PDA

View Full Version : الأمر أكبر من سوء إدارة أو استغلال نقص المياه للتلاعب


AhMaD_1
29-06-2008, 11:49 AM
الأمر أكبر من سوء إدارة أو استغلال نقص المياه للتلاعب
د. عبدالله مرعي بن محفوظ

ذكر الزميل محمود صباغ بقوله: بينما الدولة بحشدها الكامل تفتتح الأسبوع الماضي مشاريع ضخمة في مدينة رابغ، تدخل محافظة جدة ثاني أكبر المدن السعودية أسبوعها الثالث في أزمة مياه، وهي كارثة إنسانية ان ترى النساء قبل الرجال في الطوابير، فهل أصبحت جدة نموذجاً رائداً في السعودية (لسوء الإدارة).
محافظة جدة تعاني من المركزية في مشاريعها، والذي تلعب فيه وزارة (المالية) دور الدفاع ورأس الحربة والكابتن وكل شيء، بينما اليوم زمن اللعب الجماعي، والوزارة بحاجة الي نظام (حَوكَمة).
أؤكد لك يا صديقي العزيز ان حديثك صحيح، ولكن هناك أزمة حقيقية في كافة مناطق السعودية، والأمر اكبر من سوء إدارة او نقص الاستثمار او استغلال نقص المياه للتلاعب بأسعار، لأن وزارة المياه فعلياً تعاني من إسراف المواطن الذي يستخدم 250 لتر مياه يومياً حسب إحصائياتها الرسمية ، والحقيقة غير ذلك حسب تقرير منظمة البيئة العالمية لعام 2007م التي تقول: ان المواطن السعودي يستخدم 750 لترا يومياً ؟ وهنا يتضح ان أسباب المشكلة مشتركة مابين المواطن في إهدار الثروة المائية، والوزارة في عدم الصيانة والتوسع في استثمار التحلية بشكل استثماري صحيح !!
فهل تصدق ان لدينا 30 محطة تحلية مياه !! ونحنُ اكبر دولة في العالم ننتج مياهاً محلاة، ومع ذلك لا تكفي بسبب طريقة تعاملنا مع نعمة (الماء)، حيث يوجد 6 منها على الساحل الشرقي وجزء منها يغطي منطقة الرياض و 24 على الساحل الغربي ونصفها يغطي المشاعر المقدسة، وإنتاج هذه المحطات من المياه 3 ملايين متر مكعب يومياً، يضيع منها يومياً 20 في المائة بسبب التسرب أثناء إمداد المنازل والمصانع لعدم الصيانة، مما تسبب في عجز حقيقي في الشرقية والغربية، يضاف عليها مبالغتنا في استخدام المياه الجوفية في باقي مناطق السعودية بسبب جزم البعض بأننا دولة زراعية ؟ وان كنا نعلم ان المصادر الجوفية المائية في بعضها متجددة في مناطق مثل القصيم وعسير وجيزان والاحساء، ولكن مع ازدياد معدل ضخ الماء وصلنا الي مرحلة (الاستخراج) اكبر من كمية المياه المتجددة وأصبح العجز في المياه المتجددة 14 مليار متر مكعب، مع العلم ان اغلب الآبار الجوفية في باقي مناطق السعودية غير متجددة على الإطلاق.
السؤال الآن هل نريد ماء للشرب وللاستخدامات الأساسية، أم نريدها لزراعة كيلو غرام واحد من القمح وإهدار 757 لتراً من المياه؟ وهل نريد استيراد ألف طن من الخضروات أم توفير (مليون) متر مكعب من المياه اللازمة للشرب؟ وهل الأفضل استيراد اللبن من الخارج أم إنتاجه بمياه محلاة تكلف 15ريالاً لكل كوب لبن قيمته ريالان في السوق؟.
يجب ان نعلم ان اغلب المناطق في السعودية تستخدم المياه من آبار جوفيه غير متجددة، وسوف تؤدي (عاجلاً) إلى توقف الزراعة واتجاه المزارعين إلى أساليب الزراعة القديمة التي تعتمد على الأمطار فقط، وفي هذه الحالة السعودية ستواجه كارثة لقلة الامطار لديها.
ان أمريكا والصين والهند وباكستان تعاني من هذا المشكلة، وسوف تتحول خلال العشر سنوات المقبلة من دول مصدرة للحبوب الي دول مستوردة ؟ حيث تحتاج الصين إلى ألف طن من الماء لإنتاج طن واحد من الحبوب، والماء لديهم يتناقص وسيصبح إنتاج الحبوب في الصين بـ40 مليون طن، أي ما يكفي لــ120 مليون صيني فقط، أما الوضع في الهند اخطر حيث قام أكثر من 100 مليون مزارع بحفر أكثر من 21 مليون بئر جوفي، وسوف يقل محصول زراعة الحبوب في الهند بشكل كبير نظرا لشح المياه الجوفية.
وفي أمريكا قالت وزارة الزراعة الأمريكية: ان ولايات تكساس وأوكلاهوما وكانساس والتي تعتبر اكبر المناطق الأمريكية المنتجة للحبوب قد بدأ مستوى مخزون المياه الجوفية فيها بالتناقص بشكل كبير مما أدى إلى جفاف آلاف المناطق الزراعية ومستقبل الزراعة في أمريكا يعتبر أيضا خطيراً، وفي باكستان هناك معاناة من نقص المياه الجوفية في اكبر منطقتين وهي منطقة البنجاب ومنطقة بالوجستان وسوف ينعكس ذلك قريباً علي زراعة الأرز البسمتي الذي يصدر أغلبه الى دول الخليج العربي.
طبعاً أنا ذكرت الدول التي نستورد منها الأرز والحبوب حتى نعلم اننا مقبلون على ارتفاع أسعار في المواد الغذائية، لأن المملكة العربية السعودية بعدد سكانها الذي يصل فعلياً إلى 25 مليون نسمة، تعتبر بلداً (فقيراً) بالمياه الجوفية، لذلك نطالب كما صدر القرار الحكيم بوقف إنتاج القمح وتخفيف الزراعة، ان يصدر قرار بوقف تصدير المياه المعبأة الى الخارج في الوقت الحالي، لأنها تستخدم مياهنا الجوفية او المحلاة للتصدير، وحجم الإنتاج الإجمالي لـ70 مصنعا للمياه الموزعة على مدن السعودية يتراوح ما بين 7 الى 10ملايين “كرتون” شهريا، وهذه الأرقام تعد ضئيلة جداً إذا علمنا بمتطلباتنا من المياه الخاصة للشرب ومعدل نمو الطلب عليها يتزايد محلياً بنحو 5 إلى 7% سنويا، واستهلاك المواطنين السنوي حوالى 2.5 مليار لتر من المياه المعبأة، وتستحوذ أشهر الصيف الثلاثة على 60 في المائة من حجم هذا الاستهلاك.
ختاماً الوضع المائي غير مطمئن على الإطلاق نظرا لانخفاض منسوب المياه الجوفية وزيادة استهلاك المياه للزراعة، وكذلك الإسراف في الاستخدام بصورة جنونية، وهذا الأمر سوف يقودنا الى وجود طوابير من البشر طول العام وليس فقط في أشهر الصيف، والمطلوب ان يتفاعل المواطن مع الواقع، ويسهم مع الدولة في حل المشكلة بالترشيد، وليس بزيادة الإنتاج.
* نقلاً عن صحيفة "المدينة" السعودية، الأربعاء، 18/يونيو/2008م.