أبو لـُجين ابراهيم
30-08-2000, 06:09 AM
الابتلاء .. وأخبار السجناء ..!
مما أقتضته حكمته سبحانه ، ومضت به سنته ، من الابتلاء والامتحان ، الذي يخلص الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان ، إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة لكل من الداعي إلى الإيمان والعقوبة لذوي السيئات والطغيان قال الله تعالى :
(الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
أما الكلام على الحروف المقطعة، فقد تقدم في أول سورة البقرة. وقوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمناوهم لا يفتنون} استفهام إنكار، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء» وهذه الآية كقوله: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ومثلها في سورة براءة. وقال في البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} ولهذا قال ههنا {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة، وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله: {إلا لنعلم} إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود. وقوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم، ولهذا قال: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} أي يفوتونا {ساء ما يحكمون} أي بئس ما يظنون. أ هـ
سجن يوسف عليه السلام
فقال كما قال الله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ )
ذكر عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب : ( إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوة لم تزل تُعرف لهم إلى اليوم ، قال : اللهمّ ، أعطف عليهم قلوبَ الأخيار ، ولا تُعمِ عليهم الأخبار ) .
فيقال : إنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد .
سجن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله فقال :
أي شيء أخاف !
إن قتلت كنت من أفضل الشهداء ! وكان علي الرحمة والرضوان إلى يوم القيامة ! وكان على من قتلني اللعنة الدائمة في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ! ليعلم كل من يؤمن بالله ورسوله أني أن قتلت لأجل دين الله ، وأن حبست فالحبس في حقي من أعظم نعم الله عليّ ، ووالله ما أطيق أن أشكر نعمة الله علي في هذا الحبس ، وليس لا ما أخاف الناس عليه ! لا إقطاعي ! ولا مدرستي ! ولا مالي! ولا رياستي وجاهي ! .
أنشد أحد الشعراء في السجن فقال :
ما يدخُل السَّـجنَ إنسانٌ فتسألُه
ما بالُ سِجـنك إلا قـال مـظلومُ
قال أبو عبيدة : اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بِلال بن أبي بُردّة ، فقضى للرجل على خالد ، فقال خالد وهو يقول :
سحابةُ صيف عن قليلٍ تَقشَّعُ
فقال بلال : أما إنها لا تَقَشَّعُ حتى يصيبك منها شَؤبُوبُ ، وأمرَ به إلى الحبس ، فقال خالد ، علام تحبسني ؟ فوالله ما جنيتُ جناية ولا خُنتُ خيانة ، فقال بلال : يخبرك عن ذلك باب مُصمَت وأقياد ثِقال وقَيّم يقال له حَفص .
وقال الحجاج يوماً للغضبان بن القَبَعثري ورآه سميناً : ما أسمَنكَ ؟ قال : القيدُ والرَّتعَة ، ومن كان في ضيافة الأمير سَـمُنَ .
وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد الله القسريّ حين حُبس :
لَعمَري لقد أعمرتُمُ السجنَ خالداً
وأوطأتموه وَطأة المتثـاقلِ
فإن تحبسوا القَسريَّ لا تحبسوا أسمه
ولا تسجُنوا معروفَـه في القبـائل
وقال بعض المسجونين :
أسجِنُ وقَيد وأغتراب وعُسـرة
وفَقدُ حبيبٍ ! إنّ ذا لَعَظِيـمُ
وإنّ امرأً تبقى مواثيقُ عهدِهِ
على كل هـذا ، إنـه لَكَريــمُ
وقال آخر مثله :
إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى
وفي يده كشفُ المصيبة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن مِنَ أهلها
فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السَّجَّانُ يوماً لحاجةٍ
عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا
وتُعجُبنا الرُّؤيا فجُلُّ حديثنا
إذا نحن أصبحنا ، الحديثُ عن الرؤيا
فإن حَسُنَت لم تأتِ عَجلَى وأبطأت
وإن قَبُحَت لم تحتبس وأتت عجلى
وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منها :
تفديك نفسي من كل ما كرهَت
نفسك إن كنتُ مذنباً فأغفر
يا ليت قلبي مصوّر لك ما
فيه لِتستَيقِنَ الذي أضمـر
فوقّع الرشيد في رقعته ، لا بأس عليك ، فأعاد عليه رقعة أخرى فيها :
كأنّ الخَلقَ رُكّبَ فيه رُوح
له جَسَد وأنت عليه رأسُ
أمينَ الله ، إن الحبسَ بأس
وقد وقَّعت ( ليس عليك بأسُ )
فأمر بأطلاقه .
ـــــــــــــــ
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعباً ملكناه
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تراه كالطير مقصوص جناحاه
المرجع : فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية ـ عيون الأخبار 1ـ2
مما أقتضته حكمته سبحانه ، ومضت به سنته ، من الابتلاء والامتحان ، الذي يخلص الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان ، إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة لكل من الداعي إلى الإيمان والعقوبة لذوي السيئات والطغيان قال الله تعالى :
(الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
أما الكلام على الحروف المقطعة، فقد تقدم في أول سورة البقرة. وقوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمناوهم لا يفتنون} استفهام إنكار، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء» وهذه الآية كقوله: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ومثلها في سورة براءة. وقال في البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} ولهذا قال ههنا {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة، وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله: {إلا لنعلم} إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود. وقوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم، ولهذا قال: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} أي يفوتونا {ساء ما يحكمون} أي بئس ما يظنون. أ هـ
سجن يوسف عليه السلام
فقال كما قال الله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ )
ذكر عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب : ( إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوة لم تزل تُعرف لهم إلى اليوم ، قال : اللهمّ ، أعطف عليهم قلوبَ الأخيار ، ولا تُعمِ عليهم الأخبار ) .
فيقال : إنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد .
سجن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله فقال :
أي شيء أخاف !
إن قتلت كنت من أفضل الشهداء ! وكان علي الرحمة والرضوان إلى يوم القيامة ! وكان على من قتلني اللعنة الدائمة في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ! ليعلم كل من يؤمن بالله ورسوله أني أن قتلت لأجل دين الله ، وأن حبست فالحبس في حقي من أعظم نعم الله عليّ ، ووالله ما أطيق أن أشكر نعمة الله علي في هذا الحبس ، وليس لا ما أخاف الناس عليه ! لا إقطاعي ! ولا مدرستي ! ولا مالي! ولا رياستي وجاهي ! .
أنشد أحد الشعراء في السجن فقال :
ما يدخُل السَّـجنَ إنسانٌ فتسألُه
ما بالُ سِجـنك إلا قـال مـظلومُ
قال أبو عبيدة : اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بِلال بن أبي بُردّة ، فقضى للرجل على خالد ، فقال خالد وهو يقول :
سحابةُ صيف عن قليلٍ تَقشَّعُ
فقال بلال : أما إنها لا تَقَشَّعُ حتى يصيبك منها شَؤبُوبُ ، وأمرَ به إلى الحبس ، فقال خالد ، علام تحبسني ؟ فوالله ما جنيتُ جناية ولا خُنتُ خيانة ، فقال بلال : يخبرك عن ذلك باب مُصمَت وأقياد ثِقال وقَيّم يقال له حَفص .
وقال الحجاج يوماً للغضبان بن القَبَعثري ورآه سميناً : ما أسمَنكَ ؟ قال : القيدُ والرَّتعَة ، ومن كان في ضيافة الأمير سَـمُنَ .
وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد الله القسريّ حين حُبس :
لَعمَري لقد أعمرتُمُ السجنَ خالداً
وأوطأتموه وَطأة المتثـاقلِ
فإن تحبسوا القَسريَّ لا تحبسوا أسمه
ولا تسجُنوا معروفَـه في القبـائل
وقال بعض المسجونين :
أسجِنُ وقَيد وأغتراب وعُسـرة
وفَقدُ حبيبٍ ! إنّ ذا لَعَظِيـمُ
وإنّ امرأً تبقى مواثيقُ عهدِهِ
على كل هـذا ، إنـه لَكَريــمُ
وقال آخر مثله :
إلى الله أشكو إنه موضع الشكوى
وفي يده كشفُ المصيبة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن مِنَ أهلها
فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السَّجَّانُ يوماً لحاجةٍ
عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا
وتُعجُبنا الرُّؤيا فجُلُّ حديثنا
إذا نحن أصبحنا ، الحديثُ عن الرؤيا
فإن حَسُنَت لم تأتِ عَجلَى وأبطأت
وإن قَبُحَت لم تحتبس وأتت عجلى
وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منها :
تفديك نفسي من كل ما كرهَت
نفسك إن كنتُ مذنباً فأغفر
يا ليت قلبي مصوّر لك ما
فيه لِتستَيقِنَ الذي أضمـر
فوقّع الرشيد في رقعته ، لا بأس عليك ، فأعاد عليه رقعة أخرى فيها :
كأنّ الخَلقَ رُكّبَ فيه رُوح
له جَسَد وأنت عليه رأسُ
أمينَ الله ، إن الحبسَ بأس
وقد وقَّعت ( ليس عليك بأسُ )
فأمر بأطلاقه .
ـــــــــــــــ
كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعباً ملكناه
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تراه كالطير مقصوص جناحاه
المرجع : فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية ـ عيون الأخبار 1ـ2