محرز
02-05-2000, 07:41 AM
هكذا نسمع وكأننا لا نري ..
في أوروبا في القرن السابع عشر كانت حرب الثلاثين عاما1618 ــ1648 الأكثر قسوة ووحشية. وفقدت فيها إمارات ألمانيا نحو نصف سكانها. ولم تنته حروب الفرنسيين الدينية إلا بعد إفناء البروتستانت تقريبا.
وهناك مجلدات ومراجع أخري جسدت رعب التعصب الديني في أوروبا مثل مجلدي و.أ.ليكي بعنوان "تاريخ الأخلاق الأوروبية" أو كتاب السير ستيفن رانسيان عن تاريخ الصليبيين ذلك غيرما ورد في كتابات فولتير وجيبون وغيرهم تجعلك تجد مبرر حقيقي ولو مؤقت لفصل الكنيسة عن الدولة .. ومن ثم الاتجاه الي العلمانية.
فهل لدينا مبرر حقيقي بهذا الحجم لتبني العلمانية عربيا .. الذي لدينا فكر و ثقافة القص واللزق فقط ومفكرون تغيب عنهم كالعادة المنهجية والبديل الإقليمي وغاب عنهم ان المحدثون الأوروبيون بعد ان وجدوا ان العلمانية ستنقذهم من دمار التعصب الديني, فاجأتهم الحروب القومية والايديولوجية التي صارت أكثر تدميرا ...
و بعكس ما فهم بعض المثقفين العرب, لم تكن العلمانية مرادفآ للدولة الليبرالية , وإنما للدولة المتسامحة دينيا. ولا توجد حاجة في الشرق للعلمانية علي هذا النحو لأننا لم نعرف ـ سواء كمسلمين او مسيحيون - ما حدث في أوروبا وكأن دعوة العلمانية بها الكثير من المبالغة والتهويل من بعض المثقفون لأغراض ملأ فراغ فكري تسببوا فيه.
ويبدو لي ايضا انه بفضل انبهار بعض المثقفون بالعلمانية فقد نكون علمانيون اكثر من إسرائيل وأمريكا نفسهم.
فقد قامت إسرائيل لتكون دولة يهودية وتتجه الهند من الديمقراطية و العلمانية الي الهندوسية وفي أمريكا تنص المادة الأولى من الدستور الأمريكي بفصل الدين عن الدولة مع ذلك فان اثنين فقط من أعضاء مجلس الكونجرس البالغ عددهم مائة عضو يعترفان بأنهما لا ينتميان الي اي كنيسة او حركة دينية وتفتح جلسات الكونجرس دائما وحكما بصلاة لله لتحمي أمريكا والتي تتضمن عبارات من الإنجيل
وفي السنة الماضية عرض أمام الكونغرس مشروع قانون ينص علي ان يخصص الشعب الأمريكي كله يوما في العام للصلاة والصوم من اجل التقرب الي الله ولكنه سقط بأقلية ضئيلة جدا و هناك عدد من الولايات الأمريكية أقر عدم عرض دراسة نظرية النشوء والتطور لداروين في المدارس والاكتفاء بنظرية الخلق كما وردت في الكتاب المقدس- العهد القديم ومنذ عام1996 وعملا بقانون اتحادي جديد اصبح لزاما علي الدولة الاتحادية ان تدفع مساعدة مالية الي المدارس التابعة للكنائس او للجمعيات الدينية الاخري مقابل كل طالب يلتحق بها كما تقدم مساعدات اخري لدعم برامج التدريب المهني والنشاطات الاجتماعية التي تقوم بها هذه الكنائس والجمعيات وتبين استطلاعات الرأي المعتمدة رسميا ان تسعة من كل عشرة أمريكيين يعتبرون الدين امرا مهما بالنسبة اليهم وان سبعة من كل عشرة يقرون بانتمائهم الي جماعة دينية ما وان أربعة من كل عشرة يحرصون علي أداء فروض الصلاة في المعابد( مقابل واحد من عشرة في بريطانيا) ولا يقتصر هذا الانتماء علي الجوانب العبادية فقط, ولكنه انتماء يترجم من خلال المشاركة في النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها الجماعات الدينية, ومن مظاهر ذلك مثلا ان حوالي نصف الأمريكيين من الراشدين يشاركون في الأعمال التطوعية المختلفة ومن هذه المظاهر كذلك التبرعات الأهلية التي وصلت في العام الماضي الي175 مليار دولار, اي بزيادة 9 في المائة عما كانت عليه في عام1997 مع ذلك فقد ازداد عدد نزلاء السجون الأمريكية بنسبة ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس عشرة الأخيرة, حتي ان عدد السجناء يبلغ حوالي6 ملايين شخص وعدد أبناء السجناء يزيد 103 مليون طفل, وتقدر الدراسات الاجتماعية ان يصبح سدس هؤلاء الأطفال نزلاء السجون فيما بعد وهناك اعتقاد بأن الجمعيات الأهلية الدينية اقدر علي معالجة هذه التداعيات الاجتماعية من الحكومة الاتحادية, الآمر الذي سيؤدي الي تحويل اعتمادات مالية من الخزينة الاتحادية الي هذه الجمعيات, مما يكرس الطابع الديني للمجتمع الأمريكي وللدولة الأمريكية معا
وخلافا لما تقول به المادة الأولى من الدستور ومنذ عام1864 تحمل العملة الأميركية عبارة اننا نثق بالله, وفي عام1955 تقرر نقش هذه العبارة علي كل وحدات النقد الأمريكي وتتناقض هذه الوقائع مع مقتضيات النظام الاجتماعي الذي يقوم علي أتساس انه لا يوجد دين للدولة في الولايات المتحدة فحرية الاعتقاد المطلقة التي يتمتع بها المواطن الأمريكي تصطدم بالالتزامات الجديدة التي تفرضها الدولة الاتحادية علي نفسها تجاه المؤسسات والجمعيات الدينية المختلفة والمتعددة.ومما يعزز هذا التناقض ويؤكده البعد الديني للسياسة الخارجية الأمريكية .
ولنقرأ ما ورد في كتاب النبوءة والسياسة للكاتبة الأمريكية غريس هالسل التي كانت تحرر نصوص خطابات الرئيس الأسبق ليندون جونسون من انه في كل مرة تطرح قضية أساسية تتعلق بالشرق الأوسط امام مجلس الأمن القومي الأمريكي كان يدعي الي الاجتماع ممثلون عن الكنيسة للمشاركة في صنع القرارات, بحيث تتوافق مع النبوءات الدينية الواردة في العهد القديم- سفر حزقيال ويوحنا تحديدا
كما ان القانون الذي اقره الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات سياسية واقتصادية علي الدولة التي يثبت انها لا تحترم الحريات الدينية وخاصة حرية المسيحيين, ذلك انه بموجب هذا القانون تنصب الولايات المتحدة نفسها حامية للحريات الدينية في العالم كله وللحرية المسيحية تحديدا وبصورة خاصة ومخالفة دستورها في مادته الأولي !؟ http://www.swalif.net/swalif1/ubb/smile.gif
هل بعد ذلك يمكن ان نعتقد بأن الولايات المتحدة اقل التزاما وتأثرا بالدين من إيران او باكستان ؟ أم ان ما يحق للولايات المتحدة لا يحق لغيرها ؟ وهل نحن في الطريق لأن نكون اكثر علمانية من أمريكا وإسرائيل ..
في أوروبا في القرن السابع عشر كانت حرب الثلاثين عاما1618 ــ1648 الأكثر قسوة ووحشية. وفقدت فيها إمارات ألمانيا نحو نصف سكانها. ولم تنته حروب الفرنسيين الدينية إلا بعد إفناء البروتستانت تقريبا.
وهناك مجلدات ومراجع أخري جسدت رعب التعصب الديني في أوروبا مثل مجلدي و.أ.ليكي بعنوان "تاريخ الأخلاق الأوروبية" أو كتاب السير ستيفن رانسيان عن تاريخ الصليبيين ذلك غيرما ورد في كتابات فولتير وجيبون وغيرهم تجعلك تجد مبرر حقيقي ولو مؤقت لفصل الكنيسة عن الدولة .. ومن ثم الاتجاه الي العلمانية.
فهل لدينا مبرر حقيقي بهذا الحجم لتبني العلمانية عربيا .. الذي لدينا فكر و ثقافة القص واللزق فقط ومفكرون تغيب عنهم كالعادة المنهجية والبديل الإقليمي وغاب عنهم ان المحدثون الأوروبيون بعد ان وجدوا ان العلمانية ستنقذهم من دمار التعصب الديني, فاجأتهم الحروب القومية والايديولوجية التي صارت أكثر تدميرا ...
و بعكس ما فهم بعض المثقفين العرب, لم تكن العلمانية مرادفآ للدولة الليبرالية , وإنما للدولة المتسامحة دينيا. ولا توجد حاجة في الشرق للعلمانية علي هذا النحو لأننا لم نعرف ـ سواء كمسلمين او مسيحيون - ما حدث في أوروبا وكأن دعوة العلمانية بها الكثير من المبالغة والتهويل من بعض المثقفون لأغراض ملأ فراغ فكري تسببوا فيه.
ويبدو لي ايضا انه بفضل انبهار بعض المثقفون بالعلمانية فقد نكون علمانيون اكثر من إسرائيل وأمريكا نفسهم.
فقد قامت إسرائيل لتكون دولة يهودية وتتجه الهند من الديمقراطية و العلمانية الي الهندوسية وفي أمريكا تنص المادة الأولى من الدستور الأمريكي بفصل الدين عن الدولة مع ذلك فان اثنين فقط من أعضاء مجلس الكونجرس البالغ عددهم مائة عضو يعترفان بأنهما لا ينتميان الي اي كنيسة او حركة دينية وتفتح جلسات الكونجرس دائما وحكما بصلاة لله لتحمي أمريكا والتي تتضمن عبارات من الإنجيل
وفي السنة الماضية عرض أمام الكونغرس مشروع قانون ينص علي ان يخصص الشعب الأمريكي كله يوما في العام للصلاة والصوم من اجل التقرب الي الله ولكنه سقط بأقلية ضئيلة جدا و هناك عدد من الولايات الأمريكية أقر عدم عرض دراسة نظرية النشوء والتطور لداروين في المدارس والاكتفاء بنظرية الخلق كما وردت في الكتاب المقدس- العهد القديم ومنذ عام1996 وعملا بقانون اتحادي جديد اصبح لزاما علي الدولة الاتحادية ان تدفع مساعدة مالية الي المدارس التابعة للكنائس او للجمعيات الدينية الاخري مقابل كل طالب يلتحق بها كما تقدم مساعدات اخري لدعم برامج التدريب المهني والنشاطات الاجتماعية التي تقوم بها هذه الكنائس والجمعيات وتبين استطلاعات الرأي المعتمدة رسميا ان تسعة من كل عشرة أمريكيين يعتبرون الدين امرا مهما بالنسبة اليهم وان سبعة من كل عشرة يقرون بانتمائهم الي جماعة دينية ما وان أربعة من كل عشرة يحرصون علي أداء فروض الصلاة في المعابد( مقابل واحد من عشرة في بريطانيا) ولا يقتصر هذا الانتماء علي الجوانب العبادية فقط, ولكنه انتماء يترجم من خلال المشاركة في النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها الجماعات الدينية, ومن مظاهر ذلك مثلا ان حوالي نصف الأمريكيين من الراشدين يشاركون في الأعمال التطوعية المختلفة ومن هذه المظاهر كذلك التبرعات الأهلية التي وصلت في العام الماضي الي175 مليار دولار, اي بزيادة 9 في المائة عما كانت عليه في عام1997 مع ذلك فقد ازداد عدد نزلاء السجون الأمريكية بنسبة ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس عشرة الأخيرة, حتي ان عدد السجناء يبلغ حوالي6 ملايين شخص وعدد أبناء السجناء يزيد 103 مليون طفل, وتقدر الدراسات الاجتماعية ان يصبح سدس هؤلاء الأطفال نزلاء السجون فيما بعد وهناك اعتقاد بأن الجمعيات الأهلية الدينية اقدر علي معالجة هذه التداعيات الاجتماعية من الحكومة الاتحادية, الآمر الذي سيؤدي الي تحويل اعتمادات مالية من الخزينة الاتحادية الي هذه الجمعيات, مما يكرس الطابع الديني للمجتمع الأمريكي وللدولة الأمريكية معا
وخلافا لما تقول به المادة الأولى من الدستور ومنذ عام1864 تحمل العملة الأميركية عبارة اننا نثق بالله, وفي عام1955 تقرر نقش هذه العبارة علي كل وحدات النقد الأمريكي وتتناقض هذه الوقائع مع مقتضيات النظام الاجتماعي الذي يقوم علي أتساس انه لا يوجد دين للدولة في الولايات المتحدة فحرية الاعتقاد المطلقة التي يتمتع بها المواطن الأمريكي تصطدم بالالتزامات الجديدة التي تفرضها الدولة الاتحادية علي نفسها تجاه المؤسسات والجمعيات الدينية المختلفة والمتعددة.ومما يعزز هذا التناقض ويؤكده البعد الديني للسياسة الخارجية الأمريكية .
ولنقرأ ما ورد في كتاب النبوءة والسياسة للكاتبة الأمريكية غريس هالسل التي كانت تحرر نصوص خطابات الرئيس الأسبق ليندون جونسون من انه في كل مرة تطرح قضية أساسية تتعلق بالشرق الأوسط امام مجلس الأمن القومي الأمريكي كان يدعي الي الاجتماع ممثلون عن الكنيسة للمشاركة في صنع القرارات, بحيث تتوافق مع النبوءات الدينية الواردة في العهد القديم- سفر حزقيال ويوحنا تحديدا
كما ان القانون الذي اقره الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات سياسية واقتصادية علي الدولة التي يثبت انها لا تحترم الحريات الدينية وخاصة حرية المسيحيين, ذلك انه بموجب هذا القانون تنصب الولايات المتحدة نفسها حامية للحريات الدينية في العالم كله وللحرية المسيحية تحديدا وبصورة خاصة ومخالفة دستورها في مادته الأولي !؟ http://www.swalif.net/swalif1/ubb/smile.gif
هل بعد ذلك يمكن ان نعتقد بأن الولايات المتحدة اقل التزاما وتأثرا بالدين من إيران او باكستان ؟ أم ان ما يحق للولايات المتحدة لا يحق لغيرها ؟ وهل نحن في الطريق لأن نكون اكثر علمانية من أمريكا وإسرائيل ..