|
مبدع
|
|
المشاركات: 2,307
|
#1
|
حوار بلا معنى
ساعة الشروق :
[ بدأت أشعة الشمس تبعث خيوطها الصفراء رويدا رويداُ ، لتعلن عن يوما جديد على عالمنا هذا ، لتزرع شيء من النشاط على بلدتنا الصغيرة في هذا الصباح الباكر ، وتدب الحركة في هذه المدينة بعد سبات الليل !
وفي مكان من هذه البلدة ، جلس محاورانا الذين يختلفان في الطباع يتأملان هذا المنظر في شرف أحد المنازل ]
الأول : يوم جديد !
ثانيا : وصباح جميل ..
الأول [ وبصوت متهدج ] : صحيح !!
الثاني [ وبضجر ] : حسناً ! وماذا بعد ؟!
الأول : ها قد بدأت تعلن عن ضجرك ! .. لكن ..
[ صمت ]
الثاني : حسنا ، هلا واصلت ؟
الأول : هل من جديد !
الثاني : أفصح ؟!!
الأول : حسنا .. سمعت من أحدهم في يوم أن الفجر لا يطلع إلا بعد حلكة الظلام ؟!
الثاني : وبعد ..
الأول : وأن منذ ذلك اليوم ، أنتظر ذلك الفجر ! ذلك اليوم الجديد ؟!
الثاني [ وبسخرية ] : حسنا ، ولا زلت تنتظر ؟!
الأول : [ صمت ]
الثاني : تعلم .. كم يزعجني تشاؤمك !
الأول : صحيح !!
[ وبدا السكون يسري في هذه المكان ، وقد مدى الأول بصره إلى بعيد وهو غارق في أفكاره ، بينما أخذ الثاني يتأمل صاحبنا ]
الثاني [ قاطعا هذا الصمت ] : إلى أين وصلت ؟!
الأول [ وبعد صمت للحظة يجمع فيها أفكاره ، ثم ] : هل تعلم أن الطبيعة تلقي كثيرا من الدروس..
الثاني : هاأنت قد بدأت تلقي بألغازك ؟!
الأول : حسنا .. أنظر .. هل ترى ذلك التجمع من الماء الراكد ؟!
الثاني : نعم .. وبعد !!
الأول : لقد كنت أرقبه منذ أسبوع مضى ، لم يكن حاله في بدايته كحالته الآن !
كان أعذب وأنظف من حاله الآن ، أما الآن فقد أفسده الركود !
[ صمت ]
الثاني [ وبابتسامة ماكرة ] : وبعد ...
الأول :لو ألقي عليه بعض من الماء لحسنت حالته بعد ذلك الكود !
الثاني [ وقد اتسعت ابتسامته ] : على أن يكون الماء المصبوب نظيف !
فلو كان هذا الماء بحجم النهر ، وقذف بمياه المجاري عليه لفسد جميع هذا النهر !
وحتى لو تجدد كل يوم ..
الأول : حسنا .. حسناً .. ومن يحدد أن هذا الماء نظيف !؟
الثاني : ليس يعنيني هذا .. وقطعا هناك من هم في دراية في هذا الأمر .. وإن كان بيدي الأمر .. لمنعت أي أمر أشك فيه ..
الأول [ مبتسما ] : يبدوا أنك تؤمن بالمثل العامي القائل : ( الباب الذي يأتي منه الريح سدوا واستريح ) !
الثاني : ربما !
الأول : وكبف تأمن عدوك في خارج دارك ؟!
الثاني : أنا قوي في داري ، ولدي من السلاح ما أدافع عن نفسي ..
الأول [ وبسخرية ] : حسنا فلتهنأ بنفسك وقوتك !!
الساعة السابعة والنصف ، موعد العمل ، عن إذنك !
-------
ساعة الظهيرة ..
الثاني : الجو جميل الآن ، السحب بدأت تحجب وجه السماء ، يبدوا أن بشر الخير ستهطل علينا .
لقد انقطعت الأمطار علينا منذ زمن ، ونادرا ما ترى مثل هذا الجو البديع ، وهذه السحب الممطرة .
الأول : [ غرق في تأملاته ، وهو يتأمل السحاب ]
الثاني [ وقد لاحظ ذلك ] : إلى أين وصلت ؟
الأول : هل سمعت بذلك المثل الشهير الذي يقول : ( القافلة تسير والكلاب تنبح ) ؟!
الثاني [ ضاحكا ] : وهل من شخص لم يسمع به ! ما اكثر ما سمعت به في الاتجاه المعاكس ؟!
الأول : كنت اسأل نفسي منذ زمن أن كان هذا المثل عربي الأصل ! وقد بحثت عن هذا ، وعجبت أن هذا المثل ليس له علاقة بالعرب !!!
الثاني [ وبذهول ] : صحيح !! مع أني كنت أعتقد أنه لم يخرج إلا من جماعتنا ؟!
الأول : كنت أعتقد مثلك بهذا الشيء ، لكن كان ما يحيرني قصة سير القافلة !؟
الثاني : لم أفهم ! ماذا تقصد ؟!
الأول :ولو اعتقدت أنك لماح !
الثاني : دعك من هذا ، وأفصح ماذا تعني بهذا ؟!
الأول : هل ترى من قافلة تسير في عالمنا ؟!
الثاني : لم تنصف ؟
الأول [ وأكمل متجاهلا هو يتأمل السحاب مرة أخرى ] : لكني وجدت مثلا قريبا منها ويصف طقسنا تماما ..
الثاني : صحيح !!
[ ثم واصل سؤاله ] : وماذا يقول ؟!
الأول : " ما ضر السحاب نبح الكلاب " !!
الثاني : حسناً !!
الأول : ؟!
الثاني : لم أجد من اختلاف في المثلين ؟!
ولا أدري لم جعلت هذا المثل أقرب من مثل القافلة !!
الأول : يبدوا أنك لا تتبع نشرة الأحوال الجوية !
الثاني : أهااا ! تقصد ذلك الجفاف الذي يضرب بلادنا !
الأول : ألم أقل أني عهدتك لماح !
الثاني : دعك من السخرية !
وقل لي هل كان اللجاج في الحوار سنة في الأولين ، أم هي بدعة ابتدعناها ؟!
الأول : لا أدري ! .. لكن .. يدعي الجاحظ أنه رأى رجلين من البصرة والكوفة بالبصرة تنازعا على نوعين من العنب فقطع الكوفي إصبع البصري ، وفقأ البصري عين الكوفي ، لم يلبثا حتى تصفيا وكأنه لم يكن بقع بينهم أي أمر !
ويدعي أبو حيان التوحيدي عن أبو حامد المورزودي أنه قال : أنا منذ أربعين سنة أجتهد مع أصحابنا البصريين في أن أصحح عندهم أن بغداد أطيب من البصرة ، وأنا اليوم في كلامي معهم كما كنت في أول كلامي لهم ، وكذلك حالهم معي !
[ وفجأة صدر نداء من داخل الدار يعلن عن موعد الغذاء ، فقطع هذا حوار صاحبينا ]
------
ساعة الغروب :
[ بدأت الشمس تختبئ خلف سطح البحر الذي لا حدود له ، مشكلة لوحة لمنظر بديع انعكست فيه أضواء الشمس الحمراء على سطح البحر الأزرق ، مكونة تشكيلا من الألوان المختلفة ، وقد كان للون البرتغالي غلبته الملحوظة ، بينما أصبح الظلام يغزوا رويدا رويدا عالمنا هذا ]
الأول [ وهو يبتسم ] : كان أجدادنا الأقدمون يعتقدون أن الشمس تسبح في هذا البحر ؟!
الثاني : بل قل كان الجهلة منهم يعتقدون بذلك ..
الأول : [ مبتسم ]
الثاني : حسنا ، ولما هذه الابتسامة ؟!
الأول : تذكرت ما ذكره ابن خلدون في مقدمته !
الثاني : وماذا قال ؟!
الأول : كان يجهل القصاصين لأنهم كانوا يدعون أن رجل من العمالقة الذين قاتلهم بنو إسرائيل في الشام ، كان لطوله يتناول السمكة من البحر ويشويه إلى الشمس !
الثاني : ما أجهلهم !!!
الأول : الأعجب من هذا أن ابن خلدون يجهلهم لأن الشمس كما يعتقد ليست بالحارة وإنما هي في نفسها لا حارة ولا باردة ، أنمتا هي جسم مضيء فحسب !
الثاني : عجيب !! هل يقول هذا ابن خلدون ؟!
الأول : يزعم أحد المعاصرين أنه قد سرق إرث أخوان الصفا ..
الثاني : لا أعتقد ذلك ؟!
[ صمت ]
الثاني : هل تشك في هذا ؟!
[ بينما أخذ الأول يتأمل نجوم السماء ، وقد احتجبت الشمس خلف البحر غاطسه في الكون ]
الأول : لقد غربت شمس العرب منذ زمن ابن خلدون ، ولم تشرق بعد حتى الآن ؟!
الثاني : لم تجب بعد ؟!
الأول : ورغم هذا فكانت هناك نجوم تضيء سماء العرب !!
الثاني : بدأنا في الألغاز !
الأول : وحتى لو كانت حرارتها لم تصل إلا أرضنا !!
الثاني : مللت منك ،، ومن حديثك ،، هيا بنا نرحل
---------
منتصف الليل :
الأول : ما احلكه من ليل ؟!
الثاني : وما أطوله من ليل ؟
الأول : وما أطوله من ليل ؟!!
الثاني : ماذا بعد !؟
[ صمت ، بينما يتأمل الأول ذلك الظلام المحيط ، وأخيرا ]
الأول : يقول أحدهم أن الشمس تشرق من الشرق
وأن النور يأتينا من الغرب !!
الثاني [ بغضب ] : كلام سخيف !
قائله مسلوب الإرادة ، مصاب بعقدة الخواجى !
الأول : لذا لم يتبعه أحد !!!
الثاني : أنا أعلم بك !
لا أحسبك تتبع هذا !؟
الأول : أنت تعرفني ..
الثاني : من يدري !!
الأول : لكن لا أتبع أيضا أولئك ؟!
الثاني ( ضاحكاً ) : خير الأمور أوسطها .
وأكمل : ورغم هذا فهما في صراع ..
الأول : الحق أننا جميعا في صراع ..
الثاني : حقا !
الأول : اختلط الحابل بالنابل
وعصفت بنا الأحزاب
الثاني : صدقت ..
الأول : وجحافل التتار على أبواب بغداد !
الثاني : مريع ..
الأول : ولا زال أهل باب البصرة وباب الكرخ هم هم !
الثاني : بدأت أخاف ؟
الأول : ويبدوا أن ليلنا سيطول !!
الثاني : ألم أقل لك من قبل أنه يزعجني تشاؤمك !
[COLOR=red] ســـوالف الأصــــدقـاء[/COLOR]
|
|
12-11-2002 , 05:31 AM
|
|