البداية كانت وفقاً للمرسوم الملكي رقم م/3 وتاريخ 10/8/1400هـ تأسيس المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وذلك لتطوير الأيدي الوطنية في إطار ما يتصل بالتعليم الفني للكهرباء والميكانيكا والنجارة والتكييف وكل ما يتصل بالتدريب المهني بأشكاله ومستوياته لإعداد الشباب السعودي المتسربين من قطاع التعليم الجامعي أو الراغبين في الأعمال المهنية الحرة ومساعدتهم على تكوين مؤسسات صغيرة ومتوسطة. ولكن إذا نظرنا إلي الواقع قبل سنتين وبعد 27 عاماً كانت المحصلة النهائية ضعيفة, آو بمعني أدق أن عدد المهنيين القادرين على القيام بالأعمال المهنية والتقنية في القطاعات المختلفة سواء في شركات القطاع الخاص أو القطاع العام محدود جداً وكفاءة متواضعة.
حسناً لن ننظر إلى الماضي ونحاسب المسؤولين الآن عن التأخير في إعداد الكوادر الوطنية التي تحتاج إليها الدولة في قطاعيها العام والخاص في ظل المشاريع الصناعية والمقاولات الضخمة من مدن اقتصادية وتوسع عمراني، ولكن أذكر وأقول إن قطاع البترول والغاز وشركات المساهمة الصناعية تحتاج اليوم إلى أكثر من 300 ألف فني متخصص سعودي متوسط دخلهم لا يقل عن سبعة آلاف ريال فور تخرجهم، وشركات المقاولات تحتاج إلى كهربائيين وسباكين في حدود 70 ألف فني مؤهل متوسط دخلهم في حدود خمسة آلاف ريال بعد التدريب. وفي قطاع المؤسسات الصغيرة هناك محال ميكانيكا السيارات والمعدات الصناعية وصيانة التكييف بمختلف أنواعها تتجاوز 170 ألف محل ملاكها سعوديون وتدار عن طريق أجانب متوسط دخلهم في حدود سبعة آلاف ريال شهرياً وتصل إلى عشرة آلاف ريال لمن يحب روح المغامرة والعمل الحر. وهنا أقول ماذا يستفيد المواطن الجامعي من الوظائف الحكومية وهي التي تبدأ من المرتبة الرابعة براتب ثلاثة آلاف ريال وصولاً إلى المرتبة السابعة براتب 6500 ريال ولا يصل إلي هذا المرتبة إلا بعد خمس سنوات نظاماً وهناك من يتقاعد على هذه المرتبة؟ فهل يعقل أن الحرب والواسطات بين المواطنين هو فقط الحصول على وظيفة حكومية بسبب الدوام والأمن الوظيفي والتقاعد المبكر؟
هذه مقدمة لا بد منها لكي أثمن الجهود الحالية في "المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني" التي حققت زيادة جديدة في عدد الكليات والمعاهد التقنية إلى أكثر من 300 كلية ومعهد لتصل إلى 700 مركز، والتوجهات الحالية والمستقبلية التي تهدف إلى تنمية الموارد البشرية الوطنية من خلال التدريب والتأهيل وليس التدريس والتخريج فقط، وكذلك الدخول في شراكات استراتيجية واتفاقيات مع شركة جنرال موتورز وشركة سابك وشركة أرامكو ومع المعهد العالي للبلاستيك ومع شركة الوطنية للروبيان ومعهد الجفالي الفني، وبرنامج تويوتا للتعليم الفني وشركة الزامل للتكييف وغيرها.
وأهمها تطوير قطاع التدريب التقني للبنات فقد حصلت المؤسسة على اعتماد التخصصات التي تحتاج إليها سوق العمل النسائية في السعودية، حيث تم اعتماد 23 تخصصاً موزعة على ثمانية مجالات تدريبية لخدمة احتياجات سوق العمل النسائية في مجالات التشغيل والصيانة عالية التقنية, خاصة في مجال الدعم الفني للحاسب الآلي وصيانة الآلات المكتبية وتشغيل وصيانة شبكات الحاسب الآلي في قطاع العمل النسائي الحكومي المدارس والجامعات، والمكاتب النسائية في الوزارات وكذلك التركيز على التدريب في المشاغل النسائية والتجميل.
إن أهمية تحقيق تنوع في برامج التدريب المشترك بمشاركة عدد من مؤسسات القطاعين العام والخاص كبرنامج التدريب العسكري المهني والتنظيم الوطني للتدريب المشترك والتدريب في السجون وبرامج خدمة المجتمع والتدريب المستمر وبرامج تنمية المنشآت الصغيرة التي أسهمت في استيعاب أكبر عدد ممكن من الشباب السعودي لتأهيلهم بأسلوب تدريب عملي يساعد على إلحاقهم بسوق العمل مباشرة، ولعل التوسع في التدريب على التقنية الحديثة من خلال التعاون مع البنوك المالية ونجاح المؤسسة في عقد اتفاقية بينها وبين البنك السعودي للتسليف والادخار، وتوقيع اتفاقية مع مدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة والتي تنص على التدريب المتميز للمواطنين السعوديين المنتهي بالتوظيف, وتوقيع اتفاقية مع الهيئة العامة للطيران المدني للتعاون الاستراتيجي مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في مجال تنمية القوى العاملة الوطنية في المهن المرتبطة بالطيران المدني من خلال المشاركة في إنشاء أكاديمية الطيران المدني التابعة للهيئة وتشغيلها.
ختاماً أقول لجميع المسؤولين في المؤسسة العامة للتدريب (شكراً) لكم هذا الإنجاز، وأنا أوفيت بوعدي عن مقالي قبل سنتين في "الاقتصادية"، الذي ذكرت فيه أن المؤسسة فشلت في المهمة الوطنية الملقاة علي عاتقها، ولكن أقف اليوم وأدق لهم التحية بالحماس نفسه والمتابعة ولكن بالشكر والتقدير لأن الطلبات المقدمة من السعوديين للالتحاق بالدراسة في الكليات التقنية والفنية ارتفعت بشكل كبير جداً حيث كان السائد هو عزوف أبنائنا عن الالتحاق بتلك الكليات الفنية، وأصبح الدخول إليها الآن شرفا مثل الالتحاق بالجامعة.
* نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
عرض نسخة للطّباعة |
ارسل هذه الصفحة لصديق]
