مدردش متقاعد
08-08-2002, 01:51 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقراءة الجزء السابق:)
*** دردشات بحـريـــ(15)ـــة ***((بين الوثن و الأصنام!)) (http://www.swalif.net/sforum1/showthread.php?threadid=141656)
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مضى علي ما يقارب الخمس السنوات لم أهنأ فيها بقضاء شهر رمضان كاملا على أرض الإمارات نتيجة لارتباطي سابقا بالدراسة في الخارج، فبسبب التباين الواضح في عدد أيام العام الهجري و السنة الميلادية و الذي أدى إلى تضارب مواعيد إجازة الكريسماس مع بداية الشهر الكريم، لذلك كنت أضطر في كثير من الأحيان أن أقضي الأيام الأولى من الشهر الكريم في المملكة المتحدة لأختم الأيام الأخيرة منه بالإضافة إلى قضاء إجازة عيد الفطر على أرض الدولة، لكن لم أتخيل أبدا أنني سأضطر في يوم من الأيام إلى قضاء ليالي هذا الشهر الكريم وحيدا على ظهر سفينة تغرب شمس كل يوم في مكان جديد..
فبسبب تواجدي على ظهر الناقلة كما تعلمون..توجب علي هذا العام أن أقضي أيام و ليالي هذا الشهر الكريم وسط البحر متنقلا ما بين جزيرة داس في الإمارات مرورا بسواحل كل من الهند و سيريلانكا و سنغافورة و جزر الملايو و من ثم جزر الفليبين و تايوان حتى نصل إلى أرض اليابان في أقصى شرق القارة الآسيوية في رحلة تستغرق في مجملها ما بين 14 إلى 16 عشر يوما، و يتم هناك تفريغ حمولة الناقلة من الغاز الطبيعي المسال لنعود أدراجنا من حيث أتينا في رحلة تستغرق نفس المسافة و المدة!
و بالرغم من أن تجربة السفر على ظهر السفن ليست بجديدة علي فلقد سبق لي أن قضيت ما مجموعه تسعة أشهر كتدريب عملي في مجال تخصصي متنقلا على ناقلات عديدة جبت على متنها أنحاء و أقطار متخلفة لم أكن حتى أحلم بالوصول إليها، إلا أن قضاء شهر رمضان بأكمله يعد لي بمثابة تجربة جديدة و فريدة من نوعها تضاف إلى رصيد تجاربي و خبراتي في الحياة، ولحسن الحظ كنت قد اتخذت احتياطاتي مبكرا لمقدم هذا الشهر الكريم لعلمي مسبقا بمدى رداءة الوجبات التي تقدم على ظهر السفينة و التي بهي الأساس وجبات غربية يدخل في تحضير أغلبها منتجات الخنزير التي لا غنى عنها في حياة الغربيين أما بقية الوجبات فقليل منها ما هو قابل للهضم حيث أن إلقاء نظرة واحدة على مسمياتها الغريبة تجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تغامر بتجربة تناول إحداها!، لذلك اضطررت قبل التحاقي بالسفينة إلى شراء ما خف وزنه و زاد دسمه من الأطعمة و المأكولات (كاحتياطي استراتيجي) تشمل أنواع مختلفة من التمور المحلية و الشوكلاتة و الحلويات الشرقية (طويلة الأجل) حتى أن صديقي الذي رافقني في الرحلة قال لي مازحا بعد أن قارن عدد حقائبي بحقائبه: "شو… إنت ناوي تفتح بقالة في السفينة؟" :D
لكن أكثر ما يحز في النفس هو افتقادي للجو الرمضاني المميز الذي يعم البلاد طوال أيام الشهر الكريم ، فليس هناك أصوات تصدح بالأذان و لا مجال لتأدية صلاة التراويح جماعة في المسجد و ما يعقبها عادة من تبادل الزيارات بين الأهل و الأقارب و التجمعات العائلية على موائد الإفطار و السحور،فنظرا لأن جميع أفراد طاقم السفينة أجانب غير مسلمين فمن الطبيعي أن لا يحس الواحد منا بحلاوة هذا الشهر الكريم ليمر مرور الكرام بلا طعم أو رائحة، فلا فرق عندهم ما بين شهر رمضان أو شعبان، و معلوماتهم عن هذا الشهر الكريم لا تتعدى عن كونه شهر يمتنع خلاله المسلمون عن الطعام و الشراب من وقت شروق الشمس حتى غروبها دون أن يخفوا استغرابهم من قدرتنا على تحمل الجوع و العطش طوال النهار جاهلين أن للصيام معاني تربوية كثيرة أكثر من أن يكون مجرد امتناع عن الأكل و الشرب و إن كانت أغلب هذه المعاني قد انقلبت رأسا على عقب هذه الأيام!
يبدأ دوامنا اليومي المعتاد كما أخبرتكم سابقا في تمام الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الخامسة مساء تتخللها بعض الاستراحات القصيرة نلتقط فيها الأنفاس و نرتاح فيها قليلا من عناء العمل في جو حار لا تقل درجة الحرارة فيها عن 40 درجة مئوية فضلا عن الضجيج المزعج الذي يصدر من الأجهزة و المعدات المختلفة المنتشرة في أرجاء غرفة المحركات الضخمة ذات الأربعة طوابق، مما يستلزم علينا وضع واقيات الأذن الشبيهة بالتي يرتديها العاملون على مدرجات الطائرات حماية لآذاننا من هذا الضجيج بالإضافة إلى ارتداء زي العمل الخاص الذي عادة ما يتسخ بـ(كوكتيل) من الشحوم و الزيوت مع انتهاء الدوام، و بالطبع لا يوجد هناك مجال للتقاعس أو التكاسل أثناء العمل سواء في رمضان أو غيره بعكس ما نراه من بعض موظفينا (المجدين) في وزاراتنا و دوائرنا الحكومية (المكيفة) ، الذين يجدون في هذا صيام هذا الشهر عذر (جاهز) و شماعة لتعليق معاملات الناس و مصالحهم، وإن تجرأ أحد المراجعين و طالب أحدهم بتخليص معاملته لن يسمع منه سوى عبارة: (اللهم إني صائم) الموجدودة على طرف لسانه و لا ينقص هذه النوعية من الموظفين إلا أن يقوموا بجلب (مخداتهم و بطانياتهم) من منازلهم !
و مع عدم توفر أجهزة استقبال فضائية من النادر جدا أن تلتقط أجهز التلفاز إشارات البث التلفزيوني نظرا لبعد مسار السفينة عن أرض اليابس، و يبقى الهاتف المتحرك جثة هامدة سرعان ما تعود إليه الحياة من جديد ما أن نتقترب من سواحل دولة تتوفر فيها خدمة (الجي إسم إم)،لذلك يقتصر إجراء المكالمات و الاتصالات باستخدام هاتف السفينة الذي يعمل بواسطة الأقمار الصناعية المكلفة جدا فتكلفة مكالمة لا تتعدى العشر دقائق قد تعادل ثمن شراء جوال .. و لكن مستعمل !
نكمل بقية الأحداث الرمضانية في الجزء القادم:)
مـــ :) :) :) ــــدردش متقــاعـــ :) :) :) ــــــــد
لقراءة الجزء السابق:)
*** دردشات بحـريـــ(15)ـــة ***((بين الوثن و الأصنام!)) (http://www.swalif.net/sforum1/showthread.php?threadid=141656)
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مضى علي ما يقارب الخمس السنوات لم أهنأ فيها بقضاء شهر رمضان كاملا على أرض الإمارات نتيجة لارتباطي سابقا بالدراسة في الخارج، فبسبب التباين الواضح في عدد أيام العام الهجري و السنة الميلادية و الذي أدى إلى تضارب مواعيد إجازة الكريسماس مع بداية الشهر الكريم، لذلك كنت أضطر في كثير من الأحيان أن أقضي الأيام الأولى من الشهر الكريم في المملكة المتحدة لأختم الأيام الأخيرة منه بالإضافة إلى قضاء إجازة عيد الفطر على أرض الدولة، لكن لم أتخيل أبدا أنني سأضطر في يوم من الأيام إلى قضاء ليالي هذا الشهر الكريم وحيدا على ظهر سفينة تغرب شمس كل يوم في مكان جديد..
فبسبب تواجدي على ظهر الناقلة كما تعلمون..توجب علي هذا العام أن أقضي أيام و ليالي هذا الشهر الكريم وسط البحر متنقلا ما بين جزيرة داس في الإمارات مرورا بسواحل كل من الهند و سيريلانكا و سنغافورة و جزر الملايو و من ثم جزر الفليبين و تايوان حتى نصل إلى أرض اليابان في أقصى شرق القارة الآسيوية في رحلة تستغرق في مجملها ما بين 14 إلى 16 عشر يوما، و يتم هناك تفريغ حمولة الناقلة من الغاز الطبيعي المسال لنعود أدراجنا من حيث أتينا في رحلة تستغرق نفس المسافة و المدة!
و بالرغم من أن تجربة السفر على ظهر السفن ليست بجديدة علي فلقد سبق لي أن قضيت ما مجموعه تسعة أشهر كتدريب عملي في مجال تخصصي متنقلا على ناقلات عديدة جبت على متنها أنحاء و أقطار متخلفة لم أكن حتى أحلم بالوصول إليها، إلا أن قضاء شهر رمضان بأكمله يعد لي بمثابة تجربة جديدة و فريدة من نوعها تضاف إلى رصيد تجاربي و خبراتي في الحياة، ولحسن الحظ كنت قد اتخذت احتياطاتي مبكرا لمقدم هذا الشهر الكريم لعلمي مسبقا بمدى رداءة الوجبات التي تقدم على ظهر السفينة و التي بهي الأساس وجبات غربية يدخل في تحضير أغلبها منتجات الخنزير التي لا غنى عنها في حياة الغربيين أما بقية الوجبات فقليل منها ما هو قابل للهضم حيث أن إلقاء نظرة واحدة على مسمياتها الغريبة تجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تغامر بتجربة تناول إحداها!، لذلك اضطررت قبل التحاقي بالسفينة إلى شراء ما خف وزنه و زاد دسمه من الأطعمة و المأكولات (كاحتياطي استراتيجي) تشمل أنواع مختلفة من التمور المحلية و الشوكلاتة و الحلويات الشرقية (طويلة الأجل) حتى أن صديقي الذي رافقني في الرحلة قال لي مازحا بعد أن قارن عدد حقائبي بحقائبه: "شو… إنت ناوي تفتح بقالة في السفينة؟" :D
لكن أكثر ما يحز في النفس هو افتقادي للجو الرمضاني المميز الذي يعم البلاد طوال أيام الشهر الكريم ، فليس هناك أصوات تصدح بالأذان و لا مجال لتأدية صلاة التراويح جماعة في المسجد و ما يعقبها عادة من تبادل الزيارات بين الأهل و الأقارب و التجمعات العائلية على موائد الإفطار و السحور،فنظرا لأن جميع أفراد طاقم السفينة أجانب غير مسلمين فمن الطبيعي أن لا يحس الواحد منا بحلاوة هذا الشهر الكريم ليمر مرور الكرام بلا طعم أو رائحة، فلا فرق عندهم ما بين شهر رمضان أو شعبان، و معلوماتهم عن هذا الشهر الكريم لا تتعدى عن كونه شهر يمتنع خلاله المسلمون عن الطعام و الشراب من وقت شروق الشمس حتى غروبها دون أن يخفوا استغرابهم من قدرتنا على تحمل الجوع و العطش طوال النهار جاهلين أن للصيام معاني تربوية كثيرة أكثر من أن يكون مجرد امتناع عن الأكل و الشرب و إن كانت أغلب هذه المعاني قد انقلبت رأسا على عقب هذه الأيام!
يبدأ دوامنا اليومي المعتاد كما أخبرتكم سابقا في تمام الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الخامسة مساء تتخللها بعض الاستراحات القصيرة نلتقط فيها الأنفاس و نرتاح فيها قليلا من عناء العمل في جو حار لا تقل درجة الحرارة فيها عن 40 درجة مئوية فضلا عن الضجيج المزعج الذي يصدر من الأجهزة و المعدات المختلفة المنتشرة في أرجاء غرفة المحركات الضخمة ذات الأربعة طوابق، مما يستلزم علينا وضع واقيات الأذن الشبيهة بالتي يرتديها العاملون على مدرجات الطائرات حماية لآذاننا من هذا الضجيج بالإضافة إلى ارتداء زي العمل الخاص الذي عادة ما يتسخ بـ(كوكتيل) من الشحوم و الزيوت مع انتهاء الدوام، و بالطبع لا يوجد هناك مجال للتقاعس أو التكاسل أثناء العمل سواء في رمضان أو غيره بعكس ما نراه من بعض موظفينا (المجدين) في وزاراتنا و دوائرنا الحكومية (المكيفة) ، الذين يجدون في هذا صيام هذا الشهر عذر (جاهز) و شماعة لتعليق معاملات الناس و مصالحهم، وإن تجرأ أحد المراجعين و طالب أحدهم بتخليص معاملته لن يسمع منه سوى عبارة: (اللهم إني صائم) الموجدودة على طرف لسانه و لا ينقص هذه النوعية من الموظفين إلا أن يقوموا بجلب (مخداتهم و بطانياتهم) من منازلهم !
و مع عدم توفر أجهزة استقبال فضائية من النادر جدا أن تلتقط أجهز التلفاز إشارات البث التلفزيوني نظرا لبعد مسار السفينة عن أرض اليابس، و يبقى الهاتف المتحرك جثة هامدة سرعان ما تعود إليه الحياة من جديد ما أن نتقترب من سواحل دولة تتوفر فيها خدمة (الجي إسم إم)،لذلك يقتصر إجراء المكالمات و الاتصالات باستخدام هاتف السفينة الذي يعمل بواسطة الأقمار الصناعية المكلفة جدا فتكلفة مكالمة لا تتعدى العشر دقائق قد تعادل ثمن شراء جوال .. و لكن مستعمل !
نكمل بقية الأحداث الرمضانية في الجزء القادم:)
مـــ :) :) :) ــــدردش متقــاعـــ :) :) :) ــــــــد