بنت الليل
17-08-2001, 10:18 AM
فيما يلي نص مقتبس عن كتاب " حتى الملائكة تسأل " لمؤلفه
البروفسور جفري لانغ .
وهو أستاذ مساعد للرياضيات في إحدى الجامعات الأمريكية .
والكتاب فريد من نوعه
، يتراوح بين لحظات روحانية غامرة كالتي نراها هنا ،
وبين أفكار فلسفية عميقة
في أماكن أخرى ، وبين حلول عملية تلزمنا جميعاً .
رغم أن المؤلف مقلٌّ غير غزير الإنتاج ، إلا أنه بكتابه
هذا ينضم إلى جيل نادر
من الكتاب المسلمين الغربيين ، كمحمد أسد وكتابه الشهير
" الطريق إلى مكة " ، و
مراد هوفمان وكتبه ومنها " الإسلام كبديل " ، و" يوميات
مسلم ألماني " ، وعلي
عزت بيغوفيتش وكتابه " الإسلام بين الشرق والغرب " . حق
لنا أن نتعلم منهم
كثيراً مما يفيدنا في تجديد حياتنا ومراجعة مواقفنا من
كثير من القضايا الهامة
في ديننا .
أما هذا المقطع الذي أمامنا ، فيسمو بالقارئ إلى معانٍ
روحية ثمينة ، فقدنا
كثيراً منها عندما صارت العبادة عادةً وفقدت معناها الذي
فرضت لأجله ، فعادت
حركات آلية لا طعم لها ولا لون ولا رائحة .
فلنقرأ ، ولنتأمل في معنى السجود .
في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدّم إليّ إمامُ
المسجد كتيباً يشرح كيفية
أداء الصلاة . غير أنّي فوجئتُ بما رأيتـُه من قلق
الطلاب المسلمين ، فقد
ألحّوا عليَّ بعباراتٍ مثل:
" خذ راحتك "
" لا تضغط على نفسك كثيراً "
" من الأفضل أن تأخذ وقتك "
" ببطء .. شيئاً ، فشيئاً .."
وتساءلتُ في نفسي ، " هل الصلاة صعبةٌ إلى هذا الحد ؟ "
لكنني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء
الصلوات الخمس في
أوقاتها . وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً
على الأريكة في غرفتي
الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة
وأكررها ، وكذلك الآيات
القرآنية التي سأتلوها ، والأدعية الواجب قراءتها في
الصلاة . وبما أن معظم ما
كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص
بلفظها العربي ،
وبمعانيها باللغة الانكليزية . وتفحصتُ الكتيّب ساعاتٍ
عدة ، قبل أن أجد في
نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى . وكان الوقت
قد قارب منتصف الليل ،
لذلك قررت أن أصلّي صلاة العشاء .
دخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على
الصفحة التي تشرح
الوضوء . وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ،
بتأنٍّ ودقة ، مثل طاهٍ
يجرب وصفةً لأول مرة في المطبخ . وعندما انتهيت من
الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت
إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي . إذ تقول تعليمات
الكتيب بأنه من المستحب
ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء .
ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه
القبلة . نظرت إلى
الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى
الأمام ، واعتدلت في وقفتي
، وأخذتُ نفساً عميقاً ، ثم رفعت يديّ ، براحتين
مفتوحتين ، ملامساً شحمتي
الأذنين بإبهاميّ . ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت "الله
أكبر" .
وبصوت خافت لا يكاد يُسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء
وتلعثم ، ثم أتبعتـُها
بسورة قصيرة باللغة العربية ، وإن كنت أظن أن أي عربي لم
يكن ليفهم شيئاً لو
سمع تلاوتي تلك الليلة ! . ثم بعد ذلك تلفظتُ بالتكبير
مرة أخرى بصوت خافت ،
وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي ، واضعاً
كفي على ركبتي . وشعرت
بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي . ولذلك فقد سررت
لأنني وحدي في الغرفة .
وبينما كنت لا أزال راكعاً ، كررت عبارة "سبحان ربي
العظيم" عدة مرات .
ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ " سمع الله لمن حمده " ، ثم
" ربنا ولك الحمد " .
أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبّرتُ
مرةً أخرى بخضوع ، فقد
حان وقت السجود . وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في
البقعة التي أمامي ، حيث
كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على
الأرض .
لم أستطع أن أفعل ذلك ! لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى
الأرض ، لم أستطع أن أذل
نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام
سيده . لقد خيل لي أن
ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء . لقد أحسست بكثير
من العار والخزي .
وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني
وأنا أجعل من نفسي
مغفلاً أمامهم . وتخيلتُ كم سأكون مثيراً للشفقة
والسخرية بينهم . وكدت أسمعهم
يقولون : " مسكين جف ، فقد أصابه العرب بمسّ في سان
فرانسيسكو ، أليس كذلك ؟ "
وأخذت أدعو: " أرجوك ، أرجوك أعنّي على هذا ."
أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول . الآن صرت
على أربعتي ، ثم ترددت
لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة . أفرغت
ذهني من كل الأفكار ،
وتلفظت ثلاث مرات بعبارة " سبحان ربي الأعلى ."
" الله أكبر ." قلتها ، ورفعت من السجود جالساً على عقبي
. وأبقيت ذهني فارغاً
، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي .
" الله أكبر ." ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى .
وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة " سبحان
ربي الأعلى " بصورة آلية
. فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك .
" الله أكبر ." و انتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا
تزال هناك ثلاث جولات
أمامي .
وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة . لكن
الأمر صار أهون في كل
شوط . حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة . ثم
قرأت التشهد في الجلوس
الأخير ، وأخيراً سلـَّمتُ عن يميني وشمالي .
وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالساً على الأرض ،
وأخذت أراجع المعركة
التي مررت بها . لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل
ذلك العراك في سبيل
أداء الصلاة إلى آخرها . ودعوت برأس منخفض خجلاً: " اغفر
لي تكبري وغبائي ، فقد
أتيت من مكان بعيد ، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه ."
وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك
يصعب علي وصفه بالكلمات .
فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها
كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع
من نقطة ما في صدري . وكانت موجة عارمة فوجئت بها في
البداية ، حتى أنني أذكر
أنني كنت أرتعش . غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي
، فقد أثـّرت في عواطفي
بطريقة غريبة أيضاً . لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في
صورة محسوسة وأخذت تغلفني
وتتغلغل فيّ . ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب .
فقد أخَذَت الدموع تنهمر
على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة . وكلما ازداد بكائي ،
ازداد إحساسي بأن قوة
خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني . ولم أكن أبكي بدافع من
الشعور بالذنب ، رغم
أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور . لقد
بدا كأن سداً قد انفتح
مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي .
وبينما أنا أكتب هذه
السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله
عز وجل لا تتضمن مجرد
العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً .
ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ،
منتحباً ورأسي بين كفي
. وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية
في الإرهاق . فقد كانت
تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ
أن أبحث عن تفسيرات
عقلانية لها . وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن
أستطيع أخبار أحد بها
. أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت : فهو أنني في حاجة
ماسة إلى الله ، وإلى
الصلاة .
وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير:
" اللهم ، إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني
قبل ذلك -- خلصني من هذه
الحياة . من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص
والعيوب ، لكنني لا
أستطيع أن أعي
نقلتها من احد المنتديات لانها تستحق النشر والقراء
البروفسور جفري لانغ .
وهو أستاذ مساعد للرياضيات في إحدى الجامعات الأمريكية .
والكتاب فريد من نوعه
، يتراوح بين لحظات روحانية غامرة كالتي نراها هنا ،
وبين أفكار فلسفية عميقة
في أماكن أخرى ، وبين حلول عملية تلزمنا جميعاً .
رغم أن المؤلف مقلٌّ غير غزير الإنتاج ، إلا أنه بكتابه
هذا ينضم إلى جيل نادر
من الكتاب المسلمين الغربيين ، كمحمد أسد وكتابه الشهير
" الطريق إلى مكة " ، و
مراد هوفمان وكتبه ومنها " الإسلام كبديل " ، و" يوميات
مسلم ألماني " ، وعلي
عزت بيغوفيتش وكتابه " الإسلام بين الشرق والغرب " . حق
لنا أن نتعلم منهم
كثيراً مما يفيدنا في تجديد حياتنا ومراجعة مواقفنا من
كثير من القضايا الهامة
في ديننا .
أما هذا المقطع الذي أمامنا ، فيسمو بالقارئ إلى معانٍ
روحية ثمينة ، فقدنا
كثيراً منها عندما صارت العبادة عادةً وفقدت معناها الذي
فرضت لأجله ، فعادت
حركات آلية لا طعم لها ولا لون ولا رائحة .
فلنقرأ ، ولنتأمل في معنى السجود .
في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدّم إليّ إمامُ
المسجد كتيباً يشرح كيفية
أداء الصلاة . غير أنّي فوجئتُ بما رأيتـُه من قلق
الطلاب المسلمين ، فقد
ألحّوا عليَّ بعباراتٍ مثل:
" خذ راحتك "
" لا تضغط على نفسك كثيراً "
" من الأفضل أن تأخذ وقتك "
" ببطء .. شيئاً ، فشيئاً .."
وتساءلتُ في نفسي ، " هل الصلاة صعبةٌ إلى هذا الحد ؟ "
لكنني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء
الصلوات الخمس في
أوقاتها . وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً
على الأريكة في غرفتي
الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة
وأكررها ، وكذلك الآيات
القرآنية التي سأتلوها ، والأدعية الواجب قراءتها في
الصلاة . وبما أن معظم ما
كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص
بلفظها العربي ،
وبمعانيها باللغة الانكليزية . وتفحصتُ الكتيّب ساعاتٍ
عدة ، قبل أن أجد في
نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى . وكان الوقت
قد قارب منتصف الليل ،
لذلك قررت أن أصلّي صلاة العشاء .
دخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على
الصفحة التي تشرح
الوضوء . وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ،
بتأنٍّ ودقة ، مثل طاهٍ
يجرب وصفةً لأول مرة في المطبخ . وعندما انتهيت من
الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت
إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي . إذ تقول تعليمات
الكتيب بأنه من المستحب
ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء .
ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه
القبلة . نظرت إلى
الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى
الأمام ، واعتدلت في وقفتي
، وأخذتُ نفساً عميقاً ، ثم رفعت يديّ ، براحتين
مفتوحتين ، ملامساً شحمتي
الأذنين بإبهاميّ . ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت "الله
أكبر" .
وبصوت خافت لا يكاد يُسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء
وتلعثم ، ثم أتبعتـُها
بسورة قصيرة باللغة العربية ، وإن كنت أظن أن أي عربي لم
يكن ليفهم شيئاً لو
سمع تلاوتي تلك الليلة ! . ثم بعد ذلك تلفظتُ بالتكبير
مرة أخرى بصوت خافت ،
وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي ، واضعاً
كفي على ركبتي . وشعرت
بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي . ولذلك فقد سررت
لأنني وحدي في الغرفة .
وبينما كنت لا أزال راكعاً ، كررت عبارة "سبحان ربي
العظيم" عدة مرات .
ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ " سمع الله لمن حمده " ، ثم
" ربنا ولك الحمد " .
أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبّرتُ
مرةً أخرى بخضوع ، فقد
حان وقت السجود . وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في
البقعة التي أمامي ، حيث
كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على
الأرض .
لم أستطع أن أفعل ذلك ! لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى
الأرض ، لم أستطع أن أذل
نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأنَ العبد الذي يتذلل أمام
سيده . لقد خيل لي أن
ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء . لقد أحسست بكثير
من العار والخزي .
وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني
وأنا أجعل من نفسي
مغفلاً أمامهم . وتخيلتُ كم سأكون مثيراً للشفقة
والسخرية بينهم . وكدت أسمعهم
يقولون : " مسكين جف ، فقد أصابه العرب بمسّ في سان
فرانسيسكو ، أليس كذلك ؟ "
وأخذت أدعو: " أرجوك ، أرجوك أعنّي على هذا ."
أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول . الآن صرت
على أربعتي ، ثم ترددت
لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة . أفرغت
ذهني من كل الأفكار ،
وتلفظت ثلاث مرات بعبارة " سبحان ربي الأعلى ."
" الله أكبر ." قلتها ، ورفعت من السجود جالساً على عقبي
. وأبقيت ذهني فارغاً
، رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي .
" الله أكبر ." ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى .
وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة " سبحان
ربي الأعلى " بصورة آلية
. فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك .
" الله أكبر ." و انتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا
تزال هناك ثلاث جولات
أمامي .
وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة . لكن
الأمر صار أهون في كل
شوط . حتى أنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة . ثم
قرأت التشهد في الجلوس
الأخير ، وأخيراً سلـَّمتُ عن يميني وشمالي .
وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالساً على الأرض ،
وأخذت أراجع المعركة
التي مررت بها . لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل
ذلك العراك في سبيل
أداء الصلاة إلى آخرها . ودعوت برأس منخفض خجلاً: " اغفر
لي تكبري وغبائي ، فقد
أتيت من مكان بعيد ، ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه ."
وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك
يصعب علي وصفه بالكلمات .
فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها
كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع
من نقطة ما في صدري . وكانت موجة عارمة فوجئت بها في
البداية ، حتى أنني أذكر
أنني كنت أرتعش . غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي
، فقد أثـّرت في عواطفي
بطريقة غريبة أيضاً . لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في
صورة محسوسة وأخذت تغلفني
وتتغلغل فيّ . ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب .
فقد أخَذَت الدموع تنهمر
على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة . وكلما ازداد بكائي ،
ازداد إحساسي بأن قوة
خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني . ولم أكن أبكي بدافع من
الشعور بالذنب ، رغم
أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور . لقد
بدا كأن سداً قد انفتح
مطِلقاً عنانَ مخزونٍ عظيمٍ من الخوف والغضب بداخلي .
وبينما أنا أكتب هذه
السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله
عز وجل لا تتضمن مجرد
العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً .
ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ،
منتحباً ورأسي بين كفي
. وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية
في الإرهاق . فقد كانت
تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ
أن أبحث عن تفسيرات
عقلانية لها . وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن
أستطيع أخبار أحد بها
. أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت : فهو أنني في حاجة
ماسة إلى الله ، وإلى
الصلاة .
وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير:
" اللهم ، إذا تجرأتُ على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني
قبل ذلك -- خلصني من هذه
الحياة . من الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص
والعيوب ، لكنني لا
أستطيع أن أعي
نقلتها من احد المنتديات لانها تستحق النشر والقراء