|
عضو نشيط جداً
|
|
المشاركات: 361
|
#3
|
زاهي وهبي :
للشعر وللفن عموماً بوصفهما شكلاً من أشكال الدفاع عن الأمل
يقظان التقي
لو حَظيَ الشّعرُ والشعراء بالاهتمام الإعلامي المطلوب
لكانوا أشَدّ تأثيراً في المجتمع والناس
صدر للشاعر زاهي وهبي عن "رياض الريس للكتب والنشر" مجموعة شعرية جديدة "ماذا تفعلين بي" هي المجموعة الشعرية الرابعة بعد "في مهب النساء" و"صادقوا قمراً" و"حطاب الحيرة".
في مجموعته الجديدة زاهي وهبي كله، على نضارة الحب. يكتب حباً، وجه تعرفه على مؤانسة ودفء وعلى صداقات مفتوحة مع المدينة والناس وفي وحدة عضوية عميقة ومنضجة تتماهى مع اهتمامات ومحمولات سياسية واجتماعية. لكن إنسانية أولا.
تؤكد المجموعة الجديدة على أسلوب الشاعر في الكتابة الأقرب إلى غناء وماء القلب والوجدان الشفيف.
من الشعر إلى الإعلام ومن الإعلام إلى الشعر تتحرك قصيدة الشاعر على مرمى قريب من اللغة والناس، وتقول أشياءها بلهجتها النقية بتجريدات بسيطة غير مواربة بالكاد تجرح ذاتها كمرآة شعورية مرهفة وحساسة. هنا الحوار:
***
* كتابك الرابع يأتي كله حباً، لماذا الكتابة فقط عن الحب؟
ـ اسمّي نفسي شاعر حب، لكن أميز بين شعر الغزل وشعر الحب، لأن مفهوم الحب اشمل وأعمق من مجرد التغزل بالحبيبية وبصفاتها. انه حب للحياة، وللأرض وللأهل وللأصدقاء، والأمكنة، وبالتأكيد للمرأة الحبيبة التي تمتزج أحيانا بكل هؤلاء، أو تحلق وحيدة في فضاءات الشعر، والغواية.
منذ بداياتي وأنا شغوف بالغوايات الجميلة والنبيلة فى آن، وأجمل هذه الغوايات ان تناديك امرأة إلى قبلة، أو إلى قصيدة، محرضة إياك على ارتكاب فعل الكتابة في زمن يتراجع الحبر فيه لتتقدم أدوات أخرى كثيرة.
أسلوب البساطة يكاد يكون مقيماً في شعرك، إلا يوقعك هذا أحيانا في السهولة. صحيح * * البساطة تصل إلى الناس، لكن أحيانا تصل إلى السهولة؟
ـ هذا النوع من الشعر أشبه بميزان الذهب، وأي خطوة زائدة تتحول فوراً إلى خطوة ناقصة. أسعى جاهداً ان أكون من ذلك السهل الممتنع الذي أرساه شعراء كبار من دون ان أقع في السهولة والتبسيط. ولعل دليلي في هذا الدرب هو الصدق مع الذات. أحاول ان أكون نفسي دائماً بلا تكلف أو تعقيد. ولكن أيضا بلا مجانية وبلا سعي إلى إرضاء الآخر المتلقي بأي ثمن. لا يشكل لي الآخر هاجساً إلا بمقدار ما هو مرآة للذات. وحقاً اشعر إنني كلما اقتربت من نفسي كلما اقتربت من الآخر.
* تأثر بمن تأثرت من الشعراء الكبار؟
ـ هناك ثلاثة شعراء أثيرون إلى نفسي: نزار قباني ومحمود درويش وأنسي الحاج. والأخير خصوصاً في "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع". هذا فضلاً عن تفاعلي الحميم مع تجربة الشاعر محمد الماغوط. لكني متحرر من سطوة هؤلاء جميعاً لأنني فعلت بنصيحة أبي نواس التي تتلخص بما معناه أن على الشاعر ان يقرأ الآخرين خصوصاً الذين سبقوه. لكن عليه ان ينساهم أيضا ليستطيع كتابة ذاته. وما القصيدة سوى ذات شاعرها. وأود ان أضيف اسماً أيضا عندي هو المعلم شوقي أبي شقرا، الذي قد لا أكون قد تأثرت بأسلوبه الشعري أو مدرسته الشعرية. ولكني ولا شك تأثرت بعلاقته مع اللغة وأسلوب تعامله معها. هذا الأسلوب الذي يبدو عفوياً وتلقائياً. لكنه في الواقع ينطلق من دراية عميقة باللغة وأسرارها وعوالمها الداخلية. إنه من القلائل الذين تنطبق عليهم صفة المعلم.
* أنت ذهبت من الشعر إلى الإعلام، هل تذهب من الإعلام إلى الشعر، وماذا عن مترتبات ذلك؟
ـ لأعترف أن الأمر أربكني في البداية ومررت بمرحلة من التردد بين هذا وذاك. لكن لحسن الحظ أن عملي التلفزيوني يشتمل على احتكاك أسبوعي بمبدعين كبار من شتى المجالات. وهذا العمل جعلني أقرأ بطريقة أفضل حتى من الذي سبق لي أن قرأتهم فيما مضى.
ليس هيناً أبدا ان تلتقي بأربعمائة ضيف بينهم أمثال: سعيد عقل، واد ونيس، ومحمود درويش والطيب الصالح، ومحمد الفيتوري، وسعدالله ونوس وبول شاوول، وكوليت خوري وسليمان العيسى، ولميعة عباس عمّارة الخ.
كل هذا شحنني بمزيد من الطاقة وأدخلني أكثر في هذا العالم الذي هو عالمي الحقيقي. ثم ان التلفزيون بما وفره لي من شهرة وكيان معنوي بالمعنى الاجتماعي حرر قصيدتي من ان تكون وسيلة أو أداة اجتماعية. قصيدتي باتت غاية بذاتها، اكتبها لأجل الشعر ولأجل الشاعر فقط لا غير.
* لو لم تكن على هذه الشهرة، هل كنت غيّرت الأسلوب الشعري البسيط. بمعنى آخر هل أسلوبك هذا ينسجم مع إطلالتك على الناس، أي الإطلالة الشفيفة والرقيقة بالضرورة؟
ـ قد اترك هذا الأمر للنقد فأنا لا استطيع رؤية نفسي أو قراءة تجربتي كما يفعل الآخر. لكني على ايمان بأنه كلما ازددت خبرة ونضجاً ازددت بساطة وسهولة.
العمق ليس بالضرورة تعقيداً للأمور. اذكر أنني سمعت فلاحاً جنوبياً يبكي قرب أنقاض منزله المدمر أثناء العدوان الإسرائيلي على الجنوب 1996 ويقول للصحافي الذي يقابله: "أنا لا أبكي على البيت المهدم، استطيع ان ابني بيتاً سواه. لكني ابكي على شجرة غرستها منذ أربعين عاماً. هل اضمن ان أعيش أربعين عاماً أخرى لأغرس شجرة سواها". أتمنى ان تكون علاقتي باللغة، بالشعر، وبالحياة قبلهما كعلاقة هذا الفلاح بشجرته التي أظن انها أكثر شعرية من كثير مما يرتكب تحت اسم الشعر أو الغموض أو ما شابه ذلك.
* هل يمكن معك كنجم تلفزيوني، هل يمكن ان تكتب شيئاً شعرياً يصدم الناس كلغة ومفردات؟
ـ أحيا كإنسان أولا وكشاعر. ولا أتعامل مع نفسي كنجم. حياتي اليومية وأمكنتي وصداقاتي، كلها تدور في فضاء الشعر والكتابة. لأنني انتمي إلى هذا العالم أولا وأخيرا، وأؤمن إيمانا راسخاً ان ضوء الحقيقة أكثر نفاذاً وإشعاعا من أي ضوء آخر. الشعر هو الأنقى والابقى من كل ضوضاء الشهرة، وضجيجها أو صخبها. لذلك اكتسب ما اشعر به وما أحس به وما أؤمن به من دون تردد ومن دون وجل أو خوف من مقتضيات الشهرة وما توفره من علاقات اجتماعية. ودليلي على ذلك انه في هذا الكتاب نفسه الذي يبدو للوهلة الاولى كتاب حب فقط هناك قصائد قد تجيب على ما يضمره السؤال ومنها مثالاً قصيدة بعنوان:
"أعرف بلاداً".
الحرب
* ماذا أثرت الحرب في قناعاتك الثقافية والسياسية والإيديولوجية والشعرية؟
ـ في هذا الكتاب كما في كل كتاباتي رفض للحرب باعتبارها فعلاً معادياً للحياة، أي معادياً للحب والشعر ولمقدرة الكائن الإنساني على الخلق والابتكار. صحيح نتعلم من تجربة الحرب ونتأثر بها ونكتبها. لكني ابداً لا أمجدها، ولا أتغنى بها. ولا استخدم أدواتها ومفرداتها في قاموسي الشعري. إنني امقت الحرب، وامقت كل ما يمت لها بصلة مع احترامي لتجارب الآخرين ولأسلوب معالجة هذا الأمر من قبل أصدقائي وزملائي في الشعر وفي الحرب.
* عودة إلى الشعر والإعلام. ماذا أعطاك الإعلام بالشعر، وماذا أعطى الشعر للإعلام. هل هناك علاقة؟
ـ في كل الأمسيات التي أشارك فيها ألاحظ ويلاحظ الأصدقاء والزملاء والشعراء أن نسبة الإقبال على هذه الأمسيات تكون مرتفعة قياساً بسواها (أمسيات في القاهرة وعمان وحلب واللاذقية وفي المعاهد الجامعية)، واعرف ان غالبية الذين يأتون ربما يأتون بسبب الإعلامي وبفضول التعرف إلى ما يفعله هذا الإعلامي خارج الشاشة، داخل الكتاب. اعرف هذا الأمر. لكن ما أتمناه ان يستدرج الإعلامي محبيه إلى الشعر. ان ينقلهم من الشاشة إلى الكتاب، ويعزيني ان ما يقدمه الإعلامي لهؤلاء هو مادة جادة تحترم عقولهم وذائقتهم. وهذا معناه ان الناس يأتون إلى ما هو جاد بعكس ما يروج أحيانا تحت مقولة "الجمهور عايز كده".
* أنت شاعر لك تجربتك السياسية والاجتماعية. هل شيء طبيعي ان لا تكتب عن هذه التجارب؟
ـ في هذا الكتاب بالذات، معظم القصائد تتضمن موقفاً لا أريد ان اسميه سياسياً. لكنه موقف إنساني رافض للظلم وللطغيان وللاستبداد وللاحتلال. موقف ينحاز بوضوح إلى الفقراء والى المضطهدين والى الحالمين بحياة اخف وطأة. وهذا الأمر لا ينبع فقط من قناعة سياسية وأيديولوجية. انه ينبع من فهم للشعر وللفن عموماً بوصفهما شكلاً من أشكال الدفاع عن الأمل. لا يستطيع الشاعر حتى لو اكتأب أو أحبط. إلا ان يشير إلى الأمل، ويشير إلى بصيص الضوء في نهاية النفق. هذا الذي تعلمته من كل الذين تأثرت بهم وأحببتهم.
* هناك من يقول ان الشعر العربي قد مات كيف ترى إلى ذلك؟
ـ اشعر انه رأي متسرع وعجول، وفيه شيء من الخفة. لا يستطيع الشعر ان ينجب عمالقة كل سنة أو سنتين. لكن لو استعرضت الخارطة الشعرية العربية لوجدنا قامات عالية جداً وفي كافة الأجيال. وهؤلاء لا زالوا يكتبون وينشرون ويقيمون الأمسيات والندوات والأنشطة. ويقولون ما في هذه الحياة من حلو ومرّ. لكن المشكلة ان لا الشعر ولا الشعراء يخطون بفرجة متساوية مع الفنون الأخرى من الناحية الإعلامية والتسويقية أو الترويجية.
ازعم انه لو حظي الشعر والشعراء بالاهتمام الإعلامي المطلوب لكانوا اشد تأثيراً في المجتمع والناس. وبالله عليك كيف يمكن للشعر ان يموت ما دامت الحياة مستمرة؟ أليس الشعر صنو الدمعة والابتسامة والاشتياق واللقاء ولكل هذه الانفعالات الإنسانية. إلا يصل الشعر إلى الناس من دون ان ينتبهوا أحيانا وبطرق مختلفة لا تنحصر في الكتابة؟
لماذا يحب الناس كاظم الساهر أكثر من سواه. أليس لأنه غنى الشعر؟ لو فعل عشرة مطربين مع عشرة شعراء ما فعله كاظم الساهر مع نزار قباني لكان الأمر الآن مختلفاً.
ربما الذين ماتوا ونضبت مخيلتهم يظنون ان الشعر قد مات.
كيف ترى إلى الشعر اللبناني اليوم؟
ـ الشعر اللبناني في نظري يمثل اليوم زهرة الشعر العربي وزهوته. يتميز بالنضارة المائية والانسيابية القريبة إلى النفس. حتى في أكثر تجاربه الاختيارية التي تسعى إلى محاكاة وابتكار أنماط شعرية جديدة. طبعاً هناك كم قد يكون على حساب النوع. ولكن في خضم هذا الكم تشعر انك تستطيع ان تتلمس اضاءات تؤكد هذه النظرة التفاؤلية إن صح التعبير.
خليك بالبيت
* برنامج "خليك بالبيت مستمر"؟
ـ حتى إشعار آخر. ألا تقترب الأمور أحيانا من الملل والضجر؟
ـ اشعر، وبدون مبالغة ان للشعر دوراً في بقاء هذا البرنامج. ربما لو لم أكن شاعراً لما ارتاح اليّ ضيوفي ومن يشاهدني بهذا الشكل، ولما شعروا بتميز هذا البرنامج عن سواه. ينبغي ان اعترف بفضل الشعر على "خليك بالبيت". لكن بفضل تلفزيون "المستقبل" أيضا، والذي من دون مجاملة أعطاني هامشاً واسعاً من الحرية، ولولاه لما عاش البرنامج كل هذه السنوات. تنوع الضيوف والموضوعات منح "خليّك بالبيت" مزيداً من القدرة على البقاء.
أيضا هناك الفضل الأكبر للناس. للناس الذين لم ينصرفوا عنه على الرغم من كل هذا الوقت، وأكدوا ان المادة الثقافية والإنسانية بشكل عام حين تكون مبسّطة وسهلة مع الحرص على العمق الضروري، تصبح مادة جذابة وشعبية. صدقني حلقات بعض الشعراء كانت أكثر صدى ونالت أكثر من حلقات أخرى لنجوم جماهيريين أمثال حلقات: احمد فؤاد نجم وسعيد عقل، وسليمان العيسى وادونيس ومحمود درويش وبول شاوول، وعمر الفرّا وعصام عبدالله، ولميعة عباس عمارة وغيرهم. كل هذه الحلقات نالت اهتماماً كبيراً على عدة مستويات جماهيرية وصحافية.
* يبدو لي برنامجك كأنه بقايا المدينة العربية اليوم؟
ـ سوف اعتبر السؤال نوعاً من الإطراء، مشيراً إلى إنني اشعر أحيانا بالانتماء إلى مدينتين: بيروت كما عرفتها في زمن الحرب بشراستها وقسوتها وحنانها ومودِّنها وبأملها آن ذاك بأن تنتهي الحرب. وان تعود الحياة إلى مجراها.
يومها كانت القصيدة دليلاً على الحياة. كنا نكتب لنحيا. كنت انظر واقرأ في صفحة الجريدة لأتأكد أنني لا أزال على قيد الحياة، وأن اسمي يذيّل قصيدة ما ولا يتصدر نعيّاً لشهيد ما. واليوم انتمي إلى مدينة لا تزال تتلمس صورتها الجديدة وتتصارع ربما بين ماضيها وحاضرها باحثة عن مستقبلها بين المدن العربية أو مدن العالم في زمن بات فيه الكوكب برمته قرية كونية واحدة كما يقال. كأن كل عملي ينبع من هذا المزيج بين مدينتين مع حنين مفرط إلى مدينة كانت رغم الحرب أكثر رومانسية وأكثر أملا.
ليس برنامجي فقط في بيروت اليوم. كثير مما ينتمي إلى "ما تبقى". المقهى الذي نجلس فيه كأنه ينتمي بدوره إلى "ما تبقى" من زمن آخر وأشياء أخرى كثيرة. اشعر أحيانا ان كل هذا اللبناني لا يزال يعيش على مخزونه أو على "سنامه".
* ومرتاح ان لا وجود لمنافس حقيقي لـ "برنامجك"؟
ـ لا أعيش هذا الاحساس ولا اسمح لنفسي به، لأنه إحساس قاتل يدفعني إلى الخمول والاستكانة. كل زميل جدي وكل برنامج ناجح هو منافس حقيقي لي.
* والى متى الإقامة في "خليك؛ بالبيت"؟
ـ أولا أنت تعرف ان استديو البرنامج يقع في القصر الجمهوري القديم، أي المقر الاول لرئاسة الجمهورية في لبنان ولقد كتبت مازحاً مقالة فحواها أن رئيس الجمهورية عندنا يبقى ست سنوات.
هذا في الدستور
ـ هذا في الدستور، وها أنا أمضيت في القصر الجمهوري 8 سنوات، وأتمنى ان تكون قابلة للتجديد، علماً ان بيتي يحظى برضا وإقبال مشاهدين على اختلاف تياراتهم وانتماءاتهم.
كل ما سلف يندرج في إطار مداعبة الأمر وتخفيفاً لبعض من جدية الحوارات الثقافية.
المستقبل
23 آب 2004 - العدد 1678
|
|
30-03-2006 , 03:17 PM
|
الرد مع إقتباس
|