PDA

View Full Version : * أدب الـــنـــفـــس *


صدى الحق
23-09-2000, 12:23 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

‏مجانبة الكبر والإعجاب الفصل الأول في مجانبة الكبر والإعجاب ‏:‏ لأنهما يسلبان الفضائل ‏,‏ ويكسبان الرذائل ‏.
‏ وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح ‏,‏ ولا قبول لتأديب ‏;‏ لأن الكبر يكون بالمنزلة ‏,‏ والعجب يكون بالفضيلة ‏.‏
فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين ‏,‏ والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين ‏.
‏ فلذلك وجب تقديم القول فيهما بإبانة ما يكسبانه من ذم ‏,‏ ويوجبانه من لوم ‏.‏ ‏

‏فنقول ‏:‏ أما الكبر فيكسب المقت ويلهي عن التألف ويوغر صدور الإخوان ‏,‏ وحسبك بذلك سوءا عن استقصاء ذمه ‏.‏ ولذلك ‏{‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أنهاك عن الشرك بالله والكبر ‏,‏ فإن الله يحتجب منهما ‏}‏ ‏.‏ وقال أزدشير بن بابك ‏:‏ ما الكبر إلا فضل حمق لم يدر صاحبه أين يذهب به فيصرفه إلى الكبر ‏.‏ وما أشبه ما قال بالحق ‏.‏ ‏

‏وحكي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء فقال ‏:‏ يا أبا عبد الله ‏,‏ ما هذه المشية التي يبغضها ‏الله ورسوله ‏؟‏ فقال المهلب ‏:‏ أما تعرفني ‏؟‏ فقال ‏:‏ بل أعرفك ‏,‏ أولك نطفة مذرة ‏,‏ وآخرك جيفة قذرة ‏,‏ وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة ‏.
‏ فأخذ ابن عوف هذا الكلام فنظمه شعرا فقال ‏:‏

‏عجبت من معجب بصورته ‏*** ‏وكان بالأمس نطفة مذره ‏
‏وفي غد بعد حسن صورته ‏*** ‏يصير في اللحد جيفة قذره ‏
‏وهو على تيهه ونخوته ‏*** ‏ما بين ثوبيه يحمل العذره ‏

وقد كان المهلب أفضل من أن يخدع نفسه بهذا الجواب غير الصواب ‏,‏ ولكنها زلة من زلات الاسترسال ‏,‏ وخطيئة من خطايا الإدلال ‏.‏ ‏

‏فأما الحمق الصريح ‏,‏ والجهل القبيح ‏,‏ فهو ما حكي عن نافع بن جبير بن مطعم أنه جلس في حلقة العلاء بن عبد الرحمن الخرقي وهو يقرئ الناس ‏,‏ فلما فرغ قال ‏:‏ أتدرون لم جلست إليكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ جلست لتسمع ‏.‏
قال ‏:‏ لا ولكني أردت أن أتواضع لله بالجلوس إليكم ‏.‏ فهل يرجى من هذا فضل أو ينفع فيه عذل ‏!‏ وقد قال ابن المعتز ‏:‏ لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال استعانوا بالكبر ليعظم صغيرا ‏,‏ ويرفع حقيرا ‏,‏ وليس بفاعل ‏.‏ ‏

‏وأما الإعجاب فيخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل ‏.‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏{‏ إن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ‏}‏ ‏.
‏ وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ‏:‏ الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب ‏.
‏ وقال بزرجمهر ‏:‏ النعمة التي لا يحسد صاحبها عليها التواضع ‏,‏ والبلاء الذي لا يرحم صاحبه منه العجب ‏.‏

المصدر

كتاب ‏أدب الدنيا والدين

روضه
23-09-2000, 01:53 PM
كم جاهل متواضع
ستر التواضع جهله

ومميز فى علمه
هدم التكبر فضله

فدع التكبر ما
حييت ولا تصاحب اهله

فالكبر عيب للفتى
ابدا يقبح فعله

الواسطي

:)

صدى الحق
24-09-2000, 05:15 PM
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً على هذه الإضافة .

:)

صدى الحق
24-09-2000, 05:29 PM
‏وقال بعض الحكماء ‏:‏ عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله ‏.
‏ وليس إلى ما يكسبه الكبر من المقت حد ‏,‏ ولا إلى ما ينتهي إليه العجب من الجهل غاية ‏,‏ حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر ‏,‏ ويسلب من الفضائل ما اشتهر ‏.‏
وناهيك بسيئة تحبط كل حسنة وبمذمة تهدم كل فضيلة ‏,‏ مع ما يثيره من حنق ويكسبه من حقد ‏.‏ ‏

‏حكى عمر بن حفص قال ‏:‏ قيل للحجاج كيف وجدت منزلك بالعراق ‏؟‏ قال ‏:‏ خير منزل لو كان الله ‏<‏ 238 ‏>‏ بلغني قتل أربعة فتقربت إليه بدمائهم ‏:‏ مقاتل بن مسمع ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال ‏,‏ فلما عزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس له أرديتهم فمشى عليها ‏,‏ وقال لرجل يماشيه ‏:‏ لمثل هذا فليعمل العاملون ‏.‏ ‏

‏وعبد الله بن زياد بن ظبيان التيمي خوف أهل البصرة أمر فخطب خطبة أوجز فيها ‏,‏ فنادى الناس من أعراض المسجد ‏:‏ أكثر الله فينا مثلك ‏.
‏ فقال ‏:‏ لقد كلفتم الله شططا ‏.
‏ ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسا في طريق فمرت به امرأة فقالت له ‏:‏ يا عبد الله كيف الطريق إلى موضع كذا ‏؟‏ فقال ‏:‏ يا هناه مثلي يكون من عبيد الله ‏.‏ ‏

‏وأبو شمال الأسدي أضل راحلته فالتمسها الناس فلم يجدوها ‏,‏ فقال ‏:‏ والله إن لم يرد إلي راحلتي لا صليت له صلاة أبدا ‏.‏
فالتمسها الناس فوجدوها ‏,‏ فقالوا له ‏:‏ قد رد الله راحلتك فصل ‏.
‏ فقال ‏:‏ إن يميني يمين مصر ‏.‏
فانظر إلى هؤلاء كيف أفضي بهم العجب إلى حمق صاروا به نكالا في الأولين ‏,‏ ومثلا في الآخرين ‏.‏ ‏

‏ولو تصور المعجب المتكبر ما فطر عليه من جبلة ‏,‏ وبلي به من مهنة ‏,‏ لخفض جناح نفسه واستبدل لينا من عتوه ‏,‏ وسكوتا من نفوره ‏.
‏ وقال الأحنف بن قيس ‏:‏ عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر ‏!‏ وقد وصف بعض الشعراء الإنسان فقال ‏:‏

‏يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ‏*** ‏انظر خلاك فإن النتن تثريب ‏

‏لو فكر الناس فيما في بطونهم *** ‏ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

‏هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة *** ‏وهو بخمس من الأقذار مضروب

‏أنف يسيل وأذن ريحها سهك ‏*** ‏والعين مرفضة والثغر ملعوب

‏ياابن التراب ومأكول التراب غدا *** ‏أقصر فإنك مأكول ومشروب

المصدر

كتاب ‏أدب الدنيا والدين

صدى الحق
26-09-2000, 11:28 PM
وأحق من كان للكبر مجانبا ‏,‏ وللإعجاب مباينا ‏,‏ من جل في الدنيا قدره ‏,‏ وعظم فيها خطره ‏;‏ لأنه قد يستقل بعالي همته كل كثير ‏,‏ ويستصغر معها كل كبير ‏.‏ ‏

‏وقال محمد بن علي ‏:‏ لا ينبغي للشريف أن يرى شيئا من ‏الدنيا لنفسه خطيرا فيكون بها نابها ‏.
‏ وقال ابن السماك لعيسى بن موسى ‏:‏ تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك ‏.
‏ وكان يقال ‏:‏ اسمان متضادان بمعنى واحد ‏:‏ التواضع والشرف ‏.‏ ‏

‏وللكبر أسباب ‏:‏ فمن أقوى أسبابه علو اليد ‏,‏ ونفوذ الأمر ‏,‏ وقلة مخالطة الأكفاء ‏.
‏ وحكي أن قوما مشوا خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ‏:‏ أبعدوا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب نوكى الرجال ‏.
‏ ومشوا خلف ابن مسعود فقال ارجعوا فإنها زلة للتابع وفتنة للمتبوع ‏.‏
وروى قيس بن حازم ‏{‏ أن رجلا أتي به للنبي صلى الله عليه وسلم فأصابته رعدة ‏,‏ فقال له صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هون عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم حسما لمواد الكبر ‏,‏ وقطعا لذرائع الإعجاب ‏,‏ وكسرا لأشر النفس ‏,‏ وتذليلا لسطوة الاستعلاء ‏.
‏ ومثل ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال ‏:‏ أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبض لي القبضة من التمر والزبيب فأظل اليوم وأي يوم ‏.‏
فقال له عبد الرحمن بن عوف والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قصرت بنفسك ‏.‏ فقال عمر رضي الله عنه ‏:‏ ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي ‏,‏ فقالت أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرفها نفسها ‏.‏ ‏

المصدر

كتاب ‏أدب الدنيا والدين