PDA

View Full Version : نبذة عن بعض المذاهب الأدبية والفنية


متأمل
25-03-2004, 02:36 AM
ظهرَ "المذهبُ الطبيعيّ" في الأدبِ في نهاياتِ القرنِ التاسعِ عشر.. يقولُ (سترند برج) عن كاتبِ المذهبِ الطبيعيِّ: "إنّه ذلك الفنانُ الذي يبحثُ في بحرِ الحياةِ الصاخبِ عن كلِّ المثيراتِ الكبيرةِ الحقيقيّة، التي يَعُدُّها الكاتبُ الواقعيُّ شذوذًا، لأنّها تستخفي عنِ الأنظارِ وراءَ حُجبٍ كثيفةٍ من التقاليدِ والآدابِ والقوانين"!!.. ومن هنا كان ما يتمنّاه (سترند بيرج) من أن يتسنى له المسرحُ الذي يُخرجُ فيه ما تواضعَ المجتمعُ على تسميتِه بالفضائحِ، والخروجِ عنِ العرفِ، والانطلاقِ من التقاليدِ، والاستهتارِ بالآدابِ والأخلاقِ العامّة!!!!
وقد كان لبشاعةِ ما يُعرضُ من كتاباتِ هذا المذهبِ على خشبةِ المسرح، ما جعلَ الرقيبَ في (ألمانيا) و (انجلترا) يقفُ لها بالمرصاد ـ هذا قبلَ إلغاءِ الرقابةِ في الغربِ نهائيًّا ـ فلم يُصرّحْ بعرضِ هذه المسرحيّاتِ إلا في حفلاتٍ خاصّةٍ يُدعى إليها الصفوةُ من رجالِ الفكرِ ببطاقاتٍ خاصّة، نظرًا لانغماسِها في تصويرِ الحياةِ اليوميّةِ بكلِّ ما فيها من رواسبَ وأمراضٍ وعللٍ وانحرافات.. حتى إنَّ (جان كارير) يقولُ عن (إميل زولا): "إنّ (زولا) لم يُعطِنا قطُّ تلك الصورةَ التامّةَ الكاملةَ التي كان يطمحُ أن يُصوّرَها لنا عن عصرِه، فقد صوّر رذائلَ هذا العصرِ ومخزياتِه فحسب، من حياةِ العرابيدِ والأفّاقينَ واللصوصِ والعاهراتِ والسكارى والشاردينَ والمعلولينَ ومن لا خَلاقَ لهم من العمّالِ والمزارعينَ وسفلةِ الطبقةِ البرجوازيّةِ والجنودِ الجبناءِ والوزراءِ المنهومينَ... إلخ.. لقد وعدنا (زولا) بعالمٍ زاخرٍ بالحياةِ الصحيحةِ فأعطانا مستشفى!!.. حقًّا إنّ هذا جهلٌ لا يمكنُ تصوّرُه، من عقليّةٍ تَعْمَهُ في ضلالاتٍ لا يمكنُ تصوّرُها!!"
((أعرفُ أنَّ معظمَ من يقرأونَ هذا الكلامَ سيهزّونَ رءوسَهم في حسرة، ويمصمصونَ شفاههم في امتعاض.. هذا دونَ أن ينتبهوا إلى أنَّ معظمَ ما يقرأونَه في القصصِ والرواياتِ، وما يُشاهدونَه في الأفلامِ والمسلسلاتِ هو من هذه النوعيّة.. ولكنّهم من فرطِ اعتيادِهم لم يعودوا يلاحظونَ ذلك!!))
وقد كانت نهايةُ معظمِ كتابِ المذهبِ الطبيعيِّ مأساويّة، فماتَ (جول دي جونكور) في الأربعينَ من عمرِه، بعدَ حياةٍ سائبةٍ أكبَّ فيها على الخمرِ والمخدّراتِ والأفيون، وكانَ أخوه (إدمون) رجلا تعيسًا معتلَّ الجسمِ مُختلَّ الأعصابِ جديرًا بالشفقةِ والرثاء، وهو نفسُ ما ينطبقُ على (إميل زولا) و (موباسان)، الذي جُنَّ بعدَ أن جاوزَ الأربعينَ بوقتٍ قصير، ثمَّ ماتَ مشلولاً بعد إكبابٍ طويلٍ على السموم!!
ويقدّمُ (دريني خشبة) تعليلا لهذه الظاهرةِ فيقول: "ولعلَّ ذلك ناشئٌ من التزامِ الصدقِ في تسجيلِ مُجرياتِ الحياة، والمبالغةِ في التزامِ ذلك، دونَ أن يعملَ الأدباءُ حسابًا للعواطفِ المكبوتةِ التي يُفجّرُها الاطّلاعُ المكشوفُ على ما يجملُ أن يُخفى ويُسترَ من موبقاتِ العالمِ الجنسيّ.. هذا العالمِ الذي يُثيرُ الشهواتِ النائمةَ ويجعلُ أصحابَها فريسةً ذليلةً لها، كلما حاولوا إشباعَها لم تقْنَعْ وطالبتْهم بالمزيدِ حتّى تذوبَ قلوبُهم وأبدانُهم في جحيمِها التي لا تعرفُ الشرائع، ولا تحفلُ بالتقاليدِ والآداب، وتحتقرُ الأديانَ، ولا تُقيمُ وزنًا للفضائلِ وحميدِ السجايا والأخلاق".
ويقولُ عن كتابِ المذهبِ الطبيعيِّ في (مصر): "وهم مرجوّونَ لخيرٍ ممّا يكتبون، فهم مفكّرونَ مقتدرون، ولا ينقصُهم الاستعدادُ للانصرافِ ولو قليلا عنِ المذهبِ الطبيعيِّ، الذي جعلهم يوشكونَ أن يجعلوا منّا أمّةً من المجانينِ والمنحرفينَ والمعتلّينَ والبلطجيّةِ والشواذِّ والضالّينَ والسكارى، ومن لا همَّ لهم إلا أن يعيشوا تلكَ الحياةَ المادّيّةَ البهيميّةَ التي تحياها البهائمُ وأهلُ النفاق.. إلى آخرِ ما يكتبُه أولئكَ الإخوانُ الأفاضل، والذي لو تُرجمَ إلى لغاتٍ أخرى لحكمَ علينا قراؤنا الأجانبُ بأنّنا أمّةٌ تحيا في مستشفى المجاذيبِ أو دارِ علاجٍ للأمراضِ السرّيّة!!.. لكم نرجو مخلصينَ أن يتخلّصَ كتّابُنا من آثارِ هذا المذهب، في القصّةِ والمسرحيّةِ على السواء، وأن يتخلّصَ منه فنانونا في التصويرِ والسينما وفي نظمِ الأغاني.. إنّه مذهبٌ فشلَ في (أوروبا) و (أمريكا) وفي كلِّ ركنٍ من أركانِ العالم، لاقتصارِ الأديبِ أو الفنّانِ فيه على التصويرِ المادّيِّ الفاضح، أو التصويرِ المجسّمِ الذي لا يحتشم، أو التصويرِ الذي تبدو به النفسُ البشريّةُ عاريةً في أحطِّ غرائزِها.. إنّه مذهبٌ لا يحملُ رسالةً ولا ينطوي على فلسفةٍ ولا يهدفُ إلى إصلاح".
لقد كتبَ (دريني خشبة) هذا الكلامَ سنة 1961، ولو عاشَ إلى الآنَ لأدركَ كيفَ أدّى الإلحاحُ على تصوير هذه النماذجِ المنحرفةِ من البشر إلى إنتاجِ أجيالٍ كاملةٍ تأنسُ بها ولا تستنكرُ تصرفاتِها، بل تظنُّها هي الأصلَ في المجتمعِ فتتمثّـلُها وتقتدي بها!.. والنتيجةُ الطبيعيّة، هي أنَّ الملتزمينَ والأسوياءَ صاروا الآنَ هم الشواذَّ والقلّةَ في المجتمع، ويتّهمونَ بالتخلّفِ والرجعيّةِ والتزمّتِ... إلخ!!!!

من كتاب (دريني خشبة): "أشهر المذاهب المسرحية".. بتصرّف.

إرث أحزان
25-03-2004, 12:17 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متأمل

جزاك الله خيرا على الموضوع القيم ...

قرأته بسرعة

ولي عودة بإذن الله

تحياتي

متأمل
29-03-2004, 03:28 AM
إرث أحزان..
شكرا لتشريفي بالمرور.. ومرحبا بك دائما..

تحياتي

متأمل
03-04-2004, 10:55 PM
المذهبُ الرمزيّ:
نفسُ السماتِ الأخلاقيّةِ الهابطةِ التي ذكرناها عن كتّابِ المذهبِ الطبيعيّ، سنجدُها متمثّلةً في شعراءِ المذهبِ الرمزيّ، الذي ظهرَ في (فرنسا) في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر، فكثيرٌ منهم قومٌ ذوو أمزجةٍ سوداويّةٍ مظلمة، وهم لا يرونَ للحياةِ رسالةً ولا للعيشِ هدفًا ولا للدنيا قيمة، إلا ما يهتبلونَه في ساعتِهم التي هم فيها من لذّة.. أيًّا كانت هذه اللّذّة!
ومعظمُهم يُطفئُ سراجَ حياتِه بالسمومِ البيضاءِ والمخدّراتِ السوداءِ والخمرِ بجميعِ ألوانِها!!
بل إنّ منشئي المدرسةِ الرمزيّةِ الفرنسيّةِ وعلى رأسِهم "مالارميه" و"ريمبود" و"بودلير" أطلقوا على أنفسِهم بكثيرٍ من التباهي والخُيَلاءِ لقب "المنحطّين"!!!
ومعظمُ الرمزيّينَ يرفضُ الأدبَ الموضوعيّ، سواءٌ كانَ أدبًا اجتماعيًّا أو أخلاقيًّا، وهم إنّما يرمزونَ لمجرّدِ الترفِ الذهنيِّ واللّذّةِ الفكريّةِ المجرّدة، ومن ثَمَّ كان مبدؤهم الذي يتشبّثونَ به هو مبدأ: "الفنُّ من أجلِ الفنّ" و"الصورُ الجماليّةُ من أجلِ الصورِ الجماليّة"!!

متأمل
11-04-2004, 08:19 PM
المذهبُ السريالي:
من كتاب (دريني خشبة): "أشهر المذاهب المسرحية
كانَ للحربِ العالميّةِ الأولى، وما أصابتْ به الغربَ من كوارثَ، أثرُها في زعزعةِ القيمِ الأخلاقيّة.
كما زلزلتِ النظريّةُ النسبيّةُ أركانَ العقلِ، وأذهلَ (فرويد) ألبابَ العالمِ بأبحاثِه النفسيّةِ العجيبةِ التي تدّعي تسلّطَ عقلِنا الباطنِ وهيمنتَه القاهرةَ علينا، وتحكّمَه في تكييفِ أخلاقِنا، وبالتالي في عقلِنا الواعي!
هذا بالإضافةِ إلى ما أذاعه (هجل) من ضرورةِ هدمِ الماضي كلِّه لبناءِ مستقبلٍ سعيدٍ على أنقاضِه، وما دوّى به صوتُ (ماركس) من ضرورةِ هدمِ الرأسماليّةِ وقيامِ نظامٍ يُنصفُ العاملَ ويشدُّ أزرَه [9].
كلُّ هذه الأسبابِ هي ما أدّى لظهورِ المذهبِ "السريالي"، الذي ابتكره وأذاعَ به وارتجلَ له اسمَه ارتجالا، الروسيُّ (ترستان زارا)، وذلك حينما أطلقَه عامَ 1916 على تلك الحركةِ الهدّامةِ التي اختلجت في نفوسِ الداعينَ إلى القضاءِ على جميعِ موازينِ الآدابِ ومقاييسِ الذوق، وذلك في كلمةٍ نابيةٍ كان يُلقيها في إخوانِه من أتباعِ السوءِ الذينَ تحلّلتْ أخلاقُهم وانحطّتْ أذواقُهم، ووجدوا في دعاوى (ماركس) العريضةِ رسالةً جديدةً تُبشّرُ بمجتمعٍ جديد، له فنّه الجديدُ وأدبُه الجديد.
وقد كانوا يُطلقونَ على هذه الحركةِ السرياليّةِ كلمة "دادا" أي "بابا"، وهي الكلمةُ التي ارتجلوها لثورتِهم العاصفةِ بجميعِ القيمِ الأخلاقيّة، والسخريةِ ما وسِعتْهم السخريةُ بما توارثه الناسُ من آدابٍ وتقاليدَ وشرائعَ ومُثُل!!
ولقد اتّخذوا أحطَّ الطرقِ وأوقحَها لنشرِ هذا الرُّوحِ الجديدِ وإشاعتِه بينَ الناس، ولا سيّما في المشاربِ والمباولِ العامّة!!
وقد وجدوا إنجيلَهم الجديدَ وقيمَهم الجديدةَ في تعاليمِ (كارل ماركس)، التي كانتْ أكبرَ مخدّرٍ للطبقاتِ العاملة!!
ولهذا نشبتْ بينَهم وبينَ رجالِ السياسةِ والأديانِ عامّةً ـ ولا سيّما الكاثوليكيّين ـ مصادماتٌ فكريّةٌ عنيفة، إذ كانوا يُغرونَ الشعبَ بالتحرّرِ من الكثلكةِ إلى الواقعيّةِ الاشتراكيّة.
أمّا الفنُّ الجديدُ الذي كانوا ينشدونَه فقد وجدوه في تلك الكتابةِ اللا شعوريّةِ أو الكتابةِ التلقائيّة، التي لا تخضعُ لأصولِ المنطقِ والتفكيرِ المُقعّدِ السليم، بل هي تُغلّبُ سماتِ العقلِ الباطنِ على العقلِ الواعي!!

متأمل
11-04-2004, 08:20 PM
الوجودية:
المصدر:
http://www.wahy.com/adian/44.htm
مذهبٌ فلسفيّ أدبيّ ملحد، وهو أشهر مذهب استقر في الآداب الغربية في القرن العشرين.
ويرتكز المذهب على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيه، ولا يوجد شيء سابق عليها، ولا بعدها!!
وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته، ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر، دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته.
وقد دخل المذهب الوجودي مجال الأدب على يد فلاسفة فرنسيين هم: (جبرييل مارسيل) المولود عام 1889م. وقد أوجد ما أسماه الوجودية المسيحية.. ثم جان بول سارتر الفيلسوف والأديب الذي ولد 1905م، ويعد رأس الوجوديين الملحدين والذي يقول: "إن الله خرافة ضارة"!!!!.. وهو بهذا فاق الملحدين السابقين الذين كانوا يقولون إن الله خرافة نافعة ـ تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيرا.
ومن قصصه ومسرحياته: الغثيان، الذباب، الباب المغلق.
ومن الشخصيات البارزة في الوجودية: (سيمون دي بوفوار) وهي عشيقة سارتر، التي قضت حياتها كلها معه دون عقد زواج تطبيقاً عملياً لمبادئ الوجودية، التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية!!!

متأمل
11-04-2004, 08:23 PM
ملاحظتان:
1- البعثات التي أرسلناها للغرب لتعود بحضارته وعلومه وتكنولوجياته، تركت كلّ هذا وعادت لنا بآدابه وأفكاره وفلسفاته الإلحاديّة الماجنة المدمّرة!
فهل كان من الغريب أن يتسارع معدّل انهيارنا من يومها وحتّى الآن؟؟؟!!!!

2- أرجو تعديل عنوان هذا الموضوع إلى: نبذة عن بعض المذاهب الأدبية والفنية.

shahnaz
21-04-2004, 04:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أثريتنا بمعلومات ولا أروع

بورك فيك متأمل !! :)

متأمل
22-04-2004, 09:01 PM
shahnaz :
شكرا لك..
تحياتي