PDA

View Full Version : هل أصبح الحج موسماً للطاعات أم للتدافع


فتى دبي
16-01-2006, 08:11 AM
ينتابني شعور بالأسف المفعم بالغضب كلما وقعت حادثة من تلك الحوادث التي صارت موسمية وتخلف وراءها أعداداً كبيرة من القتلي والجرحي بين الحجيج في كل عام بالأمس قضي 363 حاجاً فضلاً عن مئات من الجرحي إثر عملية بدافع فوق جسر الجمرات. وليس أسفي أو غضبي هذا براجع إلي عدد الضحايا أو الظروف التي يقضون فيها بقدر ما هو راجع إلي أن وقوع مثل هذه الحوادث يشير إلي وجود خلل ما في نفوس يفترض أنها في مثل هذه الأيام تعيش أجواءً إيمانية تستحضر فيها يوم الحشر الأكبر حيث الوجوه تعنو لله وحيث القلوب معلقة برباط واحد وحيث الكل تجرد من الدنيا وخلع عباءتها وشهواتها أو هكذا أعلن ثم فجأة وعند أول منعطف وعند أول ظهور للأنانية أو الأثرة أو فرصة للتسابق تبدأ عمليات الدهس بالأقدام ويقع الضعفاء والعجزة فتدوسهم أقدام إخوانهم الأشداء في مشهد لا يذكر إلا بهاربين أو فارين من زلزال أو من سيل جارف!

إنه لأمر غريب حقاً أن تجد شخصاً ضحي بالمال ورضي أن ينقطع عن الأهل ثم هو في سبيل أداء شعيرة من الشعائر بحذافير معينة يقتل نفساً حرم الله قتلها، نعم قتلها وإلا ماذا نسمي الذين فاضت أرواحهم تحت آلاف الأقدام أليسوا قتلي أم أنهم ماتوا وهم علي فراش المرض نم قد يقول قائل أن هذا القتل الذي حدث بالأمس مثلاً أو حدث في سنوات فائتة هو قتل عن طريق الخطأ.. نعم إن هؤلاء الضحايا يقضون غالباً أثناء عملية يتدافع فيها أكثر من مليوني حاج يروحون ويجيئون معاً ما يجعل كل حاج يصبح أشبه بقطرة ماء في سيل عارم أو بصخرة حطها السيل من علٍ، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة أخطاء بشرية أو فنية ترتكب وينتج عنها مثل هذه الحوادث المفجعة. ولا يسعني هنا إلا أن أحيلكم إلي الحديث الشريف الذي يقول معناه أن انقضاض الكعبة، والتي هي من الحج بمنزلة القلب والمركز، حجراً بعد حجر لأهون عند الله من أن تزهق روح مسلم.

ولكن إذا جاز لنا أن نبحث عمن قد يكون مسؤولاً عن مثل هذه الحوادث، أهو سوء التنظيم ونقص الاستعدادات من جانب البلد المضيف أم أن هناك فهماً ضيقاً قد ركز في عقول عموم المسلمين عن شعائر الحج ويجب علي رجال الدين أن يعالجوه خاصة بعدما أصبحت منطقة رمي الجمرات مسرحاً سنوياً لما يشبه عمليات اقتتال تدور رحاها في الطريق إلي منطقة رمي الجمرات أو حولها حتي باتت مثل هذه الحوادث أمراً مألوفاً رغم ما جري من تطويرات علي منطقة رمي الجمرات.

في رأيي أن ثمة خللاً موجوداً في فهم وفقه الحج وشعائره لدي أعداد غفيرة من المسلمين فركن الحج كله قائم علي الرمزية والاستحضار فالطواف ورمي الجمرات والوقوف بعرفة وغيرها من شعائر كلها رموز واستحضار لوقائع تاريخية وحالات إيمانية وليست مقصودة لذاتها أبداً وهو في ذلك يختلف عن بقية أركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة لست هنا في مقام من يتصدي لفتية أو يدعي اختصاصاً بعلوم الشريعة فحظي منها لا أحسد عليه كما أنني ليس لي سابق معرفة يؤدي عليها هذا الركن، ولكنني أتكلم من واقع أسفي علي وقوع حوادث باتت سنوية وباتت تعكر صفو الأجواء الإيمانية التي يفترض أنها تسود المكان كما تكدر أجواء العيد ومباهجه التي تعم كل أقطار العالم الإسلامي في تلك الأيام المباركة فتأتي هكذا أحداث فتذرو كل ذلك وتحيلنا إلي مأتم جماعي بدلاً من العيد! وهو ما يجعلني أدعو أهل الاختصاص من كل الأقطار الإسلامية لإعادة النظر في فقه وفهم وتطبيق أركان الحج لدي عموم المسلمين وما إذا كان ذلك الفهم المغلوط لدي البعض يقف وراء مثل هذه الحوادث خاصة وأن الدين كما هو معروف يسر لا عسر فيه والاجتهاد بابه مفتوح.