بين أمِّي وأخي، كيف أنامُ *** ليلةٌ أهونُ ما فيها الظَّلامُ
جُثَّةٌ هامدةٌ أمِّي أمَامي *** آهِ كم يجرحُني هذا الأمَامُ
وأخي الغالي هنا، يالَهْفَ نفسي *** جُثَّة أَذْبلَها الموتُ الزُّؤامُ
بين أمّي وأخي، بين حُطامٍ *** آه مما ضمه هذا الحطام
نَكْهَةُ الموتِ هنا تخنُقُ صدري *** وزوايا منزلي الغالي رُكَامُ
دَمُ أُمِّي وأَخي يرسمُ حَوْلِي *** صورةَ الرُّعْبِ، وللحُزْنِ ضِرَامُ
صورةٌ قاتمةٌ أبصرتموها *** وعلى أعينِكم منها جَهَامُ
رُبَّما«حَوْقَلَ» منكم مَنْ رآها *** وعلى شاشَتِه منها قَتَامُ
ثم أرخى طَرْفَهُ حيناً، فلمّا *** َسكَنَتْ آلامُه لذَّ المنامُ
سَكَرَاتُ الموتِ تَشْتدُّ أمَامِي *** وَأَنيُن الأُمِّ في قلبي سِهَامُ
وأخي حاول أَنْ ينطقَ، لكنْ *** فاضتِ الرُّوحُ وما تمّ الكلامُ
كلُّ شيءٍ ها هنا صار مُخيفاً *** بعد أَنْ قَوَّضَ أحلامي الحِمَامُ
ها هنا الإرجافُ والغَدْرُ انتصارٌ *** وهنا الإنصافُ والعدلُ انهزامُ
حاصروني، وأخي يَنْزِفُ عندي *** وَدَمُ الأُمِّ على الأَرضِ سِجَامُ
وبقايا الدارِ سِرْدابٌ مُخيفٌ *** لم يَعُدْ فيها لأَحبابي مُقامُ
وعلى ناصية الشارعِ جيشٌ *** من قرودٍ، كلُّ مَنْ فيه لِئَامُ
آلة الحرب هنا، آلة موتٍ *** زادُها اليوميُّ بنتٌ وغُلامُ
زادُها ليلى وإيمانٌ وسُعدَى *** ونضالٌ وجهادٌ وعصامُ
زادها اليوميُّ أَشْلاَءُ نساءٍ *** وشيوخٍ وهَنَتْ منها العِظَامُ
زادُها في رَحِم الأُمِّ جَنينٌ *** ورضيعٌ لم يفارقْهُ الفِطَامُ
آلةُ الحرب هنا وحشٌ مخيفٌ *** هائجٌ، غايتُه الكبرى انتقامُ
يا نظامَ الدُّولِ الكُبرى سَمِعْنَا *** منكَ لوماً، عجباً كيف نُلامُ؟!
أَتُلامُ امرأةٌ ثَكْلىَ تُنادِي *** أَيُلامُ الشَّعبُ بالقهرِ يُسَامُ؟!
أمن الإِرهابِ شارونُ بريءٌ *** وهو بالقتل شَغُوفٌ مُسْتَهامُ؟!
أيُّ مِكْيالَينِ ياقومُ لدَيْكمْ *** بهما يُلْقَى إلى الَجوْرِ الزِّمامُ؟!
لست أدري، ما الذي تعني لديكم *** حُرْمَةُ النَّاسِ، وما يعني السَّلامُ
لكَأَنّي بلسانِ الأرضِ يشكُو *** مثلما تشكو من الظلم«رِهَامُ» (*)
بين شارونَ وبينَ الصَّمْتِ منكمْ *** لم يعد للشر في الأرض لِجَامُ
فِتَنٌ أَبْصَرَتِ الشِّيشانُ منها *** مارَأتْ كابولُ والأَقصى وجَامُو
أَلْفُ شارونَ هُنَا يا قومُ، أعْدَى *** مَنْ يُعاديهمْ وفاءٌ والتزامُ
حاصروني هاهنا، للقصف حولي *** دَمْدَمَاتٌ، ولآلامي احتدامُ
هذه داري وربِّ البيت هذا *** مسجدٌ يعرفني فيه الإِمامُ
هاهنا صلَّى أبي الغالي وجدِّي *** ها هنا قاموا من اللَّيل وصامُوا
ياكرامَ الناسِ في الأرضِ، أَجيبُوا *** صرختي، لا تخذُلوني ياكرامُ
أنا لا أطلبُ من تُرْبَة أرضِي *** غيرَ قبرينِ، فَهل هذا حرامُ؟!
امنحوني حفرةً، أدفنُ أمِّي *** وأخي، فالدَّفن للموتى لِزَامُ
عبدالرحمن العشماوي