PDA

View Full Version : خواطر غريب (4) والأخيرة


سردال
25-12-2000, 01:55 AM
قلت لكم فيما سبق أني قمت على صوت أيقظني وجعل النوم يطير من عيني، وقد أفلح البعض في تخمينه فقد كان الصوت هو آذان الفجر، قمت من فراشي، ووقفت ساكناً لا أفعل شيئاً! فقد كانت نفسي تنازعني وتأمرني: أن ارجع للفراش فلا زال هناك وقت قبل الإقامة، وضميري يحثني أن قم ولا تكسل وتوضئ وتطهر، واذهب لتملأ روحك من زاد الصلاة.

وقد فعلت، وبعد صلاة الفجر، خرجت من المسجد وقد هممت أن أمارس رياضتي المفضلة، المشي، والمشي رياضة لا تكلف صاحبها شيئاً، ولا تحتاج منه أن يوفر أدوات خاصة، كل ما عليك فعله هو المشي نفسه ولا غير، مع القليل من السرعة، ونظم انفاسك، وبهذا تحصل على تمرين رياضي يقيك الكثير من الأمراض، وينشطك ويزيل عنك الكسل والخمول، وإذا ما أضفت على المشي التأمل والتفكر في إبداع الله، أو حاولت أن تبدع بعض الأفكار، فيكتمل عندك عقد المشي الفريد ولا أخفي سراً إن قلت لكم أني أخرج بأفكار كثيرة لمقالاتي في فترة المشي هذه، لذلك أحرص على حمل ورقة وقلم معي حتى أدون الأفكار فلا أنساها.

خرجت من المسجد، فأجلت بصري في الطرق، فاخترت أحد الطرق، لطوله ولكثرة أشجار النخيل على جانبيه، ومشيت لمسافة طويلة، أتأمل الكون من حولي، وفي هذه اللحظات خرجت بفكرة هذه الخواطر، ولم أرى شيئاً يشدني في فترة المشي، إلا مجموعة من الأفراد، هم من أبناء الفرنجة، يمارسون مثلي رياضة المشي، ومعهم كلابهم التي أكرهها، والعجيب في هؤلاء أن بينهم عجائز قد حفر الزمن على وجههن أخاديد تنبئ عن طول عمرهم وقدم وجودهم في هذه الدنيا، وجاءت صورة في ذهني للكثير من قومنا الذي يصلون للكهولة وقد انحنت ظهورهم وضعفت أبصارهم، ولانت عظامهم، ذلك لأنهم اعتادوا على عادات غير صحية في شبابهم، فهم الآن يتجرعون آلام النتائج.

انتهيت من المشي وعدة وقد تبدلت نفسيتي وصرت متفائلاً سعيداً، دخلت المجلس ونظرت إلى عدوي اللدود، التلفاز أعني، وفتحته وقلبت القنوات، وبدأت الأخبار في إحدى القنوات وجلست أسمعها وعلمت أثناء سماعي لهذه الأخبار أنني لست الغريب الوحيد في هذه الدنيا بل المسلمون هم الغرباء اليوم، غرباء في هويتهم، فقد تخلوا عن ثقافتهم واستعاروا ثقافات قوم آخرين، فصاروا خليطاً متناقضاً من العادات، وهم غرباء لأن كل مصيبة تقع عليهم، فإذا ما وضعت خريطة العالم أمام عينيك، فستجد أن المسلمين لهم الحظ الأوفر من الظلم والقهر.

جاء الإفطار وكان الجوع قد نهشني نهشاً حتى علمت كيف يشعر من لا يجد الطعام لأيام طوال، وجاءت لتجلس معي عمتي العجوز، فجلسنا نتحدث ونتبادل الأحاديث حتى لم يبقى لدي ما أتكلم فيه، فقامت عمتي وخرجت ثم عادت لي بجريدة وخرجت من عندي، أخذتها وجلست أقرأ صفحاتها وكلماتها ولم أدع شيئاً منها لعلمي أني سأبقى وحيداً حتى العصر.

قضيت بقية وقتي بإعادة قرائتي للكتب والجريدة، وقليل من النوم، لكنني أحسست مرة أخرى بالملل، خصوصاً في العصر، حيث أنتظر الساعة التي سينادوني فيها للرجوع إلى البيت، حتى بدأت أتحدث مع نفسي، وأحسست أن الجنون سيصيبني إن لم أخرج من هذا السجن الاختياري، لكن أنقذنتني الوالدة حين جاءت لي قائلةً: سنذهب! قفزت من مكان فرحاً ورحت أرتب حقيبتي على عجل، ركبت السيارة ورميت بالحقيبة في صندوق الأمتعة، وسارت السيارة بنا صوب مدينتي! أخيراً تحررت من قيود الغربة والوحدة.....

هذه خواطر سطرتها لكم، لعلكم تستمتعون بها، فلا تلوموني إن رأيتم تناقضاً أو تخبطاً أو شاذاً من الأفكار، فهذه خواطر نفس إنسان.