شتان بين هجر وهجر { سلسلة ربيع القلوب }
وَنَحنُ في شهرِ القرآنِ ..
نستجمعُ هِمَتَنا وَقُوَانا لنعودَ عودةً صادقةً إلى كتابِ ربِّنَا , تلاوةً وتدبراً وحفظاً وعملاً ولنْ نجدَ موسِمَاً كموسمِ رمضان الذي أنزلَ فيهِ القرآنُ لنَنَعَمَ بخيريّتِهِ ونتفيأُ ظِلالَ بَركتِهِ لنُنشيء جيلاً تزدادُ صلتُهُ بالقرآنِ كلما ازدادَ حَنَقُ الأعداءِ عليه فيكون الارتباطُ بالقرآنِ صفعةً قويَّةً في وجوهِ شآنيهِ حيثُ أنّ مُقاطعةُ هَجْرِهِ أبلغُ مِن مُقاطعةِ مُنتجاتِ الأبقارِ والتّرنمَ بهِ في الأسحارِ أنفعُ مِن سبكِ عباراتِ الإنكارِ , فحيّ على القرآنِ يَا أمّةَ القرآن " الفُوتوشوبْ" بَرنامجُ التصميمِ المشهورِ .. فتحتُهُ ذاتَ يومٍ لأشرعَ فِي بدءِ تصميمٍ يُناسبُ أبياتاً عنِ الهجرِ والجفاءِ ونحوهِ فَجلستُ أقلّبُ صفحاتِ الشبكةِ هُنا وهُناكَ، أنتقِي مِنَ الصّورِ ما هُوَ أعْمَقُ تعبيرًا عنِ الأبياتِ لكنّ التأثيرَ الذِي خَرجتُ بهِ إثرَ هَذا البحثِ كانَ أصدقَ , والصدقُ مؤلمٌ أحياناً كانتْ صفعةً قويّة ًو اسْتنكَرَتها نَفسِي – معَ كثيرِ تقصِيرهَا – ورُبّمَا كانَ التّقصيرُ هوّ سببَ الألمِ الذِي اعْترانِي عِندَها .. أحْسستُ بأنّ لِي ذنباً فِيما رَأتْهُ عَيْنايَ ... ولِكَيْ لا أطيلَ عليكَِ فتحتُ محركَ البحثِ عنِ الصورِ فِي جُوجلْ وكتبتُ " مهجور " وَقفَةٌ / " فَضْلاً أكْتبْهَا فِي مُحَركِ البحثِ عنْ الصّوَرِ فِي "جُوجَل" وانظُرْ مَا هُو ذلكَ المكانُ المهجورُ !! " لا أعلمُ إن كانتْ نتائجُ البحثِ تختلفُ من جهازٍ لآخرَ أو منْ دولةٍ لأخرَى كانتْ تلكَ هيَ نتائجُ البحثِ في الصفحةِ الأولَى : قد يعتريك الآن بعض ما اعتراني ؟! مزيجٌ من حُرقةٍ وخجل وبعض خوف ,, إلى جانب غيرة إسلامية وضيق .. أو ربما لا يؤثر فيك هذا الموقف مع يقينك بتقصيرك في حقّ كتابِ اللهِ جلَّ وعلاَ كانَ قدْ كُتبَ تحتَ الصورةِ هذهِ الآيةِ ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [ الفرقان: 30 ] أخذتُ أتأملُ في هذهِ الآيةِ قليلاً وقلتُ فِي نفسِي مُتَعَجبًا : وهلْ كانَ فِي عصر ِالرسول ِ– صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ – منْ يهجرُ القرآنَ ؟! >>> ومِنْ هُنا كانتْ أولُ عَلامَاتِ الهجر ِوالجهل ِبكلامِ اللهِ تباركَ وتعالَى كانَ الألمُ الذِي طَوَانِي قائدَ البحثِ عن ِتفسير ِهذهِ الآيةِ فقرَأتُ فِي تيسيرِ الكريمِ الرحمن ِفي تفسير ِكلامِ المنان ِللعلامة ِابن ِسَعْدِي : " { وقالَ الرسولُ } منادياً ربّهُ , شَاكِياً لهُ إعراضَ قومِهِ عَمّا جَاءَ بهِ , ومُتأسِّفاً عَلَى ذلكَ مِنهُمْ { ياربِّ إنَّ قَوْمِي } الذِي أرْسَلتنِي لِهدايَتِهمْ وتَبْلِيغِهمْ { اتّخَذُوا هَذا القرآنَ مَهْجُورًا } أيْ قدْ أعْرَضُوا عَنهُ وهَجَرُوهُ وتركوهُ معَ أنّ الوَاجبَ عليهِمُ الانقيادَ لِحُكْمِهِ والإقبالَ علَى أحْكامِهِ والمَشْيَ خَلفَهُ " إذنْ لقدْ كانَ الخطابُ و الشّكْوَى هُنا علَى القومِ المُشركِينَ . سُبْحانَ اللهِ !! إذا نظرتَ أيّهَا القارئُ إلَى الناس ِفي أحوَالِهمُ العَادِيّةِ سَتجدهُمْ قدِ اعْتادُوا سماعَ القرآنِ معَ بدايةِ يومهِمْ فهذا صاحبُ المحلِ, وذاكَ صاحبُ المَقهَى, وفي عِيادَةِ الطبيبِ, كلٌّ يبدأُ يومَهُ بسماع ِالقرآنِ. حَتّى سائقُ السيارةِ إنْ بدأ يَومَهُ يبدأ بالقرآن ِ,بل ستجد أنَّ التلفازَ إذا ابتدأ البرامجَ لا يبدُؤهَا إلاّ بالقرآنِ, ولا يُنهيهَا إلا بالقرآنِ. و لكنْ سُرعانَ ما يُستبدَلُ طِيبُ الكلام ِو شفيعُ الكرام ِو أنيسُ الأنامِ بالغناءِ ثمّ ينشغلُ هذا وذاكَ بالقِيلِ والقال والصُّحُف والمجلَّاتِ- إلا من رحمَ ربُّ الأرض ِوالسماواتِ- فتَجِد المُسلم المُوَظَّف من لحظة ِخروجهِ من العملِ إلَى أنْ ينامَ وهوَ يُقلبُ الجرائدَ ! والغريبُ أنّكَ إذا سألتَ بَعضهُمْ عنْ محتوَاهَا سيقولُ لكَ لا شيءَ نِصْفهَا أخبارٌ رياضيّةٌ و سياسيّةٌ والنصفُ الآخرُ إعلاناتٌ و إشهاراتٌ و مقالاتٌ تافهةٌ ألا يجدرُ بهِ معَ متابعةِ الأخبار ِتلاوةُ خير ِكلامٍ ؟!
ومنَ المؤكّدِ أنّكَ أيّهَا القارئُ قدْ سبقَ و رَكِبتَ معَ صاحبِ سيارةِ أجرةٍ فوجدتَهُ قدْ وضعَ المصحفَ علَى الرَّفِ الذِي أمامَهُ، والشمسُ قدْ غيَّرتْ لونهُ. ولَعلّكَ أيضًا شاهَدتهُ و قدْ وضعَ علبةَ سجائِرهِ من فوْقِهِ وَ"الرّادْيو" مِنْ تحْتهِ يصدحُ بالأغانِي وإذا سألتهُ عنْ غرضِهِ منْ وضع ِالمصحفِ في السّيارةِ ، سَيُجيبكَ: إنّ ذلكَ ابتغاءَ البركةِ وإذا سألتهُ إن كانَ يقرأُ فيهِ، سيقولُ لكَ: ليسَ لديّ وقتٌ فكمَا ترَى طِوالَ اليومِ وأنَا علَى عَجلةِ القيادَةِ - إلاّ منْ رحمَ رَبّي - . أيّ بركةٍ هذهِ التِي تأتِي لِمنْ يَهجرُ القرآنَ ؟ إنّ مَا فعلهُ مَا هو إلاّ إهانةٌ للقرآنِ وأيّ إهَانةٍ. قالَ تعَالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إَِّلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفََلا تَعْقِلُونَ ﴾ [ الأعراف: 169]
وقالَ القرْطُبيّ فِي تفسيرهِ: وهَذا الوصفُ الذي ذمَّ اللهُ تعالَى بهِ هؤلاءِ موجودٌ فِينَا. فقدْ رَوَى الدّارمِيُّ فِي سُننِهِ عن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال:
سَيبْلَى القرآنُ في صُدُور ِأقوامٍ كمَا يبلَى الثوبُ، فيَتهَافتُ, يقرؤونَهُ لا يَجدُونَ لهُ شهوةً ولا لذةً, يَلبسُونَ جلودَ الضأنِ علَى قلوبِ الذئابِ
أعمَالُهُمْ طمعٌ لا يُخالِطهُ خوفٌ, إن قَصّرُوا قالُوا سَنبلغُ, وإن أسَاءُوا قالُوا سَيُغفَرُ لَنا, إنّا لاَ نُشركُ باللهِ شيْئاً . وجَميعُ هذهِ الأنواعِ منْ هجرِ القرآنِ واقعةٌ بَيننا ومُتَفَشّيَةٌ فينَا الآنَ، فاللّهُمّ اغفرْ لنَا تَقصِيرَنا. وإذَا أرَدتَ أن تَعرفَ حَقّا كيفَ حَالُنا معَ كتابِ اللهِ فِي بُيوتِنا فادْخلْ مَنزلَكَ بعدَ صلاةِ الجمعةِ وأحْضِرْ كُرْسِيًّا ، ثمَّ ضعْهُ بجَانبِ خزانةِ المَلابسِ، ثمّ اصْعَدْ عليهِ وتَحَسّسْ بيدِكَ فوقَ الخزانةِ ستجدُ كِتاباً مَهجوراً قدْ ترَاكمَ الغبارُ عليهِ بطبقاتٍ كَثيرةٍ، فإذا أمْسَكْتَ بهِ فارفقْ بهِ لأنَّ صفَحاتِهِ قدْ شارَفتْ علَى التّمَزّقِ ، وبعدَ أنْ تمسكَهُ بعنايةٍ فائقةٍ ؛ امْسح ِالغُبارَ عَنْ غلافِهِ لِتجدَ مكتوباً بالخطِّ العَريضِ [القرآنُ الكريمُ ] ومَاذا بَعدَ كلِّ هَذا الهجرِ ؟! أوَنرْتجِي عِزَّةً أوْ سَعادَةً أو طُمأنينَةً ؟! هلْ يجدرُ بنَا أنْ نَشْكُوَ منْ نغص ِالعيشِ وانقطاعِ الرزقِ وتعَسُّر ِالدروبِ وعقوقُ الأبناءِ و الضيقُ والحزنُ ووو وهذا حَالنَا معَ القرآنِ؟! إنهُ القرآنُ , هو الطاقة ُالمعنويةُ التِي تبعثُ في كلِّ شيءٍ لونَهُ وحياتهُ ورونقهُ و يومَ أنْ تَخلّى الناسُ عنْ كلامِ رَبّهمْ علاَ طوفانُ الاِفتتانِ بالحضارةِ الغربيّةِ ، وطغَى تيارُ الحياةِ الماديةِ فتغيّرَتْ مناهجُ التعليمِ وتسمّمَتْ وسائلُ الإعلامِ في كثيرٍ من بلادِ المسلمينَ فأخرجَتْ أجيالاً نافرَةً منْ دِينِهَا مُنسَلِخةً عنْ قِيَمِهَا خرَجَتْ تنعَقُ بدعواتٍ غربيةٍ وتَعتنِقُ أفكاراً جَاهليّةً ! ألمْ يَأْنِ للأمةِ أن تَعِيَ رسالتَهَا ؟! كلّ هذهِ الخواطِرِ كانتْ تجْتاحُنِي وأنا أقرَأُ وأبْحثُ فِي بَراهينِ أحْوالِنا التافِهَةِ كانتْ صفعةً قويّةً اسْتيقظتْ علَى إثرِهَا إرَاداتٌ عديدةٌ :: أريدُ أن أقرأَ كتابَ اللهِ , أريدُ ملازمَتهُ بل أريدُ حفظهُ .. لكنَّ فهمَهُ أهمُّ , فالتدبّرُ أوْلَى ..!!! وتساؤلاتٌ كثيرةٌ ومُتخبِّطَة ٌ - كيفَ أعودُ للقرآن ِ؟! - كيفَ أحْيِي قلْبِي بهِ ؟! - كيفَ أجْعلهُ قائداً لِي فِي حَيَاتِي ؟! كنتُ في ذِرْوَةِ الحَماس ِ.. لكنْ أحْسستُ بأنهَا أسئلةُ كثيرةُ ولأِنَّ المِحورَ عَظيمٌ فبالتأكِيدِ سَيكونُ البحثُ عنهَا مُجهدًا ومتعبًا !! استدراكٌ / لم أفهمْ أنَّ هَذا التثاقلَ مَا كانَ إلاّ ثغرةً تَسَلّلَ منهَا الشيطانُ إلَى إرَادَتِي لِيهْلِكهَا إلاّ بعدَ أن فتحتُ آخرَ صفحةٍ كنتُ قدْ قرّرْتُ أنْ أبحثَ فيهَا عنْ موضوع ِهجر ِالقرآنِ فكانَ مجملُ الموضوع ِكالتالِي : (( لكلٍّ مِن هجرِ القرآنِ ,, صورةٌ مؤثرةٌ ,, )) هل أدركتَ الآنَ أنّ معادلة َحيَاتِنا تحتاجُ إلَى مُوازنةٍ ؟!
إذنْ هاتِ إليّ يدكَ .. لنجعل القرآنَ ربيعاً لقلوبنا مِن الآن .. عملاً لا قولاً .. ورغبةً مستقرّة في النفوسِ لا لحظيّةً تنجلي بانجلاءِ الموعظةِ .. مع برنامجنا التطبيقي الأول هنــــــــا ستجد في هذا الملف / 1- تفسير ميسر لسورة الملك 2- معاني الكلمات الغريبة في السورة 3- وقفة مع آية 4- كيف نطبق السورة في حياتنا ماذا لو حفظتَ شيئاً من السورة وفهمت ما فيها ثم أدركتَ كيفية تطبيقها في حياتك ؟ أنتَ حينئذٍ تخطو بنفسك نحو مستقبلٍ مشرقٍ في الدنيا والآخرةِ بل وتقودُ الأمةَ إلى فجرها الباسم .. وتابعْ مَعنا مَوضوعَنا القادمَ منْ سلسلةِ ربيع ِالقلوبِ .. لنناقشَ معاً محاورَ أسئلتِنا ونبحثَ عنِ الجوابِ بتمَهّلٍ فلعلّهَا تكونُ عودَةَ حقٍّ لَنا ولكَ بإذنِ اللهِ .. تقبّلُوا إهْداءَنَــــــا ::~ هُنـَـــــــــا ♥ |
الساعة الآن » 09:40 AM. |
Powered by: vBulletin Version 3.0.16
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.