عرض مشاركة مفردة
بنت الباطن بنت الباطن غير متصل    
عضو فائق النشاط  
المشاركات: 596
#1  
يافؤادي رحم اللَه الهوى ..!!؟؟؟
(الأطلال) لإبراهيم ناجي
(قصائد أعجبتيني) بتصرف .

حديثي أقرب مايكون الى مذكرة تفسيرية نفسية تحاول أن تخترق حواجز اللغة لتلمس السبب الحقيقي وراء الإجماع المنعقد بإن الأطلال واحدة من أروع القصائد في شعرنا العربي الحديث .

تبدأ القصيدة بداية درامية شبيهة بصدمة كهربائية ، بداية القصيدة إعلان وفاة - أو نعي - كما تقول الجرائد أما المأسوف عليه - فهوالحب الذي أنتهى ...

يا فؤادي رحم اللَّه الهوى …. كان صرحاً من خيال فهوى
أسقني واشرب على أطلاله …. وارو عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً …. وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم …. هم تواروا أبداً وهو انطوى


ولكن شاعرنا الصادق دائماً سرعان مايدرك أنه في حقيقة الأمر يخادع نفسه ، لقد إنتهى الحب من جانبها هي - اما جانبه هو فلا يزال متقدا متأججا !


يا رياحاُ ليس يهدأ عصفها …. نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا …. وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره …. لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلب – على غفرانه - …. كلما غار به النصل عفا

هذه هي الحقيقة تطل برأسها - ومع أول اعتراف تتلاحق الإعترافات فيخبرنا الشاعر أنه في الواقع - لايزال يحبها كما أحبها أول يوم :


يا غراماً كان مني في دمي …. قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه …. وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه …. واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي …. أين يمضي هارب من دمه؟


الشاعر يتحدث عن الحب كتجربة شبيهة بالموت في حزنها وحتميتها وقسوتها وحضورها الدائم

وفي هذه المرحلة من القصيدة ينتفض المستمع الخيالي الذي يصغي اليها وعلى وجهه علامات الدهشة ، مستمعنا الخيالي مندهش من الشاعر بدأ فترحم على الحب الذي أنتهى ، ثم قال أنه لايزال على العهد ، ثم قال أن الحب قدره الذي لايستطيع الفرار منه ." لم لاتنساها وتريح نفسك؟" يسأل المستمع وشاعرنا مندهش م دهشة المستع . هل كانت إنسانة عادية فيسناها بهذه السهولة ؟؟ _ هل كان حباً عادياً فيسلوه بهذه البساطة ؟ _ لايثير الشجي شيء كمايثيره أن يطلب الخلي منه النسيان .
لايعرف الشوق الا من يكابده

وقبل ناجي _ قال كثير عزة
فلا يحسب الواشون أن صبابتي
بعزَّة كانت غمرة فتجلَّت
فأصبحت قد أبللت من دنف بها
كما أدنفت هيماء ثم أستبلَّتِ
فواللَّه ثم اللّه ماحل قبلها
ولابعدها من خلَّه حيث حلَّتِ

لندع الشاعر نفسه يشرح لنا لم كان النسيان مستحيلاَ

لست أنساك وقد ناديتني …. بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ …. من خلال الموج مدّت لغريق
آه يا قبلة أقدامي إذا …. شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له …. أين في عينيك ذيّاك البريق؟


لم يكن الأمر اذن نزوة عابرة أو صبوة زائلة . كان الحب نجاة الغريق ، ومنارة الحائر ، وقبلة أقدام الضائعين ، وقبل صاحبه ناجي أضاءت ليلى الطريق أمام قافلة قيس :

إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا
كفى لمطايانا بذكراك هاديا

ولا بد هنا من أن أقف لأقول أن الذين يصرون على الخلط بين الحب والنزوات الجنسية - وهم للأسف كثير سواء كانوا من المتزمتين في القدماء أو من أتباع فرويد في المحدثين - يسيئون اساءة لايتصورون أبعادها الى الحب نفسه والى الأعمال الفنية التي تتحدث عن الحب . الجنس غريزة بيولوجية يمارسها الناس كما تمارسها الحيوانا وهي في حد ذاتها لاتوحي بعمل فني خالد .

أما الحب فعاطفة أخرى أشد تعقيداً وشمولاً وعنفاً ودواماً ، قد ينطوي وقد لاينطوي على رغبة جنسية ، وهي لاالنزوة العابرة ، مصدر الأعمال الفنية الخالدة

الحب أبو العواطف الإنساية وأبو التاريخ البشري : الدين في جوهره حب اللَّه ، والقومية حب الوطن؛ والفلسفةحب الحقيقة ؛ والسياسة حب السلطة والعلم حب الإكتشاف .

الحب الحقيقي هو في الوقت نفسه طريق للخلاص من المعضلة الإنسانية

مم كان شاعرنا يريد الخلاص ؟- من رتابة الحياة التي تطحن كل إنسان؟ من ألم الكهولة المقبلة بتباشير الخريف ؟ من الشعور الطبيعي لدى كل إنسان ولدى كل فنان بوجه خاص ، أن حياته هباء في هباء ، معركة بلا راية ، باطل الأباطيل وقبض الريح ؟

لاندري ، ولكننا ندري أن كل حب حقيقي هو أكثر من مجرد علاقة بين رجل وإمرأة

ناجي ينقل بإعجاب تعريفاً للحب لتوفيل جويته جاء في طياته أن الحب يعني فيما يعنيه أن " تكون مستعداً لإكبر التضحيات وإنكار الذات .. المعجزة أن تتضاعف وأنت تبذل"

وقبلة قال أبو محمد ابن حزم الأندلسي شيخ منظري الحب في "طوق الحمامة"
أن الحب " إستحسان روحاني وامتزاج نفساني مرجعه اتصال بين إجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع " . باختصار ، الحب الحقيقي هو دائماً قضية .

هل تريدون تفاصيل ؟إنها عند ناجي :

لست أنساك وقد أغريتني
بالذري الشم فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي وأنا
لك أعلو فكأني محض روح
يالها من قمــم كنا بها
نتلاقى وبسرينا نبوح !
نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلالاً في السفوح !

هنا يقفز مستعنا الخيالي مرة أخرى فيسال شاعرنا بعنف : كيف اذن إنتهى هذا الحب العظيم ؟- مالذي حدث ؟- ونسأل نحن كيف تنتهي أية علاقة عاطفية ؟

هناك ثلاثة احتمالات لارابع لها - أما أن ينهيها الحبيب - أو أن تنهيها الحبيبة - أو أن تنهيها ظروف قاهرة أقوى من الحبيب والحبيبة .

في ساعات الغضب ، يخبرنا ناجي أن الحبيبة ، لجمود إحساسها ، كانت هي السبب ! وهكذا يخبرنا كل عاشق عندما يسخط على الحبيبة !

وفي ساعات الرضا ، يخبرنا ناجي أن الحبيبة بريئة ..!

وفي لحظات الهدوء والموضوعية يخبرنا ناجي ان الأقدار كانت المسؤولة ، فلا هو اختار أن يحب ، لاهي أختارت أن تنهي الحب ؛ وهكذا يخبرنا كل عاشق بعد أن تهدأ حدةالعاطفة .

ولكن هل كان الشاعر مسؤولا عن نهاية القصة _ شاعرنا يسارع الى إخبارنا أن المقادير هي المسؤولة :

كنت تمثال خيالي فهوى
المقادير أرادت لايدي
ويحها لم تدر ماذا حطمت
حطمت تاجي وهددت معبدي
ياحياة البائس المنفرد
يايبابا مابه من أحدِ
ياقفارا لافحات مابها
من نجي -ياسكون الأبدِ


يتبع ,,

بنت الباطن غير متصل قديم 11-10-2002 , 06:29 AM    الرد مع إقتباس