|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#2
|
[center]المشهد الثاني :
فلما أدار الشيخ الجليل ظهره ، وولى وجهه شطر بلده الذي جاء منه ، وقد تقاطرت دموعه ، إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولكنا لا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه ..
تعلقت به المرأة الصالحة النقية التقية ، والزوجة المحبة ، والأم الوالهة ، تعلقت به تسأله في جزع : لمن تتركنا هاهنا يا إبراهيم !؟ وكأني بكلماتها ترتجف على شفتيها كما يرتجف جسدها ..!
فلم يجب ، لأن الأمر فوق وصف الواصف ، وكررت السؤال ، وكرر الصمت ، وكأنما انتبهت للخطأ الذي وقعت فيه ، فبادرت إلى تغيير السؤال بالكلية ، فإذا هو سؤال واضح محدد مبين : أالله أمرك بهذا ؟
هنا المحك ..!! هنا بيت القصيد ..!!
سؤال يفصل في القضية فصلا نهائياً .. ويضع نقطة الخاتمة في نهاية القصة ..!
هل ما تفعله يا إبراهيم وحي من الله أمرك به ..؟
فهز الشيخ رأسه بالإيجاب ، وقلبه يعتمل بألوان من المشاعر لا يعلمها إلا الله ،
فلما أيقنت أنه الوحي ... رفعت راية ( التسليم المطلق ) ... وقالت في ثقة عجيبة مبهرة : إذن ... امضِ فإن الله لن يضيعنا ...!!
ما دمت تنفذ وحي السماء ، فقد نفضتُ يدي منك ، ولا مكان للتعلق بك ، ولا محل لسؤالك لمَ ، وكيف ، وهل ، وهلا ، وما الحكمة ، ولماذا ؟؟ الخ
أمثال هذه الأسئلة لا تجد لها محلا أمام نص وحي صريح ..
ليس سوى التسليم المطلق .. حتى لو كرهت النفس وشق عليها ذلك ..
لكن هؤلاء المتميزين يسلمون تسليما ، ولا يجدون في قلوبهم أدنى حرج .. كل ذلك لثقتهم العظيمة والقوية بالله جل جلاله ..
( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. ) ...
لم تصرخ المرأة الصالحة في وجه زوجها الحبيب ، وهي تراه يرميها في وسط صحراء قاحلة ، ليس فيها بصيص لحياة ، لم تولول ، لم تسب ، لم تلعن اليوم الذي والذي ..!!
لم تتهم زوجته الأخرى أنها وراء هذا كله ، لم تسمح لدموعها أن تجري شلالات استرحاماً واستعطافاً .لم . ولم , ولم ...
بل هو التسليم المطلق الذي يهز القلب هزاً عنيفاً ..
فلله درها .. !! أية امرأة عظيمة هذه ..!!
المشهد الثالث :
ويمضي القلب الكبير المكلوم ، واثقاً بالله أنه لن يضيع أمانته التي استودعه إياها، حتى إذا توارى خلال تلك التلال ، أخذ يلهج بالدعاء والابتهال في ضرعة ، فأمره ربه سبحانه أن يؤذن في الناس بالحج ..!!!
ولكن .. أين الناس حتى يؤذن فيهم ؟! وما مدى صوته ؟ وكيف ، وهل ، وما الحكمة ، ومتى ....الخ .
أسئلة لا مكان لها ، إنما هو التسليم المطلق . افعل كذا .. لبيك وسعديك ..
وارتفع على ربوة صغيرة .. وأخذ يرفع عقيرته بملء صوته : ايها الناس أن الله يأمرك أن تحجوا ... !!
هكذا .. ينادي في صحراء قاحلة ، ويهتف بملء صوته ، ولا يعنيه كيف سيصل صوته إلى الناس ...!!
إنما يعنيه شيء واحد ، وهاجس واحد ، هو الذي يحتل بؤروة الشعور عنده ، أن الله أمر .. وعليّ التنفيذ ، بلا مماحكة ، ولا جدال ، ولا فلسفة خائبة !!
إنه التسليم المطلق .. وما أروع التسليم لله ، وما أكثر ثمراته ، وما أعظم بركته !
المشهد الرابع ..
ويكبر الصبي الصغير ، فإذا هو غلام أريب نجيب ، متألق ذكي الفؤاد ، ولا أحسبه إلا قد عرف قصته من أمه ، غير أنه لم يسخط على أبيه ، كيف فعل بهما هذا ، وما الذي جنياه ، ولماذا ، وهلا ...الخ الخ..
لقد شب الصغير على روعة التسليم التي رضعها من ثدي أمه !!
لقد غذت أمه روحه بحب الله سبحانه ، والتعلق به ، وحب والده ، والبر به ، حتى روي أن إبراهيم عليه السلام أتى يوماً وكان إسماعيل عليه السلام في المرعى ، فدار حوار بين إبراهيم وزوجة اسماعيل ، وطلب منها أن تبلغ ولده رسالة قصيرة ، أن يغير عتبة بابه !!
ولما عاد إسماعيل وعرف القصة وسمع رسالة والده ، قال لها : ذاك الشيخ أبي .. وفحوى رسالته أن أفارقك ... فارجعي إلى أهلك بسلام..!!!
هكذا .... تسليم مطلق عجيب مبهر ..
إذا كان هذا تسليمه لأبيه ، فكيف يمكن أن يكون التسليم لله جل في علاه ، فيما يأمر وينهى !!؟
لم يناقش المسألة بعقله .. لم يحرك عقله في المكان الخطأ . لأن هذا سيترتب عليه سلسلة من الأخطاء !!!
لم يقل : لقد كبر الشيخ وهرم !!! ما ذنب زوجتي الحبيبة !! ..الخ الخ
ويتكرر نفس المشهد مع زوجته الجديدة _ بعد زمن _ فيدور حوار بين الشيخ الكبير ، وهذه الزوجة ، في غياب إسماعيل ، ثم يحملها رسالة إلى زوجها ، أن امسك عليك عتبة بابك ..
ولما عاد إسماعيل عليه السلام قال لها_ بعد أن عرف القصة وسمع الرسالة _ : ذاك الشيخ أبي .. وهو يأمرني أن أحتفظ بك ...!!
وقد كان ..!..
يا لله ! يا لروعة هذه الأسرة العظيمة !!
يتجلى خلق ( التسليم ) في جميع تصرفات أفرادها ..
المشهد الخامس :
ويهتز قلب الشيخ الجليل لولده حين يراه غلاماً يافعاً ، تلوح على محياه البهي أمارات الفطنة والحنكة والحكمة ، فيتعلق به قلبه مجددا ، ربما أشد مما كان متعلقا يوم كان رضيعاً ..!
ولكن الفرحة أيضاً لم تتم ..!
يرى رؤيا أنه يذبح بيده هذا الغلام الرائع ، والأمل المشرق ، فلم يجزع ، ولم يضطرب ، ولم يتلجلج ، ولم يتلعثم ، ولم يتوقف ، ولم يتساءل : لمَ ، وكيف ؟ وما السبب ، وما الحكمة من ذبح إنسان ، ولماذا بيدي أنا ؟ ولماذا لا يكون شيء آخر غير الذبح كالنفي مثلاً ..الخ الخ
ليس شيء من ذلك ابداً ..
مثل هذا القلب الكبير المتوهج بنور السماء لا يعرف مثل هذه الأسئلة وأخواتها وبنات عمها ..!!
بل هو ( التسليم المطلق ) لوحي السماء ...
انتهت في ذهنه القضية من جذورها ، ما دام الأمر أمر الله والحكم حكمه !!
ليكن ما يكون .. !!
ولتعج النفس بالصراخ وتولول ، ولكن لا سبيل سوى التنفيذ ( برضى وفي تسليم ) شعار المسلم الحق : أمام النص الصريح : عقلي تحت نعلي !!
ويمضي الشيخ الجليل وقد عزم النية على أن يذبح ولده الحبيب بيده !!!!
المشهد السادس :
......................................يتبع :
[/center]
|
|
02-02-2004 , 03:03 PM
|
|