عرض سينمائي .!
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
سألتُ صاحبي وأنا أبتسم : هل تمتلك خيالاً واسعاً ؟!
ضحكَ صاحبي وقال : وهل أملك غير الخيال ؟ أنا في هذه أعجبكَ جداً ..!!
قلت : فتخيل إذن معي .. أنك ممثلٌ جيد ، عليه القيمة .! مع أنهم بلا قيمة !!
ضحك صاحبي للتعبير وقال :
صدقت ..والله إنهم بلا قيمة ولا وزن ..! ما علينا هات ما عندك !!
واصلت كلامي وقلت :
تخيل الآن أنه قد عُرض عليك عملان ، ويشترط أن تقبلهما معاً ، أو ترفضهما معاً ..
أما العمل الأول ، فعمل قصير جداً ، يكون فيه دورك هامشياً تماماً ، تظهر في :
دور إنسان لا يلتفت إليه أحد ، ولا يهتم به من حوله ، وقد يلقي عليه من يمرون به نظرات رثاء ،
وربما رماه بعضهم بنظرات استخفاف ، لأنهم يرون أنه أقل منهم ، وأدنى درجة وظيفية ،
وأحط منزلة اجتماعية ، ومن ثم فلا صوت له مسموع ، ولا مكان له لائق ،
وبينما يكون أكثر الناس من حوله في هالات وأضواء ونجومية ومهرجانات ،
وأفراح وليالي ملاح ، وأنس وطرب ، وهيل وهليمان ..الخ
نجده يعيش على الكفاف ، ويرضى بالقليل ، ويمشي بجانب الحائط ، ويبتلع في صبر
ما يصيبه من الأقدار ، ونحو هذا ،، رغم أنه يحاول أن يصنع شيئا ..
هذا حاله طوال مدة العرض ...!
أ
ما العمل الآخر ، فعلى النقيض تماماً من هذا في كل شيء ..!
أولاً في مدة العرض ، فالعمل الثاني طويل جداً يستغرق ساعات طويلة ..!
ثانياً : إذا كان العرض الأول محصور في قرية صغيرة ، معدّة إعداداً مؤقتاً ،
فإن العمل الآخر مجاله مفتوح ، فيه سفر وتنقل من بلد إلى آخر ،
لتصوير المشاهد في أماكن متفرقة من بقاع العالم ..!
وثالثاً : وهم الأهم .. أنك في العمل الثاني ستكون نجماً مميزاً طوال العرض ،
كل حركاتك مشبعة بالحيوية والابتهاج ، والفرح المتواصل ، والأنس والطرب
وأنت تتنقل في بلاد الله طولاً وعرضا ، وتبقى متألقاً لا تنقطع عنك الأضواء ،
ولا تنصرف عنك العيون ..!
والأمر الرابع : أن أجرك في العمل الأول لا يكاد يُذكر ، لأن دورك فيه ، لا يكاد يُرى ،
أما في العمل الثاني فحدث عن البحر ولا حرج ، أجر خيالي لم يمر في خيالك أصلاً ،
منذ أن ولدتك أمك ..!!
والآن .. هل سنراك تقبل هذا العرض ، أم سترفضه لأنك لا ترغب إلا أن تكون في الصدارة
في كلا العملين ، ومحل النجومية هنا وهناك ، ولك من البهجة والفرح والأنس والطرب
والأجر الكبير حيثما كنت ..الخ
ضحك صاحبي وقال :
من يرفض عرضاً مثل هذا ، فهو أخو الحماقة أو ابن عمها ..!
وماذا عليَ أن أتحمل مكرهاً دوراً ثانوياً هامشياً ، لمدة قصيرة ستمر سريعا ، و
في مكان محدود كأنه السجن ، لأنتقل بعدها في مساحة كبيرة من بلاد الله ،
مع أجر خيالي ، وشهرة ونجومية وأضواء و..و..و...!!
أطلقتُ تنهدية طويلة ، وأغمضت عيني ، ورفعت صوتي بالتسبيح ،
وبقي صاحبي فاغراً فاه ، وعلامات التعجب تتجلى في زوايا وجهه ،
وقبل أن يقول شيئا قلت :
اعلم يا صاحبي أن هذه الدنيا ليست سوى العرض الأول القصير ، الذي يلزمك أن تبتلع ما فيه ،
وتصبر على ما يصيبك خلاله ، وتحتمل تكاليفه مهما كانت ،
ولا تكترث لما ترى عليه من حولك من أهل الباطل وهم يخوضون في متع ملونة ،
وأفراح ومباهج ، بينما ترى نفسك محروم منها ...الخ
فإذا نجحت في هذا الدور ، انتقلت بعدها إلى المباهج الحقيقية ، والأفراح المستمرة
المتجددة التي لا تنقطع البتة ، والنعيم الدائم أبداً ، والسعادة التي لا يشوبها حزن طرفة عين ،
والحياة التي لا تعرف معنى الموت ، في روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان ..!
ومن ثم فيلزمك أن تتذكر هذه القضية ، ولا يغيب عنك هذا العرض ، وأنت ترى أنك مطالب الآن
بأن تكون مقبلاً على ربك ، مجاهداً لنفسك ، ممتنعا عما نهاك الله عنه ،
متحملاً ما يحبه لك وأن شق عليك ، ونحو هذا كثير ..
متذكرا أن هذا كله ليس سوى العرض الأول القصير العاجل ،
المحصور في مكان ضيق من هذا العالم ..!!
فوطن نفسك _ إن كنت ذكياً عاقلاً غير أحمق ! _ على الصبر والمصابرة والمرابطة مع الله ،
فعن قريب إن شاء الله ستجد نفسك في المساحة الأكبر ، والمكان الأرقى ..!
أخذ صاحبي يهز رأسه ببطء وقد انكسرت عيناه ، ولسانه يردد في خشوع :
لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله ...ما أروع هذا الكلام ، وأقوى أثره ..!!
أسأل الله أن ينفعني به ، لأترجمه عملاً في واقع حياتي المليئة التقصير ..
جزاك الله عني خير الجزاء
..يا لها من موعظة لو كان لي قلب ..!
= =
= =
مدونة مكتوب ، احتوت على كثير جدا من الموضوعات :
http://sa3h.maktoobblog.com/