بو عبدالرحمن
19-02-2002, 02:59 PM
-
يا لهذه الأمة المسكينة ، يتلطف الله بها على كل صورة ، ويفيض عليها من رحماته في كل آن ، غير أن جمهرة غفيرة من أبنائها وبناتها لا يزالون يصرون على الإعراض عنه سبحانه وكأنهم غير محتاجين إليه ، مع أن أنفاسهم التي تتردد في صدورهم بين يديه ..!!
لا يزالون يصرون على أن يديروا ظهورهم لربهم الذي خلقهم وصورهم وسواهم وأنعم عليهم ، وإلى أين ؟
يديرون ظهورهم لله ، ليرموا أنفسهم في أحضان الشيطان ..!!
أي حماقة تلك التي تدفع بهؤلاء إلى مثل هذا السلوك ..؟
وكانت العاقبة شديدة المرارة بسبب سفاهة السفهاء ..
كانت العاقبة أن وجدت أمتنا نفسها تتمرغ على أرصفة طرقات هذا العالم تتلمس العون والمدد والنصرة من غير ربها ناصرها ومعينها …!!!!!
مع أننا قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره ومن غيره ، أذلنا الله ..ولا بد .. نتيجة حتمية لا شك فيها ..
ومن لطيف أمر الله بهذه الأمة أنه يمهلها طويلا ، ولا يعاجلها بعقوبة تستأصلها بالكلية ..
لا يزال سبحانه يوالي إنعامه على هذه الأمة ، وحلمه عليها ، وكرمه معها ..
ولا زال يمنحها الدروس والعظات والعبر بشكل مستمر ، ومن كان فيها صاحب عقل وقلب ، أدرك الدرس ، وفهم الموعظة فعاد إلى رحاب ربه نادما مستغفرا على حياء ..
ولكن للأسف ما أكثر الذين يمرون بهذه الآيات والدروس والعظات وهم عنها معرضون ، عيونهم في رؤوسهم ولكنهم لا يبصرون ..!!
صم بكم عمي فهم لا يعقلون !!! وإن كانوا يحملون أرقى الشهادات ، ويضعون على أكتافهم أعلى النيشاين ..!!
من هذه الدروس الكبيرة ، والعظات العظيمة ما يتجلى في هذا اليوم المشهود :
يوم عرفة .. يوم من أيام الله التي ينبغي أن نقف طويلا عندها لننتفع بدروسها إن كانت قلوبنا تهمنا ، وأمر أمتنا يعنينا ..
يوم عرفات .. يا له من يوم تحتشد فيه دروس رائعة عظيمة تبلغ مستقر العظم لو كان في الرؤوس عقول ، وفي القلوب حياة ..!
في هذا اليوم الرائع تتجسد للدنيا : عظمة أمة ، وروعة دين ، وخلود رسالة ..
ولابد أن تتوالد في رأسك أسئلة كثيرة ، وخواطر متنوعة وأنت تتابع هذه الحشود الهائلة التي تجمعت بدون ( عصا ولا رهبة قانون وضعي ) وإنما ساقها الشوق ، وجمعها الدين ..
وتسأل نفسك وأنت تتابع المشهد العظيم الذي يهز كيانك :
أليس في هذه الملايين رؤوس تفكر بشكل صحيح ، فتعطي أفكاراً قوية تصنع من أمتنا شيئا يحسب له حساب ..؟
أليس في هذه الملايين أيدٍ تعمل بإخلاص ، ونصح ، لا يخيفها القانون ، ولكن يخيفها عذاب الله ، ومساءلته .. ومن ثم تقوم بأداء ما كلفت به بأمانة وإخلاص ، فلا تمتد لما لا يجوز مهما كانت الظروف ، ولا تتلاعب في أداء وظائفها مهما شق ذلك عليها ؟؟
أليس في هذه الملايين جيوب عامرة بما رزقها الله ، فتجود لدينها بسخاء ، حتى تغطي كثيرا من احتياجات هذه الأمة في جوانب الحياة المختلفة ..؟؟
أليس في هذه الملايين قلوب تحترق من أجل دينها الذي تتآمر عليه كل قوى الأرض سرا وجهرا .. وتحترق من أجل هذه الأمة التي تطحنها الأحداث ليل نهار ، فتعمل شيئا يرضي ربها عنها ، ولا أقل من أن ترفع أيديها بحرقة وفي حرارة إلى السماء ليعجل بالمدد من عنده .. فتكون دعوات هذه القلوب ( المحترقة بهمها السماوي ) محل قبول واستجابة وتعجيل نصر وفرج ..
ففي الحديث : رب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره ..
ترى ألا يوجد بين هذه الملايين ذلك الرجل الرباني مستجاب الدعاء ؟؟ ترى متى يولد مثل هذا الإنسان في أمتنا ؟؟؟
أليس في هذا المشهد المهيب أثر يهز النفوس الخاملة ، ويرج القلوب الغافلة ، فتستيقظ وتستحي على نفسها من طول إعراضها عن ربها .. وتدرك أن لها موعدا مع الله لن تفلت منه .. ولن تتخلف عنه .. وستقف عارية بين يديه ، مكشوفة الضمير ليس بين يديها إلا ما قدمت من خير ، أو فعلت من شر ..
ويومها سيكون الحساب على مثقال الذرة .. وما أصعب الموقف يومذاك!
( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
أليس في هذا المشهد ما يوقد شرارة الإيمان الكامن في القلوب كمون النار تحت الرماد ، فيهب صاحب هذا القلب حيا يتسامى فوق شهوات الدنيا ، شعاره : وعجلت إليك رب لترضى ؟؟
أليس في رؤية هذه الملايين وقد تساووا جميعا في كل شيء حتى الثياب البيضاء __ وليست بثياب في الحقيقة ، ولكنها أكفان على التحقيق __!! ..
وتساوت الرؤوس عارية لا تمايز بينها : لا أمير ولا خفير ، ولا غني ولا فقير ، الكل سواء ، لا تمايز طبقي يفرقهم ، ولا تمايز وظيفي يميز بينهم ، ولا تفاخر بأصول ، ولا بشهادات ولا مواهب ، الكل يعلن فقره وعجزه وضعفه وذله بين يدي ربه سبحانه ؟؟
أليس في هذا المشهد وحده آية عظيمة يهتز لها القلب اهتزازاً شديدا حتى يرق ، وإذا رق راق ، وإذا راق ذاق ..!!
وإذا ذاق حقا أدرك كم خسر من سنوات عمره ، التي قضاها بعيدا عن الله جل جلاله .. فيبكي نادماً على ما ضاع من عمره ، ويبكي خائفا على ما سيأتي من أيامه ..!
أليس في هذا المشهد المهيب عظة قوية تنعش القلب ، وتستقر في جوف الفؤاد ، وتهز الروح ، وتوصل إلى النفس إشعاعات ربانية ، تربطها بالسماء ، فيتولد فيها النور ..؟
ملايين مملينة يقفون على صعيد واحد ، في موقف واحد ، يدعون رباً واحداً ، لا إله غيره ولا رب سواه ، كل قوى الدنيا أحقر من أن تقف بإزائه ، فهو مالكها ، ومالك ما تملك ، وأمرها عنده متوقف على كلمة ( كن ) ..
ملايين مملينة من البشر جاءوا شعثا غبرا من كل فج عميق ، يهللون ويكبرون ، وتردد السماء والأرض اصداء تكبيرهم وتهليلهم .. يسألون الله أن يغفر لهم وأن يتوب عليهم ، ليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم أنقياء أصفياء أطهارا ..
مشهد من المشاهد النادرة التي تعاني فيها ما تعاني من تعب ونصب وجهد ومشقة وإرهاق وزحام ، واحتباس أنفاس ،
ومع هذا كله تجد نفسك لا تزال مشدودا للعودة إلى ذلك المكان ، متلهف عليه ، ومشتاق إليه تود أن ترمي بك الأقدار في غمضة عين فإذا أنت وسط ذلك الطوفان من البشر ، ترفع معهم صوتك مجلجلا : ( لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. ) وعيناك تترقرقان بالدمع ، وقلبك يخفق بالرجاء والخوف والحب ، والشوق أيضا ..
لحظات ربانية مشحونة بنفحات سماوية صرفة .. حيث يتجلى الله سبحانه فيها ، ويشهد ملائكته الأطهار على هؤلاء الذين وفدوا عليه يرجون خير ما عنده .. وكان حقا على المزور أن يكرم زائره ..
فإذا هو يباهي بهم ملائكة السماء ، ثم يشهد ملائكته أنه قد غفر لأهل هذا المشهد ، ولكل من سألوه الدعاء ..
يا لها من ساعات كلها نفحات ، وسحائب رحمات ، وفيض بركات ، تستحق والله أن يبذل من أجلها الكثير الكثير ..وأن يتحمل في سبيلها االعناء والمشقة ..
وتتجه في ذلك اليوم قلوب وعيون عشرات الملايين في أرجاء العالم إلى تلك البقعة من خلال متابعة التفاز وهو ينقل إليهم المشهد لحظة بلحظة ، وترجف قلوب ، وتدمع عيون ، وتخفق أفئدة ، وتهفو أرواح ، وتستحي نفوس طالما أعرضت عن ربها وغفلت عنه ..
لله أجفانٌ فيك ساهرة *** شوقاً إليك وقلبٌ بالغرامِ شجي
يا لله !! كم يستطيع المسلمون أن يصنعوا في هذا العالم من أعاجيب وأمور عظيمة لو أن قلوبهم وعقولهم وأيديهم توحدت كما تتوحد وجهتهم وابتهالاتهم في تلك الساعة في هذا اليوم المشهود ؟؟
ويبقى سؤال مر كالعلقم ..
ترى ما بال أكثر هؤلاء الملايين الذي سالت دموعهم ، وارتفعت أصوات بكائهم في هذا اليوم ، ما بالهم حين يعودون إلى أوطانهم التي جاءوا منها ، يعودون لينغمسوا من جديد في الغفلة واللهو ووحل الشهوات ، كأنك يا بو زيد ما غزيت !!
ألا فليعلم هؤلاء وغيرهم .. أن للعبادات ثمراتها على سلوكيات الإنسان في واقع الحياة : إخلاصا وصدقا وأمانة ووفاء وانضباط جوارح ..الخ
فإذا لم تثمر العبادات ثمارها المرجوة ، فما أشبه الحال إذن بشجرة لا يخرج ثمرها إلا مرا فجا غير ناضج .. فما قيمتها إذن ؟؟
عليك ان تحاسب نفسك بعد كل عبادة .. ما ثمراتها على سلوكياتك ..
فإن رأيت خيرا فاحمد الله تعالى .. وإن رأيت غير ذلك ، فعليك أن تستأنف العبادة من جديد .. وما صبرك إلا بالله .. وبالله ومنه التوفيق ..
يا لهذه الأمة المسكينة ، يتلطف الله بها على كل صورة ، ويفيض عليها من رحماته في كل آن ، غير أن جمهرة غفيرة من أبنائها وبناتها لا يزالون يصرون على الإعراض عنه سبحانه وكأنهم غير محتاجين إليه ، مع أن أنفاسهم التي تتردد في صدورهم بين يديه ..!!
لا يزالون يصرون على أن يديروا ظهورهم لربهم الذي خلقهم وصورهم وسواهم وأنعم عليهم ، وإلى أين ؟
يديرون ظهورهم لله ، ليرموا أنفسهم في أحضان الشيطان ..!!
أي حماقة تلك التي تدفع بهؤلاء إلى مثل هذا السلوك ..؟
وكانت العاقبة شديدة المرارة بسبب سفاهة السفهاء ..
كانت العاقبة أن وجدت أمتنا نفسها تتمرغ على أرصفة طرقات هذا العالم تتلمس العون والمدد والنصرة من غير ربها ناصرها ومعينها …!!!!!
مع أننا قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره ومن غيره ، أذلنا الله ..ولا بد .. نتيجة حتمية لا شك فيها ..
ومن لطيف أمر الله بهذه الأمة أنه يمهلها طويلا ، ولا يعاجلها بعقوبة تستأصلها بالكلية ..
لا يزال سبحانه يوالي إنعامه على هذه الأمة ، وحلمه عليها ، وكرمه معها ..
ولا زال يمنحها الدروس والعظات والعبر بشكل مستمر ، ومن كان فيها صاحب عقل وقلب ، أدرك الدرس ، وفهم الموعظة فعاد إلى رحاب ربه نادما مستغفرا على حياء ..
ولكن للأسف ما أكثر الذين يمرون بهذه الآيات والدروس والعظات وهم عنها معرضون ، عيونهم في رؤوسهم ولكنهم لا يبصرون ..!!
صم بكم عمي فهم لا يعقلون !!! وإن كانوا يحملون أرقى الشهادات ، ويضعون على أكتافهم أعلى النيشاين ..!!
من هذه الدروس الكبيرة ، والعظات العظيمة ما يتجلى في هذا اليوم المشهود :
يوم عرفة .. يوم من أيام الله التي ينبغي أن نقف طويلا عندها لننتفع بدروسها إن كانت قلوبنا تهمنا ، وأمر أمتنا يعنينا ..
يوم عرفات .. يا له من يوم تحتشد فيه دروس رائعة عظيمة تبلغ مستقر العظم لو كان في الرؤوس عقول ، وفي القلوب حياة ..!
في هذا اليوم الرائع تتجسد للدنيا : عظمة أمة ، وروعة دين ، وخلود رسالة ..
ولابد أن تتوالد في رأسك أسئلة كثيرة ، وخواطر متنوعة وأنت تتابع هذه الحشود الهائلة التي تجمعت بدون ( عصا ولا رهبة قانون وضعي ) وإنما ساقها الشوق ، وجمعها الدين ..
وتسأل نفسك وأنت تتابع المشهد العظيم الذي يهز كيانك :
أليس في هذه الملايين رؤوس تفكر بشكل صحيح ، فتعطي أفكاراً قوية تصنع من أمتنا شيئا يحسب له حساب ..؟
أليس في هذه الملايين أيدٍ تعمل بإخلاص ، ونصح ، لا يخيفها القانون ، ولكن يخيفها عذاب الله ، ومساءلته .. ومن ثم تقوم بأداء ما كلفت به بأمانة وإخلاص ، فلا تمتد لما لا يجوز مهما كانت الظروف ، ولا تتلاعب في أداء وظائفها مهما شق ذلك عليها ؟؟
أليس في هذه الملايين جيوب عامرة بما رزقها الله ، فتجود لدينها بسخاء ، حتى تغطي كثيرا من احتياجات هذه الأمة في جوانب الحياة المختلفة ..؟؟
أليس في هذه الملايين قلوب تحترق من أجل دينها الذي تتآمر عليه كل قوى الأرض سرا وجهرا .. وتحترق من أجل هذه الأمة التي تطحنها الأحداث ليل نهار ، فتعمل شيئا يرضي ربها عنها ، ولا أقل من أن ترفع أيديها بحرقة وفي حرارة إلى السماء ليعجل بالمدد من عنده .. فتكون دعوات هذه القلوب ( المحترقة بهمها السماوي ) محل قبول واستجابة وتعجيل نصر وفرج ..
ففي الحديث : رب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره ..
ترى ألا يوجد بين هذه الملايين ذلك الرجل الرباني مستجاب الدعاء ؟؟ ترى متى يولد مثل هذا الإنسان في أمتنا ؟؟؟
أليس في هذا المشهد المهيب أثر يهز النفوس الخاملة ، ويرج القلوب الغافلة ، فتستيقظ وتستحي على نفسها من طول إعراضها عن ربها .. وتدرك أن لها موعدا مع الله لن تفلت منه .. ولن تتخلف عنه .. وستقف عارية بين يديه ، مكشوفة الضمير ليس بين يديها إلا ما قدمت من خير ، أو فعلت من شر ..
ويومها سيكون الحساب على مثقال الذرة .. وما أصعب الموقف يومذاك!
( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
أليس في هذا المشهد ما يوقد شرارة الإيمان الكامن في القلوب كمون النار تحت الرماد ، فيهب صاحب هذا القلب حيا يتسامى فوق شهوات الدنيا ، شعاره : وعجلت إليك رب لترضى ؟؟
أليس في رؤية هذه الملايين وقد تساووا جميعا في كل شيء حتى الثياب البيضاء __ وليست بثياب في الحقيقة ، ولكنها أكفان على التحقيق __!! ..
وتساوت الرؤوس عارية لا تمايز بينها : لا أمير ولا خفير ، ولا غني ولا فقير ، الكل سواء ، لا تمايز طبقي يفرقهم ، ولا تمايز وظيفي يميز بينهم ، ولا تفاخر بأصول ، ولا بشهادات ولا مواهب ، الكل يعلن فقره وعجزه وضعفه وذله بين يدي ربه سبحانه ؟؟
أليس في هذا المشهد وحده آية عظيمة يهتز لها القلب اهتزازاً شديدا حتى يرق ، وإذا رق راق ، وإذا راق ذاق ..!!
وإذا ذاق حقا أدرك كم خسر من سنوات عمره ، التي قضاها بعيدا عن الله جل جلاله .. فيبكي نادماً على ما ضاع من عمره ، ويبكي خائفا على ما سيأتي من أيامه ..!
أليس في هذا المشهد المهيب عظة قوية تنعش القلب ، وتستقر في جوف الفؤاد ، وتهز الروح ، وتوصل إلى النفس إشعاعات ربانية ، تربطها بالسماء ، فيتولد فيها النور ..؟
ملايين مملينة يقفون على صعيد واحد ، في موقف واحد ، يدعون رباً واحداً ، لا إله غيره ولا رب سواه ، كل قوى الدنيا أحقر من أن تقف بإزائه ، فهو مالكها ، ومالك ما تملك ، وأمرها عنده متوقف على كلمة ( كن ) ..
ملايين مملينة من البشر جاءوا شعثا غبرا من كل فج عميق ، يهللون ويكبرون ، وتردد السماء والأرض اصداء تكبيرهم وتهليلهم .. يسألون الله أن يغفر لهم وأن يتوب عليهم ، ليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم أنقياء أصفياء أطهارا ..
مشهد من المشاهد النادرة التي تعاني فيها ما تعاني من تعب ونصب وجهد ومشقة وإرهاق وزحام ، واحتباس أنفاس ،
ومع هذا كله تجد نفسك لا تزال مشدودا للعودة إلى ذلك المكان ، متلهف عليه ، ومشتاق إليه تود أن ترمي بك الأقدار في غمضة عين فإذا أنت وسط ذلك الطوفان من البشر ، ترفع معهم صوتك مجلجلا : ( لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. ) وعيناك تترقرقان بالدمع ، وقلبك يخفق بالرجاء والخوف والحب ، والشوق أيضا ..
لحظات ربانية مشحونة بنفحات سماوية صرفة .. حيث يتجلى الله سبحانه فيها ، ويشهد ملائكته الأطهار على هؤلاء الذين وفدوا عليه يرجون خير ما عنده .. وكان حقا على المزور أن يكرم زائره ..
فإذا هو يباهي بهم ملائكة السماء ، ثم يشهد ملائكته أنه قد غفر لأهل هذا المشهد ، ولكل من سألوه الدعاء ..
يا لها من ساعات كلها نفحات ، وسحائب رحمات ، وفيض بركات ، تستحق والله أن يبذل من أجلها الكثير الكثير ..وأن يتحمل في سبيلها االعناء والمشقة ..
وتتجه في ذلك اليوم قلوب وعيون عشرات الملايين في أرجاء العالم إلى تلك البقعة من خلال متابعة التفاز وهو ينقل إليهم المشهد لحظة بلحظة ، وترجف قلوب ، وتدمع عيون ، وتخفق أفئدة ، وتهفو أرواح ، وتستحي نفوس طالما أعرضت عن ربها وغفلت عنه ..
لله أجفانٌ فيك ساهرة *** شوقاً إليك وقلبٌ بالغرامِ شجي
يا لله !! كم يستطيع المسلمون أن يصنعوا في هذا العالم من أعاجيب وأمور عظيمة لو أن قلوبهم وعقولهم وأيديهم توحدت كما تتوحد وجهتهم وابتهالاتهم في تلك الساعة في هذا اليوم المشهود ؟؟
ويبقى سؤال مر كالعلقم ..
ترى ما بال أكثر هؤلاء الملايين الذي سالت دموعهم ، وارتفعت أصوات بكائهم في هذا اليوم ، ما بالهم حين يعودون إلى أوطانهم التي جاءوا منها ، يعودون لينغمسوا من جديد في الغفلة واللهو ووحل الشهوات ، كأنك يا بو زيد ما غزيت !!
ألا فليعلم هؤلاء وغيرهم .. أن للعبادات ثمراتها على سلوكيات الإنسان في واقع الحياة : إخلاصا وصدقا وأمانة ووفاء وانضباط جوارح ..الخ
فإذا لم تثمر العبادات ثمارها المرجوة ، فما أشبه الحال إذن بشجرة لا يخرج ثمرها إلا مرا فجا غير ناضج .. فما قيمتها إذن ؟؟
عليك ان تحاسب نفسك بعد كل عبادة .. ما ثمراتها على سلوكياتك ..
فإن رأيت خيرا فاحمد الله تعالى .. وإن رأيت غير ذلك ، فعليك أن تستأنف العبادة من جديد .. وما صبرك إلا بالله .. وبالله ومنه التوفيق ..