تسجيل الدخول

View Full Version : حوار مع شاب غير ملتزم@@(2)


معوال
10-06-2001, 12:29 AM
هل قرأت التاريخ ؟
لابد أنك قرأت التاريخ وعرفت فيه هذه الاسماء : سعد بن أبي وقاص ، الزبير بن العوام ، علي بن أبي طالب ، الأرقم بن أبي الأرقم ، زيد بن الأرقم ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن عمر ، معاذ ومعوذ ابني العفراء ... وبعدهم أسامة بن زيد الذي قاد جيشاً وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، ليواجه به الروم ، أو ما سمعت عن بلاد السند والهند ؟ أو لست تدري أن محمد بن القاسم الذي أزال الله على يديه ظلام الكفر وعروش الطغيان ؟ أنه في سن الشباب مثلك ، وأظنك قد قرأت سورة البروج ، وسمعت ما حكاه صلى الله عليه وسلم عن شاب أضغر منك سناً آمن أهل القرية على يديه ، ألا ترى أن هذه النماذج هي القدوة الفعلية ، فكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه ، أهم ملائكة ؟ أم هم معصومون ؟ أم أنهم بشر مثلك انتصروا على أنفسهم وسلكوا طريقاً رأوا معالمه واضحة ؟ ألم تأخذ بلبك هذه الأسماء وتتطلع إليها ؟ إني أعيذك بالله – أخي الشاب – أن يشغلك عن هؤلاء نجوم الفن والرياضة .

لازلنا مع النماذج
أسمعت عن شباب في عمر الزهور وسني الصبوة هجروا الدنيا ومتاعها ، وطلَّقوا الشهوات وودَّعوها إلى غير رجعة ، فدعاهم داعي الفلاح حتى دفنوا هناك في بلاد العجم في أفغانستان ؟ " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " [البقرة : 154 ] " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عن ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " [آل عمران : 169 _ 171 ] مرة أخرى أليس هؤلاء بشراً ؟ أليس لهم نوازع ؟ وأمامهم عوائق ؟ ألم تتطلع نفسك يوماً لتصير إلى مصيرهم ؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك ؟ لقد سافروا وسافر غيرهم ، وتغرَّبوا وتغرَّب غيرهم ، لكن غيرهم سافر لما لا يخفى عليك ، وأولئك سافروا لإعلاء دين الله ، أفلا يهزّك هذا النموذج ؟ لا لتدفن حيث دفن ، فهذا ليس بيدك ، بل ولا لتفعل كما فعل ، لكن لتعلنها صريحة جريئة (ها أنذا سلكت طريق الاستقامة).

تأمل في واقع أمتك :
قد سمعت ولاشك عن مسلمي البوسنة والآلاف الذين قتلوا والملايين الذين شردوا ، ورأيت كيف تهان كرامة الإنسان ، وقبلها كانت بورما ومجازرها ، وقبل ذلك نُعي لك عشرون ألفاً من المسلمين في حلبجة ، وفي أول هذا القرن صار ضحايا الباطنيين في الأرض التي بارك الله حولها يعدون بعشرات الآلاف ، ولا تزال تنزف هنا وهناك ، وأرواحنا تزهق في كل مكان ، أفلم تحرك فيك هذه الأنهار الجارية من دماء إخوانك – ألم تحرك فيك – ساكناً ؟ وتثير لديك غيرة ؟ أفتهنأ بعد ذلك باللهو والعبث والممارسة المحرمة ؟ إنها حرب على الجميع ما داموا مسلمين ، إني أتصور أخي الشاب ؛ بل أجزم أن هذه المشاهد تزعجك ، وتقلقك بل تبكيك ، لكن لم لا يتحول هذا الشعور وهذا الولاء إلى تفكير عميق ؟ حتام أنا غارق في بحر الشهوات ، وإخوانيفي بحور الدماء ؟ حتام أنا أدفع مالي لتسهيل طريق المعصية ، وإخواني لا يجد أحدهم لقمة العيش ؟

ألا تريد دوراً في هذا الإنجاز ؟
ومع ذلك كله ، وهذه الدماء الجارية والأرواح المزهقة ، حققت أمتك مكاسب ليست بعيدة عنك ، فها هي ذي الصحوة انتشرت في كل مكان ، فجموع الشباب الوافدة والمتقاطرة على سلوك طريق الخير ، ومظاهر النشاط الإسلامي تملأ الآفاق ، والصوت الإسلامي أصبح يخاطب الجميع ، كل ذلك إن هو إلا ثمرة من ثمرات الأمة ويقظتها ، وكان وراءه بعد توفيق الله رجال وشباب مخلصون صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فكم من زائغ ضال قد هدوه ؟ وجائع أطعموه ، أو عار كسوه ؟ وكم خير في بلاد المسلمين نشروه ؟ ألم تفكر في أن تسهم مع هؤلاء ؟ وليس الأمر ببعيد ، أليس خيراً لك من العبث واللهو ؟ وماذا حققت الانتصارات الرياضية والإنجازات الفنية لأمتنا ؟ إن القطار سائر بحمد الله ، ولا يزال هناك مقاعد شاغرة تنتظر الطاقات الفعَّالة أمثالك ، فبالله عليك ألا ترى أن لحوقك بالركب ومشاركتك المسيرة خير وأجدى من التمادي في اللهو والعبث الفارغ ؟
إنك تملك – أخي الشاب – طاقات وقدرات ، والعجلة قد دارت فتحتاج إلى من يزيد دفعها ، وأنت بحمد الله – أخاطبك بجدية – من القادرين على المشاركة والإنجاز حين تسلك الطريق مع إخوانك .

هل يريد بك هؤلاء خيراً ؟
لقد تفتق العصر عن تقدم علمي وتقني ، ونتج عنه استخدام هذه التقنية في إثارة الغرائز الكامنة ، فالصور الفاتنة والأفلام الساقطة وأجهزة العرض والاستقبال بعض نتاج هذه الجهود ، فما رأيك بمن وفروا لك هذه الشهوات ؟ أتظن أنهم يريدون بك خيراً ، ويسعون لرفع السآمة والملل عنك ، أم غير ذلك ؟ فأجب على هذا التساؤل بكل صراحة وواقعية ، ثم حدد موقفك بناءً على ذلك ، فلست بمغفل – والحمد لله – حتى تستجيب لمخططاتهم ولست بأبله حتى يخدعوك .

قبل أن تذبل الزهرة :
ها أنت – أخي الشاب – تتدفق حيويةً ونشاطاً ، وتملأ ما حولك قوةً وفتوة ، ولكن ألم تبصر عيناك يوماً من الأيام رجلاً طاعناً في السن أصبحت العصا له قدماً ثالثة ؟ قد احدودب ظهره ، ورق عظمه ، وتركت السنون الطويلة آثارها على وجهه ، فلم يعد قادراً على ما تقدر عليه ، أو مطيقاً لما تطيق ، أتظن أن هذا الرجل قد ولد كذلك ؟ أن أنه كان في يوم من الأيام في سنك ، ويحمل طموحك وفتوتك ؟ إذاً فهو مصيرٌ أخي الكريم لابد أن تصير إليه ، ولن يمنعك منه إلا أن يتخطفك الموت ، وقد يكون الهرم أهون وأحب إليك منه ، فما دام مصيراً محتوماً ، ألم تفكر في تغيير المسار قبل أن تذبل الزهرة ويرق العظم ؟ حينها لا تطيق ما تطيق الآن ، وتندم ولات ساعة مندم ، وتتمنى الشباب وهيهات .
ألم يدر ببالك – أخي العزيز – أن تستثمر هذه الطاقة ، وتستمتع بهذا الشباب في مرضاة الله عز وجل ؟ إنه لا ينقضي العجب من أولئك الذين يرون أن التوبة والعبادة إنما هي حين يودعون الشباب ، ويدخلون مرحلة الشيخوخة والعجز ، وماذا عساه أن يفعل من احدودب ظهره وثقلت قدماه ؟
إذاً فاتخذ القرار من الآن ، والحق بالركب ، فيوشك هذا الشباب أن يزول ويحل بك المشيب وتعض أصابع الندم على أن فرطت في هذه الفرصة الثمينة .

أعلن البراءةاليوم قبل الغد :
لقد أفاد الكثير من الشباب الذين وجهت لهم هذا السؤال : ما يعوقك عن الالتزام والاستقامة ؟ ( إنهم الرفقة ) فهو يراهم صباح مساء ، ويعرف عنهم ويعرفون عنه كل صغيرة وكبيرة ، ويدركون نقاط الضعف لديه ، وهو الآخر يرغب في فراقهم ، ويعز عليه أن يتخلى عنهم ، ولكن : مع اعترافنا بصعوبة هذا القرار على بعض الشباب وبأنه يحتاج إلى تضحية ، فهو قرار لابد منه إما عاجلاً وإما آجلاً ، وقد تسألني كيف ذلك ؟ فأقول لم اقرأ قوله تعالى : " ويوم يعض الظال على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * ياويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً " [ الفرقان : 27 – 29 ] وفي الآية الأخرى : " إذ تبرأ الذين أتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطَّعت بهم الأسباب * وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " [البقرة 166 – 167 ] عد إلى الآيتين وتأملهما جيداً ، وبعدها ستوافقني على هذا النتيجة : ( حين يصاحب المرء من يعينه على الفساد فلابد أن يتبرأ منه يوم القيامة ) والآن ما دامت الأمور بيد صاحبنا فبإمكانه أن يتدارك الأمر ، ويتعجَّل القرار ، فيعلن البراءة في الدنيا قبل الآخرة ، إذاً فالبراءة لابد من إعلانها ، والقرار لابد من اتخاذه ، فأي الطريقين أهون عليك : أن تعلن البراءة والتخلي عن جلساء السوء وأصدقاء الغفلة ، وأمامك البديل الصالح ؟ أو أن تبقى على هذه العلاقة وفي أسرها حتى تتبرأ منهم يوم القيامة ؟ ولكن لات ساعة مندم ، فبعد إعلان البراءة والجدل يستمع الجميع وينصتوا إلى خطبة الشيطان : " وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص * وقال الشيطان لما قُضِىَ الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " [سورة إبراهيم 21 – 22 ]

هم القوم لا يشقى بهم جليس :
لقد اتفقنا في الفقرة السابقة أن نتخلى عن جلساء السوء وزملاء الغفلة ، ومن حق أي شاب أن يسأل بعد ذلك : وما البديل ؟ أتريدني أن أبقى حبيس حيطانٍ أربع ؟ أم أكون كأخواتي لا أغادر المنزل إلا إلى المدرسة ؟ إنه من حقك بلا شك أن تسعى لمصادقة أقرانك ، وإزالة السآمة عنك والملل ، لكن حصر الصداقة في هؤلاء وافتراض السآمة والشقاء عند مفارقتهم وهمٌ وسراب خادع ، ومن ينهاك عن مصادقة الأشرار يدعوك لصحبة القوم الذين لا يشقى بهم جليس ، أتعلم أخي الشاب أن رجلاً قتل مائة نفس ظلماً وحين جاء لعالم يدله على طريق التوبة أمره أن يسافر من قريته ليلحق بقوم صالحين ، فمات في الطريق ، فغفر له وهو لم يعاشرهم ؟ أو ما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء مع من أحب " ( رواه البخاري 6170 ومسلم 2641 ) فمع من تحب أن تحشر يوم القيامة ؟ أو ما سمعت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " ( رواه أبو داود 4833 والترمذي 3378 ) وقد تقول : إني أجد المتعة كثيراً عند أصحابي ، وألقى المرح والمزاح الذي يزيل عني السآمة ويطرد عني روتين الحياة ، فأقول : نعم تجد ذلك عند رفاق الغفلة ، ولكن هل يستحق هذا الثمن أن تخاطر بحياتك ومستقبلك ؟ بل أقول لك : من أين لك هذه الدعوى ؟ وكيف تحكم على الأخيار وأنت لم تعاشرهم وتصاحبهم ؟ والحكم على الشيء فرع عن تصوره .
وإني أقول لك – والرائد لا يكذب أهله – : ستجد ما تريد من المتعة وإزالة السآمة ، ولكن في جو منضبط بالضوابط الشرعية ، وستجد ما هو أهم من ذلك ، حياة القلب وسعادته .
وتبقى هذه الأخوة والصداقة رصيداً يدخره المرء ليوم لا ينفعه غيره ، حين تزول كل الصلات ، ويلعن كل خليل خليله ، ويتبرأ كل متبوع من تابعه ، بل حتى صلات النسب والقرابة تزول وتمحى " يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين " [ الزخرف : 68 ، 69 ] ويناديهم تبارك وتعالى هذا اليوم : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" ( رواه مسلم 2566 ) .
والمتحابون من أجل الله المتآخون فيه يجدون لذة الإيمان وحلاوته ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " ( رواه البخاري 16 ومسلم 43 ) إنَّها حلاوة الإيمان ولذته التي لا يمكن أن تُقاس بها حلاوة المعصية وصحبة الأراذل .

ألم ترَ أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إنَّ السيف أمضى من العصا
والمتحابون في الله أخي العزيز مع ما يجدونه من لذة الطاعة وحلاوة الإيمان يفوزون بمحبة الله تبارك وتعالى لهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : " وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتزاورين في ، والمتباذلين في " ( رواه مالك في الموطأ 9531 ) وفي مقابل ذلك كله : هل يستطيع أحد أن يأتي بفضيلة وثمرة واحدة لصحبة الأشرار ؟

عاشقة المحال
10-06-2001, 02:38 PM
جزاك الله خير واتمنى ان تستمر على هذه المواضيع الرائدة