ماجدالمسفر
13-11-2001, 12:34 AM
اختلاف المواقيت في البلاد الغربية
أخي المغترب...نضع بين يديك بحث فقهي لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة حول اختلاف مواقيت الصلاة في البلاد الغربية، وتكميلاً له فقد رأينا تتويجها بفتوى لفضيلة الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين حول ذات الموضوع.
--------------------------------------------------------------------------------
فتوى سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على نبينا محمد وآله, وصحبه أجمعين وبعد .
فقد بحث الشيخ سلمان بن فهد العودة ـ حفظه الله ـ مسألة اختلاف المواقيت في البلاد ,واجتهد في البحث ,بما لا مزيد عليه.
فلا رأي لنا في المسألة نتفرد به . وقد سبق أن ورد سؤال عن: بعض البلاد التي يطول فيها النهار كثيراً, ويقصر الليل , فرأيت في ذلك الوقت : أن لهم إمساك خمس عشرة ساعة ,في رمضان ,والفطر تسع ساعات ,ولكن بعد نشر هذا الرأي , عتب عليّ سماحة الشيخ بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ وأرسل إلي ّ صوراً من أجوبة اللجنة الدائمة ,تتعلق بالصيام والصلاة في البلاد التي يطول فيها النهار . وفيها مخالفة لما رأبت , والأمر بالصيام .
لا أستحضر موضوعها , ويمكن الحصول عليها من : رئاسة إدارة البحوث العلمية . والذي يظهر ليّ في مثل هذه البلاد : أن لهم صلاة العشاء بعد الغروب بساعة ونصف . أو ساعتين دائماً , حتى لا يشق الانتظار عليهم في بعض السنة .
وقد علل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدم تأخير صلاة العشاء , بسبب الثقة , مع اختباره لتأخيرها إلى نصف الليل ,أو ثلثه .
والله أعلم
عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
--------------------------------------------------------------------------------
ماجدالمسفر
13-11-2001, 12:38 AM
وفيما يلي نص بحث فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة الذي جاء جواباً على سؤال ورد إليه حول مسألة اختلاف المواقيت في البلاد الغربية .
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة رفع الله قدره في الدنيا والآخرة .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته … وبعد :
أسأل الله العلي العظيم أن تكون في صحة وعافية ترفرف على سمتكم الكريم وأن يطيل الله في عمركم على عمل صالح .
فضيلة الشيخ , نحن مقيمون في مدينة " نورج " شرق بريطانيا للدراسة ، ولقد اطلعنا على تقويم الصلاة المعمول به في المدينة نفسها وإذا بالأخوة المسلمين يصلون العشاء قبل وقتها طول أيام السنة إذ يصلون العشاء بعد الغروب بساعة ونصف ، ولعل الباعث على هذا أن بريطانيا تواجه مشكلة بقاء الشفق الأحمر في بعض أيام الصيف طول الليل وبالتالي يتلاشى وقت صلاة العشاء مما اضطر بعضهم إلى تطبيق قاعدة تقويم أم القرى ساعة ونصف بين صلاتي المغرب والعشاء لحل المشكلة إلا أنهم سحبوا القاعدة تلك على كافة أيام السنة الأمر الذي أوقعهم في خطأ كبير ،بل حتى إن بعض مساجد" لندن " المشهورة يعتمد تلك القاعدة , بعبارة أخرى يصلون العشاء قبل غروب الشفق الأحمر بوقت يصل في الصيف إلى أكثر من ساعة وخمسين دقيقة تقريباً .
ولقد أعد أحد الأخوة المجتهدين تقويماً لمدينة" نورج" ومرفق مــعـه تقرير يشرح مسوغات إعداده ،ورد فيه ما يلي :
"بعد استقراء سريع حول آلية حساب مواقيت الصلاة في بعض المدن البريطانية تبين ما يلي :
1. أوقات شروق الشمس وصلاة الظهر و(صلاة العصر على المذهب الشافعي) وصلاة المغرب ليس فيها مشكلة إذ إن المعادلات الرياضية لحساب الأوقات السالفة واحدة تقريباً ومتماشية مع ما ورد في السنة المططهـر ة في تحديد أوقات الصلوات حتى ففي الجزر البريطانية المتطرفة في أقصى الشمال والتي تظهر فيها العلامات الشرعية المحددة للصلاة المذكورة آنفاً خلال العام كله دون مشكلة ولله الحمد .
2. وقت صلاة الفجر يبدأ من ظهور النور المعترض في القبة الفلكية الشرقية ويظهر عندما تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بـثماني عشر درجة (على خلاف بين الحسابات الفلكية بين خمس عشر درجة حتى تسع عشرة ونصف الدرجة, والمعادلة الرياضية المصممة لمعرفة الوقت وفق الدرجة المطلوبة قادرة على إيضاح الوقت بدقة ، إلا أن المشكلة في بريطانيا وكل المواقع الشمالية التي تقع فوق درجة عرض خمسين شمال خط الاستواء تظهر فيها مشكلة الصيف والمتمثلة باتصال الشفقين (شفق الغروب بشفق الشروق) أو بعبارة أخرى باتصال وقت صلاة المغرب بصلاة الفجر وعدم وجود وقت صلاة العشاء المحدد شرعياً ، مما يعني أن بداية وقت صلاة الفجر غير واضحة في أيام محددة في فصل الصيف من السابع عشر من مايو إلى الخامس والعشرين من يوليو وفقاً لموقع مدينة نورج لذا ومن خلال بحث الموضوع تبين أن بعض التقاويم المطبوعة وبعض البرامج المصممة تُدخل وقت صلاة الفجر قبل الشروق بساعة ونصف خلال الفترة التي لا يغيب فيها الشفق ، وأحياناً طول العام وفي كلتا الحالتين يكون وقت صلاة الفجر في وقته الشرعي ـ وهذا بناءً على تتبعي للتقويم ـ وهذه القاعدة في تقديري حل جيد لمشكلة البلدان المتطرفة, ولا يعني هذا بالضرورة أن القاعدة تنسحب على البلدان التي تقع إلى الجنوب من خط عرض خمسين درجة وخلاصة القول أن وقت صلاة الفجر ليس فيه مشكلة هنا طالما اعتمدنا القاعدة السالفة في فصل الصيف أو طول العام ولكن لا يُعتمد عليه في الإمساك لمن أراد الصوم لكون الوقت الحقيقي يدخل بوقت يسبق المدون في مثل التقاويم التي تعتمد ساعة ونصف .
وبالنسبة لتقويم نورج المرفق يعتمد وقت الفجر الحقيقي عندما تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بخمس عشرة درجة ـ أخذاً بالاحتياط ـ ، وبما أن التقويم يعتمد على إدخال وقت صلاة الفجر في وقته الحقيقي فإن مشكلة بقاء اتصال الشفقين تبدأ في مدينة نورج الثالث من يونيو حيث لا تنخفض الشمس تحت الأفق بـخمس عشرة درجة لذا نعمد إلى التقدير في هذه الحالة فتكون بداية صلاة الفجر الساعة 01:10 علماً أن آخر يوم طبيعي تكون فيه صلاة الفجر الساعة 01:16 ـ طالع التقويم ومسلسل التغير الكبير في الوقت ـ ويستمر التقدير حتى الثامن من يوليو بمعنى أننا نثبت الوقت على 01:10 للفجر ، ويُنصح بتأخير الصلاة عن هذا الوقت ما أمكن حتى تسفر جداً والله أعلم .
3. وقت صلاة العشاء يبدأ من غروب الشفق الأحمر في الأفق الغربي ويكون هذا عندما تكون الشمس تحت الأفق الغربي بدرجات تختلف من حساب رياضي إلى آخر بدءاً من خمس عشرة درجة تحت الأفق حتى ثماني عشرة درجة تقريباً وفي تقديري ـ والله أعلم ـ أن المشكلة في مواقيت الصلاة في بريطانيا وما يوافقها في درجات العرض يكمن في وقت صلاة العشاء فقط وبالتحديد في بعض أيام الصيف المحددة السابع عشرة من مايو حتى الخامس عشر من يوليو ـ بالنسبة لمدينة" نورج "ـ التي تضيع معها علامة صلاة العشاء بالكلية. فما هو الحل ؟
من خلال استقراء التقاويم التي بين يدي وجدت أن بعضها يطبق القاعدة الشرعية وفق الدرجات السالفة دون أي مشاكل تظهر عدا أيام من فصل الصيف والذي تمحى فيه علامات العشاء لذا يظهر في التقويم علامة (00:00) أصفار دلالة على عدم وجود الوقت وبقاء الشفق الأحمر طول الليل بل يتصل بشفق الشروق !!.
وبعض التقاويم تعتمد على قاعدة الفجر السابقة أو قل قاعدة تقويم أم القرى والتي تتمثل بساعة ونصف فارق بين غروب الشمس ودخول صلاة العشاء وهنا تكمن مشكلة خطيرة جداً تتمثل بإدخال وقت صلاة العشاء قبل وقته الشرعي أي قبل غروب الشفق الأحمر وهذا رأيته مطبقا طول العام في بعض التقاويم مما يعني أن بعض المسلمين يصلون العشاء قبل دخول الوقت طول العام لأنه وحسب التتبع تبين أن الشفق الأحمر لا يغرب إلا بعد مرور أكثر من ساعة وخمس وثلاثين دقيقة على الأقل بل يصل إلى ثلاث ساعات وعشرين دقيقة في أيام الصيف مما يعني أن من يعتمد على قاعدة ساعة ونصف سيصلي أحياناً قبل الوقت بساعة وخمسين دقيقة تقريباً ، وفي تقديري اضطروا إلى وضع القاعدة تلك لحل مشكلة الصيف والتي تظهر في أشهر مايو ، يونيو ويوليو بطول زمني يختلف من موقع إلى آخر فكلما اتجهنا شمالاً ازدادت الأيام والعكس صحيح ، والحل والله أعلم أن نعتمد القاعدة التي جاءت بها السنة والمتمثلة بغروب الشفق الأحمر فمتى غرب الشفق دخل وقت صلاة العشاء ، نعتمد ذلك طالما وجدت العلامة الفلكية في السماء فإذا اختفت العلامة كما يحصل في الصيف فهنا المشكلة التي بصدد اقتراح حلّ لها لذا لجأ العلماء إلى الاجتهاد في ذلك وفق منهج التقدير الوارد في حديث الدجال واختلفت أراء العلماء منهم من قال نعتمد علي التوقيت الوسطي ومنهم من قال نعتمد على آخر يوم تظهر فيه العلامة الفلكية ومنهم من قال : يقلدون أقرب مكان تظهر فيه العلامة الفلكية وغيرها من أقوال واجتهادات مأجورة إن شاء الله.
وخلاصة القول في صلاة العشاء وهي مكمن المشكلة ، يعتمد على العلامة الشرعية الفلكية والمتمثلة بغروب الشفق طالما الشفق يغرب في أي وقت من الليل . فإن لم يغرب الشفق واتصل الشفقان (شفق الغروب بشفق الشروق) فإن المتأمل سيجد أن وقت صلاة المغرب في مثل الأيام تلك يبدأ من غروب الشمس حتى منتصف الليل (تجاوزاً لأنه في الواقع ليس له نهاية بل وقت المغرب يتصل مع الفجر) ووقت صلاة الفجر يبدأ من بعد منتصف الليل إلى شروق الشمس منها يتضح أن صلاة العشاء ليس لها وقت في مثل الأحوال تلك فما هو الحل إذاً ؟ التقدير لها كما ورد في الحديث ويكون التقدير الذي تطمئن له النفس كآلاتي : بعد غروب الشمس تشتد الظلمة أكثر فأكثر كلما اقتربنا من منتصف الليل ثم يبدأ النور بالزيادة بعد منتصف الليل حتى تشرق الشمس منها نستطيع القول إن منتصف الليل هو الأقرب لوقت صلاة العشاء حيث شدة الظلمة ولا أقول هو وقت صلاة العشاء لأن الشفق باق بل إن آخر يوم غرب فيه الشفق كان قبل منتصف الليل بدقائق قليلة ـ طالع التقويم ـ منها نقول إن الأقرب للصواب أن تكون صلاة العشاء في منتصف الليل تماماً إذ إن في هذا مشقة على المصلين ـ كون الوقت قصير جداً ـ وجب أن نوسع على المصلين فنجعل الآذان قبل منتصف الليل بعشر دقائق ـ مثلاً ــ على أن يكون الوقت من 12:50 حتى 01:10 هو وقت صلاة العشاء وهو الوقت الذي تكون الظلمة على أشدها وبالتالي يكون من صلى في هذا الوقت يكون أقرب إلى وقت العشاء ممن صلى بعد الغروب بساعة ونصف تبعاً للقاعدة السالفة والله اعلم.
وخلاصة القول في الاستنتاجات الآتية :
1. عدا صلاتي الفجر والعشاء يعتمد على التقاويم المطبوعة في بريطانيا دون تردد ويفضل تأخير الآذان ثلاث دقائق احتياطاً .
2. بالنسبة للفجر يعتمد وقت الفجر الحقيقي عندما تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بـ خمس عشرة درجة ، ومن أعتمد قاعدة ساعة ونصف فلا بأس ولكن يلاحظ ألا يعتمد عليه في الإمساك .
3. أما صلاة العشاء يعتمد على غروب الشفق الأحمر عدا الفترة الواقعة السابع عشر من مايو حتى الخامس والعشرين من يوليو بالنسبة لنورج حيث يتصل شفق الغروب بشفق الشروق لذا يكون وقت الصلاة الاصطلاحي من 12:50 حتى 01:10 ولمدة ثلث ساعة فقط والله اعلم .
مما سبق سيكون التقويم الآتي لمدينة نورج (NORWICH) الواقعة وفق الإحداثيات (درجة العرض 38َ 52ْ شمالاً خط الطوال 16َ 01ْ شرقاً) اعتماداً على الاستنتاجات السابقة والله نسأل أن يسدد ويوفق ".
إلا أن بعض المسلمين في هذه المدينة استنكر هذا الطرح ورفض أن يصلي العشاء في وقتها ولو تأخر ، بل يريد أن تبقى العشاء بعد المغرب بساعة ونصف طول العام ، والبعض الآخر متحفظ ويرغب أن يسمع إلى فتوى من فضيلتكم .
فالسؤال المطروح على فضيلتكم ما رأيكم في مشكلة صلاة العشاء من حيث :
1. دخولها في وقت متأخر في فصل الصيف ـ انظر إلى التقويم ـ هل يجوز الجمع بين المغرب والعشاء للمقيمين وغيرهم بسبب المشقة في الانتظار ؟
2. في حالة اتصال شفق الغروب بشفق الشروق كيف نقدر لصلاة العشاء ؟ وما رأي فضيلتكم بالتقدير المقترح في التقرير المرفق والظاهر في التقويم المرفق أيضاً ؟ هل من ملاحظات ؟
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماجدالمسفر
13-11-2001, 12:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
المكرم الأخ/ حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
قرأت رسالتكم الكريمة ، وقرأت التقرير المرفق معها ، وأعتذر مبدئياً عن التأخير، فلقد ظللت طوال هذه المدة أتأمل الأمر من جوانبه ، وأقلب أوراق الكتب، والمصادر، وأستشير من ألقاه من الشيوخ ،والعلماء، وطلبة العلم ، وخلاصة ما توصلت إليه ما يلي :
أرى أن يظل جدول المواقيت كما هو ، أي : أن تصلى صلاة العشاء في وقتٍ محدد معلوم لا يتأخر تأخراً غير عادي،ولا يشق على الناس،وإن كان الشفق يتأخر في المغيب ، أو لا يغيب مطلقاً ، وذلك للأسباب التالية :
أولاً : إنه في بعض الليالي لا يغيب الشفق حتى يطلع الفجر، وفي هذه الحالة، فلا وقت لديهم لصلاة العشاء أصلاً ؛ لأن العلماء متفقون على أن وقت صلاة العشاء للمقيم يبدأ بغيبوبة الشفق، كما نقل الإجماع على ذلك في المجموع ، والمغني، والتمهيد ،وتحفة الفقهاء وغيرها.
مع أنهم غير متفقين على تحديد الشفق ماذا يعني ؟ أهو البياض الذي هو عبارة عن الأجزاء الرقيقة الباقية من ضياء الشمس بعد غروبها، كما يروى عن عمر، ومعاذ ،وعمر بن عبدالعزيز، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره ثعلب من اللغويين، وقال إنه أظهر من أن يحتاج إلى شاهد .
أم هو الحمرة التي تسبق البياض كما ذهب إليه الأكثرون، وهو مشهور الأئمة الثلاثة، واختيار صاحبي أبي حنيفة : أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، ويروى فيه حديث مرفوع، ولا يصح، ولكنه يصح عن جماعة من الصحابة موقوفاً كابن عباس، وابن عمر، وعبادة بن الصامت، وغيرهم، وهو اختيار أكثر اللغويين .
فإذا لم يغب الشفق الأحمر فإن وقت العشاء لم يحن بعد، وعلى هذا يرجع الأمر عند جمهور العلماء إلى التقدير سواء كان التقدير بالنظر إلى أقرب البلاد إليهم كما اختاره جماعة ،أو كان بالنظر إلى ميقات مكة البلد الحرام كما هو رواية عن أحمد، أو كان بالنظر إلى الأحوال الطبيعية في بلدهم نفسه ، وهذا أرجح، وأولى ، وهو اختيار ابن تيمية كما في مواضع من كتبه، والدليل عليه حديث الدجال : اقدروا له قدره .
(3)إذاً : في هذه الحالة التي لا يغيب فيها الشفق مطلقاً ، ولا يوجد وقت لصلاة العشاء يقدرون قدر الوقت الطبيعي في بلادهم في الأحوال العادية المتوسطة، وليس في المسألة كبير إشكال وهذه المسألة بالذات أفاض فيها العلماء المتقدمون، والمتأخرون كالإمام النووي في المجموع،وكثير من فقهاء الشافعية ، وكذا فقهاء الأحناف كابن عابدين، وغيره، ولا تحتاج إلى مزيد بحث .
ثانياً : الأيام التي يغيب فيها الشفق غير منضبطة، ففي بعض الأيام يتأخر إلى قبيل الفجر ، وفي بعضها إلى ثلثي الليل ، وفي بعضها إلى نصف الليل ،وفي بعضها إلى ثلثه ، والفقهاء متفقون على أن وقت الفضيلة للعشاء غايته إلى نصف الليل، فمنهم من يقول : إلى ربعه، أو إلى ثلثه، أو إلى نصفه، وللشافعي رحمه الله قول أنه يرى صلاة العشاء بعد ثلث الليل فائتة، وهو ظاهر كلام الخرقي، واحتمال عن الحنابلة أن وقتها يخرج بخروج وقت الاختيار .
ثالثاً : إن وقت المغرب، والعشاء بينهما تداخل في الأصل، فأصل المواقيت عند السلف ثلاثة ؛ وقت للظهر، والعصر، ووقت للمغرب، والعشاء، ووقت للفجر، ولذلك قال تعالى( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً )قال كثير من المفسرين من الصحابة، ومن بعدهم كعمر، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وغيرهم : دلوك الشمس : زوالها عن كبد السماء ، وعليه فدلوكها إشارة إلى وقت الظهر، والعصر المشترك، وغسق الليل : ظلمته ،وعليه فهي إشارة إلى وقت المغرب، والعشاء المشترك، ثم ذكر قرآن الفجر، لأن وقتها خاص بها لا يشاركها فيه صلاة أخرى .
وهذا على كل حال أحد الأقوال في الآية، وفيها أقوال عديدة مبسوطة في موضعها ولذلك قال مالك: وقت المغرب، والعشاء إلى طلوع الفجر ، وروي هذا عن جماعة من السلف، ومرادهم في ذلك في حال العذر، والحاجة – والله أعلم ، وروى البيهقي عن عبدالرحمن بن عوف، وابن عباس، وفقهاء المدينة السبعة ما يدل على هذا المعنى .
والعذر ما يكون بالمرض، ويكون بالخوف، ويكون بالسفر المحوج إلى ذلك . وإذا كان هذا في شأن أفراد يمكنهم احتمال المشقة، فشأن الجماعة الكبيرة من الناس الذين ينتابهم هذا الأمر جزءاً متصلاً من أيام السنة، أو لياليها أولى بالمراعاة، ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله : دل الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار ،وهي ثلاثة في حال العذر ،واستدل بالآية السابقة ومثلها قوله تعالى( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل … )
(4)ومما يشعر بذكر الأوقات الخمسة مفصلة قوله تعالى ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات، والأرض، وعشيا،ً وحين تظهرون ) كما ذكره جماعة من أهل التفسير ، ويروى أن ابن عباس ذكره لنافع بن الأزرق حين سأل عن ذلك، والله أعلم.
وهكذا فالغسق هو: إقبال الليل، وظلامه كما نقله الطبري، واختاره، وهو قريب من زلف الليل التي فسرها مجاهد بالساعات من الليل ، وأنها صلاة العتمة ، يعني العشاء، وهكذا ذكر ابن جرير عن جماعة الأئمة، والسلف مثل هذا، فمنهم من قال : العشاء، ومنهم من قال : المغرب، والعشاء.
إن من الواضح للمتأمل في هذا النصوص، وأشباهها أن وقت المغرب، والعشاء في أول الليل، كما أن وقت الفجر في آخره، بل في أول الصباح، وبينهما وقت هجعة، ومنام، يعبر عنه في القرآن باللباس، والسكن، ويعبر عن النوم بالسبات، وهذا يقود إلى الأمر ( الرابع ) .
رابعاً:إن اضطراب وقت العشاء بحيث يصلون اليوم بعد ساعة، ونصف من مغيب الشفق، ثم يصلون بعد فترة وجيزة، بعد الشفق بساعات، ثم يتمادى الأمر إلى أن يصلوا العشاء قبيل صلاة الفجر، وبعد أيام ينقطع الشفق نهائياً، فيعودون للتقدير،ويصلون العشاء في ميقاتها المعتاد .
وهذا يترتب عليه أضرار كبيرة، وحرج، ومشقة، للرجال، والنساء، والصبيان، وهم مرتبطون بأعمال، ومواعيد دراسة، أو دوام، ومشاغل شتى، ويحتاجون للراحة، والنوم في هذا الوقت، بل إن هذا التفاوت الكبير في ميعاد أداء الصلاة يترتب عليه تركها، أو الإخلال بها عند كثير منهم ، ولحكمة بالغة جعل الله تعالى مواقيت الصلاة حيث هي في عموم البلاد ، فهي في مقاطع الأوقات، لا تصادف وقت قيلولة، ولا وقت نوم مستغرق، ولا وقت عمل متصل، وإنما جعل قيام الليل نافلة للمجتهدين المستزيدين من الأعمال فقال سبحانه : ( ومن الليل فتهجد به نافلةً لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً )
خامساً : والمسألة في مجملها محل نظر، وتردد، ولكلٍ وجهة هو موليها . وقد بحث المسألة بعض الفقهاء ، وتدارستها عدد من المجامع العلمية، واختلف فيها الرأي، والاجتهاد، ما بين من يرى أن يعمل بالعلامات الأصلية كالشفق مثلاً ، مادامت موجودة، وإن تأخرت، اعتباراً بالأصل، واستناداً إلى أدلة المواقيت، وهم الأكثرون، وبين من يرى أن مثل هذه الحالة.
(5)مسكوت عنها في الشرع ، ويجب تقرير حكم لها يتناسب مع مقاصد الشريعة، معتمداً إما على تقويم الحجاز، أو على اعتبار أقصى ما وصل إليه سلطان الإسلام من البلاد … وهذا رأي الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى كما في فتاويه ( ص 113 – 115 ) .
وانظر : قرارات مجلس المجمع الفقهي في دورته الخامسة القرار رقم 3، ومجلة البحوث الإسلامية 25/ 11 – 34 .
ومع أنه من الناحية العملية – لا بد من الأخذ برأي واحد، إلا أنه مع ذلك يجب عدم التثريب في الخلاف الفقهي الاجتهادي المبني على النظر، ورعاية الدليل . قال الإمام أحمد : لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل اسحق بن راهوية، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً . سير أعلام النبلاء 11/371 .
وقال الإمام يحيى بين سعيد الأنصاري : أهل العلم أهل توسعة، وما برح المفتون يختلفون، فيحلل هذا، ويحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على هذا . ( جامع بيان العلم وفضله 2/80) .
قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني ،فأخذ بيدي، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسالة ؟!
(10/16).وقال مالك : كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وفي لفظ : ما منا إلا راد، ومردود عليه … وهي كلمة مشهورة منقولة .
وقال أبو حنيفة : هذا الذي نحن فيه رأي، لا نجبر أحداً عليه، ولا نقول : يجب على أحد قبوله بكراهة ، فمن كان عنده شيء أحسن منه فليأت به . ( الانتقاء / 258 ) .
والعلماء قديمهم وحديثهم – رحمهم الله، وحفظهم – مختلفون في الكثير الكثير من مسائل الفقه وفروعه مما لا يكاد ينحصر ... ولكنهم مجمعون على وجوب سلامة الصدر من الغل، والكراهية، والضغينة للمسلم، وعلى الحرص على جمع كلمة المسلمين ما أمكن، وعلى الحث على التحلي بكريم الأخلاق، وطيب الخصال بين المسلمين عامة، وبين الدعاة، وطلبة العلم خاصة ،وإن باعدت بينهم الآراء ، والاجتهادات،والمواقف العلمية.
فليحرص الإخوة – وفقهم الله، ورعاهم – على ذلك أشد الحرص ، وليغلقوا منافذ الكيد الذي يستهدف أخوتهم، وصفاء قلوبهم .
شكراً لك أخي مسند حيث كنت سبباً في هذه الإفاضة، ومعذرة على التأخير ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوك /سلمان بن فهد العودة