USAMA LADEN
28-07-2007, 04:29 PM
عمرو خالد وصناعة نموذج الإسلام الأمريكاني
محمد إبراهيم مبروك*
القاهرة/23-7-2007
لاعتبارات عديدة لم يكن بالحسبان لديّ التعرض للداعية عمرو خالد بالنقد أو الإشارة.. لكن هناك شيء يجعلني الآن أقتحم ذلك المجال وأعرض نفسي للكثير من المشاكل من مؤيدي عمرو خالد وناقديه على السواء.. هذا الشيء هو تجسيد عمرو خالد لنموذج داعية الإسلام الليبرالي الذي يستهدف الأمريكيون ترويجه في منطقتنا.. مع ملاحظة أنني عندما أتهم أحد الدعاة أو المفكرين بتجسيد نموذج الإسلام الليبرالي الأمريكاني فإن ذلك لايعني بالضرورة تصنيع الأجهزة الغربية لهذا الشخص أو ذاك، وإنما يكفي في ذلك أن تجد في هذا الشخص التكوينات المبدئية لهذا النموذج لتقوم على تبنيه ورعايته وتنمية هذه التكوينات فيه حتى يكتمل النموذج المنشود.
لماذا كان الرجل منذ بداية أمره مثيراً للارتياب؟!
والحقيقة أن هناك بعض الأمور في دعوة عمرو خالد حتى في بادئ أمره خلاف أخطائه في الأمور الفرعية أو دعوته التقليدية أثارت ارتيابي إلي درجة كبيرة.
هذه الأمور هي:
* الافتعال: فالسمة الأساسية للداعية هي الانطلاق المباشر من الشعور الصادق بما يقول والرجل علي خلاف ذلك تماماً أشعر دائماً أنه (يؤدي) كلاماً تم الإعداد له جيداً ولا يعبر عن مشاعره بشكل صريح وطبعاً عندما أقول (أشعر) فإن ذلك أمر غير موضوعي ليس من حقي أن أقنع الناس به (على الرغم من أن الكثيرين غيري أشاروا إليه والحديث عنه منتشر على النت) ولكني مع ذلك أشير في هذا الصدد إلي أمرين تحدث عنهما الكثيرون وأعتقد أنهما واضحان في خطابه غاية الوضوح وهما: أن الرجل لا يبكي حين يبدو أنه يبكي. ولا يضحك حين يبدو أنه يضحك بل هو يفتعل الأمرين معاً وعلي كل الأحوال فإن بعض مريديه لا ينكرون كونه يمثل، بل أن أحد العلماء الذين أشرت إليهم قد وصفه بأنه يصلح أن يكون ممثلاً.
* الأمر الثاني هو السطحية الشديدة في كل ما يقول وانعدام الصلة بينه وبين الواقع الفعلي المحيط فالخطاب يبدو وكأنه يدور علي السطح الخارجي للقضية المطروحة بلا أي عمق ومنقطع الجذور عن أي تصور أصيل للإسلام وما ينبغي أن تكون عليه الدعوة الإسلامية في الواقع المعاصر وهذه السطحية الشديدة تصنع مع الافتعال المذكور والبراءة المدعاة لأغلب الحضور حالة من البلاهة المستشرية الطافحة بالتفاهة والعبط إلي درجة تصيب المراقب اللبيب بالدهشة لما يُقال من أن الرجل يعمل علي تحسين صورة المسلمين في الغرب في الوقت الذي يكفي فيه تقديم هذه الحوارات الساذجة (العبيطة) بين عمرو خالد ومريديه ليدرك الغرب تمام الإدراك أن المسلمين ما هم إلا مجموعة من الحمقى والبلهاء.
* الأمر الثالث الذي أثار استغرابي بشدة هذه الجماهيرية العريضة والانتشار المذهل لرجل يحمل مثل هذا الخطاب البسيط وهذا أمر بلا شك مثير للارتياب ويدعو بيقين إلى التفكير بأن هناك جهة ما تقف وراء هذا الانتشار المصطنع.
أما الحديث عن كون أن الرجل (صحيح هو غير عالم ولكن خطابه مؤثر)، فهو ليس حديثا في الهواء الطلق وإنما يمكن تحليله بطريقة معيارية .
فالخطاب المؤثر إما أن يعود تأثيره لعمق علم صاحبه أو لحرارة صدقه أو لقدرته البلاغية أو حتى لصوته الجميل وبما أن عمرو خالد لا يتميز تميزاً خاصاً في أي شيئ من الأشياء التي ذكرناها حتى وإن كان جيداً فيها جميعاً فإن القول بقوة تأثير خطابه هو مجرد ادعاء أيضاً.
ولكي لا أكون متجنياً فعلى القارئ أن يقوم بهذه التجربة بنفسه لكي يختبر صحة ما أقول وذلك بعيداً عن الصخب الإعلامي المفتعل والألاعيب الشيطانية التي تستخدم لصناعة النجوم. وهذه التجربة هي أن يسمع شريطاً ما لعمرو خالد ثم يفكر بعد ذلك ما الذي استفاده أو تأثر به من هذا الشريط ثم يسمع شريطاً لإمام الخطباء عبد الحميد كشك أو للشيخ إبراهيم عزت أو للشيخ أحمد القطان أو للشيخ أبو إسحاق الحويني أو للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم ويسأل نفسه ذات السؤال.
ومن السذاجات التي تُقال في هذا الصدد علي لسان مريديه أو من يبدون كذلك أو العاملين بالشركات الإعلامية التي يتعاقد معها للدفاع عنه أو (غير ذلك مما هو أخطر) أن الرجل صنع كل هذا الحب والانتشار والجماهيرية لأنه يتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاق الصحابة ويتحدث عن ذكر الله وقيام الليل!!
ياللعبط و ياللتضليل الوقح!!
وكأن الأزهر لم يخرِّج عشرات الآلاف من الدعاة من الدكاترة أو حتى حاملي الليسانسات القادرين علي التحدث في هذه المواضيع أفضل كثيراً أو قليلاً من عمرو خالد بل وكأن ليست هذه هي المواضيع بالفعل التي يتحدث عنها هؤلاء مع مواضيع أخرى في خطبهم ودروسهم بشكل دائم !.
وبناءً على ما سبق فإنه تنقطع الصلة بين الادعاء الكاذب بقوة تأثير خطاب "عمرو خالد" وبين تحقيقه لهذه الجماهيرية العريضة التي التفت حوله منذ خطواته الأولي ويغدو السؤال حول من يقف وراء اصطناع هذه الجماهيرية سؤالا مشروعاً للغاية.
إذن لابد من البحث عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذه الجماهيرية شديدة الغرابة والمسألة ليست بسيطة أو هامشية بل قد تكون هي محور الموضوع كله الذي إذا تم تفسيره تم تفسير كل شيء آخر وبطل السحر.
ونظراً لأن الرجل لم يكن يمثل من وجهة نظري حتى هذا الوقت حالة من الخطر الشديد على الدعوة الإسلامية فقد اكتفيت في تفسير ذلك بما هو ملحوظ من وقوف بعض الأجنحة في جماعة الإخوان المسلمين وراءه والرجل معروف أنه كان من قيادات الإخوان في الجامعة والإخوان معروفون بوجه عام بامتلاك قدرات خاصة في نشر هالات من العظمة علي أشخاص بسيطي الحال إلى أقصي درجة (أرجو ممن يعتبر كلامي هذا نقداً للإخوان ألا يتعدى ذلك إلى اعتباري عدواً لهم؛ لأن كل التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة تحتاج إلى هذا النقد، بل وإلى النقد المكثف، وسيجد القارئ في هذه الدراسة ذاتها الكثير من ذلك النقد الموجه ضد هذه التيارات) ولكن ذلك يطرح سؤالا أخر هو: ما التميز الخاص الذي يمتلكه "عمرو خالد" حتى يعمل الإخوان علي تدعيمه بالذات كل هذا الدعم في تلك المرحلة، ولِمَ لم يقفوا وراء منافس أخر يقطن نفس المنطقة (الدقي)؟!
الإجابة ببساطة أن عمرو خالد يملك تميزاً خاصاً لا أعتقد أن هناك أحداً من الإخوان الآخرين يملكه في هذه المنطقة هذا التميز هو أنه يقف علي قمة الأرستقراطية المصرية تماماً، فهو من الأم حفيد عبد الهادي باشا رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق فإذا استبعدنا الأسرة الحاكمة من أحفاد محمد علي لما أشيع عنها من سيرة غير حسنة فضلا عن عدم مصريتها فإن منصب رئيس الوزراء هو أعلى منصب أرستقراطي خلفه لنا العهد السابق. وبذلك يكون حفيد رئيس الوزراء هو أكثر الأشخاص وجاهة يملكه الإخوان لتقديمه إلي الأرستقراطيين ومنافسيهم الجدد من كبار البرجوازيين.
كما أنه بخطابه الهادئ الذي لا يحمل نقداً لأي طرف من الأطراف أو جهة من الجهات (وقد استمر على ذلك طوال حياته والاستثناء الوحيد الذي خرج فيه عن ذلك هي تلك الحادثة العجيبة التي لام فيها الشعب على استخدامه لوصلات الدش) أقول أنه بهذا الخطاب الهادئ يمثل أفضل الحلول للتوافق مع جهات عديدة خصوصا أن لحظة تصعيد عمرو خالد كانت نفسها لحظة استبعاد الشيخ عمر عبد الكافي الذي سبب إزعاجاً كبيراً للسلطة في تلك المرحلة ومن ثم يجب تقديم وجه المصالحة معها المتمثل في عمرو خالد من قبل الإخوان ليخلف عبد الكافي في مكانه وجماهيره . وهكذا تسلم عمرو خالد - على الجاهز - تلك الجماهيرية بالإضافة إلي ما تم إنجازه له بوجه خاص في أنشطته السابقة .
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.
___________________________________________
*(( كاتب المقال هو المفكر الإسلامي / محمد إبراهيم مبروك الذي ينتمي إلى جيل الصحوة الفكرية في عالمنا الإسلامي.. ويؤسس مشروعه الثقافي الواسع على بعث الوعي بالذات في الأمة على منهج السلف الصالح.
قدم مبروك للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب أهمها :"احذروا الدين الجديد الإسلام النفعي البرجماتي" عام 1989 ثم "الإسلام الليبرالي بين الإخوان المسلمين والوسطيين والعلمانيين" و " الإسلام والغرب الأمريكي: نظرية في تفسير الصراع" و "موقف الإسلام من الحب بين الرجل والمرأة" و " العلمانية العدو الأكبر للإسلام من البداية إلى النهاية".>ويعد مبروك من الإسلاميين القلائل الذين يجمعون بين السلفية والتجديد، بمعني أنه صاحب مشروع فكري مستقل عن التيارات الإسلامية المختلفة.
ويؤكد مبروك خلال مناظراته على القنوات الفضائية مثل الجزيرة وغيرها مع أعلام الفكر العلماني أنه يمثل بالفعل ـ كما يوضح عادة ـ المدفعية الثقيلة للإسلاميين في مواجهة العلمانيين ودعاة الفكر الغربي. ))
محمد إبراهيم مبروك*
القاهرة/23-7-2007
لاعتبارات عديدة لم يكن بالحسبان لديّ التعرض للداعية عمرو خالد بالنقد أو الإشارة.. لكن هناك شيء يجعلني الآن أقتحم ذلك المجال وأعرض نفسي للكثير من المشاكل من مؤيدي عمرو خالد وناقديه على السواء.. هذا الشيء هو تجسيد عمرو خالد لنموذج داعية الإسلام الليبرالي الذي يستهدف الأمريكيون ترويجه في منطقتنا.. مع ملاحظة أنني عندما أتهم أحد الدعاة أو المفكرين بتجسيد نموذج الإسلام الليبرالي الأمريكاني فإن ذلك لايعني بالضرورة تصنيع الأجهزة الغربية لهذا الشخص أو ذاك، وإنما يكفي في ذلك أن تجد في هذا الشخص التكوينات المبدئية لهذا النموذج لتقوم على تبنيه ورعايته وتنمية هذه التكوينات فيه حتى يكتمل النموذج المنشود.
لماذا كان الرجل منذ بداية أمره مثيراً للارتياب؟!
والحقيقة أن هناك بعض الأمور في دعوة عمرو خالد حتى في بادئ أمره خلاف أخطائه في الأمور الفرعية أو دعوته التقليدية أثارت ارتيابي إلي درجة كبيرة.
هذه الأمور هي:
* الافتعال: فالسمة الأساسية للداعية هي الانطلاق المباشر من الشعور الصادق بما يقول والرجل علي خلاف ذلك تماماً أشعر دائماً أنه (يؤدي) كلاماً تم الإعداد له جيداً ولا يعبر عن مشاعره بشكل صريح وطبعاً عندما أقول (أشعر) فإن ذلك أمر غير موضوعي ليس من حقي أن أقنع الناس به (على الرغم من أن الكثيرين غيري أشاروا إليه والحديث عنه منتشر على النت) ولكني مع ذلك أشير في هذا الصدد إلي أمرين تحدث عنهما الكثيرون وأعتقد أنهما واضحان في خطابه غاية الوضوح وهما: أن الرجل لا يبكي حين يبدو أنه يبكي. ولا يضحك حين يبدو أنه يضحك بل هو يفتعل الأمرين معاً وعلي كل الأحوال فإن بعض مريديه لا ينكرون كونه يمثل، بل أن أحد العلماء الذين أشرت إليهم قد وصفه بأنه يصلح أن يكون ممثلاً.
* الأمر الثاني هو السطحية الشديدة في كل ما يقول وانعدام الصلة بينه وبين الواقع الفعلي المحيط فالخطاب يبدو وكأنه يدور علي السطح الخارجي للقضية المطروحة بلا أي عمق ومنقطع الجذور عن أي تصور أصيل للإسلام وما ينبغي أن تكون عليه الدعوة الإسلامية في الواقع المعاصر وهذه السطحية الشديدة تصنع مع الافتعال المذكور والبراءة المدعاة لأغلب الحضور حالة من البلاهة المستشرية الطافحة بالتفاهة والعبط إلي درجة تصيب المراقب اللبيب بالدهشة لما يُقال من أن الرجل يعمل علي تحسين صورة المسلمين في الغرب في الوقت الذي يكفي فيه تقديم هذه الحوارات الساذجة (العبيطة) بين عمرو خالد ومريديه ليدرك الغرب تمام الإدراك أن المسلمين ما هم إلا مجموعة من الحمقى والبلهاء.
* الأمر الثالث الذي أثار استغرابي بشدة هذه الجماهيرية العريضة والانتشار المذهل لرجل يحمل مثل هذا الخطاب البسيط وهذا أمر بلا شك مثير للارتياب ويدعو بيقين إلى التفكير بأن هناك جهة ما تقف وراء هذا الانتشار المصطنع.
أما الحديث عن كون أن الرجل (صحيح هو غير عالم ولكن خطابه مؤثر)، فهو ليس حديثا في الهواء الطلق وإنما يمكن تحليله بطريقة معيارية .
فالخطاب المؤثر إما أن يعود تأثيره لعمق علم صاحبه أو لحرارة صدقه أو لقدرته البلاغية أو حتى لصوته الجميل وبما أن عمرو خالد لا يتميز تميزاً خاصاً في أي شيئ من الأشياء التي ذكرناها حتى وإن كان جيداً فيها جميعاً فإن القول بقوة تأثير خطابه هو مجرد ادعاء أيضاً.
ولكي لا أكون متجنياً فعلى القارئ أن يقوم بهذه التجربة بنفسه لكي يختبر صحة ما أقول وذلك بعيداً عن الصخب الإعلامي المفتعل والألاعيب الشيطانية التي تستخدم لصناعة النجوم. وهذه التجربة هي أن يسمع شريطاً ما لعمرو خالد ثم يفكر بعد ذلك ما الذي استفاده أو تأثر به من هذا الشريط ثم يسمع شريطاً لإمام الخطباء عبد الحميد كشك أو للشيخ إبراهيم عزت أو للشيخ أحمد القطان أو للشيخ أبو إسحاق الحويني أو للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم ويسأل نفسه ذات السؤال.
ومن السذاجات التي تُقال في هذا الصدد علي لسان مريديه أو من يبدون كذلك أو العاملين بالشركات الإعلامية التي يتعاقد معها للدفاع عنه أو (غير ذلك مما هو أخطر) أن الرجل صنع كل هذا الحب والانتشار والجماهيرية لأنه يتحدث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاق الصحابة ويتحدث عن ذكر الله وقيام الليل!!
ياللعبط و ياللتضليل الوقح!!
وكأن الأزهر لم يخرِّج عشرات الآلاف من الدعاة من الدكاترة أو حتى حاملي الليسانسات القادرين علي التحدث في هذه المواضيع أفضل كثيراً أو قليلاً من عمرو خالد بل وكأن ليست هذه هي المواضيع بالفعل التي يتحدث عنها هؤلاء مع مواضيع أخرى في خطبهم ودروسهم بشكل دائم !.
وبناءً على ما سبق فإنه تنقطع الصلة بين الادعاء الكاذب بقوة تأثير خطاب "عمرو خالد" وبين تحقيقه لهذه الجماهيرية العريضة التي التفت حوله منذ خطواته الأولي ويغدو السؤال حول من يقف وراء اصطناع هذه الجماهيرية سؤالا مشروعاً للغاية.
إذن لابد من البحث عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذه الجماهيرية شديدة الغرابة والمسألة ليست بسيطة أو هامشية بل قد تكون هي محور الموضوع كله الذي إذا تم تفسيره تم تفسير كل شيء آخر وبطل السحر.
ونظراً لأن الرجل لم يكن يمثل من وجهة نظري حتى هذا الوقت حالة من الخطر الشديد على الدعوة الإسلامية فقد اكتفيت في تفسير ذلك بما هو ملحوظ من وقوف بعض الأجنحة في جماعة الإخوان المسلمين وراءه والرجل معروف أنه كان من قيادات الإخوان في الجامعة والإخوان معروفون بوجه عام بامتلاك قدرات خاصة في نشر هالات من العظمة علي أشخاص بسيطي الحال إلى أقصي درجة (أرجو ممن يعتبر كلامي هذا نقداً للإخوان ألا يتعدى ذلك إلى اعتباري عدواً لهم؛ لأن كل التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة تحتاج إلى هذا النقد، بل وإلى النقد المكثف، وسيجد القارئ في هذه الدراسة ذاتها الكثير من ذلك النقد الموجه ضد هذه التيارات) ولكن ذلك يطرح سؤالا أخر هو: ما التميز الخاص الذي يمتلكه "عمرو خالد" حتى يعمل الإخوان علي تدعيمه بالذات كل هذا الدعم في تلك المرحلة، ولِمَ لم يقفوا وراء منافس أخر يقطن نفس المنطقة (الدقي)؟!
الإجابة ببساطة أن عمرو خالد يملك تميزاً خاصاً لا أعتقد أن هناك أحداً من الإخوان الآخرين يملكه في هذه المنطقة هذا التميز هو أنه يقف علي قمة الأرستقراطية المصرية تماماً، فهو من الأم حفيد عبد الهادي باشا رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق فإذا استبعدنا الأسرة الحاكمة من أحفاد محمد علي لما أشيع عنها من سيرة غير حسنة فضلا عن عدم مصريتها فإن منصب رئيس الوزراء هو أعلى منصب أرستقراطي خلفه لنا العهد السابق. وبذلك يكون حفيد رئيس الوزراء هو أكثر الأشخاص وجاهة يملكه الإخوان لتقديمه إلي الأرستقراطيين ومنافسيهم الجدد من كبار البرجوازيين.
كما أنه بخطابه الهادئ الذي لا يحمل نقداً لأي طرف من الأطراف أو جهة من الجهات (وقد استمر على ذلك طوال حياته والاستثناء الوحيد الذي خرج فيه عن ذلك هي تلك الحادثة العجيبة التي لام فيها الشعب على استخدامه لوصلات الدش) أقول أنه بهذا الخطاب الهادئ يمثل أفضل الحلول للتوافق مع جهات عديدة خصوصا أن لحظة تصعيد عمرو خالد كانت نفسها لحظة استبعاد الشيخ عمر عبد الكافي الذي سبب إزعاجاً كبيراً للسلطة في تلك المرحلة ومن ثم يجب تقديم وجه المصالحة معها المتمثل في عمرو خالد من قبل الإخوان ليخلف عبد الكافي في مكانه وجماهيره . وهكذا تسلم عمرو خالد - على الجاهز - تلك الجماهيرية بالإضافة إلي ما تم إنجازه له بوجه خاص في أنشطته السابقة .
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.
___________________________________________
*(( كاتب المقال هو المفكر الإسلامي / محمد إبراهيم مبروك الذي ينتمي إلى جيل الصحوة الفكرية في عالمنا الإسلامي.. ويؤسس مشروعه الثقافي الواسع على بعث الوعي بالذات في الأمة على منهج السلف الصالح.
قدم مبروك للمكتبة الإسلامية العديد من الكتب أهمها :"احذروا الدين الجديد الإسلام النفعي البرجماتي" عام 1989 ثم "الإسلام الليبرالي بين الإخوان المسلمين والوسطيين والعلمانيين" و " الإسلام والغرب الأمريكي: نظرية في تفسير الصراع" و "موقف الإسلام من الحب بين الرجل والمرأة" و " العلمانية العدو الأكبر للإسلام من البداية إلى النهاية".>ويعد مبروك من الإسلاميين القلائل الذين يجمعون بين السلفية والتجديد، بمعني أنه صاحب مشروع فكري مستقل عن التيارات الإسلامية المختلفة.
ويؤكد مبروك خلال مناظراته على القنوات الفضائية مثل الجزيرة وغيرها مع أعلام الفكر العلماني أنه يمثل بالفعل ـ كما يوضح عادة ـ المدفعية الثقيلة للإسلاميين في مواجهة العلمانيين ودعاة الفكر الغربي. ))