PDA

View Full Version : تخاريف


wld_dubai62
22-03-2002, 12:07 PM
قلت في نفسي بلهجة لا تخلو من حزم :
يا بنت !! ( هناك نوع من رفع الكلفة بيني و بيني )
كفاك جلوساً إلى الجهاز الذي سلبك كل حياتك … اخرجي للهواء و الشمس
و فعلت .

أنا أحيانا ، أطيعني ،
لماذا ؟
لأنني أحترمني ، و لأنني تعودت أن أدللني و أنفذ أوامري .

خرجت برفقتي ، " فأنا أستمتع بهذه الرفقة "
سألتني : أين العزم إن شاء الله ؟؟
أجبتني : كالمعتاد ، إلى الشام .

أنا أكره المواصلات ، لا لشيء ، لكنني أكره الوقت الذي يفصلني عن المكان الذي أقصد .
أكره المصاعد و المهابط ، و أكره انتظار سيارات الأجرة ، و أكره طول الطريق
أنا ماهرة في اختراع أشياء أكرهها .
بلا طول سيرة ، وصلنا ( أنا و أنا ) .

توجهنا أولا إلى تمثال صلاح الدين
التمثال الذي يصوره راكبا حصانه في معركة و لا أعنف
( أجدع من جوجو على الحصان يا حنين ، تعرفين من أقصد ، لا داعي لأن أقول جورج ) .
التمثال رائع ،لا غبار عليه رغم الغبار الذي يغطيه
لا بأس ، يحتاج الأمر إلى بعض الشاعرية الأمجدية " نسبة إلى أمجد "،
لذا قررنا أنا و أنا أن هذا الغبار هو غبار التاريخ !!!
يا بعد عيني يا صلاح الدين ، أريد أن أناجيه ، لكن المكان مزدحم بالمارة ، ناجيته بصمت .
أردت أن أخبره بما يجري في المكان الذي قضى عمره في تحريره ، فخجلت ، وسكت .

دخلت في الشارع الذي وراء القلعة .
احتاج الأمر مني كثيرا من الخيال لأغير أشكال المارة ، و ألبسهم من الثياب ما يناسب الزمن الذي ألعب فيه لعبتي
استنفذت كميات هائلة من الشراويل ، والصدريات ، و استعنت بكل خناجر سالم وسيوفه لكي أقلدها للشوام الجدعان .
و رسمت بأقلام الفحم الأسود شنبات مع صقور تقف عليها ، و لا شنبات طوني حنا بزمانه .

سرت بهدوء متخيل ، و تلاشت السيارات ،و كل أشكال الحضارة السخيفة ، بسحر ساحر غريب الأطوار
و حلت محلها أحصنة لها صبر عجائبي على تحمل ما تحمله من أثقال ، و على صراخ الباعة الجوالين على بضائعهم .
و حل باعة الخضار و العرقسوس و التمر هندي و الثلج الممزوج بعصير البرتقال محل باعة البلاستيك المعاد تصنيعه .

هنا شعرت بالحر الشديد ، مجنون من يخرج الآن في رابعة النهار، فالساعة حوالي الرابعة
كان لا بد من تصرف سريع
أطفأت الشمس بكبسة زر ، لكنني عدت وأشعلتها من جديد ، خفت من صراصير الظلام . كله إلا الصراصير .

لذلك ، أتيت بالشمس كما يؤتى ببرتقالة ناضجة اتكأت على شجرة صغيرة في بيت عربي قديم .
لففتها جيدا بغيوم ملونة بعضها أسود و بعضها بنفسجي و بعضها أصفر ( أنا حرة في ألوان غيماتي ) .
فأرسلت ضوءاً دون حرارة و انصاعت لنوبات مزاجي المتقلب الغريب
و لكن الحرارة الأرضية ، مع برودة طبقات الجو العليا ، مع لا أدري ماذا من أمور تتعلق بالفيزياء و السيسيولوجيا و الأنثروبولوجيا حولت غيومي السوداء و المختلفة الألوان إلى مطر !!
و أي مطر .. سيول .. سطول يا حنين من المطر ( لا داعي لأن أستخدم كلمة دلو و جمعها دلاء ، سأستعمل سطلك الذي أدليتي به يوما ما في موضوع ما )
إذاً .. أين وصلنا ؟؟
نعم ، سيول من المطر
هذا ما لم أعمل حسابه .
لكن لا بأس ، أنا أحب المطر كثيراً .
لا يهم أن تبتل ثيابي ، سأخترع معطفا واقيا كما اخترعت كل شيء آخر .

ركض الأطفال بقباقيبهم الخشبية الملونة على أرض الشارع الحجرية ، و اختبأوا خلف أبواب صغيرة تفضي إلى فضاءات أوسع
و بدأت تذوب آثار ألعابهم التي رسموها بحجارة كلسية على أرض الحارات
و كدت أتعثر بقطعة الحجر الصغيرة التي كانت تتقاذفها أرجلهم ليقفزوا فوق مربعات مرسومة يحتل من كان بارعا في تجاوزها " باريس " بحالها ، بقدها و قديدها ( سالم ما معنى هذه الكلمات الغريبة ؟؟ )
لا شك أن هذه اللعبة كانت بقية ما بقي من الإحتلال الفرنسي اللطيف لبلادي ، إضافة إلى آثار طلقات البنادق على جدران
الجامع الأموي و غيره من أسواق و أحياء دمشق .

الشمس صدقت اللعبة ، و راحت تختفي وراء الأفق و تترك المجال لهواء بارد يتخلل العظام جاء دون دعوة .
و مزاريب المطر توقّع بصوتها على أسطحة البيوت القديمة ، و تنسى أن تأتي بكاظم الساهر ليرقص تحتها .
و دخان المدافئ الأسود راح يتصاعد كأشباح نحيلة تحمل معها رائحة الحطب المبلل المحترق
و داخل البيوت ، تتجمع الأسر حول مدافئ صغيرة يحترق فيها الخشب و تشوى فيها الكستناء ( أبو فروة يا توفيق )
و تشكلت برك من طين و ماء في الحارات الضيقة المتعرجة
برك تحولت إلى بحيرات تحتاج إلى سباحة ماهرة
و محسوبتكم تغرق في شبر ماء . بل حتى يمكنني أن أغرق تيمماً .
و وجدت أنني قد اشتقت لكم كثيراً فقررت العودة إلى معقلي فوراً
و أن أمر على بيت أخي لآخذ كم " بوسة " من حمزة الصغير قبل أن ينام .

و تركنا " أنا و أنا " مدينتي الحبيبة تنام فوق فراش من تاريخ مضى و نسي أن يأخذني معه
و عدت إلى بيتي ، ناسية الشام في شتاء لم يعد يأتي هو إليها و اشتاقت هي إليه

سأفتح التلفزيون بعد قليل ، لأرى كيف ستعلق وكالات الأنباء على اختفاء الشمس في عز الظهر ، و هطول الأمطار الصيفية
و ضياع قطعة حجر صغيرة سرقت في غفلة أبناء المدينة . وبكاء تمثال صلاح الدين على مشارف قلعة دمشق .

هي تخاريف ، لكنها أمتعتني ،
و أنتم أقرب الناس إلي ، فإن لم تتحملوا تخاريييييييييييفي فمن يفعل ؟؟؟

أرجو عدم العنف في التعليق
رفقا بالقوارير الخرفاااااااااااااااانين .

مع كل الإعتذارات المناسبة
باسمة



:rolleyes: :rolleyes: :rolleyes: :rolleyes: :rolleyes:

Hussam
22-03-2002, 04:09 PM
شكرا لك اخت باسمة فعلا انك لازم تكوني شاعرة ,انا صار لي غائب عن دمشق لمدة تزيد عن سنتين وكلامك الجميل ذكرني الكثير,احب ان اقول لك ما لنا سوى الدعاء عند اشتداد الكرب لتغيير واقع الحال
وشكرا لك مرة ثانية