بو عبدالرحمن
16-03-2001, 09:06 PM
-
( الغثائية ) هي المرض القاتل ، الذي أخذ ينهش في بنيان أمتنا في العصور الأخيرة ، هذه الأمة التي أشرقت عليها الشمس ، ذات صباح ، وهي خير أمة أخرجت للناس ، حيث كانت يومها ، تُعلّم الحياة وأهلها ، كيف تكون آداب السماء .!
( الغثائية ) مرض متأصل تعاني منه أُمتنا ولا تزال ، وهو بدوره لا يزال يسري في عروقها ليصيبها في مقتل _ إذا لم تتدارك نفسها ، فتشخّص حالتها ، وتستنفر طاقاتها ، لتصحح وضعها ، وتعالج أمرها ، وتعيد ترتيب أوراقها _ .. فما هي الغثائية ؟!
( الغثائية ) هي الهشاشة ، هي الهامشية ، هي الانحلال والتحلل ، هي التميّع والضياع ، هي المسخ ، هي فقدان الشخصية ، وفقدان الهويّة ، وفقدان القيمة في واقع الحياة ، هي أن يكون المرء بلا وزن ، قد تراه منتفخاً منتفشاً ، غير أنك إذا فتّشته تكتشف أنه كالطبل الأجوف ليس سوى خواء من داخله ، ومن ثَمّ تجده في واقع الحياة ..
أشبه شيء بالقشة يجرفها التيار ، بل يصنعها التيار ، ثم يدفعها أمامه ، فإذا انحرف في سيره ، انحرفت معه، وإذا وقف وقفت معه..! لا تملك لنفسها حولاً ولا طولاً ولا قوّة، لأنه لا وزن لها ، ولا قيمة فيها ، ومن ثَمّ لا احترام لها ، ولا تقدير لها ، ولا اكتراث بها ، ولا التفات إليها ..
-
-
وما أكثر الذين ينتسبون لهذه الأمة الكريمة ، هم أشبه ما يكونون بتلك القشة :
التيار يحرّكهم .. والتيار يجرفهم .. والتيار يصنعهم كذلك ، ويتلاعب بهم يمنةً ويسرة ، وهم لا حس ولا خبر ، بل لا يزالون يقهقهون ، ويُغنون ، ويرقصون ، ويحسبون أنهم على شيء ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ..!وتلك هي الداهية التي تقصم الظهر ..
لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ **** إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
فما الحل للخلاص من هذا المرض الخطير المستفحل ..؟!
نعود إلى المثال السابق :
تُرى ماذا ينبغي علينا أن نفعل ، إذا نحن أردنا أن نجعل من القشة ، شيئاً ذا قيمة ؟..
بدايةً لابد أن نمنحها وزناً حتى تتمكن من مواجهة التيار ، والصمود في وجهه ، والاستخفاف به ، والإصرار على أن لا يزحزحها من موقعها الذي هي فيه ، ..
فلنمنحها إذاً ( ثـقلاً ) و( قيمة) و (ووزناً) حتى تتمكن من النزول إلى القاع ، وتستقر بقوة هناك ، فلا يسع التيار _ مهما كانت قوته _ إلاّ أن يمرّ من فوقها غير مؤثر عليها ، وعلى موقعها ، ..
فإذا تراكمت ، أمثال تلك القشة _ التي صار لها الآن وزن وثقل _ وتعاظمت وتكاثرت ، أمكنها فيما بعد أن تُشكّل حاجزاً يتصدى للتيار بكله ، بل تستطيع فيما بعد أن تحجزه بين يديها ، فلا يتحرك ، ثم يتولى آخرون تصريفه ، فيما يفيد ، أو تتسلط عليه أشعة الشمس فيتبخر غير مأسوف عليه .. !
شأن أمتنا ، شأن هذا المثال بالضبط ..
فبداية البداية _ والتي لا بداية قبلها _ هي : أن نمنح هذا المسلم المعاصر ( وزناً) و ( قيمة) و( ثقلاً ) ولن يكون شيء من ذلك إلاّ بغرس الثقة العميقة بالله عز وجل _ تعريفاً بالله ، وتحبيباً فيه ، وتهييجاً إليه ، وربطاً به ، وتشويقاُ إليه ونحو هذا _
ثم غرس الثقة العميقة بالنفس ،
ثقة تجعله ( يعتقد) اعتقاداً جازماً أنه ( أكرم مخلوقات الله ) على هذه الأرض وأطهرها ، وأزكاها ، وأرقاها ، وأنقاها ، وأسماها ، وأصفاها ، ومن ثَمّ فمن العيب عليه والعار أن يتنزل بنفسه ليلطخها بالأوحال فيرضى بالسفاسف والدون من الأخلاق والحياة ..
وكيف يرضى بذلك وقد أعّدت الجنة له ، وما تيسّرت أمور الدنيا كلها إلاّ من أجله ، ؟! نعم من أجله هو فحسب ، ليتعرف بها على الله عز وجل أولاً ، ثم ليصنع من خلالها دنيا كريمة فاضلة طاهرة ، تُذكّر الناس بربهم ، وتشدّهم إليه ..
ومع هذا كله :
لا يحسب نفسه في هذه الدنيا ، سوى ضيف نزل بها ، لُيعلّم أهلها الأدب والسمو والطهارة ، ثم يعود إلى منازله الأولى حيث النعيم الممتد الذي لا ينقطع ، والسعادة الدائمة التي لا تتعكر ، فلا يزال قلبه مشدوداً أبداً إلى تلك الحياة الخالدة حيث لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .. في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. فلا يزال يردد قول القائل :
أنْ تُدخلني ربي الجنّه *** هـــذا أقصـى ما أتمنـــى
وتهبــني الدرجات العليا *** يا ذا المنّــه .. يا ربّ
بمثل هذه الروح السماوية المشرقة ، يقفز الإنسان قفزة هائلة ، من طور أدنى إلى طور أعلى ، من حياة أشبه بالموت ، إلى حياة لا ترضى بما دون الفردوس ..!
وهذا الصنف من الناس ، هو الذي استعلى على مرض الغثائية ، فلم يؤثر فيه ، وعلى مثل هؤلاء قام سوق أُمتنا في القديم ،وسيقوم في الحديث إن شاء الله .فلن يصلح حال آخر هذه الأمة ،إلا بما صلح عليه أولها ..
وما ذلك على الله بعزيز ( ويقولون : متى هو ؟ قل : عسى أن يكون قريبا )
-
( الغثائية ) هي المرض القاتل ، الذي أخذ ينهش في بنيان أمتنا في العصور الأخيرة ، هذه الأمة التي أشرقت عليها الشمس ، ذات صباح ، وهي خير أمة أخرجت للناس ، حيث كانت يومها ، تُعلّم الحياة وأهلها ، كيف تكون آداب السماء .!
( الغثائية ) مرض متأصل تعاني منه أُمتنا ولا تزال ، وهو بدوره لا يزال يسري في عروقها ليصيبها في مقتل _ إذا لم تتدارك نفسها ، فتشخّص حالتها ، وتستنفر طاقاتها ، لتصحح وضعها ، وتعالج أمرها ، وتعيد ترتيب أوراقها _ .. فما هي الغثائية ؟!
( الغثائية ) هي الهشاشة ، هي الهامشية ، هي الانحلال والتحلل ، هي التميّع والضياع ، هي المسخ ، هي فقدان الشخصية ، وفقدان الهويّة ، وفقدان القيمة في واقع الحياة ، هي أن يكون المرء بلا وزن ، قد تراه منتفخاً منتفشاً ، غير أنك إذا فتّشته تكتشف أنه كالطبل الأجوف ليس سوى خواء من داخله ، ومن ثَمّ تجده في واقع الحياة ..
أشبه شيء بالقشة يجرفها التيار ، بل يصنعها التيار ، ثم يدفعها أمامه ، فإذا انحرف في سيره ، انحرفت معه، وإذا وقف وقفت معه..! لا تملك لنفسها حولاً ولا طولاً ولا قوّة، لأنه لا وزن لها ، ولا قيمة فيها ، ومن ثَمّ لا احترام لها ، ولا تقدير لها ، ولا اكتراث بها ، ولا التفات إليها ..
-
-
وما أكثر الذين ينتسبون لهذه الأمة الكريمة ، هم أشبه ما يكونون بتلك القشة :
التيار يحرّكهم .. والتيار يجرفهم .. والتيار يصنعهم كذلك ، ويتلاعب بهم يمنةً ويسرة ، وهم لا حس ولا خبر ، بل لا يزالون يقهقهون ، ويُغنون ، ويرقصون ، ويحسبون أنهم على شيء ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ..!وتلك هي الداهية التي تقصم الظهر ..
لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ **** إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
فما الحل للخلاص من هذا المرض الخطير المستفحل ..؟!
نعود إلى المثال السابق :
تُرى ماذا ينبغي علينا أن نفعل ، إذا نحن أردنا أن نجعل من القشة ، شيئاً ذا قيمة ؟..
بدايةً لابد أن نمنحها وزناً حتى تتمكن من مواجهة التيار ، والصمود في وجهه ، والاستخفاف به ، والإصرار على أن لا يزحزحها من موقعها الذي هي فيه ، ..
فلنمنحها إذاً ( ثـقلاً ) و( قيمة) و (ووزناً) حتى تتمكن من النزول إلى القاع ، وتستقر بقوة هناك ، فلا يسع التيار _ مهما كانت قوته _ إلاّ أن يمرّ من فوقها غير مؤثر عليها ، وعلى موقعها ، ..
فإذا تراكمت ، أمثال تلك القشة _ التي صار لها الآن وزن وثقل _ وتعاظمت وتكاثرت ، أمكنها فيما بعد أن تُشكّل حاجزاً يتصدى للتيار بكله ، بل تستطيع فيما بعد أن تحجزه بين يديها ، فلا يتحرك ، ثم يتولى آخرون تصريفه ، فيما يفيد ، أو تتسلط عليه أشعة الشمس فيتبخر غير مأسوف عليه .. !
شأن أمتنا ، شأن هذا المثال بالضبط ..
فبداية البداية _ والتي لا بداية قبلها _ هي : أن نمنح هذا المسلم المعاصر ( وزناً) و ( قيمة) و( ثقلاً ) ولن يكون شيء من ذلك إلاّ بغرس الثقة العميقة بالله عز وجل _ تعريفاً بالله ، وتحبيباً فيه ، وتهييجاً إليه ، وربطاً به ، وتشويقاُ إليه ونحو هذا _
ثم غرس الثقة العميقة بالنفس ،
ثقة تجعله ( يعتقد) اعتقاداً جازماً أنه ( أكرم مخلوقات الله ) على هذه الأرض وأطهرها ، وأزكاها ، وأرقاها ، وأنقاها ، وأسماها ، وأصفاها ، ومن ثَمّ فمن العيب عليه والعار أن يتنزل بنفسه ليلطخها بالأوحال فيرضى بالسفاسف والدون من الأخلاق والحياة ..
وكيف يرضى بذلك وقد أعّدت الجنة له ، وما تيسّرت أمور الدنيا كلها إلاّ من أجله ، ؟! نعم من أجله هو فحسب ، ليتعرف بها على الله عز وجل أولاً ، ثم ليصنع من خلالها دنيا كريمة فاضلة طاهرة ، تُذكّر الناس بربهم ، وتشدّهم إليه ..
ومع هذا كله :
لا يحسب نفسه في هذه الدنيا ، سوى ضيف نزل بها ، لُيعلّم أهلها الأدب والسمو والطهارة ، ثم يعود إلى منازله الأولى حيث النعيم الممتد الذي لا ينقطع ، والسعادة الدائمة التي لا تتعكر ، فلا يزال قلبه مشدوداً أبداً إلى تلك الحياة الخالدة حيث لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .. في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. فلا يزال يردد قول القائل :
أنْ تُدخلني ربي الجنّه *** هـــذا أقصـى ما أتمنـــى
وتهبــني الدرجات العليا *** يا ذا المنّــه .. يا ربّ
بمثل هذه الروح السماوية المشرقة ، يقفز الإنسان قفزة هائلة ، من طور أدنى إلى طور أعلى ، من حياة أشبه بالموت ، إلى حياة لا ترضى بما دون الفردوس ..!
وهذا الصنف من الناس ، هو الذي استعلى على مرض الغثائية ، فلم يؤثر فيه ، وعلى مثل هؤلاء قام سوق أُمتنا في القديم ،وسيقوم في الحديث إن شاء الله .فلن يصلح حال آخر هذه الأمة ،إلا بما صلح عليه أولها ..
وما ذلك على الله بعزيز ( ويقولون : متى هو ؟ قل : عسى أن يكون قريبا )
-