PDA

View Full Version : تعليق فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة


البراء
14-10-2001, 05:46 PM
تعليق على أحداث أفغانستان

فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة
26/7/1422هـ

يجب على المسلمين ألا يخذلوا إخوانهم في أفغانستان ، وألا يسمحوا أن تصبح أرض الجهاد الطويل مسرحاً لتجريب الغرب أسلحته الحديثة على أرواح الأبرياء والمستضعفين .
***

إن الأمة لن تسامح أولئك الذين استغلوا الأحداث لتصفية خصوماتهم الشخصية أو الحزبية ووضعوا قدراتهم تحت تصرف الذين استباحوا بلدهم وقتلوا مواطنيهم وتلطخوا بدماء الشرفاء والأبرياء .
***

إن الأعداء لم يفلحوا في اقتحام حصون الأمة إلا من خلال استغلال التناقضات التي في داخلها.
***

الأمة في مرحلة تاريخية تحتاج إلى ضبط واتزان وليست مؤهلة للتصرفات الفردية التي قد تدخلها بوابة التداعي والفوضى .
***

اللهم منـزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اللهم انصر عبادك المؤمنين ، وتدارك برحمتك ضعف المسلمين ، وقنا وإياهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
تتداعى الأحداث بصورة خطيرة ، وينجر الغرب إلى ممارسة الإرهاب الذي يزعم أنه يحاربه ، بأبشع صوره وأشكاله ، على شعب أعزل مظلوم ، ويقتل المدنيين بغير رحمة ، ويهدم البيوت على رؤوس ساكينها ، وبين الضربة والأخرى يضع فاصلاً يتحدث فيه عن قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان التي نصب نفسه وصياً عليها بغير حق .
ويتساءل الناس بلهفة وحسرة ، كباراً وصغاراً ، متعلمين وعامة عما يجري ، وعما يشاهدونه في وسائل الإعلام من الحرب والضرب والتدمير الذي يطال بلداً مسلماً ارتبط بجهاده وصبره وبلائه في وجدان المسلمين جميعاً ، ودفع بالملايين من أبنائه لمقاومة الغزاة الملحدين .
لقد أدان المسلمون جميعاً علماؤهم وعامتهم هذا التحالف القائم على الجور والظلم واستعباد الشعوب وبسط التسلط وتوسيع مناطق النفوذ .
وهاهي الأصوات الإسلامية تتنادى من كل مكان ، وتطالب بوقف هذه الحرب العمياء بل ها هي الأصوات العالمية في قلب أوربا وأمريكا تحتج على الحرب ، وتنظم المسيرات العديدة الرافضة لقانون التدمير وشريعة الغاب ، ولكن كما قيل : ودعوى القوي كدعوى السباع من الناب والظفر برهانها
لقد امتلأ الغرب بالخوف المفرط من الإسلام ، وأعطى نفسه حق الاعتداء ، وهو يعلق دائماً على صدور الجثث : لقد كنا في حالة دفاع عن النفس .
وإزاء هذه التحركات الغربية التي بدأت بأفغانستان ، وهي تتوعد شعوباً وبلاداً أخرى ، وإزاء التساؤلات التي تعززها مثل هذه الأحداث الكبيرة والضخمة أصبح لزاماً على كل صاحب رأى أو علم أن يشارك في توعية الأمة ولو بالكلمة وهذه وقفات أخاطب بها الإخوة المسلمين في كل مكان .
( 1 ) إن هذا المقام الذي تقومه الأمة اليوم ، ونشاهده في الجماهير المسلمة الغاضبة والمتذمرة من مسلسل الاحتقار الغربي لدماء المسلمين وحقوقهم ، والذي عبرت به هذه الشعوب عن غضبتها ورفضها للعدوان المتجبر من خلال تجمعاتها واحتشادها وإمكانياتها مهما كانت متواضعة .. ليوجب على المسلمين جميعاً أينما كانوا أن يصدقوا الله تعالى في موقفهم ، وألا يخذلوا إخوانهم المسلمين في أفغانستان ، وألا يسمحوا أن تصبح أرض الجهاد الطويل مسرحاً لتجريب الغرب أسلحته الحديثة على أرواح الأبرياء والمستضعفين .
وليحذر كل مسلم أن تتـزل قدمه ولو بكلمة يلقيها تكون ظلماً لإخوانه هناك ، بل تكون ظلما ًللأمة المكلومة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ، كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه .
( 2 ) يجب أن يدرك أهل الإسلام اليوم أنهم أمام تحدٍ كبير تمارسه القوى الغربية لإحداث انشقاق داخل الأمة المسلمة ، بين شعب وشعب ، بل داخل الشعب الواحد بين فئاته وأطيافه ومؤسساته الإدارية والاجتماعية .
وهنا يجب على أفراد الأمة أن يظهروا توحدهم على أصول دينهم وقواعد ملتهم ، و ذلك بتحقيق الولاء و البراء الذي هو أخص عصم الديانة ، وأصول التوحيد والإيمان ، كما قال تعالى : "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" وقال سبحانه : "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم" وقال عز من قائل : "وتعانوا على البر والتقوى " وقال : "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" .
وفي جانب البراءة من المشركين يقول سبحانه : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" .
وهذا وعيد شديد ، وتحذير صارم من الركون إلى الذين كفروا ، أو وضع اليد في أيديهم ، أو إعانتهم بقول أو فعل أو دلالة .
وإن الأمة لن تسامح أولئك الذين استغلوا الأحداث لتصفية خصوماتهم الشخصية أو الحزبية ووضعوا قدراتهم تحت تصرف الذين استباحوا بلدهم وقتلوا مواطنيهم وتلطخوا بدماء الشرفاء والأبرياء .
( 3 ) إن الشعب الأفغاني المسلم لم يعرف باعتداء ولا تسلط ولا غزوات توسعية ، ولكنه عرف بصبره وإبائه وذوده عن حياضه ،وله على إخوانه المسلمين في كل مكان حق النصرة بالعون وبذل المعروف وكف الأذى عنه والإحسان إليه والدعاء له ، وإنما تعرف الإخوان عند الشدائد : لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي .
ودعوى الإرهاب المزعوم هي قول بلا حجة ولا دليل، والذين يتبجحون بها عجزوا عن إثباتها ، ونشروا من الأدلة ما يثير من الريبة أكثر مما يقدم من الأجوبة . ( 4 ) إن من أهم ما يجب التواصي به في هذه الظروف وغيرها تحقيق الانقياد للكتاب والسنة ، والتجرد التام من الهوى والشهوة ، والعبودية لله تعالى وحده ، وهي لا تكون إلا باتباع الشرع وتحكيمه في الدقيق والجليل "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" .
وهذا مما يطالب به على مستوى الأفراد في العلم والعمل ، وعلى مستوى الجماعات والطوائف ، وعلى مستوى الشعوب والدول .
وأصحاب المقامات العلمية والإدارية في الأمة اليوم أمام مسؤولية كبيرة في تحقيق التواصل والانسجام بين المجتمعات الإسلامية ، والسعي في تطبيق شريعة الله تعالى في سائر شئون الحياة طمعاً في مرضاته ، والتماسا ً لصلاح الأمة في عاجل أمرها وآجله
( 5 ) الإصرار على وحدة الصفوف وسلامتها ، والبعد عما يفضي إلى اختلاف القلوب والألسن والوجوه .
وعلى الذين يتحرقون إلى نصر الله تعالى لهذه الأمة أن يعلموا جيداًَ أن النصر لا يتم إلا بتحقيق أسبابه الربانية ، والتي منها وحدة الكلمة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" .
ولقد نعى الله تعالى على اليهود فقال : "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" .
فنفى عنهم الرشد والعقل لاختلاف قلوبهم ، مع أن ألسنتهم ومظاهرهم مجتمعة ، فكيف بمن اختلفت قلوبهم ومظاهرهم وألسنتهم ؟!
إنه لا يجوز لنا أن ننشغل عن عدو ضخم مدجج يتهدد ويتوعد ، ويقول ويفعل ، لكي ندخل في معارك جانبية لا تثمر إلا تمزيق الصفوف وخلخلة الأخوة وتمكين الخصوم من التسلل .
إن الأعداء لم يفلحوا في اقتحام حصون الأمة إلا من خلال استغلال التناقضات التي في داخلها ، فالله الله أن تخذل الأمة بسببنا .
( 6 ) إن هذه الأحداث المتسارعة تستدعي أن يتذكر المسلم أنه مسؤول أمام الله تعالى عن كل قول أو فعل ، ولا بد من استشعار التقوى و المراقبة ، والحذر من الانجرار وراء طموحات بعض القوى العالمية المشبوهة الساعية لبث القلق والرعب وفقدان الهدوء والاستقرار في صفوف الأمة وشعوبها وواجب أن نحترم الحقوق التي حفظها الإسلام لأهلها ، وألا نظلم الناس شيئا ًفي أعمال قد تحول مجتمعات هادئة مطمئنة إلى مسرح للفتن والفوضى والشرور، أو تعطي ذريعة للمتربصين ليكشفوا عن دخيلتهم .
إن الأمة في مرحلة تاريخية تحتاج إلى ضبط واتزان وليست مؤهلة للتصرفات الفردية التي قد تدخلها بوابة التداعي والفوضى ، وهذا من أوكد الواجبات على كل أفراد الأمة تجاه دينهم ومجتمعاتهم .
إن تمزيق أديم الأمة باللسان أو بالسنان لمن أعظم المخاطر التي يتحمل الغيورون المدركون للعواقب مسؤولية دفعها في ظل هذا التوتر في المشاعر والعواطف ، فليتق الله كل شاب في دينه ودعوته وأمته .
( 7 ) إن هذه الأحداث وغيرها تقع بإرادة الله تعالى وتقديره ، وعسى أن يجعل الله في عواقب الأمر رشداًَ ،وإن مع العسر يسرا ، وإن بوادر الخير والنصرة محققة لهذه الأمة ، فهي مبشرة بالسناء والرفعة والتمكين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله ، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله ، وستظل هذه الأمة عزيزة قائمة بأمر الله ، وفيها طوائف من أهل العلم والصدق والدعوة والجهاد يجددون لها أمر دينها ، ويدفعون عنها غائلة عدوها ، ويصدقون موعود الله ورسوله , في تحقيق العزة لأهل طاعته ، والذل والصغار على أعدائه وأعداء رسله "ولتعلمن نبأه بعد حين" "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" .
وحين ترى التكبير يدوي في مجتمعات المسلمين تدرك أن الأمة باقية ، وأن رحمة الله واسعة ، ونصره قريب وأمة الإسلام هي أمة الحسنيين .


ياأخ الدرب هون عليك الأمر لا بد من زوال المصاب
سوف يصفو لك الزمان وتأتيك ظعون الأحبة الغياب
وليالي الأحزان ترحل فالأحزان مثل المسافر الجواب


فليقر المؤمنون عيناً بوعد الله الصادق ، وليطمئنوا إلى رحمته بهذه الأمة ، وأنه أغير على دينه وعباده ، ولكننا متعبدون ببذل ما نملك من صالح القول والعمل ثم الركون إلى عطاء الله وفضله والثقة بما عنده .
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ، واحفظ دماء المسلمين وأعراضهم في كل مكان ، وارحم ضعفهم ، واجبر كسرهم ، ووحد صفهم ، وبلغهم فيما يرضيك آمالهم ، واجمع كلمتهم على الحق والهدى ، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله .