صوت وصورة
11-10-2001, 10:42 PM
بقلم : موسى عيد راغب
أمام دول العالم خياران لا ثالث لهما : فإما أن تكون مع أميركا وإما أن تكون مع الإرهاب ، ومن الآن فصاعداً : أي دولة تأوي إرهابيين هي عدوة لأميركا . هذا ما صرح به الرئيس بوش أكثر من مرة منذ وقوع الهجوم على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر الجاري 2001م ، وهذا هو محور الرسائل التي وجهتها الإدارة الأمريكية لأكثر من دولة من الدول العربية والإسلامية بما في ذلك الدول المعتدلـة التي ترتبط معها بروابط تفاهم أو تعاون أو صداقة .
والواقع أن من حق أي دولة ، وليس أمريكا وحدها ، أن تتخذ من المواقف ما يدرأ عنها الأخطار ويمكنها من إيقاع العقاب فيمن يرتكب بحقها مثل تلك الأعمال المروعة ، فهذا أمر لا اعتراض عليه بالقطع ، ولكن بشرط أن تتحدد تماما هوية الفاعل ومن ساعده على ارتكاب فعلته وخطط لها أو أمّن له الملاذ الآمن من ناحية ، وأن لا تطال الأعمال الانتقامية أناساً أبرياء لا صلة لهم بما يجري إلاّ لأنهم مواطنون في دول لا ترضى عنها الولايات المتحدة ولا تتفق معها في سياساتها التي تصطبغ هذه الأيام بطابع الاستعلاء والاستكبار على سائر خلق الله والتفرد في اتخاذ القرارات والمواقف المنحازة دون مراعاة لرأي الآخرين من ناحية أخرى .
لكن ما نشهده هذه الأيام وعلى مدار الساعة شيئاً مختلفاً تماماً . فقي اليوم التالي لوقوع الهجوم أعلن وزير الخارجية الأمريكية كولن باول أن الدلائل تشير إلى أن أسامه بن لادن وتنظيم القاعدة الذي يرعاه ، هو العقل المدبر والمنفذ لذلك الهجوم وإن الولايات المتحدة سوف تقوم بتوظيف كافة الإمكانات المتاحة لإلقاء القبض عليه والتخلص منه ، كما صرح نائب الرئيس الأمريكي ديج شيني بأنه لا يساوره الشك مطلقاً في أن بن لادن هو المسئول الأول عن الكارثة التي ألمت بأمريكا ، ثم توّج الرئيس جورج بوش تلك الاتهامات بقوله إنه يريد أسامه بن لادن حياً أو ميتاً ، وإن على طالبان أن تسلمه هو وقادة تنظيم القاعدة الذي يشرف عليه لجهات مسئوله حتى يتسنى تقديمهم للمحاكمة .
والسؤال الآن : هل لدى الإدارة الأمريكية من الأدلة والقرائن القاطعة ما يثبت أن بن لادن متورط بشكل أو بآخر في هذا الهجوم ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فلم لا تقدمها لحكومة طالبان التي اشترطت لتسليم بن لادن وتقديمه للمحاكمة وجود مثل تلك الأدلة والقرائن ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا تصر أمريكا على توجيه ضربة قاصمة له ولأفغانستان ؟ .
من الواضح حتى هذه اللحظة أن الإدارة الأمريكية تصر على وجود أدلة دامغة على تورط أسامه بن لادن في الهجوم الذي وقع على نيويورك وواشنطن ، كما أعلنت أنها لا ترغب في الكشف عن هذه الأدلة لاعتبارات تتصل بأمن المصادر التي استقت منها تلك الأدلة وضرورة المحافظة على سريتها ، فضلاً عن رفضها الدخول في مفاوضات مع طالبان وإصرارها على تسليم بن لادن وقادة تنظيم القاعدة وإغلاق جميـع المعسكرات التي يتدرب فيهـا ما تعتبرهم واشنطن إرهابيـين في أفغانستان دون قيـد أو شرط ، وتهديدها لطالبان بأنها سوف تلقى نفس مصير بن لادن إذا لم تستجب لطلبها .
وفي معرض ردها على المطالبين بوجود هذه الأدلة قبل أن تقدم على ضرب أفغانستان ، تذكّر الولايات المتحدة بأن بن لادن مطلوب للعدالة أصلاً بسبب تورطه في الانفجارين اللذين وقعا في سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا وبسبب أعمال أخرى نفذها تنظيم القاعدة الذي يشرف عليه ، مما يجعل من المنطقي أن يكون هو وتنظيمه والدولة التي توفر الملاذ الآمن له ، الهدف الأول والخطوة الأولى في حربها الشاملة على الإرهاب .
وبعيداً عن منطق أمريكا في معالجة الموقف ، وإصرارها على توجيه ضربة قاصمة لبن لادن وأفغانستان وربما لبلدان أخرى في المنطقة ، فإن جميع التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية المسئولة في واشنطن لم تستطع حتى اللحظة تحديد هوية أي ممن ارتكبوا هذا الاعتداء المروع ، أو ساعد على تنفيذه ، وأن توجيه كافة التحقيقات - المعلن منها على الأقل - باتجاه اتهام عرب ومسلمين ما هو إلا "الطريق السهل" الذي تستطيع به الإدارة الأمريكية أن تقدم للرأي العام الأمريكي والعالمي كبش فداء يفرغ فيه رغبته في الانتقام للحدث الجلل الذي أصابه في الحادي عشر من سبتمبر الجاري . وهذا ما حدا ببعض الخبراء إلى التأكيد على أن ما يقال عن الاتهامات الموجهة للعرب والمسلمين هو من قبيل التكهنات فقط ، وأن التحقيقات التي تجرى محاطة بستار كثيف من السرية ، وأن محاولة تسليط الأضواء على جهة بعينها أمر مقصود والهدف منه إبعاد الرأي العام الأمريكي عن التفكير في جهات أخرى ، وغير ذلك يعني أن الجهات القائمة على التحقيق ليست لديها تماما فكرة عما جرى في ذلك اليوم الأسود .
والواقع أن هذا التحليل لا بد وأنه يحظى على قدر كبير من الدقة التي جانبت وما زالت تجانب المحققين الأمريكيين في تناولهم لهذه القضية . ففي البداية أعلن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت مولر أنه تم التعرف على هوية عدد كبير من المواطنين ، كما أعلن المكتب أسماء تسعة عشر فرداً جميعهم من العرب قال إنهم قاموا بتنفيذ الهجوم ، وتبين فيما بعد أن أحدهم ما زال حياً يرزق في السعودية وأنه كان قد فقد جواز سفره أثناء وجوده في أمريكا قبل ثلاث سنوات ، كما تبين أن سعوديا آخر مما تضمنتهم القائمة متوفى منذ عام . بل إن وزير العدل الأمريكي صرح مؤخراً بأنه لم يستطع بعد تحديد هوية الذين قاموا بالهجوم ، معللاً ذلك بأنهم ربما يكونوا قد انتحلوا أسماءً غير أسمائهم ، زد على ذلك أنه لم يتم العثور حتى الآن على جثة أي منهم حتى يتحدد ما إذا كانت ملامحهم تحمل صفات عربية أو غير عربية .
كذلك لم تستطع التحقيقات التي جرت مع الموقوفين - وجميعهم من العرب والمسلمين - سواء في أمريكا أو في بعض الدول الأوروبية والآسيوية ، أن تثبت أي صلة لهم بمنفذي العملية لا من قريب أو من بعيد ، وكل المحاولات الجارية إنّما تنصب على الحصول على معلومات تثبت ارتباطهم بشكل أو بآخر بشخص أسامة بن لادن أو بتنظيم القاعدة الذي يتبعه .
فإذا أضفنا لذلك أنه لم يعلن حتى اللحظة عن طبيعة المعلومات المسجلة في الصندوق الأسود الخاص بالطائرة الرابعة التي سقطت في ولاية بنسلفانيا مما يدعو للاعتقاد بأن المحققين لم يعثروا على معلومات تتواءم مع الاتجاه الحالي للتحقيق ، فسوف نصل إلى حقيقة صارخة مؤداها : إن التحقيقات الجارية حالياً هي موجهة عن عمد وسابق قصد نحو اتهام العرب والمسلمين بالقيام بالتخطيط لهذا الهجوم الإرهابي وتنفيذه ، وإن أسامه بن لادن هو الرأس المدبرة له .
وقد يقول قائل أن ما ذكرته السيدة التي كانت على إحدى الطائرتين اللتين هاجمتا مركز التجارة العالمية بنيويورك في مكالمتها التليفونية مع زوجها ، من أن أفراداً ذوي ملامح عربية مسلحين بمدىً ومشارط استولوا على الطائرة ، هو دليل قاطع على أن منفذي الهجوم هم من العرب والمسلمين . غير أن هذا القول يمكن دحضه ببساطة ، ذلك أن الذي يلوي الحقائق عن عمد ويوجه التحقيقات بعيداً عن المجرى الحقيقي الذي ينبغي أن تسير فيه ، لن يصعب عليه خلق قصة من هذا القبيل وإخراجها بالصورة التي تخدع السذج من أفراد الشعب الأمريكي .
والواقع أن هذا الموقف من العرب والإسلام ليس غريباً على أمريكا . فلطالما عملت أجهزة استخباراتها والمنظمات الصهيونية المتعاونة معها لسنوات طويلة على تهيئة الرأي العام الأمريكي والأوروبي لقبول فكرة أن العرب والإسلام يمثلان المنبع الرئيسي للإرهاب الدولي ، وإن فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية التي ظهرت لتقاوم المشروع الصهيوني في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ليست إلاّ منظمات إرهابية خرجت من عباءة الإسلام والعرب .
وهذا ما أثبتته مواقف أمريكا والدول الأوروبية التي أقل ما يقال فيها أنها تتصف بالسلبية أحياناً والمعادية في أغلب الأحيان من انتفاضة الأقصى التي جمعت فصائل المقاومة حول هدف واحد وهو المقاومة حتى التحرير .
وإمعاناً في اتخاذ مثل هذه المواقف المتعسفة من العرب والمسلمين ، تنتقل الإرادة الأمريكية إلى تحديد هدف آني محدد تقوم الآلة الحربية الأمريكية على عجل بتوجيه ضربة قاسمة إليه لتمتص غضبة الشعب الأمريكي على ما أصاب كبرياءه من مهانة ، فتجد ضالتها المنشودة في عدوها اللدود أسامة بن لادن وحكومة طالبان التي تسانده وتأويه . وهنا تقع الواقعة ، فيموت فيها من يموت ويشرد من جرائها عشرات الألوف من المسلمين المسالمين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم آووا في ديارهم عرباً أعانوهم في يوم أسود على دحر الجيوش السوفييتية الغازية من بلادهم ، وبمباركة وعون لهم من أمريكا ذاتها التي تنقلب اليوم عليهم .
والحقيقة أن ضرب أفغانستان لم يعد الهدف الوحيد للغضب الأمريكي ، فثمة بلدان عربية أخرى يمكن أن تكون هدفاً للضربة الأمريكية الأولى تحت ستار إعلان الحرب الشاملة على معاقل الإرهاب الدولي . فقد أوردت مصادر صحفية موثوق بها أن هناك خلافات عميقة بين صانعي القرار في الإدارة الأمريكية بشأن حجم العملية وتوقيتها والبلدان والمواقع التي سوف تشملها .
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن نائب الرئيس الأمريكي "ديج شيني" وكذلك وكيل وزارة الدفاع ومسئولون آخرون ، يضغطون باتجاه ضرورة قيام الجيش الأمريكي فوراً بشن هجوم شامل على بن لادن والقواعد الخاصة بتنظيم القاعدة في أفغانستان ، وكذلك على قواعد في العراق وسهل البقاع في لبنان . غير أن وزير الخارجية كولن باول وآخرون يعارضون هذا الرأي ويؤكدون على ضرورة أن تقوم أمريكا أولاً بتهيئة الأجواء السياسية والدبلوماسية التي تعين على إخراج العمليات العسكرية المرتقبة في إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي .
!
!
!
يتبع
أمام دول العالم خياران لا ثالث لهما : فإما أن تكون مع أميركا وإما أن تكون مع الإرهاب ، ومن الآن فصاعداً : أي دولة تأوي إرهابيين هي عدوة لأميركا . هذا ما صرح به الرئيس بوش أكثر من مرة منذ وقوع الهجوم على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر الجاري 2001م ، وهذا هو محور الرسائل التي وجهتها الإدارة الأمريكية لأكثر من دولة من الدول العربية والإسلامية بما في ذلك الدول المعتدلـة التي ترتبط معها بروابط تفاهم أو تعاون أو صداقة .
والواقع أن من حق أي دولة ، وليس أمريكا وحدها ، أن تتخذ من المواقف ما يدرأ عنها الأخطار ويمكنها من إيقاع العقاب فيمن يرتكب بحقها مثل تلك الأعمال المروعة ، فهذا أمر لا اعتراض عليه بالقطع ، ولكن بشرط أن تتحدد تماما هوية الفاعل ومن ساعده على ارتكاب فعلته وخطط لها أو أمّن له الملاذ الآمن من ناحية ، وأن لا تطال الأعمال الانتقامية أناساً أبرياء لا صلة لهم بما يجري إلاّ لأنهم مواطنون في دول لا ترضى عنها الولايات المتحدة ولا تتفق معها في سياساتها التي تصطبغ هذه الأيام بطابع الاستعلاء والاستكبار على سائر خلق الله والتفرد في اتخاذ القرارات والمواقف المنحازة دون مراعاة لرأي الآخرين من ناحية أخرى .
لكن ما نشهده هذه الأيام وعلى مدار الساعة شيئاً مختلفاً تماماً . فقي اليوم التالي لوقوع الهجوم أعلن وزير الخارجية الأمريكية كولن باول أن الدلائل تشير إلى أن أسامه بن لادن وتنظيم القاعدة الذي يرعاه ، هو العقل المدبر والمنفذ لذلك الهجوم وإن الولايات المتحدة سوف تقوم بتوظيف كافة الإمكانات المتاحة لإلقاء القبض عليه والتخلص منه ، كما صرح نائب الرئيس الأمريكي ديج شيني بأنه لا يساوره الشك مطلقاً في أن بن لادن هو المسئول الأول عن الكارثة التي ألمت بأمريكا ، ثم توّج الرئيس جورج بوش تلك الاتهامات بقوله إنه يريد أسامه بن لادن حياً أو ميتاً ، وإن على طالبان أن تسلمه هو وقادة تنظيم القاعدة الذي يشرف عليه لجهات مسئوله حتى يتسنى تقديمهم للمحاكمة .
والسؤال الآن : هل لدى الإدارة الأمريكية من الأدلة والقرائن القاطعة ما يثبت أن بن لادن متورط بشكل أو بآخر في هذا الهجوم ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فلم لا تقدمها لحكومة طالبان التي اشترطت لتسليم بن لادن وتقديمه للمحاكمة وجود مثل تلك الأدلة والقرائن ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا تصر أمريكا على توجيه ضربة قاصمة له ولأفغانستان ؟ .
من الواضح حتى هذه اللحظة أن الإدارة الأمريكية تصر على وجود أدلة دامغة على تورط أسامه بن لادن في الهجوم الذي وقع على نيويورك وواشنطن ، كما أعلنت أنها لا ترغب في الكشف عن هذه الأدلة لاعتبارات تتصل بأمن المصادر التي استقت منها تلك الأدلة وضرورة المحافظة على سريتها ، فضلاً عن رفضها الدخول في مفاوضات مع طالبان وإصرارها على تسليم بن لادن وقادة تنظيم القاعدة وإغلاق جميـع المعسكرات التي يتدرب فيهـا ما تعتبرهم واشنطن إرهابيـين في أفغانستان دون قيـد أو شرط ، وتهديدها لطالبان بأنها سوف تلقى نفس مصير بن لادن إذا لم تستجب لطلبها .
وفي معرض ردها على المطالبين بوجود هذه الأدلة قبل أن تقدم على ضرب أفغانستان ، تذكّر الولايات المتحدة بأن بن لادن مطلوب للعدالة أصلاً بسبب تورطه في الانفجارين اللذين وقعا في سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا وبسبب أعمال أخرى نفذها تنظيم القاعدة الذي يشرف عليه ، مما يجعل من المنطقي أن يكون هو وتنظيمه والدولة التي توفر الملاذ الآمن له ، الهدف الأول والخطوة الأولى في حربها الشاملة على الإرهاب .
وبعيداً عن منطق أمريكا في معالجة الموقف ، وإصرارها على توجيه ضربة قاصمة لبن لادن وأفغانستان وربما لبلدان أخرى في المنطقة ، فإن جميع التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية المسئولة في واشنطن لم تستطع حتى اللحظة تحديد هوية أي ممن ارتكبوا هذا الاعتداء المروع ، أو ساعد على تنفيذه ، وأن توجيه كافة التحقيقات - المعلن منها على الأقل - باتجاه اتهام عرب ومسلمين ما هو إلا "الطريق السهل" الذي تستطيع به الإدارة الأمريكية أن تقدم للرأي العام الأمريكي والعالمي كبش فداء يفرغ فيه رغبته في الانتقام للحدث الجلل الذي أصابه في الحادي عشر من سبتمبر الجاري . وهذا ما حدا ببعض الخبراء إلى التأكيد على أن ما يقال عن الاتهامات الموجهة للعرب والمسلمين هو من قبيل التكهنات فقط ، وأن التحقيقات التي تجرى محاطة بستار كثيف من السرية ، وأن محاولة تسليط الأضواء على جهة بعينها أمر مقصود والهدف منه إبعاد الرأي العام الأمريكي عن التفكير في جهات أخرى ، وغير ذلك يعني أن الجهات القائمة على التحقيق ليست لديها تماما فكرة عما جرى في ذلك اليوم الأسود .
والواقع أن هذا التحليل لا بد وأنه يحظى على قدر كبير من الدقة التي جانبت وما زالت تجانب المحققين الأمريكيين في تناولهم لهذه القضية . ففي البداية أعلن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت مولر أنه تم التعرف على هوية عدد كبير من المواطنين ، كما أعلن المكتب أسماء تسعة عشر فرداً جميعهم من العرب قال إنهم قاموا بتنفيذ الهجوم ، وتبين فيما بعد أن أحدهم ما زال حياً يرزق في السعودية وأنه كان قد فقد جواز سفره أثناء وجوده في أمريكا قبل ثلاث سنوات ، كما تبين أن سعوديا آخر مما تضمنتهم القائمة متوفى منذ عام . بل إن وزير العدل الأمريكي صرح مؤخراً بأنه لم يستطع بعد تحديد هوية الذين قاموا بالهجوم ، معللاً ذلك بأنهم ربما يكونوا قد انتحلوا أسماءً غير أسمائهم ، زد على ذلك أنه لم يتم العثور حتى الآن على جثة أي منهم حتى يتحدد ما إذا كانت ملامحهم تحمل صفات عربية أو غير عربية .
كذلك لم تستطع التحقيقات التي جرت مع الموقوفين - وجميعهم من العرب والمسلمين - سواء في أمريكا أو في بعض الدول الأوروبية والآسيوية ، أن تثبت أي صلة لهم بمنفذي العملية لا من قريب أو من بعيد ، وكل المحاولات الجارية إنّما تنصب على الحصول على معلومات تثبت ارتباطهم بشكل أو بآخر بشخص أسامة بن لادن أو بتنظيم القاعدة الذي يتبعه .
فإذا أضفنا لذلك أنه لم يعلن حتى اللحظة عن طبيعة المعلومات المسجلة في الصندوق الأسود الخاص بالطائرة الرابعة التي سقطت في ولاية بنسلفانيا مما يدعو للاعتقاد بأن المحققين لم يعثروا على معلومات تتواءم مع الاتجاه الحالي للتحقيق ، فسوف نصل إلى حقيقة صارخة مؤداها : إن التحقيقات الجارية حالياً هي موجهة عن عمد وسابق قصد نحو اتهام العرب والمسلمين بالقيام بالتخطيط لهذا الهجوم الإرهابي وتنفيذه ، وإن أسامه بن لادن هو الرأس المدبرة له .
وقد يقول قائل أن ما ذكرته السيدة التي كانت على إحدى الطائرتين اللتين هاجمتا مركز التجارة العالمية بنيويورك في مكالمتها التليفونية مع زوجها ، من أن أفراداً ذوي ملامح عربية مسلحين بمدىً ومشارط استولوا على الطائرة ، هو دليل قاطع على أن منفذي الهجوم هم من العرب والمسلمين . غير أن هذا القول يمكن دحضه ببساطة ، ذلك أن الذي يلوي الحقائق عن عمد ويوجه التحقيقات بعيداً عن المجرى الحقيقي الذي ينبغي أن تسير فيه ، لن يصعب عليه خلق قصة من هذا القبيل وإخراجها بالصورة التي تخدع السذج من أفراد الشعب الأمريكي .
والواقع أن هذا الموقف من العرب والإسلام ليس غريباً على أمريكا . فلطالما عملت أجهزة استخباراتها والمنظمات الصهيونية المتعاونة معها لسنوات طويلة على تهيئة الرأي العام الأمريكي والأوروبي لقبول فكرة أن العرب والإسلام يمثلان المنبع الرئيسي للإرهاب الدولي ، وإن فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية التي ظهرت لتقاوم المشروع الصهيوني في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ليست إلاّ منظمات إرهابية خرجت من عباءة الإسلام والعرب .
وهذا ما أثبتته مواقف أمريكا والدول الأوروبية التي أقل ما يقال فيها أنها تتصف بالسلبية أحياناً والمعادية في أغلب الأحيان من انتفاضة الأقصى التي جمعت فصائل المقاومة حول هدف واحد وهو المقاومة حتى التحرير .
وإمعاناً في اتخاذ مثل هذه المواقف المتعسفة من العرب والمسلمين ، تنتقل الإرادة الأمريكية إلى تحديد هدف آني محدد تقوم الآلة الحربية الأمريكية على عجل بتوجيه ضربة قاسمة إليه لتمتص غضبة الشعب الأمريكي على ما أصاب كبرياءه من مهانة ، فتجد ضالتها المنشودة في عدوها اللدود أسامة بن لادن وحكومة طالبان التي تسانده وتأويه . وهنا تقع الواقعة ، فيموت فيها من يموت ويشرد من جرائها عشرات الألوف من المسلمين المسالمين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم آووا في ديارهم عرباً أعانوهم في يوم أسود على دحر الجيوش السوفييتية الغازية من بلادهم ، وبمباركة وعون لهم من أمريكا ذاتها التي تنقلب اليوم عليهم .
والحقيقة أن ضرب أفغانستان لم يعد الهدف الوحيد للغضب الأمريكي ، فثمة بلدان عربية أخرى يمكن أن تكون هدفاً للضربة الأمريكية الأولى تحت ستار إعلان الحرب الشاملة على معاقل الإرهاب الدولي . فقد أوردت مصادر صحفية موثوق بها أن هناك خلافات عميقة بين صانعي القرار في الإدارة الأمريكية بشأن حجم العملية وتوقيتها والبلدان والمواقع التي سوف تشملها .
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن نائب الرئيس الأمريكي "ديج شيني" وكذلك وكيل وزارة الدفاع ومسئولون آخرون ، يضغطون باتجاه ضرورة قيام الجيش الأمريكي فوراً بشن هجوم شامل على بن لادن والقواعد الخاصة بتنظيم القاعدة في أفغانستان ، وكذلك على قواعد في العراق وسهل البقاع في لبنان . غير أن وزير الخارجية كولن باول وآخرون يعارضون هذا الرأي ويؤكدون على ضرورة أن تقوم أمريكا أولاً بتهيئة الأجواء السياسية والدبلوماسية التي تعين على إخراج العمليات العسكرية المرتقبة في إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي .
!
!
!
يتبع