PDA

View Full Version : ســـــور قـــصـــــر ... ( ....... )


النايف
19-11-2000, 04:33 AM
ما كل سور يكتم الأسرار ! سور مثل هذا ، فاضح .. لولا الحذر
يا مترفين .. أصاب عيني القذى من طول ما فتشت فيكم عن بشر
و يئست منكم .. عندما قلبتكم فشممت في الفيروز رائحة الحجر
و تركتكم تمشون .. ثم تبعتكم فوجدت لي أثراً و ليس لكم أثر
فرفضتكم .. و نصبت جمجمة على أكتافكم .. و حشوت داخلها مدر
مهما كذبتم ، و ادعيتم أنها رأس .. فرأس حشوها يبقى مدر
لو كنت أملك ، كل ما أحتاجه .. لدفعت أبواب القصور ، بلا حذر
و خلصت من باب لباب .. مثلما تتسرب الحية ما بين الحفر
هذي الزخارف من توهَّم أنها تعويذة تدفع أشباح القدر
فليرم طوق نجاته .. فمخالب الأيام تنشب في الصفيح ، و في الوبر
هذي الأسرة .. من تشبع جسمه بالنوم .. فليسقط عليها كحجر
و ليرتطم بالريش .. ثم يغص إلى أعماقه .. وسط شعور بالخدر
نم أيها التنين .. جثة كائن حي تضخم شهوة ! حتى انفجر
نم فارغاً .. ما دام ريش الفرش ممتلئاً ! و عشها لحظاتٍ بالعمر
هذي الوسائد .. طرزت لعيونكم ! خلق الحرير لكم .. و هيئت الإبر
و العامل الصناع ضاعت عينه من أجل خدك أنت .. يا فوق البشر
لو كنت أملك كل ما أحتاجه .. لخلصت من باب لأبواب أخر
و مشيت في الأسياب .. ما بين الجناحات المثيرة للخيال ، و للفكر
يا سيب ، كم ملكاً مشى يوماً على هذا البساط .. برجله ، حتى فتر
فتعلقت عيناه بالأطر المضيئة كالنجوم .. و طار ما بين الصور
يا سيب ، كم حورية .. جلست إلى هذي المرايا .. و هي تعبث بالشعر
صدمت يداها نجمة مغروزة في شعرها .. سقطت ! فأمسكها القمر
يا سيب ، في باطن أقدامي جراح جمة .. صارت مع الوقت ، حفر
عذراً إليك إذا تأثر جلدك الناعم منها .. فهي أقدام بشر
بشر إذا حملته ساقاه مشى .. و إذا مشى ، غضبت حصاة ! فعثر
حتى العكاكير التي نحملها الواحد منها .. كلما شاء انكسر
يا سيب ، لو تدري بمعنى أن عكازاً .. تقوم عليه ساقان ، انكسر
لا ينفع الترقيع !! كل بناية شرخت .. فسوف تخر يوماً ، لا مفر
كم معدمٍ ، فقد الحياة كمعدم ! حتى استهان بفقدها .. ثم انتحر
و هوى ، فكان الفقر أقوى لكمة طرحته أرضاً .. قبضة ، مثل الحجر
و صبية .. عاشت تقدس مريم العذراء ! مريم .. صورة الطهر الأغر
الفقر علمها الوقوف على النواصي .. و الطريق يمر فيها من يمر
صارت إذا عادت إلى المحراب عادت وجهها فرج ، و باقيها دبر
أو شاعرٍ .. المال في إحساسه عقم يحجم شعره ، مهما شعرْ
الخوف من هذا ، و رغبته إلى هذا .. فأي جريمة لا تغتفر
المال يكتب عنه كل قصيدة ، عظم فيها ذقن تيسٍ .. محتقر
و الدين ! ألف حكاية صدقتها .. عن مسلم في عرض لقمته ، كفر
يا سيب ، في صدري دبابير تؤز .. و لا تكف عن الأزيز ، و لا تقر
هذي النماذج من وراء السور جاءت .. لم يصورها خيال مبتكر
جاءت من الطرقات ، حيث الواقع المر .. و حيث الغد أدهى ، و أمر
يا سيب ، لا أدري ! و لكن هؤلاء الناس في قصرٍ كهذا ، هل بشر ؟
هل يشعرون بقيمة الإنسان ، أكثر من شعورهم بسكان القمر ؟
يا سيب ما جدوى أصابع لا تمس الجرح ! لا تحسن إعطاء الإبر
يا سيب ، نمشي في الشوارع ! نعبر الأحياء ، نخلص من زقاق لممر
و نمر بالحارات ! بالبسطاء ، بالفقراء .. نسقط هكذا في المنحدر
هذا جدار قائم .. لا زال يكبر شرخه ! و برغم ذلك ، ما انكسر
و وراءه ، الأفواه ، ترهف حسها نحو طعام .. لن يجيء ! و ينتظر
و وراءه ، الأجساد عارية ، سوى من خرقة ! تغسل في ماء المطر
و وراءه طفلٌ .. أتى الدنيا ثرياً بابتسامته ! مع الضنك ، افتقر
و تشكلت رؤياه بائشة كرؤيا والديه ، و كل أفراد الغجر
في القبو ، في السرداب ، أو من تحت عقب الباب ! في الإسطبل ، في حوش البقر
و على الرصيف ، و تحت صندقة .. و مختبئين مثل الدود في ورق الشجر
لو كنت أملك كل ما أحتاجه .. لدخلت ، أنهى كل ما أحد أمرْ
صوت البيانو ظالم ! لا تعزفوا .. لا ترقصي ، لا تدنُ منهم يا قمر
ارمِ الزجاجة أيها الساقي ، و قل للخمر : لا تسكِر ! و عاقب من سكر
و اطرد بنات الليل .. كل إضاءة حمراء تحرس خلفها ليلاً قذِر
ها قد بدأت أحس بالغثيان ! كم تتقيأ النعمة ، في كف البطر

يا سيب ، هذا كله .. من فوق هذا السور ، يصبح واضحاً .. ملء البصر
و أنا على الأعراف ، أرمي نظرة في كل ناحية .. فيأكلني القهر