل فيجوز الفرع أيضاً ، كما أنه يجوز فعلها مع النية الخالصة فقط لأن المجاهد له غرض بالشهادة ، وفرق بين قولنا يجوز وقولنا الأفضل ، ولكن الأفضل ألا تفعل هذه العمليات حتى يحقق من أراد القيام بها عدة أمور .
أولاً : الإخلاص وابتغاء وجه الله وقصد إعلاء كلمة الله والقيام بواجب الجهاد والرغبة بالشهادة ، وشرط الإخلاص هو الوحيد من الشروط الذي يعتبر شرط صحة فمتى انتفى فالعمل باطل .
ثانياً : أن يغلب على ظن المجاهد أن القتل الذي سيحدثه في الأعداء أو الدمار لا يمكن تحقيقه بأية طريقة أخرى تضمن له سلامته أو غلبة الظن بالسلامة .
ثالثاً : أن يغلب على ظن المجاهد أن العملية ستحدث نكاية بالعدو أو رعباً أو تجرئة للمسلمين على الأعداء .
رابعاً : لا بد للمجاهد من استشارة أهل الرأي والمعرفة بالحرب ، وخاصة أمير الحرب في مكانه لأنه ربما يفسد على المجاهدين ما أعدوا له طويلاً فينبه الأعداء .
خامساً : لا يُقدم على مثل هذه العمليات إلا في ظروف الحرب لأنه لا يصار إليها إلا لتحقيق مصالح للمجاهدين ولدفع العدو الصائل ، وإذا لم تعلن الحرب فإن ضررها على المسلمين أعظم من نفعها فيجب تركها.
ومن لم يتحقق فيه إلا الإخلاص والنكاية فعمله جائز ولكنه ليس أفضل ممن حقق الشروط ، وهذه الشروط التي ذكرناها إنما هي شروط تكميلية ليكون العمل على أحسن حال ومن فقدها إلا الإخلاص والنكاية فلا يعني ذلك أن عمله ضاع ولا يوصف بأنه شهيد .
والعلماء حكموا على مسألة الاقتحام على العدو بغلبة الظن ، فمن غلب على ظنه أنه يقتل فهو كمن تيقن ذلك وكلاهما يأخذ الحكم نفسه ، فلا فرق بين غلبة الظن واليقين بالموت في هذه المسألة عندهم .
كما أن من أعان على نفسه بالقتل فهو كمن قتل نفسه ، والذي أعان على نفسه عندما انغمس في العدو حاسراً وتيقن الموت ، لو كان فعله هذا في غير الجهاد لعده جمهور العلماء منتحراً لأن القاتل والمعين في الجناية سواء ، ولا فرق بين الذي أعان على نفسه بالانغماس وبين من قتل نفسه بالعملية الاستشهادية فكلهم في الجناية سواء ، إلا أنهما لما كانا في الجهاد ولله فعلا ذلك ضحك الله منهما ورضي عنهما .
إنه لا اعتبار لليد القاتلة للمجاهد في استحقاق الشهادة فسواءً قتل نفسه بالتفجير أو رجع عليه سلاحه أو قتله العدو أو قتله المسلمون خطأً أو ضرورة كالتترس أو أشار على عدوه أو أصحابه بطريقة قتله لمصلحة الدين كالغلام أو ابن الزبير ، كل هذه الصور متشابهة من حيث الحكم وصاحبها شهيد ، فلا مبرر من توقف البعض عن القول بالجواز بسبب اختلاف اليد القاتلة ، فلا تأثير لليد القاتلة بالعمليات الاستشهادية بل إنها جائزة وربما تكون واجبة في بعض الأحيان ، وهذه العمليات كغيرها من المسائل يتردد حكمها بين الأحكام التكليفية الخمسة على حسب حالها وحال القائم بها وما يحيط بها من ظروف وما يتبعها من آثار .
العمليات الاستشهادية وأثرها على العدو
إن العمليات الاستشهادية أو العمليات الفدائية هي نوع من العمليات التي يقوم بها فرد أو أفراد ضد عدو أكثر منهم عدداً وعدة، علماً أنهم أقدموا على العمليات مع علمهم المسبق أن مصيرهم واحد وهو الموت وهذا ما تيقنوه أو غلب على ظنهم . وأكثر أسلوب يستخدم في عصرنا هذا للعمليات الاستشهادية هو تلغيم الجسم أو السيارة أو الحقيبة والدخول بها بين تجمعات العدو أو مناطقه الحيوية ومرافقه المهمة ومن ثم تفجيرها في الوقت والمكان المناسب ، محدثة بذلك أكبر عدد من الضحايا أو الخسائر في صفوف العدو ، نظراً لعنصر المفاجأة وعمق الدخول ، وبطبيعة الحال فإن منفذ العملية هو أول القتلى لأنه أقربهم إلى المادة المتفجرة غالباً .
وهناك أسلوب آخر وهو أن يقتحم المجاهد المسلح ثكنات العدو أو مناطق تجمعه ويطلق النار عليهم عن قرب ، علماً أنه دخل مسبقاً في هذه العملية ولم يفكر أصلاً بالخروج ولم يعد خطة للرجوع فهدفه واحد هو أن يقتل أكبر عدد من العدو ويموت يقيناً ، هذا هو أسلوب العمليات الاستشهادية الذي يستخدم في هذا العصر .وما أطلقه البعض على العمليات الاستشهادية أو الفدائية بالعمليات الانتحارية فهذا خطأ ، علماً أن هذا الاسم هو الذي ارتضاه اليهود لإخواننا لينفروا من عملهم ، فما أعظم الفرق بين مشرقٍ ومغرب ، فالمنتحر عليه لعنة من الله وله نار جهنم ، ومقته الله في كتابه وأعد له عذاباً عظيما ، وهو لم يقدم على هذا إلا بسبب الجزع وعدم الصبر وضعف الإيمان أو انتفائه ، أما الفدائي فإن الله يضحك منه ويرضى عنه ويرضيه وإذا ضحك ربك لأحد فلا يبأس بعدها أبدا ، وما أقدم المجاهد على هذا إلا لقوة إيمانه ويقينه و لنصرة دين الله وفداء منه بنفسه لإعلاء كلمة الله ، وهذا ما سنبينه في هذا البحث إن شاء الله .
أما أثرها على العدو فإننا ومن خلال واقع نلمسه ونعايشه ، فقد رأينا أن أثرها على العدو عظيم ، بل لا يوجد نوع من العمليات أعظم في قلوبهم رعباً من هذا النوع ، وبأسبابها تجنبوا مخالطة السكان واستضعافهم وسلبهم وانتهاك أعراضهم خشية هذه العمليات ، بل إن نشاط قواتهم اقتصر على اكتشاف مثل هذا النوع من العمليات قبل وقوعه ، فاشتغلوا بذلك عن غيره ولله الحمد .وهذه العمليات أكثر الأساليب نكاية بالعدو ، وأقلها تكلفة وخسائر ، وغيرها من العمليات الهجومية خاصة ، يحشد لها الطاقات والإمكانيات ثم ينفذ الهجوم ، وربما تحدث خسائر للمهاجم بسبب تحصن المدافع ، أما العمليات الاستشهادية فخسائرها البشرية واحد من المجاهدين ، وتكلفتها لا تكاد تذكر بالنسبة للهجوم المباشر ، وغالباً لا تزيد تكلفتها عن قيمة وقود الناقلات المخصصة لنقل خمسين مجاهداً لتنفيذ الهجوم ، فمن الناحية المعنوية تأثيرها واضح على العدو ففيها كسر لقلوبهم وإرعاباً لهم وتدميراً لمعنوياتهم ، ومن الناحية المادية خسائر العدو فيها غالباً ما يكون مرتفعاً ، أما للمجاهدين فمن الناحية المادية فتكلفتها أقل من الهجوم المباشر ، ومن ناحية الخسائر البشرية فشهيد واحد بإذن الله .
مجاهدون
أما الشهيد في الاصطلاح فهو
عند الحنفية : قال صاحب العناية شرح الهداية بهامش فتح القدير 2/142 وحاشية ابن عابدين 2/268 قال : هو من قتله المشركون أو وجد مقتولاً في المعركة وبه أثر أية جراحة ظاهرة أو باطنة كخروج الدم من العين أو نحوها .
وقالوا أيضاً في تبيين الحقائق للزيلعي 1/247: كل من صار مقتولاً في قتال أهل الحرب أو البغاة أو قطاع الطريق بمعنى مضاف إلى العدو كان شهيداً ، بالمباشرة أو التسبب ، وكل من صار مقتولاً بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيداً .
قال في البحر الرائق 2/211 : وفي التجنيس رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل ، لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة لأنه قصد العدو لا نفسه ، وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا لأن موته مضاف إليهم ، حتى لو أوطؤا دابتهم مسلما أو انفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا ، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمي مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما ، أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا ، خلافا لأبي يوسف لأن فعله يقطع النسبة إليهم وكذا فعل الدابة دون حامل ، وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا لأن ما قصد به القتل فهو تسبيبي وما لا فلا وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل .
عند المالكية : قال الدردير في الشرح الكبير 1/425 هو : من قتل في قتال الحربيين فقط ، ولو قتل ببلد الإسلام بأن غزا الحربيون المسلمين ، أو لم يقاتل بأن كان غافلاً أو نائماً ، أو قتله مسلم يظنه كافراً ، أو داسته الخيل ، أو رجع عليه سيفه أو سهمه ، أو سقط في بئر أو سقط من شاهق حال القتال .
عند الشافعية : قال ابن حجر في الفتح 6/129 هو : من قتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصاً .
وقال في مغني المحتاج 1/350 : هو الذي يقتل في قتال الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى دون عرض من أعراض الدنيا .
عند الحنابلة : قال صاحب كشاف القناع 2/113 بتصرف هو : الذي يموت في المعترك مع الكفار ، رجلاً كان أو امرأة بالغاً أو غير بالغ ، سواء قتله الكفار ، أو عاد عليه سلاحه فقتله ، أو سقط عن دابته ، أو وجد ميتاً ولا أثر به إذا كان مخلصاً .
قال ابن قدامة في المغني 2/206 : فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو ، وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه ما لو أصابه ذلك في غير المعترك ، ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه ، فأصاب نفسه بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ) فقالوا يا رسول الله أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا له شهيد ) وعامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه ، فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة فأشبه ما لو قتله الكفار .
ومما تقدم من تعريف الشهيد يتبين أن الجمهور خلافاً للحنفية لم يجعلوا لليد الفاعلة للقتل دوراً في تحقق الشهادة ، سوى ما جاء عند الحنفية بأن الشهيد الذي قتله المشركون أو وجد قتيلاً في أرض المعركة .
وقول الجمهور هو الراجح ، وقول الحنفية يرده ما جاء في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر.. ثم ذكر الحديث .. وفيه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر بن الأكوع – أخو سلمة - قال يرحمه الله ، قال رجل من القوم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به ، فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيراً ، فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه ، قال فلما قفلوا قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً وهو آخذ بيدي قال ( ما لك ؟ ) قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله ، قال ( من قاله ؟ ) قلت قاله فلان وفلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد ) .
وروى أبو داود في سننه حديث 2539 عن أبي سلام عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فأخطأه ، وأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدره الناس فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه ، فقالوا يا رسول الله ، أشهيد هو ؟ قال ( نعم وأنا عليه شهيد ) .
وبهذا يتبين أنه ليس شرطاً أن يقتل المجاهد بسلاح العدو حتى يقال عنه شهيد ، إنما الشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وقتل في أرض المعركة بأية طريقة كانت فإنه ينطبق عليه وصف الشهيد .
ومن توقف عن القول بجواز العمليات الاستشهادية شبهته فيها أن المجاهد يقتل نفسه ، فتوقفه ليس له ما يبرره ، فإن كان توقف لهذه الشبهة فليعلم أنه لا تأثير لها في استحقاق الشهيد للشهادة .
فالشرع يفرق بين حكم متماثلين ظاهراً بسبب القصد والنية ، فهذا زواج المحلِل محرم والزواج الشرعي مباح ، والسبب أن قصد المحلِل التحليل أو هو قصد للطرفين سواءً سراً أو علانية ، فأثرت النية في العقد فأبطلته ، وحينما فارقت النية المنهي عنها العقد في الزواج الشرعي جاز ذلك العقد ، وكذلك اللفظ أو العرف أو الإشارة تؤثر بالعقود ، فلو أن رجلاً اقترض من آخر ألف روبل وأراد أن يردها له ألفاً ومائة بدون اتفاق جزاءً له بالحسنى فهذا جائز ، ولكنه لو اتفق معه أو أشار له أو تعارف أهل البلد بأنه لا بد من رد القرض أكثر من أصله لكان ذلك رباً محرماً ، وأيضاً لو صلى إمام رياءً وخلفه مأموم مخلص ، لبطلت صلاة الإمام وقبلت صلاة المأموم ، فالعمدة في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر في الصحيحين ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
فالنية هي مناط تغير الحكم والتفريق بين المتماثلين ظاهراً في الأحكام الشرعية ، ومن المتماثلات لقتيل المعركة التي فرق بينها الشارع ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين عن أبي موسى ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) فهذا بينه وبين من قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فرق رغم تشابه الظاهر ، وهو ما جاء عند مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أول ثلاثة تسعر بهم النار فذكر منهم مجاهد وقال : ( فيؤتى به فيعرف نعمة الله فيعرفها فيقال ماذا فعلت فيقول قاتلت فيك فيقول كذبت بل قاتلت ليقال شجاع فيؤخذ فيلقى في النار على وجهه ) ، فهذا ظاهره يشبه ظاهر من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، ولكنه لاختلاف الباطن استحق النار والأول استحق الجنة .
وجاء أيضاً في التفريق بين المتشابهين في الظاهر ، ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة غزاها ( من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هذا ) ، فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال أشهد أنك رسول الله فقال ( وما ذاك ؟ ) قال قلت لفلان من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك ( إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم ) ، ومثيل لهذا ظاهراً ما جاء في الصحيحين وقد قدمناه بأن عامر ابن الأكوع ارتد عليه سيفه فقُتل بسيفه وفعل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ( إنه شهيد وأنا عليه شهيد ) ، فالأول قُتل بسلاحه في أرض المعركة جزعاً فوجبت له النار ، والثاني قتل بسلاحه في أرض المعركة خطأ فوجبت له الجنة
هذه الأمثلة تدل دلالة واضحة على أن الحكم الشرعي للشهيد لا يتغير ولا يعتبر باليد القاتلة للمجاهد ، ولا بأداة القتل إذا كان ذلك لوجه الله و بنية خالصة لإعلاء كلمة الله ، فالذي قتله العدو مع سوء نيته كان في النار ، وآخر قتله العدو مع إخلاصه فهو في الجنة ، وآخر قتل نفسه جزعاً فهو في النار ، والرابع قتل نفسه خطأً فهو في الجنة ، والذي أعان على قتل نفسه لنشر الدين فهو في الجنة كالغلام ، وفيما قدمنا من أدلة عبرة للمعتبر وبيان لمن أراد الحق .
ذكر ابن حجر في الفتح 6/43 أربعة عشر وجهاً لسبب تسمية الشهيد بذلك ثم قال " وبعض هذا يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه .
وعد النووي في المجموع 1/277 وشرح مسلم 1/515 سبعة أوجه فقال : هي:-
1- لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شهدا له بالجنة .
2- لأنه حي عند ربه .
3- لأن ملائكة الرحمة تشهده فتقبض روحه .
4- لأنه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم .
5- لأنه شُهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله .
6- لأن له شاهداً بقتله وهو دمه .
7- لأن روحه تشهد دار السلام (أي الجنة) ،وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة .
تعريف المنتحر
الانتحار في اللغة : هو قتل النفس كما جاء في القاموس المحيط 616.
وفي الشرع : هو أن يقتل الإنسان نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال ، أو قتل النفس في غضب أو ضجر أو جزع ، أو يقال كل قتل للنفس بغير دافع ديني مجاز بالنصوص .
وهذا العمل لا خلاف بين العلماء على تحريمه وأن صاحبه مرتكب لكبيرة مستحق للنار إما خالداً فيها إذا استحل ذلك ، أو يمكث فيها بغير خلود .
قال تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا ).
شروط جواز العمليات الاستشهادية
تبين من أقوال العلماء في مسألة الاقتحام على العدو منفرداً تعليقهم المسألة بغلبة الظن ، أي أن من غلب على ظنه أنه يقتل في هذا الاقتحام ، أخذ حكم من سيقتل قطعاً ، فمن أجاز الاقتحام مع غلبة الظن كمن أجاز الاقتحام مع اليقين الجازم بالقتل .
وأيضاً فإن جمهور العلماء علقوا جواز الاقتحام بشروط:-
الأولى : الإخلاص .
الثاني :وجود النكاية بالعدو .
الثالث : إرهابهم .
الرابع : تقوية قلوب المسلمين .
وأجاز القرطبي وابن قدامة الاقتحام بنية خالصة طلباً للشهادة فقط لأن طلب الشهادة أمر مشروع ، و للمجاهد فيه غرض ، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يشترطوا ما اشترطه الجمهور في جواز الاقتحام ، فإن المصير لقول القرطبي وابن قدامة لا يبعد استحسانه ، لأننا لو أردنا أن نخرج من الأدلة التي جاءت بجواز هذا الفعل ما يعضد قول الجمهور بأن العمل الفاقد للشروط ممنوع لم تستقم لهم دلالة الأدلة ، إلا أنهم أخذوا ذلك من القواعد العامة للجهاد والعام لا يقضي على الخاص ، نعم نحن نقول بأن ما لا فائدة فيه لا ينبغي عمله ، ولكن القول لمن لم يحقق الشروط المذكورة أن عمله غير صحيح ولا محمود هذا ظلم ، لا سيما وأن هذه الشروط لم تأت بنصوص واضحة ولا آثار صحيحة ولا قياس جلي ، فأصل الجواز مع فقدها موجود ولكنه خلاف الأولى ، فلا ينبغي الإقدام على الشهادة فحسب بلا مقصود آخر يفيد المسلمين والمجاهدين .
إن العمليات الاستشهادية متفرعة عن جواز الاقتحام على العدو منفرداً والاقتحام على العدو منفرداً لا خلاف بين العلماء في جوازه وفضله لما صح فيه من أدلة ، ويتفرع عن الاقتحام على العدو منفرداً مع غلبة الظن بالهلاك العمليات الاستشهادية وبما أنه يجوز الأصل فيجوز الفرع أيضاً ، كما أنه يجوز فعلها مع النية الخالصة فقط لأن المجاهد له غرض بالشهادة ، وفرق بين قولنا يجوز وقولنا الأفضل ، ولكن الأفضل ألا تفعل هذه العمليات حتى يحقق من أراد القيام بها عدة أمور .
أولاً : الإخلاص وابتغاء وجه الله وقصد إعلاء كلمة الله والقيام بواجب الجهاد والرغبة بالشهادة ، وشرط الإخلاص هو الوحيد من الشروط الذي يعتبر شرط صحة فمتى انتفى فالعمل باطل .
ثانياً : أن يغلب على ظن المجاهد أن القتل الذي سيحدثه في الأعداء أو الدمار لا يمكن تحقيقه بأية طريقة أخرى تضمن له سلامته أو غلبة الظن بالسلامة .
ثالثاً : أن يغلب على ظن المجاهد أن العملية ستحدث نكاية بالعدو أو رعباً أو تجرئة للمسلمين على الأعداء .
رابعاً : لا بد للمجاهد من استشارة أهل الرأي والمعرفة بالحرب ، وخاصة أمير الحرب في مكانه لأنه ربما يفسد على المجاهدين ما أعدوا له طويلاً فينبه الأعداء .
خامساً : لا يُقدم على مثل هذه العمليات إلا في ظروف الحرب لأنه لا يصار إليها إلا لتحقيق مصالح للمجاهدين ولدفع العدو الصائل ، وإذا لم تعلن الحرب فإن ضررها على المسلمين أعظم من نفعها فيجب تركها.
ومن لم يتحقق فيه إلا الإخلاص والنكاية فعمله جائز ولكنه ليس أفضل ممن حقق الشروط ، وهذه الشروط التي ذكرناها إنما هي شروط تكميلية ليكون العمل على أحسن حال ومن فقدها إلا الإخلاص والنكاية فلا يعني ذلك أن عمله ضاع ولا يوصف بأنه شهيد .
والعلماء حكموا على مسألة الاقتحام على العدو بغلبة الظن ، فمن غلب على ظنه أنه يقتل فهو كمن تيقن ذلك وكلاهما يأخذ الحكم نفسه ، فلا فرق بين غلبة الظن واليقين بالموت في هذه المسألة عندهم .
كما أن من أعان على نفسه بالقتل فهو كمن قتل نفسه ، والذي أعان على نفسه عندما انغمس في العدو حاسراً وتيقن الموت ، لو كان فعله هذا في غير الجهاد لعده جمهور العلماء منتحراً لأن القاتل والمعين في الجناية سواء ، ولا فرق بين الذي أعان على نفسه بالانغماس وبين من قتل نفسه بالعملية الاستشهادية فكلهم في الجناية سواء ، إلا أنهما لما كانا في الجهاد ولله فعلا ذلك ضحك الله منهما ورضي عنهما .
إنه لا اعتبار لليد القاتلة للمجاهد في استحقاق الشهادة فسواءً قتل نفسه بالتفجير أو رجع عليه سلاحه أو قتله العدو أو قتله المسلمون خطأً أو ضرورة كالتترس أو أشار على عدوه أو أصحابه بطريقة قتله لمصلحة الدين كالغلام أو ابن الزبير ، كل هذه الصور متشابهة من حيث الحكم وصاحبها شهيد ، فلا مبرر من توقف البعض عن القول بالجواز بسبب اختلاف اليد القاتلة ، فلا تأثير لليد القاتلة بالعمليات الاستشهادية بل إنها جائزة وربما تكون واجبة في بعض الأحيان ، وهذه العمليات كغيرها من المسائل يتردد حكمها بين الأحكام التكليفية الخمسة على حسب حالها وحال القائم بها وما يحيط بها من ظروف وما يتبعها من آثار .
العمليات الاستشهادية وأثرها على العدو
إن العمليات الاستشهادية أو العمليات الفدائية هي نوع من العمليات التي يقوم بها فرد أو أفراد ضد عدو أكثر منهم عدداً وعدة، علماً أنهم أقدموا على العمليات مع علمهم المسبق أن مصيرهم واحد وهو الموت وهذا ما تيقنوه أو غلب على ظنهم . وأكثر أسلوب يستخدم في عصرنا هذا للعمليات الاستشهادية هو تلغيم الجسم أو السيارة أو الحقيبة والدخول بها بين تجمعات العدو أو مناطقه الحيوية ومرافقه المهمة ومن ثم تفجيرها في الوقت والمكان المناسب ، محدثة بذلك أكبر عدد من الضحايا أو الخسائر في صفوف العدو ، نظراً لعنصر المفاجأة وعمق الدخول ، وبطبيعة الحال فإن منفذ العملية هو أول القتلى لأنه أقربهم إلى المادة المتفجرة غالباً .
وهناك أسلوب آخر وهو أن يقتحم المجاهد المسلح ثكنات العدو أو مناطق تجمعه ويطلق النار عليهم عن قرب ، علماً أنه دخل مسبقاً في هذه العملية ولم يفكر أصلاً بالخروج ولم يعد خطة للرجوع فهدفه واحد هو أن يقتل أكبر عدد من العدو ويموت يقيناً ، هذا هو أسلوب العمليات الاستشهادية الذي يستخدم في هذا العصر .وما أطلقه البعض على العمليات الاستشهادية أو الفدائية بالعمليات الانتحارية فهذا خطأ ، علماً أن هذا الاسم هو الذي ارتضاه اليهود لإخواننا لينفروا من عملهم ، فما أعظم الفرق بين مشرقٍ ومغرب ، فالمنتحر عليه لعنة من الله وله نار جهنم ، ومقته الله في كتابه وأعد له عذاباً عظيما ، وهو لم يقدم على هذا إلا بسبب الجزع وعدم الصبر وضعف الإيمان أو انتفائه ، أما الفدائي فإن الله يضحك منه ويرضى عنه ويرضيه وإذا ضحك ربك لأحد فلا يبأس بعدها أبدا ، وما أقدم المجاهد على هذا إلا لقوة إيمانه ويقينه و لنصرة دين الله وفداء منه بنفسه لإعلاء كلمة الله ، وهذا ما سنبينه في هذا البحث إن شاء الله .
أما أثرها على العدو فإننا ومن خلال واقع نلمسه ونعايشه ، فقد رأينا أن أثرها على العدو عظيم ، بل لا يوجد نوع من العمليات أعظم في قلوبهم رعباً من هذا النوع ، وبأسبابها تجنبوا مخالطة السكان واستضعافهم وسلبهم وانتهاك أعراضهم خشية هذه العمليات ، بل إن نشاط قواتهم اقتصر على اكتشاف مثل هذا النوع من العمليات قبل وقوعه ، فاشتغلوا بذلك عن غيره ولله الحمد .وهذه العمليات أكثر الأساليب نكاية بالعدو ، وأقلها تكلفة وخسائر ، وغيرها من العمليات الهجومية خاصة ، يحشد لها الطاقات والإمكانيات ثم ينفذ الهجوم ، وربما تحدث خسائر للمهاجم بسبب تحصن المدافع ، أما العمليات الاستشهادية فخسائرها البشرية واحد من المجاهدين ، وتكلفتها لا تكاد تذكر بالنسبة للهجوم المباشر ، وغالباً لا تزيد تكلفتها عن قيمة وقود الناقلات المخصصة لنقل خمسين مجاهداً لتنفيذ الهجوم ، فمن الناحية المعنوية تأثيرها واضح على العدو ففيها كسر لقلوبهم وإرعاباً لهم وتدميراً لمعنوياتهم ، ومن الناحية المادية خسائر العدو فيها غالباً ما يكون مرتفعاً ، أما للمجاهدين فمن الناحية المادية فتكلفتها أقل من الهجوم المباشر ، ومن ناحية الخسائر البشرية فشهيد واحد بإذن الله .
مجاهدون