(+_+)
19-12-2002, 04:47 AM
تلقت إحداهن بطاقة دعوة أنيقة لحضور حفل زفاف ابن صديقة لها. حددت البطاقة مكان الحفل في أحد الفنادق الفخمة كما حددت موعد الزفة بالساعة الثانية عشرة ليلاً. ولأنها تدرك مقدما أن معظم أفراحنا مملة وتعتبر بمثابة تعذيب لأمثالها ممن يرفضن هدر الوقت في لا شيء، ومن باب واجب إجابة الدعوة رأت تخصيص ساعتين لحضور الحفل كافياً. وعلى الرغم من أنها ذهبت حوالي الساعة الحادية عشرة فقد كانت القاعة شبه خالية.
انضمت إلى بعض صديقاتها وأخذت تتأمل القاعة وما حوت. القاعة قمة في التصميم والفن المعماري ولا يقل عن ذلك مستوى الحاضرات في زينتهن وأناقة ملبسهن. الطاولات مزينة بطريقة فنية راقية وزادها جمالاً أطباق الشوكولاتة والموالح اللذيذة منظراً وطعماً ولم يشوه ذلك إلا وجود طفاية من الكريستال وعلبة كبريت على كل طاولة. عتبت على صديقتها في داخل نفسها كيف تسمح بوجود الطفايات؟. لكن مهلاً علام العتب؟ إنها تكاد تسمع صديقتها تقول لها: ذلك خير من تجاهل المدخنات اللواتي لن يكلفن أنفسهن بالتأكد من إمكانية التدخين أو عدمه!! هنا حمدت الله صاحبتنا أنه لا يوجد بين الحاضرات مدخنات.
كان صوت الدفوف عالياً جداً لدرجة تفوق قدرة الأذن البشرية على التمييز فلا تدرك الحاضرات ماذا تقول تلك المغنية ليشاركنها المتعة. ضوضاء عالية تحول بين الجالسات حول طاولة واحدة وبين تبادل الأحاديث مما حدا ببعضهن وضع قطع من القطن في آذانهن. إنها الضوضاء التي تعرف بالتلوث الصوتي عند علماء البيئة وأما عند جدتي قتقول إنها تقصر العمر فتجدها تتشهد وتكبر كلما أغلقت المطربة فمها. وتلازم مع ذلك الإزعاج الصوتي شدة برودة القاعة مما جعل بعض الرشيقات يرتجفن من البرد وليس طرباً لصوت الغناء.
و على طريقة "إذا كنت في المطر لا تقول بردان" رأت محدثتي أن تحتمل فكلها دقائق وتزف العروس فتكون هي أول من يغادر الحفل. ولكن طال بها الانتظار، فتوجهت تسأل أهل الحفل: هل من تغيير في موعد الزفة؟ فأجابتها إحداهن: كيف تنزل العروس ولم يكتمل الحضور؟ وودت لو أجابتها فما بال من احترم دعوتكم وجاء في الوقت؟. ولكنها آثرت الصمت وراحت تتجول خارج القاعة هروباً من تلك الضوضاء التي تصم الأذن فرأت مكتباً جانبياً كتب عليه المديرة، فتعرفت عليها فإذا بها أمام سيدة عربية على قدر من المعرفة والثقافة تعلمت وعاشت بضع سنوات في إحدى الدول الغربية. قالت لها: أليس من حل للتخفيف من ارتفاع صوت السماعات فتستمتع الحاضرات بما يسمعن من أغان وأناشيد؟ فهذه الدفوف إنما أريد بها إعلان الفرح وليس الحرب. أجابت المديرة وفي صوتها مرارة : عفواً سيدتي! الجميع يصر على الصوت العالي وبالذات المطربة لعلها بذلك تغطي على صوتها فلا يدري الحضور إن كان جميلاً أم قبيحاً.
ابتسمت وتذكرت بعض المطاعم التي تبالغ في وضع البهارات فلا تعلم ماذا تأكل لحماً أم سمكاً؟ قالت لها: وما بال الطفايات؟ ألا ترين أن التدخين في قاعة مغلقة معظم أثاثها وملابس الحاضرات من المواد القابلة للاشتعال يتناقض ومبادئ السلامة ناهيك عن أنه انتهاك لحقوق غير المدخنات، ومثلك يدرك أنه في العالم كله لا يسمح بالتدخين في قاعات مغلقة مثل هذه؟.
أجابت بانفعال: قبل أن نحاسب على السجائر والضوضاء يجب أن نغير توقيت الحفلات. هل تعلمين أن بعض المدعوات يصلن بعد الساعة الواحدة صباحاً وبعض الأفراح تستمر حتى الحادية عشرة صباحاً وبعض العوائل تحتج على إدارة القاعة حينما نطالب بالتوقف عن الغناء أثناء صلاة الصبح؟. ما ذنب هؤلاء العاملات أن يسهرن يومياً. هل تستهينين بالضرر الاجتماعي الحاصل لأسرهن؟.
تعاطفت معها صاحبتنا بابتسامة مودعة إياها. ونظرت إلى الساعة لتجد أنها تجاوزت الواحدة فتناولت عباءتها وسط دهشة العاملات واحتجاج صديقتها صاحبة الدعوة. غادرت مقر الحفل لتستقل السيارة بجوار زوجها تلاحقها نظرات رجال الأمن وشكوكهم؟؟ فكيف تخرج والحفل لم ينته بعد؟
و في طريقها إلى البيت تساءلت:
أعلم أن مفهوم حفل الزواج أنه احتفال ديني لإعلان الزواج فكيف يضم هذا الكم الهائل من المتناقضات الدينية والاجتماعية والأمنية والصحية؟
أي زواج هذا الذي يبدأ ساعاته الأولى بمنكر حيث يختلط الأذان بصوت الغناء؟ ثم ماذا عن الحاضرات وكيف تعود الواحدة إلى بيتها مع سائق آخر الليل؟ وفي أحسن الأحوال تتوقع من زوجها أن يأتي لأخذها وهو نصف نائم. ثم ماذا عن خلوة البيت بمن فيه من خدم؟
لماذا لا نبدأ حفلاتنا بعد صلاة العشاء مباشرة وننهيها في منتصف الليل؟ ولم لا نحترم من احترم دعوتنا وحضر في الموعد المحدد بدلاً من العكس؟.
قد يكون لنا كامل الحرية في حرق وقتنا وتفويت عبادتنا، ولكن ليس من حقنا فرض ذلك على من أحبنا ورغب في مشاركتنا الفرحة.
ما هذا التلوث الذي نقدمه على طبق من ذهب ونحن نعقد المؤتمرات للمحافظة على صحة البيئة وسلامة الأرواح؟. ألم تقم الدنيا ولم تقعد لاحتراق مدرسة والسبب عقب سيجارة ؟؟ هل ننتظر لحدث مشابه في قاعات الأفراح؟
ألم يقم أحد مستشفياتنا بمقاضاة شركات التدخين؟؟ حري بهذا المستشفى أن يقاضي قاعات الأفراح ومن يزودها بالميكروفونات التي ربما تؤدي إلى تلف الأعصاب وليس الصمم فقط.
إنها متناقضات لا توجد في أكثر المجتمعات تحرراً وتوجد في مجتمعنا المحافظ فقط!
هل من يجرؤ على تعليق الجرس في عنق القطة ويعيد الأمور إلى نصابها؟.
منقول
انضمت إلى بعض صديقاتها وأخذت تتأمل القاعة وما حوت. القاعة قمة في التصميم والفن المعماري ولا يقل عن ذلك مستوى الحاضرات في زينتهن وأناقة ملبسهن. الطاولات مزينة بطريقة فنية راقية وزادها جمالاً أطباق الشوكولاتة والموالح اللذيذة منظراً وطعماً ولم يشوه ذلك إلا وجود طفاية من الكريستال وعلبة كبريت على كل طاولة. عتبت على صديقتها في داخل نفسها كيف تسمح بوجود الطفايات؟. لكن مهلاً علام العتب؟ إنها تكاد تسمع صديقتها تقول لها: ذلك خير من تجاهل المدخنات اللواتي لن يكلفن أنفسهن بالتأكد من إمكانية التدخين أو عدمه!! هنا حمدت الله صاحبتنا أنه لا يوجد بين الحاضرات مدخنات.
كان صوت الدفوف عالياً جداً لدرجة تفوق قدرة الأذن البشرية على التمييز فلا تدرك الحاضرات ماذا تقول تلك المغنية ليشاركنها المتعة. ضوضاء عالية تحول بين الجالسات حول طاولة واحدة وبين تبادل الأحاديث مما حدا ببعضهن وضع قطع من القطن في آذانهن. إنها الضوضاء التي تعرف بالتلوث الصوتي عند علماء البيئة وأما عند جدتي قتقول إنها تقصر العمر فتجدها تتشهد وتكبر كلما أغلقت المطربة فمها. وتلازم مع ذلك الإزعاج الصوتي شدة برودة القاعة مما جعل بعض الرشيقات يرتجفن من البرد وليس طرباً لصوت الغناء.
و على طريقة "إذا كنت في المطر لا تقول بردان" رأت محدثتي أن تحتمل فكلها دقائق وتزف العروس فتكون هي أول من يغادر الحفل. ولكن طال بها الانتظار، فتوجهت تسأل أهل الحفل: هل من تغيير في موعد الزفة؟ فأجابتها إحداهن: كيف تنزل العروس ولم يكتمل الحضور؟ وودت لو أجابتها فما بال من احترم دعوتكم وجاء في الوقت؟. ولكنها آثرت الصمت وراحت تتجول خارج القاعة هروباً من تلك الضوضاء التي تصم الأذن فرأت مكتباً جانبياً كتب عليه المديرة، فتعرفت عليها فإذا بها أمام سيدة عربية على قدر من المعرفة والثقافة تعلمت وعاشت بضع سنوات في إحدى الدول الغربية. قالت لها: أليس من حل للتخفيف من ارتفاع صوت السماعات فتستمتع الحاضرات بما يسمعن من أغان وأناشيد؟ فهذه الدفوف إنما أريد بها إعلان الفرح وليس الحرب. أجابت المديرة وفي صوتها مرارة : عفواً سيدتي! الجميع يصر على الصوت العالي وبالذات المطربة لعلها بذلك تغطي على صوتها فلا يدري الحضور إن كان جميلاً أم قبيحاً.
ابتسمت وتذكرت بعض المطاعم التي تبالغ في وضع البهارات فلا تعلم ماذا تأكل لحماً أم سمكاً؟ قالت لها: وما بال الطفايات؟ ألا ترين أن التدخين في قاعة مغلقة معظم أثاثها وملابس الحاضرات من المواد القابلة للاشتعال يتناقض ومبادئ السلامة ناهيك عن أنه انتهاك لحقوق غير المدخنات، ومثلك يدرك أنه في العالم كله لا يسمح بالتدخين في قاعات مغلقة مثل هذه؟.
أجابت بانفعال: قبل أن نحاسب على السجائر والضوضاء يجب أن نغير توقيت الحفلات. هل تعلمين أن بعض المدعوات يصلن بعد الساعة الواحدة صباحاً وبعض الأفراح تستمر حتى الحادية عشرة صباحاً وبعض العوائل تحتج على إدارة القاعة حينما نطالب بالتوقف عن الغناء أثناء صلاة الصبح؟. ما ذنب هؤلاء العاملات أن يسهرن يومياً. هل تستهينين بالضرر الاجتماعي الحاصل لأسرهن؟.
تعاطفت معها صاحبتنا بابتسامة مودعة إياها. ونظرت إلى الساعة لتجد أنها تجاوزت الواحدة فتناولت عباءتها وسط دهشة العاملات واحتجاج صديقتها صاحبة الدعوة. غادرت مقر الحفل لتستقل السيارة بجوار زوجها تلاحقها نظرات رجال الأمن وشكوكهم؟؟ فكيف تخرج والحفل لم ينته بعد؟
و في طريقها إلى البيت تساءلت:
أعلم أن مفهوم حفل الزواج أنه احتفال ديني لإعلان الزواج فكيف يضم هذا الكم الهائل من المتناقضات الدينية والاجتماعية والأمنية والصحية؟
أي زواج هذا الذي يبدأ ساعاته الأولى بمنكر حيث يختلط الأذان بصوت الغناء؟ ثم ماذا عن الحاضرات وكيف تعود الواحدة إلى بيتها مع سائق آخر الليل؟ وفي أحسن الأحوال تتوقع من زوجها أن يأتي لأخذها وهو نصف نائم. ثم ماذا عن خلوة البيت بمن فيه من خدم؟
لماذا لا نبدأ حفلاتنا بعد صلاة العشاء مباشرة وننهيها في منتصف الليل؟ ولم لا نحترم من احترم دعوتنا وحضر في الموعد المحدد بدلاً من العكس؟.
قد يكون لنا كامل الحرية في حرق وقتنا وتفويت عبادتنا، ولكن ليس من حقنا فرض ذلك على من أحبنا ورغب في مشاركتنا الفرحة.
ما هذا التلوث الذي نقدمه على طبق من ذهب ونحن نعقد المؤتمرات للمحافظة على صحة البيئة وسلامة الأرواح؟. ألم تقم الدنيا ولم تقعد لاحتراق مدرسة والسبب عقب سيجارة ؟؟ هل ننتظر لحدث مشابه في قاعات الأفراح؟
ألم يقم أحد مستشفياتنا بمقاضاة شركات التدخين؟؟ حري بهذا المستشفى أن يقاضي قاعات الأفراح ومن يزودها بالميكروفونات التي ربما تؤدي إلى تلف الأعصاب وليس الصمم فقط.
إنها متناقضات لا توجد في أكثر المجتمعات تحرراً وتوجد في مجتمعنا المحافظ فقط!
هل من يجرؤ على تعليق الجرس في عنق القطة ويعيد الأمور إلى نصابها؟.
منقول