View Full Version : البرتو مانغويل يجعل من «المكتبة» صورة العالم
أبو يحى
11-02-2005, 08:28 PM
باريس – انطوان جوكي الحياة 2005/02/11
ألبرتو مانغويل هو بلا شك كاتب و"منقب" قلَّ نظيره في العالم. ثقافته الأدبية الشاملة التي تتراءى من خلال كتبه تجلب الدوار لمعظم قرّائه. ومن أهم مؤلفاته نذكر كتاب "تاريخ القراءة" المذهل الذي صدر بالإنكليزية عام 1998 لدى دار "ألفرد كنوف" ونال عليه في فرنسا جائزة "مديسيس" المرموقة وصدر في ترجمة عربية عن دار الساقي. من مواليد 1948 (الأرجنتين)، عاش مانغويل منذ صباه حياة ترحّل دائم، كما تشهد عليه أسفاره الكثيرة وإقامته لفترة عامين على الأقل في كل من إيطاليا وبريطانيا وتاهيتي وكندا قبل أن يستقر عام 2001 نهائياً في قرية فرنسية نائية محاطاً بمكتبته الضخمة التي تحوي نحو ثلاثين ألف كتاب. وخلال ترتيبه لهذه المكتبة، أتته فكرة كتابه الأخير "يوميات قارئ" الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً لدى دار "أكت سود". وترتكز هذه الفكرة على إعادة قراءة كتبه المفضلة، في معدل كتاب كل شهر، وكتابته بموازاة هذه القراءة بحثاً يتفاوت أسلوبه بين دفتر مذكرات وديوان استشهادات، ويتضمن مجموعة ملاحظات وتأملات وانطباعات وتعليقات حول أحداث عامة وخاصة ناتجة كلها من قراءاته. ويمنح هذا المشروع مانغويل فرصة ليتفقد من جديد مسار حياته الصاخبة والغنية، وليتأمل في الحوار السري بين العمل الأدبي وقارئه. يقول مانغويل في هذا السياق: "من خلال هذه المجلدات المكدّسة، يمكنني متابعة آثار كل ذكرياتي" أو "كل ما أعرفه عن العالم هو الآن تحت سقف بيتي. هذا الترتيب هو طريقة أخرى لمعاينة السديم. أي مكتبة هي صورة عن العالم، لكنها صورة متفائلة، أُعيد تنظيمها وتفكيرها لمنحها بنية سردية".
البرتو مانغويل ليس أول كاتبٍ يخوض موضوع "القراءة وحياة القارئ"، إذ عالجه من قبل كتّاب مثل أنّي فرنسوا في بحثها الجميل "فعل القراءة" وبرنار بيفو في كتابه "مهنة القراءة"، إضافة إلى عيش عدد كبير من الناس هذا الموضوع يومياً. لكن مانغويل يذهب أبعد من الكاتبين المذكورين إن على مستوى تحليله الفريد لعملية القراءة أو على مستوى مقارنته الدقيقة لأفكار أو مواضيع الكتب المقاربة في كتابه الأخير بأفكار كتّابٍ آخرين مع مهارته العالية في إظهار تطابقات غامضة ومثيرة بين هذه الكتب والأفكار.
ويبدو خيار الأدباء الذين يتناولهم مانغويل في بحثه متوازناً. فهو يفتتح الكتاب ويختتمه بكاتبين كبيرين من أميركا اللاتينية هما الأرجنتيني بيوي كازارس في كتابه "ابتكار موريل" والبرازيلي ماشادو دو أسّيس في كتابه "مذكرات براز كوبا". وبينهما يدعونا مانغويل إلى قراءة (أو إعادة قراءة) "جزيرة دكتور مورو" للكاتب الإنكليزي هربرت ويلس، و"كيم" للكاتب البريطاني كيبلينغ، و"مذكرات ما وراء الموت" للأديب الفرنسي شاتوبريان، و"علامة الأربعة" للكاتب الإنكليزي كونان دويل، و"الميول إلى الاتحاد" للكاتب الألماني غوته، و"الريح بين شجر الصفصاف" للكاتب البريطاني كينيث غراهام، و"دون كيشوت" للكاتب الإسباني سيرفانتس، و"صحراء التتر" للأديب الإيطالي دينو بوزاتي، و"المدوّنات المفضلة" للكاتبة اليابانية ساي شوناغون و"الصعود إلى السطح" للأديبة الكندية مارغريت أتوود. وتسمح هذه القراءات لمانغويل بمقاربات واستشهادات ثاقبة وأحياناً طريفة مع كتّاب كثيرين يستحيل ذكرهم هنا، تشهد على سعة إطلاع نادرة. لكن ما يهمنا خصوصاً هو إلمامه بالأدب العربي أيضاً في شكلٍ يسمح له باستخدام أبيات من شعر بدر شاكر السيّاب ومحمود درويش وجلال الدين الرومي وبالاستشهاد بمخطوط عربي مجهول من القرن العاشر تحت عنوان "فجر من أجل العميان"، وكشفه عن هوية الكاتب الحقيقي لرواية "دون كيشوت" الشهيرة، المغربي حامد بن جيلي! ولأن القراءة هي قبل أي شيء حوارٌ، ليس فقط بين الكاتب والقارئ وإنما أيضاً بين الكتاب والعالم، يرجع مانغويل إلى الكتب "للعثور على كلمات لما نعرفه قبلاً" ولإطلاق العنان لتداعي الأفكار داخله. فهذه الكتب التي تشكّل فهرس كتابه الأخير تجلب حصته من الملاحظات التي تتعلق بالنوع الأدبي الذي ينتمي إليه أو بمشاغل الكاتب الآنية أو حتى بأحداث الساعة في العالم. ويسمح له ذلك بالتعليق اللاذع على الحال السياسية والاقتصادية في الأرجنتين وعقلية الاحتيال السائدة فيه، وبنقد سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق في شكلٍ مباشر، مُعيداً خطاب بوش إلى القرون الوسطى.
"كل كتاب يوجد كحلم إلى أن توقظ الأيدي التي تفتحه والعيون التي تقرأ كلماته". والصفحات التي يمنحنا إياها مانغويل في كتابه الأخير تمثّل محاولة لتقديم بعضٍ من هذه اليقظات. ومع أن الكاتب يتلهى عمداً بتفاصيلٍ وأفكارٍ طارئة ضمن عمل أدبي مكوّن من مقاطع لا رابط ظاهراً بينها، إلا أن القارئ المتمعّن يستشفّ من خلالها بحثاً عميقاً ومتماسكاً يتوق إلى مجتمعٍ أكثر عدالة، تماماً مثل مواطنه الأرجنتيني بورخيس الذي يلقي بظله على كل الكتاب: "أعتقد بأن العالم، على رغم كل الجرائم، ينصاع لهدفٍ أخلاقي". ومثل بورخيس، مانغويل هو شخص متفائل على رغم مآسي العالم. ولهذا يستشهد بجملة للكاتب البريطاني شسترتون الرائعة: "الثورة الحقيقية هي ثورة المتفائل الذي يحيا ويموت ضمن محاولته اليائسة والانتحارية لإقناع الآخرين بطيبتهم". ومثل ماشادو الذي يختتم كتابه به، يكتفي مانغويل بمنح قرّائه كتاباً يعجّ بالذكريات والتأملات غير المرتّبة، تاركاً لهم خيار تملّكها، والموافقة أو الاعتراض عليها، وربط أو عدم ربط صوره الخاطفة والمبعثرة. وباختصار، إنه ينتظر من قرّائه التعرّف داخل صفحاته على ظلال أفكارهم وأهوائهم الخاصة.
أبو يحى
11-02-2005, 08:32 PM
يفتتح ( البرتو مانغويل ) كتابة الشيق ( تاريخ القراءة )
بعد شهادات كبار المثقفين وكبريات الصحف .. لأهمية وجمال هذا الكتاب ...
يفتتح ذلك بعبارة منقولة .تقول:
( إذ إن الرغبة في القراءة , مثل جميع الأشواق الأخرى التي تحيّر أرواحنا التعيسة ,
قادرة على التحليل ) .
ثم في الصفحة الأخيرة .. وهو عنوان مقدمة الكتاب .. يقول ( إقرأ كي تحيا ) ..
ترى مانصيبنا من الحياة ؟ ولماذا عُدّت القراءة صنو الحياة أو هي الحياة ..
هل لأن القراءة : مثل التنفس ,إنها وظيفة حياتية أساسية ؟ أم لأن القراءة ..
تعني الأقتراب من شئ هو قيد الصيرورة ... أم لأن (الإنسان القارئ تصعب هزيمته) .
عندما سئل احد العلماء العباقرة ..لماذا تقرأ .. أجاب :: ( لأن حياة واحدة لا تكفيني !! )...
لكن السؤال / الحقيقة المزرية .. كان ( نحن شعب لايقرأ ..لماذا ؟ ) .... يقول البرتو مانغويل :
( في إحدى الأمسيات , قصّ عليّ ( بورخيس ) حكاية المظاهرات الشعبوية
التي نظمتها حكومة بيرون عام 1950 م ضد المثقفين المناوئين للحكم ..
التي كان المتظاهرون يهتفون خلالها ( أحذية نعم , كتب لا ) أما الهتاف المقابل
( أحذية نعم , كتب نعم أيضا ) فلم يقنع أحداً .... وهكذا فإن الواقع القاسي العقلاني
, كان بالنسبة للجماهير لايتوافق مع عالم الأحلام الخيالي للكتب .....
بموجب هذه الذريعة يقوم الحكام بنجاح كبير بتأجيج نار التناقضات الاصطناعية القائمة بين القراءة والحياة ..
إن الحكومات الشعبوية تطالبنا بأن ننسى , لذا فإنها تدمغ الكتب بأنها بهرجة لاحاجة إليها
, أما الحكومات الشمولية فتطالبنا بالتوقف عن التفكير , لذا فإنها تمنع العقل وتلاحقه
وتخضعه لمقص الرقيب , إن النظامين يريدان جعلنا اغبياء وإخضاعنا ..
مما يشجعان أستهلاك القمامة التلفزيونية ,
تحت هذه الظروف لايمكن للقراء إلاّ أن يكونوا مخربين )
أبو يحى
11-02-2005, 08:35 PM
ألبرتو مانغويل، رجل يتحدث ويكتب بعدة لغات، يقول عن نفسه بأنه
وهو في الرابعة من عمره اكتشف فجأة بأنه يستطيع القراءة دوماً وأبداً.
وهو بمجرد ان استطاع وبدون مساعدة من أحد ان يركب الحروف الصغيرة النحيلة
ببعضها والتي علمته اياها مربيته، وان يحولها الى كلمات، الى حقائق حية،
ساعتها يقول
«أحسست بأنني أصبحت انسانا جبارا، كنت استطيع ان أقرأ»!
بعد تلك الحادثة بسنوات طويلة اقتفى ألبرتو مانغويل آثار النصوص المكتوبة والمقروءة
والمطبوعة عبر مختلف العصور التاريخية، بحث عنها في الكثير من المكتبات في انحاء العالم
لكنه ابتداء بحث داخل نفسه اولا، وخلال سبع سنوات من الجهد المتواصل
قدم هذا الكاتب كتابه الرائع (تاريخ القراءة) الذي يروي فيه قصة القراءة باعتبارها
«مفتاح فهم العالم» ناصحا قراءه بهذه النصيحة الفريدة: اقرأ كي تحيا!
في «تاريخ القراءة» يتذكر مانغويل الكلمة الاولى التي قرأها، ويتحدث عن ولعه بالقراءة
منذ طفولته المبكرة، كما يروي قصة علاقته بالكاتب الكبير الكفيف «خورخي لويس بورخيس»
الذي كان يقرأ عليه في بوينس آيرس مدة عامين كاملين يوما بعد يوم،
ثم يطوف بنا الى بدايات الكتابة والى فن طباعة الكتب والأدب وشكل الكتاب،
والى أشهر القراء وأعظم الكتاب، والى فعل القراءة وسلطانها العجيب.
نقرأ في (تاريخ القراءة) عن عظماء العالم الذين كانوا يكتبون ويعشقون القراءة امثال:
ارسطو، وابن الهيثم، ومريم المجدلية، وريلكه، وذلك الامير الفارسي الذي كان يأخذ معه
في رحلاته الطويلة مكتبته المكونة من 117 الف كتاب على ظهر قافلة من الجمال
مصنفة بحسب الحروف الابجدية.
لكن أروع الفصول تلك التي يأخذنا اليها مانغويل ليكشف لنا عن اولئك الذين اخترقوا
حظر القراءة وتعلم الكتابة من عبيد اميركا في أزمنة الرق والعنصرية
والذين كان لا يتردد البيض (المتحضرون) عن قتلهم لارتكابهم هذا الجرم .
هناك قراءة محرمة وممنوعة بأمر السلطات والملوك ورجال الدين، وهناك قراءة خلف الجدران
وقراءة المستقبل، لكن الاكثر طرافة هي حكاية اكبر سارق للكتب في العالم
دوق ليبري النبيل والعبقري الفلورنسي في الرياضيات الذي نال كرسي الرياضيات
في العشرين من عمره في واحدة من أعرق جامعات اوروبا، الا ان ولعه بالكتب النادرة
حوله لأكبر سارق كتب في التاريخ!
أبو يحى
14-02-2005, 12:14 AM
هل هناك أحد قراء كتاب تاريخ القراءة أو سمع عنه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أندلسي
16-02-2005, 10:27 PM
يعيد "آلبرتو مانغويل" للكتاب تألقه وللقارئ وجوده بعد أن أدركنا بأنا نحن قرّاء اليوم معرضون للفناء أمام الزحف التقني لأساليب الثقافة المعاصرة، وأمام ثورة المعلوماتية الحديثة. إن القراءة متعة، وللحصول على تلك المتعة يرى "آلبرتو مانغويل" بأنه يجب على القارئ معرفة وتعلم ما هي القراءة منطلقاً من تجربته كقارئ، ومن تجارب الآخرين في فن القراءة.
ينطلق الكاتب عبر رحلة في تاريخ القراءة يسجل فيها تجربته كقارئ، ومن ثم ينسحب إلى قرن بعيد مندثر، إنه يتجاهل فصولاً، ويستعرض كتباً، ويعود إلى موضوعات معينة، ويرفض الانصياع للنظام المتعارف عليه عند البحث في موضوع كموضوع القراءة. فصولٌ يعرض من خلالها المؤلف تاريخ القراءة بأسلوب فلسفي وبإحساس مشبع بالعاطفة، وكأنه يروي حكاية الحب العظيم بين الإنسان والكتب، وساعده في ذلك مقدراته الهائلة على التصوير، المقترنة بمقدرات وكفاءات المثقف العالم ليفتح الكتاب بذلك الأبواب من أجل الدخول إلى عالم محفوف بالأسرار كي لا يترك القارئ لحظة واحدة وحيداً على الرغم من كثرة المعلومات والاقتباسات والملاحظات القيمة التي يتحف القارئ بها.
لقد تبنى "آلبرتو مانغويل" تعطش القراء إلى الكتب وحوّل هذا الموضوع بنجاح ماهر إلى كتاب رائع. وجولة على محتويات الكتاب يجد القراء بأنه حفل بموضوعات طريفة وقيمة تدور في مجملها حول القراءة والكتب حيث نقرأ: قراءة في الظلال، القراءة بصمت، كتاب الذاكرة، تعلم القراءة، قراءة الصور، القراءة على الآخرين، شكل الكتاب، القراءة الوجدانية، مجازات القراءة، البدايات، تنظيم الكون، قراءة المستقبل، القارئ الرمزي، القراءة خلف الجدران، الكاتب كقارئ، المترجم كقارئ، القراءة الممنوعة، المتولع بالكتب، والصفحات الأخيرة. وبعد كل ذلك لا عجب أن نرى هذا الكتاب المثير والزاخر بالمعلومات، هذا الكتاب الشخصي والشامل يطوف حول العالم.
الناشر:
"القراءة ضرورية للحياة كالتنفس"، يقول آلبرتو مانغويل. قام هذا الرجل، الذي يتحدث ويكتب بلغات عديدة، باقتفاء آثار "النصوص المكتوبة والمقروءة والمطبوعة" عَبْر مختلف العصور التاريخية: بحث عنها في الكثير من مكتبات العالم، لكنه بحث عنها داخل نفسه أيضاً. مثل كورس شكسبيري يقدم لنا مانغويل "مفتاح فهم العالم". إنه يتذكر الكلمة الأولى التي قرأها، ويتحدث عن شغفه الكبير بالقراءة منذ نعومة أظفاره، ويروي قصة علاقته بالكاتب الكبير الكفيف خورخه لويس بورخيس الذي كان يقرأ عليه في بوينس آيرس مدة عامين كاملين يوماً بعد يوم. ثم ينتقل إلى بدايات الكتابة وإلى فن طباعة الكتب والأدب وشكل الكتاب، وإلى فعل القراءة وسلطانها.
يقدّم مانغويل نخبة من عظماء العالم الذين كانوا يكتبون ويحبون القراءة مثل أرسطو، ولوفكرافت، وابن الهيثم، وأولفر ساك، وماريا المجدلية، والقديس أوغسطينُس، وريلكه. ويحدثنا عن قصة الأمير الفارسي الذي كان يصطحب مكتبته المؤلفة من 117000 كتاب على ظهر قافلة من الجمال مصنفة بحسب الأحرف الأبجدية. ولا ينسى أيضاً حكاية أكبر سارق للكتب في العالم، الدوق ليبري، أو قصة عمال التبغ في كوبا الذين كانوا يحبون الاستماع إلى قراءة الكتب مما جعلهم يطلقون أسماء أبطال الروايات الأدبية على أنواع سيجارهم.
مانغويل يتحدث عن القراءة بهيام عظيم كالذي نشعر به نحن معشر القرّاء في جميع أرجاء العالم.
هذا الكتاب حكاية حبّ كبير، إنه جدير بالقراءة.
منقول :)
حسين عبدالله
17-02-2005, 01:25 PM
شكرا لكم على المعلومات
:damp:
أبو يحى
23-02-2005, 12:49 AM
مكتبة عتيقة متواضعة في إحدى حارات بونيس ايرس عاصمة الأرجنتين.. البائع العامل في المكتبة كان صبيا في نحو السادسة عشرة من عمره.. ذات يوم دخل المكتبة اثنان من الزبائن.. سيدة عجوز ترافق ابنها الشاب.. أو بالأدق تقود خطاه إلى الطريق فقد كان الشاب مكفوف البصر.. فماذا يطلب الأعمى من محل بيع الكتب؟ كم كانت دهشة العامل الصغير حين وقف الكفيف يطلب شراء كتاب غريب العنوان وهو: (قاموس لغوي انجلو سكسوني . ساعتها لم يملك الغلام البائع إلا أن يطرح السؤال على زبونه المكفوف البصر: عفوا سيدي.. هل ستقرأ هذا الكتاب الضخم؟ ساعتها أيضا بادر الزبون إلى إبرام اتفاق مع الشاب الصغير وكانت أول بنوده عبارة عن سؤال: هل تستطيع أن تزورني في منزلي وتساعدني على قراءة النصوص والكتب التي لم يعد باستطاعتي قراءتها. تاريخ القراءة كان ذلك منذ خمسين عاما.. وقد عاش الصبي وتقدمت به سنوات الكهولة يتجاوز عمره الآن السادسة والخمسين وليحكي تجربته مع القراءة للآخرين, ثم القراءة لحسابه الخاص.. التي ما لبثت أن تحولت إلى هواية شغوف, ومن ثم إلى خبرة متخصصة وليقف مليا مع أول لقاء جمع بينه منذ نصف قرن وبين زبونه الكفيف الذي لم يكن سوى خورخي لويس بورجيس.. الكاتب الأديب الأرجنتيني الذي يعد بحق واحدا من أعلام الأدباء المبدعين في القرن العشرين. اسم العامل الصبي هو البرتو مانجويل وقد بلغ به الشغف بالقراءة كما أسلفنا إلى حد التخصص في هذا الباب ومن ثم أصدر مؤخرا واحدا من أكثر الكتب رواجا ويحمل عنوانا يقول: .. تاريخ القراءة مجلة (فيجا) الأرجنتينية (واسمها في الأسبانية يشير إلى معاني الحث والتحريض) أجرت منذ أشهر قليلة حديثا حول مستقبل الكتاب مع الكاتب مانجويل حيث بدأ بحكاية تجربته قارئا للعملاق المبدع بورجيس الذي رحل عن الحياة عام 1986 وكان وقتها في السابعة والثمانين ثم عن رؤيته المستقبلية ورؤيته لأحوال الكتاب الورقي والنص التقليدي المطبوع مع فاتح هذا القرن الحادي والعشرين. تكلم عن الحرف المطبوع في عصر هيمنة الصورة الإلكترونية فعمد أولا إلى التفريق بين دور الصورة زمان في العصور الوسطى وفي عصر النهضة الأوروبية (الرينيسانس) حين كانت الصورة التي كان يرسمها أنامل الأساتذة والعباقرة الكبار.. من مايكل أنجلو إلى تيسيان ومن روفائيل دافنشي حيث كانت الصورة تبعث على التأمل وتسكن إلى طيوفها وظلالها, ومن ثم إلى معانيها الكامنة مثل الأسرار المقدسة وقد أفعمت بها الخطوط والزوايا والألوان (تأمل مثلا لوحة ابتسامة الجيوكاندا) وبين الصورة الإلكترونية التي بتنا نطالعها على الشاشات الكبيرة والصغيرة في زماننا المعاصر.. إنها عبارة عن قذيفة الكترونية قوامها ملايين, بل مليارات النقاط الضوئية يتم توجيهها وتصويبها ومن ثم إسقاطها على أريم الشاشة كي يتألف منها قوام تصويري عبارة عن ومضات خاطفة لاهثة لا تترك للتأمل مجالا.. فما بالك بصورة الإعلانات المتلفزة وهم يحسبون أمدها بملايين الدولارات.. ثم يبغون من ورائها إلى خطف انتباه المشاهد.. مجرد عملية اختطاف أو توجيه النظر في كسور من الثانية لزوم تقديم لمحات خاطفة بدورها من الرسالة الإعلانية التي لا تكاد تحوي معلومة تفيد ولا بيانات تشفي الغليل.. ثم هناك أسلوب تكرار هذا الخطف من فترة وأخرى, وبين فقرة متلفزة ومادة أخرى.. ومع هذه الومضات في إطار هذا الإلحاح بالتكرار وكأنه دق بوتيرة دؤوب على أم رأس المشاهدين.. تدخل الصورة في تلافيف المخ البشري نقاطا ضوئية وشذرات مجزأة ولا يكاد يبقى أو يصمد منها سوى اسم السلعة المعلن عنها وعبارات الترغيب والتمدح في مناقبها إلى أن يبلغ الأمر الحد الذي يتصور معه المشاهد أن حياته لا يمكن أن تكتمل ومطالبه لا سبيل إلى إشباعها سوى باقتناء السلعة موضع الإعلان, وهنا يتحول صاحبنا بفضل الصورة الالكترونية المجزأة الخاطفة اللاهثة من مشاهد تلفزيوني محترم إلى مجرد زبون متلهف وهو ما يحقق المراد من رب العباد, حيث لا تأمل ولا تدبر ولا يحزنون. بين الكتاب والحاسوب في هذا السياق, يقول البرتو منجويل: ذلك هو الاتجاه السائد حاليا في الميديا البصرية.. إنها تعمل على الاستئثار باهتمامنا ولكن دون أن تتيح لنا أي فرصة للتأمل أو التفكير. وهذا هو بالضبط ما يجعل المادة المطبوعة (الصحفية أو الكتاب) أداتنا الرئيسية لفهم أبعاد العالم من حولنا, ربما أكثر من أي وقت مضى. إن عظمة أي نص تتمثل في أن تتاح لنا من خلال سطوره ومعانيه فرصة للتأمل والتعمق والتفسير وليس أدل على ذلك من أنه مع هيمنة التلفاز على حياتنا, وبرغم هذه الهيمنة, فنحن نرى أن إنتاج الكتب يتزايد وهذا يعني عددا أكبر من القراء, ألم تر مثلا ان (بيل جيتس) أغنى أغنياء العالم وهو ساحر الحواسيب وصاحب أكبر شركاته حين أراد طرح فكرته عن مجتمع لا ورقي في المستقبل بمعنى المجتمع الذي يستغني عن الكتاب.. عندما أراد صاحبنا جيتس أن يروج لفكرته هذه لم يجد مناصا من أن ينشرها بين صفحات كتاب؟! صحيح أن هناك من يقول ان الناس سوف يستغنون عن النص المطبوع بشكله المجلد التقليدي الذي تعودنا عليه لأنهم سيجدون مندوحة عن الكتاب عندما يمارسون عادة أو فلنقل متعة القراءة على شاشة الحاسوب. لكن الكتاب بدوره جاء نتاج لتطور طبيعي وبفضل عملية إنضاج تاريخية ـ كما قد نسميها ـ وكلها كانت تهدف إلى تيسير أمر مصاحبة الكتب وتسهيل الإطلاع عليها بالنسبة لجماهير القراء ولقد بدأت هذه العملية التاريخية من ألواح الصلصال القديمة التي كان الأسلاف يخطون على أديمها حروفهم وإشاراتهم.. ثم حدثت نقلة ثورية بمقاييس تلك الحقب الزمنية البائدة حين تحول البشر من ألواح الطين المخبوز إلى لفائف البردي في مصر القديمة أول منتوجات للورق في حين ما قبل التاريخ المكتوب وبعد ثورة جوتنبرج الكبرى التي أدت إلى إنتاج الكتاب المطبوع وهو الجد الأعلى المباشر للكتب التي تتداولها أيدينا في الوقت الحالي, لم تعد القراءة مجرد إطلاع على بيانات ولا مجرد مطالعة معلومات قوامها أحرف وعبارات وسطور وصفحات.. أصبحت القراءة ـ مجرد عملية القراءة متعة في حد ذاتها. مائدة السطور الحافلة هنا يلجأ البرتو مانجويل إلى منطق الكناية أو الاستعارة وبشكل طريف حين يقول: ثمة بون شاسع بون حديثك عن قراءة الكتاب بشكله الذي نعرفه مجلد بين دفتين وبينهما صفحات وسطور وبين الحديث عن الإطلاع على مادة الكتاب فوق شاشة الحاسوب. بالنسبة للكتاب أنت تستخدم لغة ومصطلحات مستعارة في مجملها من لغة التذوق ومصطلحات الاستمتاع بأطايب الشراب والطعام وكأنما الكتاب ـ النص المطبوع هو مائدة حافلة بما لذ وطاب.. نقول مثلا لقد كان الكتاب جذابا مشوقا فكان ان (التهمته التهاما) .. وتقول أيضا إن (التذوق) الفني الأدبي لابد ان يتوافر لكل من يروم الإطلاع على الأعمال الأدبية المنشورة في كتاب. في مضمار الكمبيوتر, يختلف الأمر.. فالناس لا يستخدمون حكاية التذوق أو التلذذ أو الالتهام.. بل نجد مصطلحات من قبيل (اجتياز الشبكة) أو ركوب موجتها أو قبيل مسح النص بمعنى استعراض النص وفي كل حال.. فالتاريخ يعلمنا أنه مع دخول اختراع جديد في حياة الناس, نجد من يخشى على ما سبق من مخترعات أو إنجازات قالوا مثلا إن اختراع الفوتوغرافيا سوف يضع نهاية للرسم, وقالوا إن اختراع الراديو أو التلفاز سوف يقضي على الكتاب المطبوع, وقالوا إن التلفاز معناه موت الإذاعة بل وموت السينما.. والذي حدث أن الأدوات والمخترعات الأقدم كانت تواصل تطورها كيفما تتكيف مع المستجدات والمتغيرات, فيما كانت الأدوات الأحدث تبحث لنفسها عن زاوية لم يطرقها أحد من قبل أو تستحدث أساليب لم يستخدمها أحد من قبل ومن ثم كانت تحدث عملية تعايش في التحليل الآخر في إطار نظرية في علوم الاتصال تقول في إيجاز شديد إن وسائل الإعلام وسبل الاتصال إنما يدعم بعضها بعضا ولا تعني حياة إحداها وفاة أو زوال الوسيلة الأخرى. وقد تكون الترجمة إحدى الوسائل التي يمكن أن تديم حياة الكتاب المطبوع, نقصد بالذات مصنفات ومؤلفات الإبداع الأدبي من شعر أو رواية أو مقالات النثر الفني وما في حكمها, ونقصدها على وجه الخصوص الآن إذ لا سبيل إلى تقديم ترجمات الكترونية فورية لها تظهر مباشرة مع النص الأصلي على شاشات الحاسوب وهنا قد نتفق مع مانجويل الذي نحيل إليه هذه السطور على أن الترجمة عمل أدبي قائم بذاته وإن الأديب الأسباني يذهب متماديا في رأينا إلى حد بعيد حيث يقول: إن الكتاب, أي كتاب هو بالضبط اللغة التي كتب فيها أصلا (بمعنى أن ترجمة هذا الكتاب تشكل عملا آخر مستقلا تماما عن الأصل) وليس معنى هذا أن الترجمة هي عمل أدنى أو هي جنس أدبي أقل شأنا.. بل على العكس.. قد تأتي الترجمة أفضل من الأصل. وقد تضاهيه في روعته وأصالته (في الأدب الإنجليزي أنظر مثلا إلى ترجمات تشابمان لاشعار هوميروس وأنظر أيضا في الأدب الروسي إلى ترجمات بوريس باسترناك لأعمال شكسبير وأنظر كذلك إلى ترجمات رائقة بلغت الذروة في أدبنا العربي من حيث الطلاوة والبلاغة ومنها مثلا ترجمات إبراهيم المازني لقصائد في الشعر الإنجليزي من أواخر القرن التاسع عشر أو ترجمة عبد الواحد لؤلؤة لقصيدة اليوت الشهيرة بعنوان (الأرض اليباب) أو ترجمة سامي الدروبي لرؤية (جسر على نهر درينا) للأديب اليوغسلافي الحاصل على جائزة نوبل أيفو أندريتسن.. وعلينا ألا ننسى أن منها (كليلة ودمنة) وهو بداهة واحد من التصانيف التأسيسية في الثقافة الكلاسيكية العربية هو في التحليل الأخير ترجمة عن الفارسية أنجزها باقتدار عبد الله بن المقفع الذي عاش منذ 1250 سنة). ثلاث قواعد.. وهمية وسواء كان القارىء يطالع أصولا أو ترجمات فسوف تظل القراءة ـ كعادة وسلوك ـ متعة ذهنية وسياحة تروي أشواق الروح وظمأ المعرفة لا بمعنى مجرد أو مطلق الحصول على معلومات, ولكن بمعنى أن تزيد إحاطة الإنسان بمعنى الحياة وإبعادها وبأغوار النفس البشرية ونزعاتها الكامنة وبدواتها وشطحاتها وبالعلاقة بين الإنسان والكون الفسيح المعجز الذي يعيش فيه. والقارىء الجيد, ليس بالضرورة كاتب جيد. ولكن برغم أن كثرة من الكتاب يعمدون للامتناع عن القراءة وهم عاكفون على إنتاج أو إبداع مؤلفاتهم كي لا تتسرب آثار قراءاتهم إلى ما يكتبون إلا أن أول قاعدة لإجادة الكتابة إذا ندب الإنسان نفسه لممارستها هي ببساطة مداومة القراءة, وحسب. وربما جاز لنا أن نتحفظ على استخدام لفظة قاعدة في هذا السياق بالذات, فعملية الكتابة والإبداع أعقد وأكثر تشابكا وأعمق غورا من أن تخضع لأصول التقعيد أو التقنين وربما هي أشد غواية ومراوغة من أن تكون كذلك. وقد يحضرنا في هذا المقام ما ذكره الروائي المسرحي الإنجليزي سومرست موم في كتابه المركز الجامع بعنوان (الخلاصة) حين قال في معرض السخرية (هناك قواعد ثلاث ينبغي اتباعها في سبيل الوصول إلى تجويد الكتابة ولكن لسوء الحظ لا يعرف أحد حتى الآن ما هي هذه القواعد الثلاث) ! ولأنه لا توجد قواعد جامعة مانعة للقياس أو لإصدار الأحكام أو معايرتها.. لا تكاد توجد بنفس القدر قواعد تقول لقارىء ما.. هذا الكتاب جيد فاقرأه أو هذا كتاب ركيك فأعرض عنه.. حتى الكتب التي تنضح بالعصبية العرقية والروح الشعوبية أو بدعوات العنف المقيتة لابد أن يكون لها قراء من المختصين ومن أهل النضج والمعرفة كي لا تمر مثل هذه الأعمال بغير دحض أو رد أو مدافعة أو تفنيد. وقد يخضع مجال الإنتاج الفكري لقاعدة البقاء للإصلاح كما يقول أهل البيولوجيا, أو هي قاعدة أن لا يصح ألا الصحيح كما يقول تراثنا الطيب المضيء وكم من عمل فكري شد إليه اهتمام الناس ثم ما لبث أن انطفأ سراجه بعد أن أدرك الناس أن أفكاره ولت أو تجاوز التطور فكان إن واروه سجل التاريخ, وكم من عمل أبدعه صاحبه منذ عهود بل وقرون وظل حبيس النسيان خامل الذكر إلى أن أعيد اكتشافه أو تسليط أضواء جديدة عليه فأصبح وقد صدقت عليه عبارة هذا عمل معاصر.. رغم أنه مكتوب منذ مئات السنين بمعنى مواءمته لزماننا وتلبيته جانبا مما نحتاج إليه.. وقد يصدق هذا على قصائد للمتنبي وابن الرومي وتآليف للجاحظ وأعمال للتوحيدي أبي حيان.