|
عضو نشيط جداً
|
|
المشاركات: 361
|
#1
|
حول رواية العاشقان لعبدالله الجفري
امام بعض القراءات غير "الممتعة"، يجد القارئ نفسه احياناً مدفوعاً الى التفتيش عن مخرج ما للنفاذ بشيء "مفيد" يلطف من حدة الاختبار الذي مر به، لكي لا يسقط في مجانية التجربة. ينبري الى اعادة طرح اسئلة بديهية عن موضوع الكتابة والدافع اليها وقرار النشر وموجباته، وسواها من الاسئلة التي، رغم بدائيتها وبساطتها وحتى سذاجتها، يصير المنطق الذي يبررها هو حاجة القارئ الى اقناع نفسه بأنه تعرف الى تجربة وخرج منها بشيء ما، اي شيء، حتى ولو راح يخترعه اختراعاً. في هذا الاطار ربما يمكن ادراج "العاشقان"، "رواية" (اصر على المزدوجين) الكاتب السعودي عبد الله الجفري الصادرة لدى "دار الساقي"، التي يخرج القارئ منها، إذا تمكن من الصمود حتى النهاية، كمن أفلت من شرك خانق، ويتكون لديه انطباع عام بأنها من الكتب التي يعجز عن ايجاد مبرر واحد لوجودها. لا شيء فيها، باستثناء القالب الهش، يمت الى الرواية من قريب او من بعيد: 277 صفحة كاملة من السفسطة الكلامية واللغو الانشائي وضمور الخيال. لا عقدة متينة ولا حوادث مبررة ولا شخصيات مبتكرة، فقط بعض الافكار الهلامية المتناثرة هنا وهناك، والمعلوكة من فرط استهلاكها.
انها رواية الفراغ المدوي التي ربما ينتهي فيها كل شيء عند التمهيد القصير الذي تفتتح عليه ويختصرها كلها: "هو: عاشق لها، هي: عاشقة لنفسها!". انها العبارة النموذجية للنص الرخو واللغة الملساء التي لا يعلق فيها شيء ويسهل انزلاق القارئ عنها، وتبقى عند سطوح المشاعر والاحاسيس وقشور الطبيعة البشرية. واذ يبرز من وقت الى آخر استبسال واضح للتوغل اكثر في عمق الاشياء، تبدو هذه الجهود كاريكاتورية من فرط افتضاحها. فالكلام الكبير لا يصنع رواية جيدة. وحتى عندما يلجأ الكاتب الى اللهجة التخفّفية، يغلب التصنّع على نبرته فيسقط في الابتذال. اما النقطتان التفسيريتان وعلامة التعجب، فعيّنة مما سيجده القارئ على طول صفحات الكتاب من استخدام مفرط لهذه العلامات وسواها، والتي تفضح محاولات متكررة لسد فراغٍ تعبيري ما. ثم هناك شكل النص الخارجي الذي يغلب عليه الطابع التقريري، حيث يتكرر فعل القول مثل لازمة مضنية، لتصير الكتابة عن الحب برومنسية مفتعلة اقرب في بعض المقاطع، من حيث اسلوب العرض، الى الإرشادات الطبية. وكلما شارف الكتاب نهايته، كثرت على ألسنة الشخصيات افكار وآراء ونظريات يتم إمرارها بلهجة صحافية: الارهاب، وضع المرأة في الاسلام، اوضاع العالم العربي، مادية العالم الحديث، حال الكتاب في زمن التكنولوجيا، وسواها من الموضوعات - العناوين في نواحيها الاكثر تداولاً وتقليدية وخلواً من كل لمعة او تميّز. على غرار هذه، الحوار المجاني مثل الكثير سواه في السياق العام، بين البطل والبطلة: "- قالت: غداً... تعقد ندوة عن "ظاهرة الارهاب"، فهل تحضرها معي؟!
- قال: حلو... حقاً اتمنى ان اسمع مثل هذا الحوار المهم، الذي يهتم بحدث مزعج جداً... اخذ يتفشى الى انحاء الوطن الكبير... بعد تفجره من الجزائر، ثم مصر... وما اتضح عن الدور الغامض لميليشيات "الافغان العرب"، او العرب الذين كانوا يحاربون الى جانب المسلمين الافغان ضد الروس... وحولوا "جهادهم" اليوم الى: حرب عصابات، وتخريب، وقتل الابرياء".
هكذا يروح القارىء يفتش على طول الصفحات عن عذر واحد، عن مبرر واحد لوجود الكتاب - "الرواية"، فلا يقع في جسد النص الا على الثغر والفجوات التي تبدو اكثر كثافة من النص نفسه، اما في قلبه فلن يعثر الا على طنين قاتل (في مثل هذه الحالات افهم احراق صادوم وعمورة!). لكن لا يظنن احد ان اللامنطق الذي يكون احياناً رديفاً للمنطق نفسه، هو الذي يغلب على الكتاب، بل هو اللاشيء الذي يغلّفه. واذ يُستشف انه كان يبغي ان يقول شيئاً ما عن الحب الرومنسي والعلاقة بين الرجل والمرأة ومادية العالم الحديث (والجحيم مليئة بالنيات الحسنة!) يبدو واضحاً انه لم ينجح، باختياره النوع الروائي، الا في السقوط في الثرثرة الانشائية والرتابة والتطويل المنهكين. اما الغنائية والرومنسية المنشودتان فبقيتا مجرد رغوة في القالب الروائي تطفو على سطح حقيقة المشاعر وقلبها الصلب. فكم كان من الافضل للكاتب ربما ان يورد افكاره تحت شكل ادبي آخر غير الرواية... فلا تظلمه ولا يظلمها.
|
|
22-02-2006 , 06:15 PM
|
الرد مع إقتباس
|