أيها المسلمون :
لقد استحكمت غربة الدين وعظمت المصيبة على كثير من المسلمين في كثير من البلاد بسبب إفشاء الفساد وإشهاره ومداهنة بعض الناس في إنكاره ، وإن أطمّ المصائب وأوضع المراتب أخذ المال السحت على الإقرار عليه وحماية فاعله من أن يتوصل للإنكار عليه .
فأين القائمون لله ؟ الذابون عن دينه ، الذائدون عن محارمه ، بمجاهدة عدوه وأهل معصيته .
عباد الله :
إن مما يبعث على الحرقة والأسى .. أن يرى المسلم في مجتمعه وأمام عينيه صوراً ممرضة وأحوالاً مرضة من المنكرات والمحرمات فلا يجد لذلك في نفسه نساً ولا حساً ولاتوجعاً ولا إلتياعاً ، فأي ركن قد وهى ؟ وأي نور للإمة قد ذهب واختفى ؟ نعوذ بالله من اندراس معالم هذه الشعيرة واستيلاء المداهنة على القلوب وذهاب الغيرة الدينية .
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ياخير أمة أخرجت للناس :
أين الحمية التي تتأجج في صدوركم لدين الله ؟؟ أين الغضب ؟؟ أين تمّعر الوجوه ؟؟ في انتهاك حدود الله ، تقول عائشة رضي الله عنها :
ماضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا إمرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ومانيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم .
أيها المسلمون
تعاقدوا وتعاهدوا أن تنصروا شريعة الرحمن وقوموا قومة تُعلي راية الإيمان وخذوا على أيدي سفهاءكم قبل استفحال الداء وإعواز الدواء واعلموا أن التواكل والتلاوم والتحسر والتضجر دون عمل وجد واجتهاد وأمر ونهي ودعوة وإرشاد لايغير من الواقع شيئاً ، بل هو داعية غم وهمّ وفتور وإحباط .
إننا لانريد غيرةً لاتعدوا أن تكون مجرد معان نتمناها بأذهاننا أو نحسها مجردة في مشاعرنا ، إننا نريدها باعثاً قوياً وواقعاً عملياً وعملاً إيجابياً لخدمة دين الله والانتصار لشرع الله وفق القيود الشرعية والضوابط المرعية.
أيها المسلمون :
إن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة جسيمة ذات أعباء لايقدر عليها إلا الكمّل من الرجال ، هي مهمة الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، مهمة تصطدم بشهوات الناس ونزواتهم وغرورهم وكبرياءهم وهبوط السفلة منهم ، ولابد أن ينال القائمين بها شيء من الاعتداء والأذى .
فصبراً صبراً ياأهل الحسبة ، فقد أوذي إمامكم وقائدكم خاتم الأنبياء وإمام الحنفاء محمد صلى الله عليه وسلم فصبر وصابر حتى نصره الله
{ ولا مبدّل لكلمات الله } { ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز }
أيها المسلمون :
إن إيذاء المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو الاعتداء عليهم أو الطعن فيهم أو تضخيم أخطاءهم وبث الإشاعات الكاذبة عنهم جرم عظيم وذنب كبير تصيب المرء مغبته ومعرّته ولو بعد حين ، يقول جل وعلا :
{ إن الذي يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) رواه البخاري
فاحذروا من الانخداع بمقالات الجاهلين أو الانسياق وراء أكاذيب الحاقدين ومايدور على ألسنة المغرضين ، يقول جل وعلا :
{ يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } .
بارك الله لي ولك في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً ..
عباد الله :
اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولاتعصوه :
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ))
أيها المسلمون :
اعلموا أنه لا يجوز أبداً إجارة مركوب أو دار أو دكان لمن ينتفع بها في معصية الله ، أو يستخدمها لبيع ما حرم الله لما ينشأ عن تأجير هؤلاء من الأضرار المتعدية ونشر المنكر بين المسلمين
فاحذروا أن تساعدوهم أو تساندوهم أو تعاقدوهم أو تقاعدوهم واستجيبوا لقول المولى جل وعلا :
{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } .
عباد الله :
ارحموا أهل المعاصي والمنكرات ارحموهم وأرشدوهم ووجهوهم فالراحمون يرحمهم الرحمن ، أنقذوهم من الضلالة والعمى وبصّروهم طريق الرشاد والهدى ، واهجروا من أصر منهم على معاصيه وجاهر بفسوقه ومخازيه .
يقول بعض أهل العلم :
وهجران من أبدى المعاصي سنة .. وقد قيل إن يردعه أوجد وأكد
وقيل على الإطلاق مادام معلناً .. ولاقه بوجه مكفهر مربد
عباد الله :
إن المعلوم بمقتضى النصوص والمشاهد بالواقع المحسوس أن هجران المجاهرين بالمعاصي والمنكرات المصرين على باطلهم وفسقهم وإقامة الحدود والتعزيزات عليهم له الأثر الأكبر والنصيب الأوفر في إضعاف المعاصي واضمحلالها .
يقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : تحدث للناس أقضية على قدر ماأحدثوا من الفجور . وقد قيل : من استرخى لًبًبه ساء أدبه ومن أمن العقوبة أساء الأدب .
فلا بد من القوة والحزم مع ضرورة تجفيف منابع الشر وسبل الفساد وإلا انطبق علينا قول القائل :
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له .. إياك إياك أن تبتل بالماء
أيها القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
اعلم أن العلم إمام العمل ، فلتكن عالماً بما تأمر ، عالماً بما تنهى ، رفيقاً فيما تأمر ، رفيقاً فيما تنهى ، حليماً فيما تأمر ، حليماً فيما تنهى ، وليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ، ونهيك عن المنكر بلا منكر ..
عباد الله :
كونوا للحق أعواناً
{ ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } ، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وانسه فقال قولاً كريماً
{ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً }
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وفضلك وإحسانك ياأرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين .. وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا .. وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ووفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد .. يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يارب العالمين اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين وكشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يارب العالمين اللهم انصرهم على القوم الظالمين ونجهم برحمتك من القوم الكافرين وحقق لهم النصر والتمكين يارب العالمين .
عباد الله :
إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .
المصدر :
http://www.alsalafyoon.com/ArabicPo...ERAmrMaroof.htm