|
مبدع متميز
|
|
المشاركات: 5,287
|
#1
|
( قليل من الحوار يثمر : ... حديث الروح للروح يسري )
بسم الله الرحمن الرحيم
= =
قالَ أخي وهو يحاورني ذاتَ يومٍ :
دعنا نعطرُ مجلسنا هذا بحديث الروح للروح ، فـ :
حديث الروح للأرواح يسري ** وتدركه القلوب بلا عناء
ثم تبسم وواصل كلامه قائلاً :
من يدري لعلنا بهذا الحديث الشجي ، نحرك جملةً من المعاني الراقية
الدفينة في طيات قلوبنا ، فينفعنا الله بها في مستقبل أيامنا ..
بل أقول لك الحق ، ولن أقول لك غير الحق :
أن مجلساً هذا شأنه ، لا أشك إلا أن أهله يُعرضون قلوبهم لنفحات الله ،
تهب على أرواحهم فتحييها ، وهذا ما نأمل أن نصل إليه ..
وهل غايتنا إلا أن يرضى الله عنا ؟
ثم إننا بهذا ومثله نجعل مجالسنا متميزة ، بين مجالس الآخرين
ممن يقضوك أوقاتهم في قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة الجهد والمال !
قلت وأنا أشعر بحالة فرح غير عادية تهب على قلبي المكدود :
أحسب أن الله ساقكَ إليّ في هذا اليوم ، لتنتشلني من حالة إحباط تسللت
إلى نفسي ، فإني أحسب أن الله أراد بي الخير بالجلوس إليك ،
والحوار معك ، والانتفاع بك .. فسبحان الله الذي ساقك في هذا الظرف بالذات ..!
قال صاحبي وهو يحاورني :
إذن دعني أسألك وأسأل نفسي في نفس الوقت :
ماذا أثمر لك الإيمان بالله جل جلاله ، وأنت تمضي في رحلة الإيمان منذ سنوات !؟
صمتُُ ولم أنبس بكلمة ، وقبل أن أجيب استرسل في كلامه قال :
لا أنتظر منك جوابا ، لأن السؤال أسوقه كذلك إلى نفسي !
فدعني أفرغ ما في نفسي ، كأنما أحدث نفسي ..!
قال :
الأصل أن روح الإيمان إذا سرت في حنايا القلب ، فتلبست بها الروح ،
وهزتها ، أن يثمر لك ذلك ثمرات كثيرة ورائعة ومبهرة ومبهجة ..
منها :
أن تجد إنشراحاً في النفس ، وبهجة في الروح ، وطمأنينة في القلب ،
وأنساً في الوحدة ، وهمة في العمل ، ورغبة في المعالي ، وشوقاً إلى الآخرة ،
وضيقاً من المعصية تتعثر فيها ، وحرجاً شديداً من طول الغفلة عن الله سبحانه ،
إذا مرت بك ساعة تغيب فيها عن الله مشغولاً بهواك !!
بل يثمر لك الإيمان العميق استسلاماً عجيبا ومبهراً للقضاء والقدر _ مع العمل اللازم لمدافعة قدر الله بقدر الله _ !
ولهذا نلح دائماً ونعيد ونكرر لنقرر :
إن الإيمان بالله أعظم هبة من الله لهذا الإنسان على هذه الأرض ،
نعم والذي فطر الخلق وبرأ النسمة ، إن الإيمان بالله سبحانه هو أعظم
نعمة على الإطلاق ، ولا توازيها أية نعمة مهما كانت ومهما بلغت ،
ومهما عظمت في عيون الناس ..!
بالإيمان العميق المتغلغل في جذر القلب ، والذي تتشربه الروح ،
وتنفعل معه وبه النفس ، وتشع أنواره في زوايا القلب ، بهذا الإيمان
يأوي الإنسان إلى ركن ركين شديد ، ويجد الإنسان في يده أقوى سلاح
على الإطلاق ، يواجه به شدائد الدنيا ، وفتن الحياة ، وأكدار الزمان
، وتقلبات أحوال الناس معه وعليه ..!
إن من أعظم ثمرات الإيمان :
أنه يزرع في القلب ( تعظيم ) الله سبحانه في القلب ، تعظيماً يتولد
عنه الهيبة من الله ، والحب له ، والانجذاب إليه ، والتفكير الدائم
في مراضيه ، والحرص على تحصيل رضاه ، والثقة به ، وحسن التوكل
عليه ، واليقين أن خزائن كل شيء بيده وحده ، ليس لقوة في الأرض
شيئاً منها ، ومن ثم يطمئن إلى ما قضاه له ، وقدره عليه ،
ويقنع بما يسره له ، ويديم المراقبة له ، ويعيش بقلبه معه ،
ودوران اللسان بذكره ومناجاته ، والحديث عنه ، والدعوة إليه ،
بل ويثمر الحياء منه .. والحياء لا يأتي إلا بخير ،
ولا يتولد عنه إلا كل خير .. !
وهذه الثمرات كله ليست سوى غيض من فيض ، وقطرة في بحر ،
فإنما ذكرنا رؤوس أقلام ، وعناوين ، وإلا فإن الأمر أبعد مما ذكرنا ..!
ومن ثمّ فيلزم الإنسان العاقل الذي وقف على مثل هذه الثمرات وعرفها أو سمع عنها :
أن يجعل همه مقصورا محصوراً في تحصيل هذا الإيمان ، وغرس شجرته
في أرض قلبه ، ثم رعايته وتعهده ، والعناية به ، وتجديده ،
وتفعيله ، وتقويته ، ومراقبة ثمراته ، وأين وصل منسوبه ،
وماذا بعد الخطوة التالية ، وكيف يتم صقله وتجديده ، وهكذا ..
إن الإيمان شجرة طيبة مباركة أصلها ثابت في جذر القلب ، وفروعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ..!
سكت أخي بعد هذه الرحلة الشجية المشرقة ، التي شعرت بصداها
وبركتها بوضوح في قلبي ، فبادرت أسأله حتى يتصل حديث الروح للروح ،
ولا ينقطع عند هذه المحطة . قلت :
فكيف يزيد الإيمان ويقوى ويتجذر ..!؟
قال :
إن مما يحفظ الإيمان ويزيده ويقويه ويصقله ويجدده أمور كثيرة منها :
كثرة ذكر الله سبحانه في كل وقت وحين ، وحيثما حملتك قدماك ،
منذ مطلع الصباح وحتى تضع رأسك على الوسادة لتنام ...
ذكر دائم لا ينقطع ، ولسان لاهج لا يمل ولا يكل ..
وجرعة أخرى مصاحبة : هي الإقبال بهمة على النوافل
_ ولكن بعد الفراغ من الفرائض أولاً _
فإن النوافل طريق لتحصيل محبة الله لك ،
وجرعة ثالثة :
وهي كثرة الإقبال على كتاب الله سبحانه ، قراءة وتدبرا
ومدارسة مع غيرك ،
وجرعة رابعة ، وهي :
إدامة التفكر في اسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا ، وآثارها
في دنيا الواقع ، والتفكر في نعم الله عليك وعلى الخلائق ،
وآلائه عندك وعند غيرك من الذرة إلى المجرة ، والتفكر في الدنيا
والآخرة ، والجنة والنار ، والتفكر في حسن تصاريف الله معك ،
ولطفه بك ، ورحمته لك ، وحلمه عليك ، وفرحه بعودتك إليه ،
إن التفكر في مثل هذه المعاني من أرقى الأعمال عند الله ،
فإن دقائق من حسن التفكر في هذه الدوائر قد يكون بمثابة شرارة التفاعل بين قلبك وبين الإيمان الحق الذي سيفجر ينابيع قلبك كلها ،
وتجني منه خيرات وبركات وأنوار هذه النعمة العظيمة الجليلة ..
ولا ننسى أن مما يزيد الإيمان قوة وصقلا وبهاء :
متابعة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والتأسي به ، وذلك معناه:
أن تقبل على سيرته وسنته وتعيش في رحابها وتلتقط دررها ،
وتعمل بما تسطيع العمل به ، وتجاهد نفسك على ذلك ،
ثم جرعة أخرى وليست أخيرة :
وهي أن تحمل هم الدعوة إلى هذا الدين تبلغه إلى الآخرين حيثما رحلت أو نزلت ، بالحكمة والموعظة الحسنة ،
تبتغي وجه الله سبحانه ..
قال الراوي :
هززت رأسي وأنا أداري وجهي عن أخي ،فقد ترقرقت عيناي بالدموع
وأخذت ألهج بالدعاء أن يكرمني الله بمثل هذا الإيمان ،
ويحققني بمثل هذه المعاني الراقية .
= = =
الموضوع : خلاصة حوار طويل ذو شجون حول هذه المعاني الراقية.. وبالله التوفيق ..
|
|
01-11-2006 , 09:57 PM
|
الرد مع إقتباس
|