الغرضون
10-09-2005, 12:21 PM
في مساء يوم جمعة من شهر أغسطس من عام 2005م، وفي أحد شوارع إحدى مدن المملكة العربية السعودية، كانت هنالك سيارة صغيرة زرقاء اللون وبداخلها أسرة مكونة من رجل وزوجته وأربعة من الأبناء (كلهم ذكور أكبرهم أنهى السنة الأولى بكلية الهندسة)، كان الجميع فرحين بعد عودتهم من رحلة ترفيهية..
وبينما الأمّ تشكر زوجها على الرحلة الممتعة، إذا بسيارة يقودها شبان طائشون ترتطم بسيارة الأسرة من جهة اليسار، مما أدى إلى ارتباك قائد سيارة تسير خلف سيارة الأسرة، فارتطمت بها هي الأخرى من الخلف.
بعد دقائق معدودة كان المشهد كالتالي:
الأب مضرج في دمائه وقد أسلم الروح إلى بارئها..
الشباب الطائشون (عددهم 3) فقدوا حياتهم..
إنا لـلـه وإنا إليه راجـعـون..
الأم تسمع صراخ ابنها الأكبر: يا أمي أنا لا أرى شيئا، عيني تؤلمني..
أحد الأبناء يبكي بحرقة: قدمي أحس أنّي لا أشعر بها..
وفجأة يأتي رجال الشرطة والإسعاف، ويصل لمسامع الأم الجريحة صوت رجل الشرطة يوجه رجال الإسعاف: أنقذوا المرأة والأولاد، أدركت الزوجة أن زوجها فارق الحياة..
تنقل جثمان الأب والزوجة المكلومة وأولادها إلى أقرب مستشفى، ويتم إنهاء الإجراءات النظامية المتعلقة ببلاغ الوفاة وإخطار الأقارب والأصدقاء لتغسيل الأب ودفنه..
الخبر ينتشر بسرعة في أوساط الأصدقاء، فالأب الراحل (وكان يعمل مهندسا) كان محبوبا من الجميع، ومشهود له بالخير والصلاح، وكان رحمه الـله حريصا على إلحاق أولاده بحلقات تحفيظ القرآن الكريم..
ويتم نقل جثمان الأب في سيارة خاصة لنقل الموتى إلى مكة المكرمة، حيث أدى الصلاة على الأب الراحل أكثر من مليون مصلّ في البيت الحرام، ليحمله المشيعون إلى مقابر المعلاة في مكة المكرمة..
على الجانب الآخر، كانت الأم وأبناؤها طرحى الفراش الأبيض، ما بين كسور ورضوض وإصابات متفرقة بالرأس والعين..
كانوا يتلقون العلاج بينما الأب يغسل في مغسلة الموتى..
كان الأطباء يلفون "الشاش" على رأس أصغر الأبناء في حين كان الأب ينقل للمسجد الحرام للصلاة عليه..
كانت الأم تصبّر نفسها وأولادها في حين كان الأب يوارى الثرى على بعد مئات الكيلومترات من المستشفى..
قال الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} صدق الله العظيم..
الموت علينا حق، والإيمان بقضاء الله وقدره واجب علينا جميعا، ونحمد الـله أنّ الأسرة تمتعت بصبر عجيب ولّده إيمانها بربها، وحسن اعتقادها في قضاءه وقدره..
دعواتنا للرجل الراحل بالرحمة والمغفرة، ودعواتنا للشبّان أن يتجاوز الله عنهم وأن يسكن الجميع فسيح جناته..
ونصرخ في شبابنا: لماذا السرعة؟!!!
ماذا تستفيد لو زدت سرعة سيارتك؟؟ كم من الوقت توفر؟؟ ساعتين توفير!! هل تستحقان تعريض حياتك وحياة الآخرين للخطر؟؟ هل تستحق هاتان الساعتان عشرات الأيام يخيم فيها الحزن على أسرتك وذويك ومحبيك؟؟ ماذا عن الأبرياء الآخرين الذين تتسبب في تشريد أسرهم؟؟ ماذا عن عشرات الأسر التي فقدت الأب العزيز أو الأم الحنون!! ماذا عن أب عجوز فقد ابنه الذي كان له العون بعد الله؟!
لنفترض أن أمامك –أخي الشاب- مهمة اجتياز مسافة قدرها 500كم، فإذا كان سرعتك 90كم/ساعة (وهي معقولة آمنة) فستقطع المسافة في خمس ساعات ونصف، وإذا كان سرعتك 110كم/ساعة فستقطع المسافة في أربع ساعات ونصف [الفرق ساعة واحدة فقط]، وأما إذا كانت سرعتك 140كم/ساعة فستقطع المسافة في ثلاث ساعات ونصف [الفرق ساعتان فقط عن سرعة 90كم/ساعة].
قرأتُ في إحدى الصحف المحلية عن شاب اشترى له والده سيارة بورش وخرج إلى طريق جدة عسفان (على ما أظن) ليجرب السيارة وهي تسير بسرعتها القصوى (320كم) ، واصطحب صديق عمره معه ليحضر التجربة [ولاحظوا تشجيع الأصدقاء لبعضهم]، وكانت النتيجة معروفة حيث فقدت الأسرتان ابنيهما نتيجة تهور أرعن وتصرف طائش، رحمة الله على الجميع..
في أوساط الشباب أرى الكثيرين من الأصدقاء يتلذذون بتشجيع أقرانهم على السير بسرعة، أذكر أنني أثناء فترة التدريب الصيفي خرجت بصحبة بعض الأصدقاء لتناول طعام الإفطار، وركبنا –كنا خمسة- في سيارة أحد الزملاء، فإذا أحدهم –هداه الله- يقترح أن نذهب لتناول طعام الإفطار في مدينة أخرى (تبعد 90كم!) والعودة خلال ساعة واحدة!!! وكان كلامه هذا يعني –بحق- أن نطير على ارتفاع منخفض، مما يعني أن مخالفتنا لن يكون مصدرها أمن الطرق أو المرور، وإنما هيئة الطيران المدني بتهمة اختراق الأجواء بدون تصريح مسبق!!
لست أدري حقا ما الذي أصاب شبابنا، والغريب العجيب أنك حين تعترض على السرعة العالية –في موقف كالذي سبق- تجد التعليقات: حبيبي ليش انت خايف؟! أو اترك لي القيادة وسأتحمل المسؤولية (شهم ماشاء الـله)!
إن السيارات الحديثة، وإمكانياتها المتطورة، تفقد السائق الإحساس بالسرعة، وإنه من الغباء إغفال أنّ الحادث يحدث في غمضة عين –بدون مبالغة-..
أيها الإخوة والأخوات..
من المسؤول عن فقدان الوطن لثلاثة من شبابه ذهبوا ضحية السرعة –والتي هو المسبب الرئيس في كافة حوادث السيارات عالميا-؟!!
من المسؤول عن تغييب رب أسرة انقلبت كيانها رأسا على عقب بسبب سائق متهور؟!!
لماذا أيها الشباب الاهتمام الزائد بتجهيز السيارات لتكون أكثر سرعة؟ ما الفائدة من تعديل المحرك والعبث في معدل تدفق الوقود من أجل تسريع السيارة أو زيادة (قوتها)؟! إخواني الشباب هل أنتم مقبلون على حرب عصابات مثلا لكي تتجهزوا بتقوية محركاتكم وزيادة سرعة سياراتكم!! أبشركم أخوتي بأن الديناصورات قد انقرضت منذ زمن بعيد وبالتالي لن تحتاجوا لصرف آلاف الدولارات من أجل الحصول على سرعة قاتلة وتعديلات مميتة، اطمئنوا فلن يلاحقكم ديناصور، ولن يفجعكم على الطريق هولاكو.
أحبتي الشباب..
إنني واحد منكم، أحس بذلك الشعور الذي يغمركم وأنتم تسيرون بسرعة عالية أو وأنتم تقومون بحركات خماسية تفحيطية، الكثيرون يراودهم شعور بلذة ما يجهلون كنهها، حسنا لماذا لا تجربون أن تصحبوا في طريقكم عجوزا قد أنهكته حرارة الشمس، هل تعارضونني في أنكم ستشعرون بسعادة حقيقية؟! قد يخصك العجوز بدعوة بظهر الغيب يكون فيها فلاحك ونجاحك، بالله عليكم إخوتي الشباب، أيهما أكمل وأليق، لذة زائفة بتفحيط أو سرعة قاتلة، أم لذة حقيقية بمد يد العون لمسلم؟!
هل جرّب أحدكم أن يفقد والده أو والدته ولا يكون هو أو أحد من أسرته في المصلين عليه أو حتى من المشيعين له؟! هل تدركون عمق الشعور المرير بالألم تجاه أمر كهذا، أن يدفن أب بينما أسرته طريحة الفراش الأبيض ما بين كسير وجريح؟!
حسنا، أعترف بأنني قد أطلت عليكم، لكن مشكلة حوادث السيارات وما ينتج عنها من إعاقات وآلام، ونزيف في العنصر البشري، كل هذا –مع الحادثة الآنفة الذكر- دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع ناصحا لنفسي أولا، ومعاتبا لبعض إخواني الشباب ثانيا.
ودمتم بخير.
وبينما الأمّ تشكر زوجها على الرحلة الممتعة، إذا بسيارة يقودها شبان طائشون ترتطم بسيارة الأسرة من جهة اليسار، مما أدى إلى ارتباك قائد سيارة تسير خلف سيارة الأسرة، فارتطمت بها هي الأخرى من الخلف.
بعد دقائق معدودة كان المشهد كالتالي:
الأب مضرج في دمائه وقد أسلم الروح إلى بارئها..
الشباب الطائشون (عددهم 3) فقدوا حياتهم..
إنا لـلـه وإنا إليه راجـعـون..
الأم تسمع صراخ ابنها الأكبر: يا أمي أنا لا أرى شيئا، عيني تؤلمني..
أحد الأبناء يبكي بحرقة: قدمي أحس أنّي لا أشعر بها..
وفجأة يأتي رجال الشرطة والإسعاف، ويصل لمسامع الأم الجريحة صوت رجل الشرطة يوجه رجال الإسعاف: أنقذوا المرأة والأولاد، أدركت الزوجة أن زوجها فارق الحياة..
تنقل جثمان الأب والزوجة المكلومة وأولادها إلى أقرب مستشفى، ويتم إنهاء الإجراءات النظامية المتعلقة ببلاغ الوفاة وإخطار الأقارب والأصدقاء لتغسيل الأب ودفنه..
الخبر ينتشر بسرعة في أوساط الأصدقاء، فالأب الراحل (وكان يعمل مهندسا) كان محبوبا من الجميع، ومشهود له بالخير والصلاح، وكان رحمه الـله حريصا على إلحاق أولاده بحلقات تحفيظ القرآن الكريم..
ويتم نقل جثمان الأب في سيارة خاصة لنقل الموتى إلى مكة المكرمة، حيث أدى الصلاة على الأب الراحل أكثر من مليون مصلّ في البيت الحرام، ليحمله المشيعون إلى مقابر المعلاة في مكة المكرمة..
على الجانب الآخر، كانت الأم وأبناؤها طرحى الفراش الأبيض، ما بين كسور ورضوض وإصابات متفرقة بالرأس والعين..
كانوا يتلقون العلاج بينما الأب يغسل في مغسلة الموتى..
كان الأطباء يلفون "الشاش" على رأس أصغر الأبناء في حين كان الأب ينقل للمسجد الحرام للصلاة عليه..
كانت الأم تصبّر نفسها وأولادها في حين كان الأب يوارى الثرى على بعد مئات الكيلومترات من المستشفى..
قال الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت} صدق الله العظيم..
الموت علينا حق، والإيمان بقضاء الله وقدره واجب علينا جميعا، ونحمد الـله أنّ الأسرة تمتعت بصبر عجيب ولّده إيمانها بربها، وحسن اعتقادها في قضاءه وقدره..
دعواتنا للرجل الراحل بالرحمة والمغفرة، ودعواتنا للشبّان أن يتجاوز الله عنهم وأن يسكن الجميع فسيح جناته..
ونصرخ في شبابنا: لماذا السرعة؟!!!
ماذا تستفيد لو زدت سرعة سيارتك؟؟ كم من الوقت توفر؟؟ ساعتين توفير!! هل تستحقان تعريض حياتك وحياة الآخرين للخطر؟؟ هل تستحق هاتان الساعتان عشرات الأيام يخيم فيها الحزن على أسرتك وذويك ومحبيك؟؟ ماذا عن الأبرياء الآخرين الذين تتسبب في تشريد أسرهم؟؟ ماذا عن عشرات الأسر التي فقدت الأب العزيز أو الأم الحنون!! ماذا عن أب عجوز فقد ابنه الذي كان له العون بعد الله؟!
لنفترض أن أمامك –أخي الشاب- مهمة اجتياز مسافة قدرها 500كم، فإذا كان سرعتك 90كم/ساعة (وهي معقولة آمنة) فستقطع المسافة في خمس ساعات ونصف، وإذا كان سرعتك 110كم/ساعة فستقطع المسافة في أربع ساعات ونصف [الفرق ساعة واحدة فقط]، وأما إذا كانت سرعتك 140كم/ساعة فستقطع المسافة في ثلاث ساعات ونصف [الفرق ساعتان فقط عن سرعة 90كم/ساعة].
قرأتُ في إحدى الصحف المحلية عن شاب اشترى له والده سيارة بورش وخرج إلى طريق جدة عسفان (على ما أظن) ليجرب السيارة وهي تسير بسرعتها القصوى (320كم) ، واصطحب صديق عمره معه ليحضر التجربة [ولاحظوا تشجيع الأصدقاء لبعضهم]، وكانت النتيجة معروفة حيث فقدت الأسرتان ابنيهما نتيجة تهور أرعن وتصرف طائش، رحمة الله على الجميع..
في أوساط الشباب أرى الكثيرين من الأصدقاء يتلذذون بتشجيع أقرانهم على السير بسرعة، أذكر أنني أثناء فترة التدريب الصيفي خرجت بصحبة بعض الأصدقاء لتناول طعام الإفطار، وركبنا –كنا خمسة- في سيارة أحد الزملاء، فإذا أحدهم –هداه الله- يقترح أن نذهب لتناول طعام الإفطار في مدينة أخرى (تبعد 90كم!) والعودة خلال ساعة واحدة!!! وكان كلامه هذا يعني –بحق- أن نطير على ارتفاع منخفض، مما يعني أن مخالفتنا لن يكون مصدرها أمن الطرق أو المرور، وإنما هيئة الطيران المدني بتهمة اختراق الأجواء بدون تصريح مسبق!!
لست أدري حقا ما الذي أصاب شبابنا، والغريب العجيب أنك حين تعترض على السرعة العالية –في موقف كالذي سبق- تجد التعليقات: حبيبي ليش انت خايف؟! أو اترك لي القيادة وسأتحمل المسؤولية (شهم ماشاء الـله)!
إن السيارات الحديثة، وإمكانياتها المتطورة، تفقد السائق الإحساس بالسرعة، وإنه من الغباء إغفال أنّ الحادث يحدث في غمضة عين –بدون مبالغة-..
أيها الإخوة والأخوات..
من المسؤول عن فقدان الوطن لثلاثة من شبابه ذهبوا ضحية السرعة –والتي هو المسبب الرئيس في كافة حوادث السيارات عالميا-؟!!
من المسؤول عن تغييب رب أسرة انقلبت كيانها رأسا على عقب بسبب سائق متهور؟!!
لماذا أيها الشباب الاهتمام الزائد بتجهيز السيارات لتكون أكثر سرعة؟ ما الفائدة من تعديل المحرك والعبث في معدل تدفق الوقود من أجل تسريع السيارة أو زيادة (قوتها)؟! إخواني الشباب هل أنتم مقبلون على حرب عصابات مثلا لكي تتجهزوا بتقوية محركاتكم وزيادة سرعة سياراتكم!! أبشركم أخوتي بأن الديناصورات قد انقرضت منذ زمن بعيد وبالتالي لن تحتاجوا لصرف آلاف الدولارات من أجل الحصول على سرعة قاتلة وتعديلات مميتة، اطمئنوا فلن يلاحقكم ديناصور، ولن يفجعكم على الطريق هولاكو.
أحبتي الشباب..
إنني واحد منكم، أحس بذلك الشعور الذي يغمركم وأنتم تسيرون بسرعة عالية أو وأنتم تقومون بحركات خماسية تفحيطية، الكثيرون يراودهم شعور بلذة ما يجهلون كنهها، حسنا لماذا لا تجربون أن تصحبوا في طريقكم عجوزا قد أنهكته حرارة الشمس، هل تعارضونني في أنكم ستشعرون بسعادة حقيقية؟! قد يخصك العجوز بدعوة بظهر الغيب يكون فيها فلاحك ونجاحك، بالله عليكم إخوتي الشباب، أيهما أكمل وأليق، لذة زائفة بتفحيط أو سرعة قاتلة، أم لذة حقيقية بمد يد العون لمسلم؟!
هل جرّب أحدكم أن يفقد والده أو والدته ولا يكون هو أو أحد من أسرته في المصلين عليه أو حتى من المشيعين له؟! هل تدركون عمق الشعور المرير بالألم تجاه أمر كهذا، أن يدفن أب بينما أسرته طريحة الفراش الأبيض ما بين كسير وجريح؟!
حسنا، أعترف بأنني قد أطلت عليكم، لكن مشكلة حوادث السيارات وما ينتج عنها من إعاقات وآلام، ونزيف في العنصر البشري، كل هذا –مع الحادثة الآنفة الذكر- دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع ناصحا لنفسي أولا، ومعاتبا لبعض إخواني الشباب ثانيا.
ودمتم بخير.