PDA

View Full Version : جنون الحب


عادي
19-09-2001, 05:54 PM
- "طـارق" .
- هاه؟!
- " طـارق " .
- نعم؟!
- " طـارق"؟.
- أوه "نـادر" .. كفاك سخفاً ما لذي تبغيه؟!
أنكمش الأخير في مقعده داخل السيارة وهو يهتف:-
- أنسى الموضوع.
- وهل هناك موضوع حتى أنساه؟
- بصراحة؟!
- كل الصراحة.
- أنا أحب .
- أعلم أنك تحبني .. قديمة .. ماذا لديك غير هذا؟
- أكرهك بشدة حين تتغابى .
- فرج الله عنا وعنكم الشدة وحولها إلى فتحه .. رازق يا كريم ( قالها ورفع يديه نحو السماء)
- كسرة تكسر عظامك.
- سكون يسكنك في مكانك.
- أوه .. "طارق" .. أنزلني من السيارة .. أنزلني...
قالها وهو يحرك يديه يميناً ويساراً ويضرب أرض السيارة بقدميه.
- كف عن تصرفات الأطفال هذه.
- أطفال؟! طيب .. لن أبقى معك دقيقة واحدة وسأنزل من هنا.
قالها وفتح الباب المجاور له بينما السيارة مستمرة في المشي .
- يا مجنون .
قالها "طارق" وهو ينحني حتى وصلت يده للباب فأغلقه .. ثم اعتدل ليغلقه بواسطة الزر .
- مجنون ولكنك تهواني.
- من خدعك بهذا؟
- أنت بجزعك عليّ.
- ومن قال أني جزعت عليك؟
- وماذا تسمي تصرفك؟
هز ردفيه : من الطبيعي أن يخاف المرء على سيارته ما دامت جديدة لم تنهِ الشهرين بعد .
- سيارتك أهم مني.
- سيارتي تخدمني وأنت ما لذي تقدم لي؟
- صداقتي.
- وأين تصرف هذه؟
- هكذا إذن؟! سأنزل هذه المرة ولا تحاول منعي فلن أرضخ لك أبدا.
وضع يديه على مفتاح الباب وأنتظر .. ثم أنتظر .. ثم أنتظر .. حتى مل فالتفت لصاحبه :
- قد أرضخ لك لو توسلت لي قليلاً .
هز رأسه نافياً كونه سيفعل هذا.
- ولو بكلمة؟
رفع حاجبيه مع هزه بسيطة .
- لِم؟
- ليست لدى المرء الشجاعة على فعلها .
استرخى في مقعده وهو يفكر في مقولة صاحبه .. قبل أن يقول :
- "طـارق"
- أي لعنةِ تلك التي صبت عليّ هذا المساء الأسود من حياتي حتى خرجت معك؟؟ أي وجهٍ سيئ هذا الذي استيقظت عليه؟!! نعم .
- لا تصف المساء بالأسود .. على العكس أنظر .. السماء جميلة .. والنجوم مضيئة .. والليلة هادئة .. والمدينة .. أنظر إلى الشوارع والسيارات تسير فيها كم تبدو رائعة .. والقمر .. أنظر إليه أليس جميلاً؟!
انحنى لينظر عبر ذات النافذة التي ينظر "نادر" منها .. بحثاُ عن هذا القمر الذي يتحدث عنه .. لكنه أعتدل وهو يهز رأسه أسى :-
- أي قمرٍ هذا الذي يظهر في آخر ليلة في الشهر؟!
- هاه؟
- أما سمعت ؟
- هاه؟!
- أين عقلك ؟؟؟
- هاه !!!
- لا .. ما رأيك في مستشفى (الشفـاء) ؟!
- لِم؟!
- فقدت عقلك وسأذهب بك لأعالجك.
- ومن ذا يرى القمر ولا يجن؟
- أنا من سأجن .
- سلامتك.
- وأين السلامة وأنت معي.
- على باب دارها .. وفي قلبها .
- استفحلت الحالة حتى بلغت وضعاً خطيراً .. أين المشفى صاحبي جن .
- تصحيح : أحب .
- ومن التعسة بنت التعساء التي أحبها؟
- "جمانة" .. زميلة " أنوار " أختي في المعهد .
توقف كل عضوٍ خارجي في جسده عن الحركة .. لم تتحرك يداه ولا قدماه .. ولا حتى عينه لم تطرف .. لم يبده عليه إي مظهرٍ للحياة .. مما جعل "نادر" يدفعه برأس سبابته فأرتطم بلباب .. لكنه قفز معتدلاً :-
- المشفـــى ... أينكِ يا مشفــى؟؟
- لِم ؟
- سأعالج أذني .
ابتسم : أنها سليمة .
- إذن عقلك هو المريض.
ابتسم : لأني أحببت؟
- يا للكارثة .. يا للمصيبة .. يا لليلة السوداء كال .. كال .. لا أجد تشبيهاً مناسباً .. هلا منحتني واحداً ؟!
اتسعت ابتسامته :
- كظلام القبر .
- نعم أعجبني هذا .. يا لليلة السوداء كظلام القبر .. يا غضب الله .. يا غضب الله .
- طارق !!!
- يا داهية الدواهي العظمى المسماة بالحب .. يا لل ..
لا أستطيع التفكير .. لا أستطيع .. أنتظر .. سنتوقف هنا .. سنتوقف ..
قالها وأوقف السيارة جانباً ونزل مسرعاً ليستنشق كمية كبيرة من الهواء شعر معها بدوارٍ في رأسه .. فاستند على مقدمة السيارة .. بينما خرج "نادر" منها .. واستند بكفية على الباب .. واسند ذقنه على كفيه .. وهتف :
- "طارق" .. أترى هذا البحر ألا متناهي؟ أحبها أكثر من هذا القدر .. بل بحجم العالم كله .. كلا .. أحبها حباً لا متناهياً .. ما إن رأيتها حتى شعرت أن الشمس أشرقت فجأة وكأنها غابت عن الأرض منذ الآلاف السنين .. أن الورود تفتحت ... والثمار أينعت .. والطيور .. الطيور أطلقت كل الأغاريد العذبة .
قفز "طارق " ليجلس فوق مقدمة السيارة :
- يا إلهي .. أدعوك وأتوسل إليك أن تفرج عنا هذه الأزمة.
رفع "نادر" كفيه إلى السماء :
- يا ربي لو كانت كل الأزمات من هذا النوع فلا تبخل عليّ بها .. يا ربِ أعطني الملايين من الأزمات التي تشبه هذه .
- جن صاحبي .. جن .. واستفحل جنونه ( استدار نحوه ) ..إيه .. غداً سأسمعك تولول وتنوح .. تشاجرت مع زوجتي لأنها طلبت الذهاب لبيت والدها .. أولادي أزعجوني .. ولم أنم طوال الليل بسبب صراخهم .. قدمي متعبة من التسوق معهم .. الدائنون يلاحقونني .. الخ .
ابتسم "نادر" :
- "طارق" .. أنت مثال لكل الشباب اللذين يستنكرون الزواج ويرفضون الحب الطاهر .. ويرددون كالببغاوات أن هذا ليس من ضمن اهتمامهم ولا يدخل في حيز تفكيرهم .. أن المرأة هي الشيطان الأكبر .. وأقسم صادقاً أنهم كلهم يبغون الحصول على شيطانٍ مثله .. غداً عندما تلتقي .. أو تسمع عن فتاةٍ توافق هواك فلن تتردد .. الآن فقط أصدق " أنوار" .. لكنها تقول أنها الأنثى الوحيدة التي كسرت القاعدة .. فهل ستكون أنت الشاب الوحيد الذي حطم هذه القاعدة؟!!!
لم يكُ يعلم أنه أصاب أعمق جرحٍ في قلب صاحبه وَ ضربه بكل قوة ليفتحه بقسوة لا مثيل لها .. الجرح الذي ما زالت آثاره مترسبة في نفس صاحبه .
نزل من مكانه على مقدمة السيارة .. ووضع يديه في جيب بنطاله وهو يسير على طول الشاطئ مطأطئ الرأس .. على وجهه تجمعت كل معاني الأسى والألم .
تأمل نادر صاحبه والتعجب يشوبه، كيف تبدلت حاله بهذه السرعة؟!
أغلق باب السيارة وأسرع يلحق بصاحبه حتى جاوره الخطى:
- "طـارق" .. أهناك شيء؟!
رفع رأسه وتنفس الصعداء وتطلع نحو البعيد .. البعيد :
- "نادر" يا عزيزي .. في حياة كل امرئ على وجه الخليقة .. منطقة محظورة .. محاطة بالأسلاك الشائكة .. يمنع التوغل داخلها لغيره ففيها الأسرار التي لا يجب أن يعرفها مخلوقٌ على وجه الأرض غيره .. يحرص بشدة ألا يعرفها أحد .. كاذب من قال لك أنه كالكتاب المفتوح أمام الناس .. ربما كان صادقاً في أنه كتاب ما بعد النشر .. كتابٌ قص المؤلف منه بعض الفقرات لتناسب القصة وكذا الناشر أنتزع بعض المقاطع حتى تناسب قوانين النشر .
صمت فلم يعرف كيف يكمل حديثه .. فقال "نادر" مستدرجاً إياه :
- معك حق .. ولكن ما دخل هذه المنطقة بما تحدثنا عنه ؟
- ما تراه أنت وكل الناس فيّ .. لقد نعتني بأني مثالُ لكل الشباب .. ومعك حق فماذا ترى غير "طارق" الشاب المستهتر الذي همه في الحياة هو الضحك!!! البحث عن مصادر التسلية .. "طارق" الفتى المرح المولع بالسخرية؟! "طارق" كتلة النشاط والحيوية .. "طارق" زعيم اتحاد مكافحة الإرهاب المسمى بالزواج .. والمسئول الأول عن مكافحة هذه الظاهرة.
- أني أرى غير هذا .
استدار "طارق" باهتمام .. فأردف الأول:
- أرى "طـارق" الإنسان .. الكائن البشري الذي يحس ويشعر .. يتألم ويسعد .. يضحك ويبكي.
حملت ملامحه السخرية :
- وهل عرفت "طارق" العاشق المخدوع؟! هل سبرت أغواري فرأيت ما أخفيه عن كل الأعين المتصفحة لوجهي؟ "طارق" الذي أحب حتى الثمالة .. بل حتى الغباء .. (مرر يديه على شعره بضيق ) .. لا أعلم كيف ظننت أنها أحبتني ولم أرَ أنها تتسلى بمشاعري فقط .. عشت مخدوعاً .. سحقتني الحقيرة .. وحطمت كل معنى للحياة داخلي .. حقيرة .. حقيرة.
أنتفض جسده بعنف .. وجحظت عيناه .. تأججت نيران غضبه .. أصبح إيقاع تنفس سريعاً ..
بينما "نادر" مصدوم .. لأول مرة يعرف هذه الحقيقة عن صاحبه .. لقد لازمه منذ الطفولة ولم يعرف أنه أحب يوماً ما .. متى ؟؟ وكيف ؟؟
صمتٌ كئيب بينهما .. لم يفكر أحدٌ منهما في قطعه لكن هاتف "نادر" المحمول فعلها .. التقطه من جيبه :
- ألو.
- "نادر" .. أين أنت ؟!
- أوه "أنوار" !!! أنا مع صاحبي على شاطئ البحر .
- ياللبال الرائق والمزاج الصافي .. أشخاصٌ على البحر يتمشون .. وآخرون .. غارقون حتى النخاع في مشكلةٍ عويصة لا يحلها سوى "نادر" .. أخي الحبيب.
- أكره هذه اللهجة المتوسلة .. ماذا تريدين؟
- الباص .
- أي باص؟؟
- باص المعهد الليلي الذي أدرس فيه.
- ما به ؟
- تعطل .. وسننتظر زمناً طويلاً قبل إحضار آخر لنا.. أو ترضى لأختك أن تنتظر ؟!
يا لمشيئة القدر .. ها هو القدر يمنحه فرصة ليلقي نظرةً على وجهه محبوبته .. كان الأجدر بها أن تسأله وهل تفوت عيناك فرصة الوقوع على شخص المحبوبة؟؟
- أنا آت .
- يا عجب الله .. أول مرة لا يستغرق إقناعك جهداً خرافياً مني .
- وكم "أنوار" في الدنيا لدي؟
- أعوذ بك يا ربِ من شر هذا المساء الأسود.
- سبحانه .. لقد وصف "طارق" هذا المساء بالأسود قبل دقائق ..
استدار لطارق : لديّ نسخة منك في المنزل يا "طارق" .
قالها وأغلق السماعة .. أراد أن يذهب .. لكن الواقع صدمه .. لقد أتى هنا بسيارة "طارق" .. ولو عاد إلى المنزل حتى يأخذ سيارته فربما تكون "جمانة" قد أحضرت أحد أهلها ليوصلها وغادرت .. ماذا يفعل؟؟ ماذا يفعل؟؟
أمممم .. أوه يا عقل .. فكر بسرعة .. بسرعة .. أوه ..
أنقذه "طارق" بقوله :
- إلى أين ستذهب؟
- أنها نسختك .. تود أن أوصلها إلى المنزل لأن الباص تعطل.
- نسختي؟
- أوه .. أختي "أنوار" ... عندما تتكلم أشعر كأنك تتحدث على لسانها.
ابتسم : دعني أقلك إليها .. وأقلكما أنتما الاثنان إلى المنزل إذ أني أشعر برغبة في العودة للمنزل على وجه السرعة .
- لا بأس .. هيا بنا.
*** *** ***
*** *** ***
توقفت السيارة عند المعهد .. وترجل "نادر" منها باحثاُ عن أخته بين جموع الفتيات اللواتي ينتظرن الباص أو أحداً ما ليقلهن .. و إن تحرينا الواقع في حديثنا كان يبحث عن "جمانة" .. أخيراً لمحها تودع أخته .. وظلت عينيه ترتكزان عليها حتى وصلت أخته إليه :
- "نادر" .. سيارة من هذه؟
لم يلتفت لها فهو غارقٌ في عالمٍ آخر .
هزته .. فأنتفض كمن لدغته حية .. لمح "طارق" الموقف فابتسم مرغماً .. يا لجنون الحب !!!!
أخذت مكانها في المقعد الخلفي .. بينما استقر "نادر" بجوار صاحبه .. همس "نادر":
- "أنوار" .. لِم لا تعرضين على زميلتكِ أن تركب معنا؟
سريعة البديهة هي المرأة في هذه المسائل .. فقالت بخبث:
‏- زميلة مصطلح عام ويعني كل من معي في المعهد .. لا شك أنك تقصد صديقة لي .. فأيهن تعني؟

عادي
19-09-2001, 05:56 PM
تحرج من الإجابة خصوصاً مع اللهجة التي تتحدث بها ... أراد أختراع علةٍ ما .. لكن "طارق" قال:
- وعند "جمانة" الخبر اليقين .. أظن أن المثل كان كذلك .
شهق "نادر" وتطلع بطرف عينه إلى "طارق" متوعداً إياه بردها له .. لكن "أنوار" أكملت الحديث:
- أسمح لي هي وعند "جهينة" .
أعجبه شكل "نادر" وهو محرج فواصل معها :
- لا بد أني سمعت اسم "جمانة" في مكانٍ ما .
- لي صديقة تدعى "جمانة" .. تعرفت عليها في المعهد.
- حقاً ؟؟ أتصلح كزوجةٍ لي؟
لم يتمالك "نادر" نفسه لمّا وصل الموضوع لهذا الحد فداس بقدمه على قدم الأول فصرخ متألماً .. فقال "نادر":-
- أوه "طارق" .. كثيراً ما تؤذي قدمك هذه الأيام .. في ما أرتطمت هذه المرة؟!
كاد يصرخ ثائراً لكن "أنوار" قالت :
- أفضل من اللذين يؤذون عقولهم وقلوبهم .
استدار "نادر" إليها : صه .. لا تتدخلي فيما لا يعنيكِ .
ابتسم "طارق" : ألم تلاحظ أنها لم تحدد أحداً ؟؟ لكن المرء يعرف بزلات لسانه .
واصلت زمام الحديث " أنوار" : و( اللي على رأسه بطحه يحسس عليها ) .
انتقلت حالة الأنفجار غضباً إليه فكاد ينفجر في وجهها لولا أنها قالت كأنها تحدث "طارق" :
- " جمانة " صديقتي التي حدثتك عنها يا "طارق" ..
- أي نعم .. ما بها ؟؟
تدخل في الموضوع :- توقفا أنتما الإثنان وإلا تركت لكما السيارة .
أنفجرا ضحكاً في حين أردف : أهكذا تهون عليك صداقتنا وتسخر عليّ ؟ وأنتِ حسابكِ في المنزل حين نعود .
- أنت من جعلت نفسك موضع سخرية .
أكملت عبارته "أنوار" :- لمّا فكرت في مواضيع لا فائدة منها .. مواضيع كان عليك الحذر من الوقوع في شركها .. مواضيع قلت لك أنك ستسقط عاجلاً أم آجلاً فيها .
هذه المرة أردف "طارق" : وها أنت وقعت ونحن نحاول أنقاذك .
- مما أيها الغبيان ؟؟ مما ؟؟
"أنوار" :- من داهية الدواهي العظمى المسماة بالحب.
شهق "طارق" لمّا سمع هذه الجملة بالذات .. أرتفع حاجبيه .. تلبد قليلاً وهو يتذكر :-
(( - يا داهية الدواهي العظمى المسماة بالحب .. يا لل .. ))
لكن "نادر" لم يشوبه التعجب كما شاب صاحبه، وكأنما أعتاد على هذه اللقطة وانفجر ضاحكاً من التعابير التي حلت على وجه صاحبه .. وأمسك ببطنه وهو يغالب ضحكه :-
- ألم أقل لك لدي منك نسخة أحتفظ بها في المنزل؟
لم تفقه "أنوار" ما يجري وأرادت أن تسأل لكنها وجدت أنه من غير اللائق أن تطرح سؤالاً مباشراً كهذا وعليها أن تعمل بخبرتها الانثويه على فقه ما قصده أخاها بجملته هذه في وقتٍ لاحق.
قال "طارق" مقاوماً دهشته :
- لِم وصفتها بالداهية؟
- لا أعلم ..ولكن الحب جنون بالنسبة لي.
- ألا تفكرين في الزواج؟
- لن أكذب وأقول أني لا أفكر في الزواج .. فأنا كباقي فتيات جنسي ولكن .. التفكير الأصح من هذا هو هل أنا قادرة على صنع عائلة سعيدة؟؟ وأن أكون زوجة مثالية .. بصراحة شديدة .. سيكون فاقداً لعقله من يتقدم لي .. وما أصنع في زوجٍ غير مؤهل عقلياً ؟!
علق "نادر" : في هذه أنا أوافق وأبصم بالعشرة أيضا .
لم تأبه له بل أردفت : ولكن لو رأيت في شخص المتقدم لي أنه ملتزم بدينه يصلي .. يصوم .. يزكي .. يطيع الله ويخافه ومن خاف الله كانت أخلاقه هي الحسنى .. لا أقوى على رفضه فعن الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) .. فتأمّل هذا الحديث ..
داعب ذقنه بأصبعه قليلاً .. وأخذ يركز بصره على نقطةٍ ما في الطريق ، وأراد "نادر" ردها لصاحبه :
- ماذا لو كان هذا الإنسان مر بتجربة سابقة جعلته يرى كل بنات آدم مخادعات ؟
- لو مررت بمثل هذا النوع من البشر فاسأله : والدته .. أخته .. عمته .. قريباته بشكلٍ عام هل يرى أنهن مخادعات أيضا؟؟ لو نفى فهذا يعني أنه يوافق معك على أن (كل) هذه لفظ في غير محله ويجب استبدالها بـِ (بعض) ..ولو اجبابك إيجاباً .. فلن يكون بحاجة لشيء كحاجته إلى علاج نفسي للتخلص من أثر الصدمة.
صمتٌ يحل بينهم .. ابتسامة سخرية تحملها شفاه "نادر" .. لكن ابتسامته تحولت إلى أن فغر فاه وأرتفع حاجباه حتى أقصاهما لمّا أوقف "طارق" السيارة فجأة .. وكاد للمرة الثانية على التوالي أن يرتطم بزجاج السيارة لولا حرصه على وضع حزام الأمان وكذا "أنوار" .. التي لولا تمسكها بمقعد " طارق" لحدث مالا يحمد عقباه .. صرخ جزعاً :
- "طارق" متى ستكف عن قيادتك المتهورة هذه ؟؟ أتنوي قتلي ؟
بهدوءٍ شديد .. وبجسدٍ غارقٍ في الاسترخاء مع نظراتٍ غريبة حملتها عينيه استدار لـِ "نادر" :
- "نادر" .. أتؤمن بلحظات التهور؟ أو بالأدق .. في لحظةٍ ما تتخذ قراراً مصيرياً .. يعني الموت أو الحياة .. أن تقرر خوض غمار تجربةٍ وإما النصر أو النصر ؟ حين يعتقد البشر أنك جننت وقتها .؟؟
أنا مصابٌ بشيءٍ كهذا .
اتسعت حدقتا عين "نادر" .. وقال بآلية شديدة :
- طارق!!!!!
- " نادر" .. أتعرف التي تسكن في المقعد الخلفي؟!
نفض "نادر" يديه .. وهو يهز رأسه ويقرأ الفاتحة على عقل صديقه .. لكن "طارق" أردف بإصرار :
- "نادر" .. زوجنيّ إياها شاءت أم أبت ..........،