PDA

View Full Version : السياسة الأمريكية... ولغة المصالح


رزين
13-09-2001, 06:36 PM
تواصل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) إصرارها على التمسك بسياسات معادية للعرب تنم عن الاستهتار المفرط بقضاياهم وتجاهل حقوقهم وعدم مراعاة العلاقات والمصالح التي تربطها بهم. وتتمثل هذه السياسات بداية بإدارة الظهر لعملية التسوية التي تعبر في حقيقتها عن دعم كلي لمواقف وممارسات الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها أرييل شارون ضد الشعب الفلسطيني, ورفض استقبال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في البيت الأبيض, مروراً بغض النظر عن استخدام الأسلحة الأمريكية في شن الاعتداءات على الشعب الفلسطيني واغتيال الناشطين الفلسطينيين وتغطية إرهاب الدولة, الذي تمارسه إسرائيل جهاراً نهاراً, وصولاً للتهديد باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار يخص إرسال مراقبين دوليين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم تكتف الإدارة الأمريكية بكل ذلك بل إنها تبنت وبشكل كامل السياسات الإسرائيلية ذاتها فهي مثلاً تبنت موقف حكومة شارون الإرهابية المتطرفة الرافض لتوصيات لجنة ميتشيل (على علاتها) من خلال الالتفاف عليها بخطة تينيت التي تقتصر على الجوانب الأمنية, كما هو معروف, ووصل الأمر, أخيراً إلى درجة تبني البيت الأبيض لموقف الحكومة الإسرائيلية القائل بعدم إجراء مفاوضات سياسية في ظل العنف الفلسطيني! واعتبار الإسرائيليين ضحايا "أبرياء" لهذا العنف! والضغط على المشاركين في مؤتمر دوربان لمناهضة العنصرية, إلى حد الانسحاب منه, دفاعاً عن إسرائيل وممارساتها الاحتلالية والعنصرية. وقد بلغ الأمر بالناطقة الإعلامية باسم جامعة الدول العربية, حنان عشراوي, حد اعتبار الرئيس بوش ناطقاً باسم شارون وذلك رداً على التصريحات المعادية للفلسطينيين, التي أدلى بها الرئيس الأمريكي يوم 24/8 التي عبر فيها عن تأييده لموقف شارون بشأن عدم إجراء مفاوضات قبل وقف العنف الفلسطيني والتي أجاز فيها لإسرائيل ممارساتها القمعية والوحشية ضد الفلسطينيين باعتبارها دفاعاً عن النفس! في تزوير كبير للحقائق. وقد اعتبر المحلل الإسرائيلي أوري دان هذه التصريحات انتصاراً لإسرائيل بقوله: "منذ سنوات وعرفات لم يتلق ضربة دبلوماسية دولية مزدوجة مثل الضربة التي وجهتها له الولايات المتحدة يوم 24 أغسطس هذا تاريخ جدير بالإشارة إليه على الرغم من أن الضربة قد تكون موقتة" معاريف 30/8/2001م. وتطرح هذه السياسات عدداً من التساؤلات عن طبيعة السياسة الأمريكية وارتباطها بإسرائيل, وعن طبيعة العلاقات الأمريكية العربية. وفي الواقع لا يمكن تفسير العلاقة الاستراتيجية العضوية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل بجانب واحد, أي بالمصالح السياسية, مثلاً, كما لا يمكن إحالتها للعلاقات الاقتصادية أو الأمنية لأن الولايات المتحدة هي التي تقدم الدعم المالي والتكنولوجي لإسرائيل, حيث بلغت المساعدات الأمريكية الرسمية لإسرائيل حتى الآن أكثر من 90 مليار دولار, وهي تبلغ 3 مليارات من الدولارات سنوياً, كما أن الولايات المتحدة هي التي تقدم أحدث أنواع الأسلحة لإسرائيل وهي التي تضمن أمنها. والأنكى من كل ذلك أن السياسات الإسرائيلية تبدو في كثير من الأحيان على تعارض مع السياسات الأمريكية في المنطقة, كما أن المصالح الاقتصادية الأمريكية هي مع البلدان العربية تحديداً, وليس مع إسرائيل, ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تحابي إسرائيل وتنحاز لها. وللمفارقة فإنه على الرغم من كل مظاهر الاعتمادية التي تربط إسرائيل بأمريكا, فإن الدولة العبرية هي التي تمارس أكبر قدر من الابتزاز تجاه الإدارات الأمريكية, وهي الدولة الوحيدة التي تبدي قدراً من الممانعة للسياسات الأمريكية. ثم إن إسرائيل هذه هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بامتياز خرق حرمة القوانين والمواثيق الدولية, ومن ضمن ذلك عدم الانصياع لقرارات مجلس الأمن, وتحظى مع ذلك بتغطية من أمريكا ذاتها التي تدعي أنها حامي حمى القانون الدولي والقرارات الدولية. وبالطبع فإن هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها بقوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ولا بقوة الناخب اليهودي الذي لا يمثل شيئاً في القوة الانتخابية الأمريكية, ولا بتفسير من نوع أن اليهود هم الذين يديرون السياسة الأمريكية, وإنما يمكن تفسير كل ذلك بمجموعة متكاملة ومترابطة ومركبة من العوامل من ضمنها انتماء إسرائيل للغرب من النواحي الثقافية ـ الحضارية, وارتباط إسرائيل بالمصالح الغربية, وبخاصة الأمريكية, وتشابه الظروف التاريخية, فأمريكا بذاتها قامت بنتيجة الاستيطان وعلى حساب أهل الأرض الأصليين الذين عملت على إبادتهم أو تغييبهم, واعتبار إسرائيل من وجهة نظر الغرب حجر الزاوية الأساس في الدفاع عن السياسات الأمريكية في المنطقة العربية, وأيضاً وجود بعد ديني في الوعي الشعبي الأمريكي ناتج عن نفوذ الكنيسة البروتستانتية التي تعترف بالعهد القديم (التوراة). وفي إطار كل ذلك بالضبط يمكن أن نفهم النفوذ الواضح للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يقوم, مجيراً كل ما تقدم, بإدارة ناجحة لشبكة علاقات عامة ولنشاطات متعددة في وسائل الإعلام والجامعات ومراكز الأبحاث وفي المؤسسات المالية ومؤسسات صنع القرار, لمصلحة دعم إسرائيل, يساعده في كل ذلك عموماً طبيعة المجتمع الأمريكي الذي تنصرف معظم اهتماماته نحو الشؤون الشخصية والاستهلاكية وقضايا الضرائب, واقتصار الاهتمام بالسياسة على الغالب, على النخب المثقفة أو التي تعمل في وسائل الإعلام والسياسة الخارجية. ويوضح الاستطلاع التالي, الذي أجري بناء على طلب وزارة الخارجية الإسرائيلية ونفذته شركة استطلاعات أمريكية كبيرة ونشرته صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 27/8 هذه الحقيقة. وبحسب هذا الاستطلاع فإن 70% من مواطني الولايات المتحدة يحملون صورة إيجابية عن إسرائيل مقابل 13% يحملون صورة سلبية. في حين يرى 29% فقط من الأمريكيين في السلطة الفلسطينية صورة إيجابية يرى 57% منهم فيها صورة سلبية. وحسب الاستطلاع فإن 77% من الأمريكيين يعرفون أو يعلمون من هو ياسر عرفات ولكن 59% منهم يحمل موقفاً سلبياً تجاهه. ويحمل 21% منهم صورة إيجابية عن عرفات, و22% لا يعرفون من هو عرفات. وشارون معروفاً على نحو أقل لكنه يحظى بتأييد أكثر: فقط 44% يعرفون أو يعلمون من هو أرييل شارون ولكن 51% منهم يحملون موقفاً إيجابياً بشأنه و35% يحمل موقفاً سلبياً و55% من الأمريكيين لا يعرفون من هو شارون. ويميل الأمريكيون إلى دعم إسرائيل في العملية السلمية واتهام الفلسطينيين أو الطرفين في المواجهة في الشرق الأوسط. 31% من الأمريكيين يعتقدون أن الفلسطينيين مسؤولين عن اندلاع العنف مقابل 9% فقط يتهمون إسرائيل. 28% من الأمريكيين يتهمون الطرفين باندلاع العنف. 45% من مواطني الولايات المتحدة يوافقون على التحديد بأن دولة إسرائيل هي "دولة محبة للسلام" مقابل 33% لا يوافقون على ذلك. المعنى من كل ذلك أن المناشدات واستجداء المواقف من الولايات المتحدة والحديث عن القرارات الدولية ومراعاة السياسية الأمريكية لا يجدي شيئاً, كما ثبت من التجربة. لذلك فإن دفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو سياسات عادلة ومتوازنة يحتاج إلى مراجعة السياسات العربية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بدءاً ببذل الجهود والنشاطات الإعلامية والدبلوماسية في الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها للتأثير على الرأي العام فيها, وصولاً إلى نبذ لغة المناشدات وإجادة التحدث بلغة المصالح المتبادلة, وهي لغة العصر وهي اللغة التي تفهمها أمريكا جيداً.