أبو عمر العتيبي
27-12-2004, 09:18 AM
البراهين الجلية على امتناع احتلال الكفار للبلاد السعوديَّة
-حرسَها اللهُ وحماهَا-
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فقد ظهر في هذا الزمان من يشيع بين الناس شبهة يلبس بها على أهل الإسلام ليدفعهم إلى الفتن والفساد، ويبرر أعمال أولياء الشيطان من الخوارج والإرهابيين، الذين لا يتصفون بعقل ولا حكمة، ولا سياسة شرعية، ولا قواعد إسلامية مرعيَّة..
بل همهم القتل والقتال، وكأن الغاية من وجود الخلق هو سفك الدماء ..ألا ساء ما يظنون..
بل الغاية من وجود الخلق عبادة الله الإله الحق ..{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
والقتال لم يشرع إلا لتحقيق غاية سامية ألا وهي عبادة الله والقضاء على الشرك والفتنة ..
فإذا كان القتال سبيلاً للصد عن سبيل الله، أو كان يزيد في الشرك والفتنة ، أو يؤدي إلى القضاء على الفئة المؤمنة فإنه لا يكون مشروعاً بل الواجب حينئذ كف اليد ..
قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}
فقد كان الواجب على أمة الإسلام كفُّ اليد وعدم القتال، دل على أنه ليس غاية ، ولكنه وسيلة حيث وجدت الحاجة إليها أخذ بها، وحيث لم توجد الحاجة إليها امتنع الأخذ بها ..
وهذا هو ما سار عليه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، وتبعه عليه السلف الصالح، ثم من جاء بعدهم من أهل السنة إلى يومنا هذا ، بل هذا فعل العقلاء من جميع الأمم ..
وهذا بخلاف ما عليه الخوارج وأشباههم ممن لا يقدرون المصالح والمفاسد، ولا يهمهم إقامة دين ولا دنيا، بل همهم القتل والقتال كحال أهل الجاهلية الأولى ..
والأدلة كثيرة، ومنهج السلف الصالح مليء بالأمثلة، وكذلك منهج من جاء بعدهم من أئمة الجهاد كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- ..
وقد كتبت مقالاً ذكرت فيه موقفاً من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- من احتلال الكفار لبعض بلاد المسلمين، وما تحلى به -رحمهُ اللهُ- من الحكمة، وإدراك ما يصلح به حال المسلمين، وتكون العاقبة فيه للمتقين ..
وهذا هو رابط المقال:
http://www.otiby.net/makalat/articles.php?id=51
وخلاصته:
1- أن شيخ الإسلام لم يكفر ولي أمره، ولم يطعن فيه، ولم يسبه لما هرب إلى مصر من قازان ومن معه من التتر ..
2- أن شيخ الإسلام لما احتل التتر الكافرون دمشق وهرب جيش السلطان لم يقاتل، ولم يحرض على القتال بل ناصح سلطان التتر ، وكان يأمر بعدم إنكار المنكر بشرب الخمر على التتر!!
3- أن شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- لم يرْكَن إلى التتر ، ولم يطمئن إليهم ، ولم يضع ثقته فيهم، بل كان محتاطاً ، مصانعاً لهم حتى يتهيأ الحال لإخراج التتار بصورة حميدة تحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ولا تؤدي إلى استئصالهم.
4- أن شيخ الإسلام لما جاء التتر مرة أخرى نصح ولي الأمر واستنصر به ولم يقم بنفسه فقط لضعف جند دمشق ..
5- أن شيخ الإسلام لما حلف على النصر كان قد استعرض أحوال الدول الإسلامية ولم يكفر ولاة أمرها ولم يطعن فيهم ..
###############################
شبهة شيطانية تشير إلى احتمال احتلال الكفار للبلاد السعودية والرد عليها
بعد بيان موقف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- من المحتل، ومن الحكومة التي وضعها بقيادة الأمير قبجق، وأن حال الضعف تختلف عن حال القوة ، أخذ بعض المخالفين يطرحون شبهة على الناس يلبسون عليهم دينهم ..
فقال هؤلاء المخالفون –ومعظمهم من الخوارج- : هب أن أمريكا احتلت البلاد السعودية -حرسَها اللهُ وحماهَا- ، فهل سنتوقف عن الدفاع عن هذه الدولة، ونقر الحكومة التي يعينها المحتل؟
فهذه شبهة طرحوها، وعلى الجهلة مرروها، وبالباطل زينوها، وعلى الجهل بالتوحيد والسنة بَنَوْهَا ..
وسآتي إلى هذه الشبهة من جذورها وأبين فسادها ، وأن من يظن صحة هذه الشبهة ففي توحيده خَلَلٌ، وفي فهمه للشرع خَطَلٌ وزَلَلٌ..
فأقول مستعيناً بالله العلي الكبير، العزيز الحكيم، القدير الفعال لما يريد، فهو سبحانه أصدق قيلاً، وأحسن حديثاً، وهو منجز وعده وعهده، وناصر دينه وأولياءه، وحامٍ حرمه وبلد رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- :
إن احتمال احتلال الكفار أياً كانت ديانتهم أو جنسهم لن يتمكنوا بإذن الله وقدره وإرادته من احتلال البلاد السعودية، والاستيلاء عليها، بل من ظن ذلك فقد أساء الظن بالله، وقد خالف كتاب الله وسنة رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- من عدة أوجه :
الوجه الأول : أن الله أمَّنَ حرمه الشريف من أن يحتله كافر أو يسيطر عليه مشرك؛ لِما يتسببه الشرك والكفر من الخوف والظلم وخاصة ممن لا يحترم الكعبة كاليهود والنصارى.
قال تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}.
قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- في تفسيره (30/242) : " وقوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} يقول: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله أو يغزوهم. وقيل: الأمين، ومعناه الآمن كما قال الشاعر:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني ## حلفت يميناً لا أخون أميني.
يريد: آمني. وهذا كما قال جل ثناؤه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}".
وقال تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}.
قال القرطبي -رحمهُ اللهُ- في تفسيره(4/140) : "قوله تعالى: {ومن دخله كان آمناً} قال قتادة: ذلك أيضاً من آيات الحرم. قال النَّحَّاسُ: وهو قول حَسَنٌ، لأنَّ النَّاسَ كانوا يتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جَبَّارٌ، وقد وصل إلى بيتِ المقدس وخُرِّبَ، ولم يوصل إلى الحرم".
وقال الإمام ابن كثير -رحمهُ اللهُ- في تفسيره(1/385) : "وقوله تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} يعني: حرم مكة، إذا دخله الخائف يأمنُ مِنْ كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يُهَيِّجُهُ، حتى يخرج".
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}.
وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3}الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}
قال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها، وقلع حشيشها كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعاً وموقوفاً"
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}
وقال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3}الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- (30/308) : " اختلف أهل التأويل في معنى قوله: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} فقال بعضهم: معنى ذلك أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض". ورجح هذا القول وكذلك بأنها تشمل الأمن من الجذام.
الوجه الثاني : أن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بيَّن أن مكة بعد فتحها صارت بلد إسلام، ولا يمكن أن تعود إلى الكفر أو تحت ملك كافر يتسلط على بيت الله المعظم.
قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها)) فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: ((إلا الإذخر)). متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: ((لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)).
قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبداً".
الوجه الثالث: أن المدينة قد حماها الله من تسلط كافر، أو احتلال مشرك، بل من أرادها بذلك أذابه الله وأهلكه.
عن سعد بن أبي وقاص -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)) رواه مسلم .
بل من كاد أهل المدينة فإنه معرض لذلك الوعيد.
وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: سمعت رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقول: ((لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)) رواه البخاري في صحيحه.
وفي لفظ عند مسلم في صحيحه: ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)).
والمدينة داخلة في المملكة العربية السُّعودية -حرسَها اللهُ وحماهَا- .
الوجه الرابع: أن الله حمى المدينة ومكة من أن يدخلهما الدجال وحمى المدينة من أن يدخلها وباء الطاعون، حماية لهما ، وبياناً لفضلهما.
قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)) رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجُفُ المدينةُ بأهلها ثلاث رجَفَاتٍ فيخرج الله كل كافر ومنافق)) رواه البخاري ومسلم.
وأحاديث منع الدجال من دخول الحرمين، ومنع الطاعون من دخول المدينة متواترة.
فالمدينة ومكة –وهما ضمن المملكة العربية السعودية- قد حماها الله من دخول الدجال وتسلطه على الحرمين الشريفين .
فيستفاد أن الله حمى الحرمين الشريفين من تسلط الكفار والمشركين على مكة والمدينة.
الوجه الخامس: أن المتأمل في حال الدول المسلمة اليوم يجد البلاد القائمة بالتوحيد، والمطبقة لشرع الله، ومأرز الإيمان والسنة، والحامية للحرمين الشريفين والقائمة بشؤونهما، والراعية للمسلمين في العالم، والقائمة بنصرة قضايا المسلمين على وجه البسيطة، والرافعة راية التوحيد خفاقة في علمها وإعلامها وأقوالها وأعمالها هي هذه البلاد المباركة –المملكة العربيَّة السُّعوديَّة -حرسَها اللهُ وحماهَا- .
وتسلط الكفار أو المنافقين على هذه البلاد ، واحتلالها ، ونشر الرعب فيها فيه كسر لبيضة الإسلام، وذهاب معالم السنة والفرقة الناجية في العالم الإسلامي...
فلذلك حمى الله هذه الدولة لقيامها بشرع الله، ورفعها لواء التوحيد والسنة ..
فهي منصورة بنصرتها لدين الله ، فإن ابتعدت عن الدين، وفرطت في سبب بقائها استبدلها الله بغيرها كما قال تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
فالمملكة العربية السُّعوديَّة -حرسَها اللهُ وحماهَا- كتيبة الإسلام، وحامية الدين، وقلعة السُّنة، فبعزها عزَّ الإسلام ، وذلها ذل للإسلام ، فلو استولى عليها الأمريكان أو المنافقون "لم يبق للإسلام عزٌّ، ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه" انظر: مجموع الفتاوى(28/534).
وقد قال الشيخ العلامة المحدث حماد الأنصاري -رحمهُ اللهُ- : "أما العلمُ في آسيا -المقارنة بين العلماء في آسيا وإفريقيا: الحقيقة آسيا قبل هذه الدولة ما كان العلمُ في آسيا كما ينبغي قبل هذه الدولة، لأن هذه الدولة -دولة الملك عبد العزيز- هذه الدولة جاءت بخير كبير لآسيا أوّلاً ثم للعالم الآخر ثانيًا، وذلك أنه قبل هذه الدولة ما كان العلماء يُعنون بالتوحيد في آسيا كما يجب، وما كانوا -كذلك- يُعنون بالحديث كما ينبغي تطبيقًا، قد تجد العلماء قبل هذه الدولة يشتغل بعضهم بالحديث هنا في آسيا ولكنهم لا يطبِّقونه -لا يطبِّقون الحديث-، وإنما يعتمدون على مجرّد ما في المذهب -من المذاهب التي يتقيدون بها-، فهذا من ناحية.
وكذلك -أيضًا- ما كانوا يُعنون -أي: العلماء قبل هذه الدولة- ما كانوا يُعنون بالسيرة كما يجب، ولكن بتوفيق من الله عز وجل لما جاءت هذه الدولة -وهي الدولة السعودية التي نرجو أن تكون هي الطائفة المنصورة- لما جاءت هذه الدولة قامت بعمل عظيم، وهو أن هذه الدولة نبّهت العالم الإسلامي إلى أنّ العلم لا بدّ وأن يتركّز على شيئين:
أحدهما: العقيدة -وهي الأساس-.
وثانيًا: القرآن والسنة تطبيقًا، ما هو مجرد قراءة!
فلذلك الآن العلماء من أيام هذه الدولة إلى الآن -إن شاء الله إلى آخر الدنيا- يخالف وضعهم قبل هذه الدولة، حيث إنّ الدولة نشرت العقيدة السلفية، وكذلك أيضًا نشرت السنة النبوية، وكذلك أيضًا نبّهت الناس إلى أن القرآن يجب أن يدرَس كما درسه الصحابة وكما درَسه التابعون -رضي الله عن الجميع-." انظر: المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري(2/826-827)
وقد قامت هذه البلاد على الجهاد في سبيل الله -عزَ وجلَّ- ، ونصرت المجاهدين بحق في كل مكان، وبذلت في ذلك الأموال الطائلة ..
وهذه البلاد من أعرف الناس بالسياسة وكيفية التعامل مع الدول جميعها مسلمها وكافرها ، واستطاعت بحسن سياستها كسب ثقة العالم واحترامه وتقديره مما أثار هذا حفيظة الصهاينة والخوارج والروافض وأشباههم ..
ومن محاسن هذه البلاد معرفتها بحقيقة الخوارج الذين يتاجرون باسم الدين، ويتخذون من الجهاد وسيلة للطعن في الإسلام، وتسليط الأعداء على المسلمين .
فلما سُقِط في أيدي الخوارج والروافض والصهاينة أخذوا يثيرون الشُّبه حول هذه البلاد وحكامها وعلمائها همزاً ولمزاً، وطعناً وقدحاً، وتكفيراً وذماً...
ومن ذلك ظنهم بالله ظن السوء ، وزرع اليأس في قلوب الناس ، والإرجاف بأن هذه البلاد سترزح تحت احتلال أو أنها إذا وقعت تحت الاحتلال فما العمل؟!!
وهم بذلك منهزمون نفسياً، متحطمون أخلاقياً، متردون دينياً ، متخلفون جاهلون ظالمون، على الله مفترون...
فمن يظن أن هذه البلاد بما تشتمل عليه من الخيرات والبركات سترزح تحت احتلال الكفار فقد ظن بالله ظن السوء الذي ظنه المشركون والمنافقون والجاهليون.
قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ- في زاد المعاد(3/228-229) : "وقد فُسِّرَ هذا الظنُّ الذي لا يليق بالله، بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وأنه يُسْلِمُهُ للقتل، وقد فُسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حِكمةَ له فيه، فَفُسِّرَ بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله، وهذا هو ظنُّ السَّوءِ الذي ظنه المنافقون والمشركون والمشركات به سبحانه وتعالى في سورة الفتح حيث يقول: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} ، وإنَّما كان هذا ظنَّ السوءِ، وظنَّ الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظنَّ غير الحق؛ لأنه ظَنُّ غيرِ ما يليق بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وذاته المبرأة من كل عيب وسوء، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده، وتفرده بالربوبية والإلهية ، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظنَّ بأنَّهُ لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده، ويؤيد حزبه، ويعليهم، ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يُديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالةً مستقرة يضمحل معها التَّوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً فقد ظن بالله السَّوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته.
فإنَّ حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظن به ذلك؛ فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله".
ولا يعني بما سبق أن هذه البلاد المباركة معصومة ، أو أنها لا تشتمل على نقص وخلل ..
فنصرة الله لحماة دينه، القائمين بحمى الإسلام لا تستلزم أن يكونوا كاملين غير مقصرين ..
وإن كان التقصير والخلل قد يسبب بلاءً وضعفاً ، وانكساراً جزئاً لكن لا يوجب تسلط عدو ، ولا خذلاناً من الله ..
وتأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- في دولة المماليك التي كانت مسيطرة على مصر والشام والحرمين واليمن وفيها من البدع والخرافات والمعاصي وتسلط الصوفية والأشاعرة والماتريدية ما لا يخفى ومع ذلك حلف شيخ الإسلام أنهم سينتصرون، وذكر أنهم حماة الإسلام، وفيهم الطائفة المنصورة.
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(28/532-534) : "ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام: علماً وعملاً وجهاداً عن شرق الأرض وغربها، فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب، ومغازيهم مع النصارى ومع المشركين من الترك، ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم، كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفة معلومة قديماً وحديثاً.
والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بِعِزِّهِمْ، ولهذا لما هُزِموا سنة تسع وتسعين وستمائة دخل على أهل الإسلام من الذُّلِّ والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لا يعلمه إلا الله. والحكايات في ذلك كثيرة ليس هذا موضعها".
[شيخ الإسلام يستعرض الدول الإسلامية في زمانه ليبين استحقاق دولته للنصر]
"وذلك أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد، أو مضيعون له، وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد، حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء-يعني التتر-، ومَلِكُ المشركين لما جاء إلى حلب جرى بها من القتل ما جرى.
وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله. وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون، وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد.
فلو ذلت هذه الطائفة -والعياذ بالله تعالى- لكان المؤمنون بالحجاز من أذل الناس، لا سيما وقد غلب فيهم الرفض، وملك هؤلاء التتار المحاربون لله ورسوله الآن مرفوض، فلو غلبوا لفسد الحجاز بالكلية.
وأما بلاد أفريقية فأعرابها غالبون عليها، وهم من شر الخلق، بل هم مستحقون للجهاد والغزو.
وأما المغرب الأقصى فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك، بل في عسكرهم من النَّصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم.
لو استولى التتار على هذه البلاد لكان أهل المغرب معهم من أذل الناس لا سيما والنصارى تدخل مع التتار فيصيرون حزباً على أهل المغرب.
فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت هم كتيبة الإسلام، وعزُّهُم عِزُّ الإسلام، وذُلُّهم ذلُّ الإسلام.
فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عزٌّ، ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه".
لِما سبق ذكره فنحن نقطع بظهور هذه الدولة المباركة ، وغلبتها على عدوها في هذا الوقت، وأن شبهة احتلالها من قبل الكفر ممتنعة ، وأن أي إقدام تقدم به دول الكفر لاحتلال هذه البلاد أو أي جزء منها فإن النصر سيكون حليف هذه البلاد، والعاقبة لها -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- ، وإن كان قد يتخلل ذلك كسر أو بعض ضعف فالعاقبة للمتقين.
فالرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كانت الحرب بينه وبين قريش سجالاً ، انتصر في بدر ، وحصلت كسرة جزئية في أحد ثم انتصر في الخندق وغيرها من الغزوات ، وكانت العاقبة له ولأصحابه -رضيَ اللهُ عنهُم- .
فما دامت المملكة العربيَّة السُّعوديَّة قائمة بالكتاب والسنة فالعاقبة لها، وإن تخلت عن ذلك استبدلها الله بغيرها ..
##########
شبهة وجوابها
-حرسَها اللهُ وحماهَا-
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
فقد ظهر في هذا الزمان من يشيع بين الناس شبهة يلبس بها على أهل الإسلام ليدفعهم إلى الفتن والفساد، ويبرر أعمال أولياء الشيطان من الخوارج والإرهابيين، الذين لا يتصفون بعقل ولا حكمة، ولا سياسة شرعية، ولا قواعد إسلامية مرعيَّة..
بل همهم القتل والقتال، وكأن الغاية من وجود الخلق هو سفك الدماء ..ألا ساء ما يظنون..
بل الغاية من وجود الخلق عبادة الله الإله الحق ..{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
والقتال لم يشرع إلا لتحقيق غاية سامية ألا وهي عبادة الله والقضاء على الشرك والفتنة ..
فإذا كان القتال سبيلاً للصد عن سبيل الله، أو كان يزيد في الشرك والفتنة ، أو يؤدي إلى القضاء على الفئة المؤمنة فإنه لا يكون مشروعاً بل الواجب حينئذ كف اليد ..
قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}
فقد كان الواجب على أمة الإسلام كفُّ اليد وعدم القتال، دل على أنه ليس غاية ، ولكنه وسيلة حيث وجدت الحاجة إليها أخذ بها، وحيث لم توجد الحاجة إليها امتنع الأخذ بها ..
وهذا هو ما سار عليه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، وتبعه عليه السلف الصالح، ثم من جاء بعدهم من أهل السنة إلى يومنا هذا ، بل هذا فعل العقلاء من جميع الأمم ..
وهذا بخلاف ما عليه الخوارج وأشباههم ممن لا يقدرون المصالح والمفاسد، ولا يهمهم إقامة دين ولا دنيا، بل همهم القتل والقتال كحال أهل الجاهلية الأولى ..
والأدلة كثيرة، ومنهج السلف الصالح مليء بالأمثلة، وكذلك منهج من جاء بعدهم من أئمة الجهاد كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- ..
وقد كتبت مقالاً ذكرت فيه موقفاً من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- من احتلال الكفار لبعض بلاد المسلمين، وما تحلى به -رحمهُ اللهُ- من الحكمة، وإدراك ما يصلح به حال المسلمين، وتكون العاقبة فيه للمتقين ..
وهذا هو رابط المقال:
http://www.otiby.net/makalat/articles.php?id=51
وخلاصته:
1- أن شيخ الإسلام لم يكفر ولي أمره، ولم يطعن فيه، ولم يسبه لما هرب إلى مصر من قازان ومن معه من التتر ..
2- أن شيخ الإسلام لما احتل التتر الكافرون دمشق وهرب جيش السلطان لم يقاتل، ولم يحرض على القتال بل ناصح سلطان التتر ، وكان يأمر بعدم إنكار المنكر بشرب الخمر على التتر!!
3- أن شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- لم يرْكَن إلى التتر ، ولم يطمئن إليهم ، ولم يضع ثقته فيهم، بل كان محتاطاً ، مصانعاً لهم حتى يتهيأ الحال لإخراج التتار بصورة حميدة تحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ولا تؤدي إلى استئصالهم.
4- أن شيخ الإسلام لما جاء التتر مرة أخرى نصح ولي الأمر واستنصر به ولم يقم بنفسه فقط لضعف جند دمشق ..
5- أن شيخ الإسلام لما حلف على النصر كان قد استعرض أحوال الدول الإسلامية ولم يكفر ولاة أمرها ولم يطعن فيهم ..
###############################
شبهة شيطانية تشير إلى احتمال احتلال الكفار للبلاد السعودية والرد عليها
بعد بيان موقف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- من المحتل، ومن الحكومة التي وضعها بقيادة الأمير قبجق، وأن حال الضعف تختلف عن حال القوة ، أخذ بعض المخالفين يطرحون شبهة على الناس يلبسون عليهم دينهم ..
فقال هؤلاء المخالفون –ومعظمهم من الخوارج- : هب أن أمريكا احتلت البلاد السعودية -حرسَها اللهُ وحماهَا- ، فهل سنتوقف عن الدفاع عن هذه الدولة، ونقر الحكومة التي يعينها المحتل؟
فهذه شبهة طرحوها، وعلى الجهلة مرروها، وبالباطل زينوها، وعلى الجهل بالتوحيد والسنة بَنَوْهَا ..
وسآتي إلى هذه الشبهة من جذورها وأبين فسادها ، وأن من يظن صحة هذه الشبهة ففي توحيده خَلَلٌ، وفي فهمه للشرع خَطَلٌ وزَلَلٌ..
فأقول مستعيناً بالله العلي الكبير، العزيز الحكيم، القدير الفعال لما يريد، فهو سبحانه أصدق قيلاً، وأحسن حديثاً، وهو منجز وعده وعهده، وناصر دينه وأولياءه، وحامٍ حرمه وبلد رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- :
إن احتمال احتلال الكفار أياً كانت ديانتهم أو جنسهم لن يتمكنوا بإذن الله وقدره وإرادته من احتلال البلاد السعودية، والاستيلاء عليها، بل من ظن ذلك فقد أساء الظن بالله، وقد خالف كتاب الله وسنة رسوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- من عدة أوجه :
الوجه الأول : أن الله أمَّنَ حرمه الشريف من أن يحتله كافر أو يسيطر عليه مشرك؛ لِما يتسببه الشرك والكفر من الخوف والظلم وخاصة ممن لا يحترم الكعبة كاليهود والنصارى.
قال تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}.
قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- في تفسيره (30/242) : " وقوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} يقول: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله أو يغزوهم. وقيل: الأمين، ومعناه الآمن كما قال الشاعر:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني ## حلفت يميناً لا أخون أميني.
يريد: آمني. وهذا كما قال جل ثناؤه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}".
وقال تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}.
قال القرطبي -رحمهُ اللهُ- في تفسيره(4/140) : "قوله تعالى: {ومن دخله كان آمناً} قال قتادة: ذلك أيضاً من آيات الحرم. قال النَّحَّاسُ: وهو قول حَسَنٌ، لأنَّ النَّاسَ كانوا يتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جَبَّارٌ، وقد وصل إلى بيتِ المقدس وخُرِّبَ، ولم يوصل إلى الحرم".
وقال الإمام ابن كثير -رحمهُ اللهُ- في تفسيره(1/385) : "وقوله تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} يعني: حرم مكة، إذا دخله الخائف يأمنُ مِنْ كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يُهَيِّجُهُ، حتى يخرج".
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}.
وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3}الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}
قال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها، وقلع حشيشها كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعاً وموقوفاً"
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}
وقال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3}الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- (30/308) : " اختلف أهل التأويل في معنى قوله: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} فقال بعضهم: معنى ذلك أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض". ورجح هذا القول وكذلك بأنها تشمل الأمن من الجذام.
الوجه الثاني : أن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بيَّن أن مكة بعد فتحها صارت بلد إسلام، ولا يمكن أن تعود إلى الكفر أو تحت ملك كافر يتسلط على بيت الله المعظم.
قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها)) فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: ((إلا الإذخر)). متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: ((لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)).
قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبداً".
الوجه الثالث: أن المدينة قد حماها الله من تسلط كافر، أو احتلال مشرك، بل من أرادها بذلك أذابه الله وأهلكه.
عن سعد بن أبي وقاص -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)) رواه مسلم .
بل من كاد أهل المدينة فإنه معرض لذلك الوعيد.
وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص -رضيَ اللهُ عنهُ- قال: سمعت رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقول: ((لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)) رواه البخاري في صحيحه.
وفي لفظ عند مسلم في صحيحه: ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)).
والمدينة داخلة في المملكة العربية السُّعودية -حرسَها اللهُ وحماهَا- .
الوجه الرابع: أن الله حمى المدينة ومكة من أن يدخلهما الدجال وحمى المدينة من أن يدخلها وباء الطاعون، حماية لهما ، وبياناً لفضلهما.
قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)) رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجُفُ المدينةُ بأهلها ثلاث رجَفَاتٍ فيخرج الله كل كافر ومنافق)) رواه البخاري ومسلم.
وأحاديث منع الدجال من دخول الحرمين، ومنع الطاعون من دخول المدينة متواترة.
فالمدينة ومكة –وهما ضمن المملكة العربية السعودية- قد حماها الله من دخول الدجال وتسلطه على الحرمين الشريفين .
فيستفاد أن الله حمى الحرمين الشريفين من تسلط الكفار والمشركين على مكة والمدينة.
الوجه الخامس: أن المتأمل في حال الدول المسلمة اليوم يجد البلاد القائمة بالتوحيد، والمطبقة لشرع الله، ومأرز الإيمان والسنة، والحامية للحرمين الشريفين والقائمة بشؤونهما، والراعية للمسلمين في العالم، والقائمة بنصرة قضايا المسلمين على وجه البسيطة، والرافعة راية التوحيد خفاقة في علمها وإعلامها وأقوالها وأعمالها هي هذه البلاد المباركة –المملكة العربيَّة السُّعوديَّة -حرسَها اللهُ وحماهَا- .
وتسلط الكفار أو المنافقين على هذه البلاد ، واحتلالها ، ونشر الرعب فيها فيه كسر لبيضة الإسلام، وذهاب معالم السنة والفرقة الناجية في العالم الإسلامي...
فلذلك حمى الله هذه الدولة لقيامها بشرع الله، ورفعها لواء التوحيد والسنة ..
فهي منصورة بنصرتها لدين الله ، فإن ابتعدت عن الدين، وفرطت في سبب بقائها استبدلها الله بغيرها كما قال تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
فالمملكة العربية السُّعوديَّة -حرسَها اللهُ وحماهَا- كتيبة الإسلام، وحامية الدين، وقلعة السُّنة، فبعزها عزَّ الإسلام ، وذلها ذل للإسلام ، فلو استولى عليها الأمريكان أو المنافقون "لم يبق للإسلام عزٌّ، ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه" انظر: مجموع الفتاوى(28/534).
وقد قال الشيخ العلامة المحدث حماد الأنصاري -رحمهُ اللهُ- : "أما العلمُ في آسيا -المقارنة بين العلماء في آسيا وإفريقيا: الحقيقة آسيا قبل هذه الدولة ما كان العلمُ في آسيا كما ينبغي قبل هذه الدولة، لأن هذه الدولة -دولة الملك عبد العزيز- هذه الدولة جاءت بخير كبير لآسيا أوّلاً ثم للعالم الآخر ثانيًا، وذلك أنه قبل هذه الدولة ما كان العلماء يُعنون بالتوحيد في آسيا كما يجب، وما كانوا -كذلك- يُعنون بالحديث كما ينبغي تطبيقًا، قد تجد العلماء قبل هذه الدولة يشتغل بعضهم بالحديث هنا في آسيا ولكنهم لا يطبِّقونه -لا يطبِّقون الحديث-، وإنما يعتمدون على مجرّد ما في المذهب -من المذاهب التي يتقيدون بها-، فهذا من ناحية.
وكذلك -أيضًا- ما كانوا يُعنون -أي: العلماء قبل هذه الدولة- ما كانوا يُعنون بالسيرة كما يجب، ولكن بتوفيق من الله عز وجل لما جاءت هذه الدولة -وهي الدولة السعودية التي نرجو أن تكون هي الطائفة المنصورة- لما جاءت هذه الدولة قامت بعمل عظيم، وهو أن هذه الدولة نبّهت العالم الإسلامي إلى أنّ العلم لا بدّ وأن يتركّز على شيئين:
أحدهما: العقيدة -وهي الأساس-.
وثانيًا: القرآن والسنة تطبيقًا، ما هو مجرد قراءة!
فلذلك الآن العلماء من أيام هذه الدولة إلى الآن -إن شاء الله إلى آخر الدنيا- يخالف وضعهم قبل هذه الدولة، حيث إنّ الدولة نشرت العقيدة السلفية، وكذلك أيضًا نشرت السنة النبوية، وكذلك أيضًا نبّهت الناس إلى أن القرآن يجب أن يدرَس كما درسه الصحابة وكما درَسه التابعون -رضي الله عن الجميع-." انظر: المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري(2/826-827)
وقد قامت هذه البلاد على الجهاد في سبيل الله -عزَ وجلَّ- ، ونصرت المجاهدين بحق في كل مكان، وبذلت في ذلك الأموال الطائلة ..
وهذه البلاد من أعرف الناس بالسياسة وكيفية التعامل مع الدول جميعها مسلمها وكافرها ، واستطاعت بحسن سياستها كسب ثقة العالم واحترامه وتقديره مما أثار هذا حفيظة الصهاينة والخوارج والروافض وأشباههم ..
ومن محاسن هذه البلاد معرفتها بحقيقة الخوارج الذين يتاجرون باسم الدين، ويتخذون من الجهاد وسيلة للطعن في الإسلام، وتسليط الأعداء على المسلمين .
فلما سُقِط في أيدي الخوارج والروافض والصهاينة أخذوا يثيرون الشُّبه حول هذه البلاد وحكامها وعلمائها همزاً ولمزاً، وطعناً وقدحاً، وتكفيراً وذماً...
ومن ذلك ظنهم بالله ظن السوء ، وزرع اليأس في قلوب الناس ، والإرجاف بأن هذه البلاد سترزح تحت احتلال أو أنها إذا وقعت تحت الاحتلال فما العمل؟!!
وهم بذلك منهزمون نفسياً، متحطمون أخلاقياً، متردون دينياً ، متخلفون جاهلون ظالمون، على الله مفترون...
فمن يظن أن هذه البلاد بما تشتمل عليه من الخيرات والبركات سترزح تحت احتلال الكفار فقد ظن بالله ظن السوء الذي ظنه المشركون والمنافقون والجاهليون.
قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ- في زاد المعاد(3/228-229) : "وقد فُسِّرَ هذا الظنُّ الذي لا يليق بالله، بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وأنه يُسْلِمُهُ للقتل، وقد فُسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حِكمةَ له فيه، فَفُسِّرَ بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله، وهذا هو ظنُّ السَّوءِ الذي ظنه المنافقون والمشركون والمشركات به سبحانه وتعالى في سورة الفتح حيث يقول: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} ، وإنَّما كان هذا ظنَّ السوءِ، وظنَّ الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظنَّ غير الحق؛ لأنه ظَنُّ غيرِ ما يليق بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وذاته المبرأة من كل عيب وسوء، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده، وتفرده بالربوبية والإلهية ، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظنَّ بأنَّهُ لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده، ويؤيد حزبه، ويعليهم، ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يُديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالةً مستقرة يضمحل معها التَّوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً فقد ظن بالله السَّوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته.
فإنَّ حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظن به ذلك؛ فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله".
ولا يعني بما سبق أن هذه البلاد المباركة معصومة ، أو أنها لا تشتمل على نقص وخلل ..
فنصرة الله لحماة دينه، القائمين بحمى الإسلام لا تستلزم أن يكونوا كاملين غير مقصرين ..
وإن كان التقصير والخلل قد يسبب بلاءً وضعفاً ، وانكساراً جزئاً لكن لا يوجب تسلط عدو ، ولا خذلاناً من الله ..
وتأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- في دولة المماليك التي كانت مسيطرة على مصر والشام والحرمين واليمن وفيها من البدع والخرافات والمعاصي وتسلط الصوفية والأشاعرة والماتريدية ما لا يخفى ومع ذلك حلف شيخ الإسلام أنهم سينتصرون، وذكر أنهم حماة الإسلام، وفيهم الطائفة المنصورة.
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(28/532-534) : "ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام: علماً وعملاً وجهاداً عن شرق الأرض وغربها، فإنهم هم الذين يقاتلون أهل الشوكة العظيمة من المشركين وأهل الكتاب، ومغازيهم مع النصارى ومع المشركين من الترك، ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم، كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفة معلومة قديماً وحديثاً.
والعز الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بِعِزِّهِمْ، ولهذا لما هُزِموا سنة تسع وتسعين وستمائة دخل على أهل الإسلام من الذُّلِّ والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لا يعلمه إلا الله. والحكايات في ذلك كثيرة ليس هذا موضعها".
[شيخ الإسلام يستعرض الدول الإسلامية في زمانه ليبين استحقاق دولته للنصر]
"وذلك أن سكان اليمن في هذا الوقت ضعاف عاجزون عن الجهاد، أو مضيعون له، وهم مطيعون لمن ملك هذه البلاد، حتى ذكروا أنهم أرسلوا بالسمع والطاعة لهؤلاء-يعني التتر-، ومَلِكُ المشركين لما جاء إلى حلب جرى بها من القتل ما جرى.
وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله. وأهل الإيمان والدين فيهم مستضعفون عاجزون، وإنما تكون القوة والعزة في هذا الوقت لغير أهل الإسلام بهذه البلاد.
فلو ذلت هذه الطائفة -والعياذ بالله تعالى- لكان المؤمنون بالحجاز من أذل الناس، لا سيما وقد غلب فيهم الرفض، وملك هؤلاء التتار المحاربون لله ورسوله الآن مرفوض، فلو غلبوا لفسد الحجاز بالكلية.
وأما بلاد أفريقية فأعرابها غالبون عليها، وهم من شر الخلق، بل هم مستحقون للجهاد والغزو.
وأما المغرب الأقصى فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك، بل في عسكرهم من النَّصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم.
لو استولى التتار على هذه البلاد لكان أهل المغرب معهم من أذل الناس لا سيما والنصارى تدخل مع التتار فيصيرون حزباً على أهل المغرب.
فهذا وغيره مما يبين أن هذه العصابة التي بالشام ومصر في هذا الوقت هم كتيبة الإسلام، وعزُّهُم عِزُّ الإسلام، وذُلُّهم ذلُّ الإسلام.
فلو استولى عليهم التتار لم يبق للإسلام عزٌّ، ولا كلمة عالية، ولا طائفة ظاهرة عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه".
لِما سبق ذكره فنحن نقطع بظهور هذه الدولة المباركة ، وغلبتها على عدوها في هذا الوقت، وأن شبهة احتلالها من قبل الكفر ممتنعة ، وأن أي إقدام تقدم به دول الكفر لاحتلال هذه البلاد أو أي جزء منها فإن النصر سيكون حليف هذه البلاد، والعاقبة لها -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- ، وإن كان قد يتخلل ذلك كسر أو بعض ضعف فالعاقبة للمتقين.
فالرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كانت الحرب بينه وبين قريش سجالاً ، انتصر في بدر ، وحصلت كسرة جزئية في أحد ثم انتصر في الخندق وغيرها من الغزوات ، وكانت العاقبة له ولأصحابه -رضيَ اللهُ عنهُم- .
فما دامت المملكة العربيَّة السُّعوديَّة قائمة بالكتاب والسنة فالعاقبة لها، وإن تخلت عن ذلك استبدلها الله بغيرها ..
##########
شبهة وجوابها