PDA

View Full Version : رسالة إلى أخي رجل الأمن... [ للشيخ سلمان العودة.]


3e6r
01-01-2001, 06:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وبعد ..


أولاً:

إنني لا أخاطب رجل الأمن في بلد معين ، ولا مدينةٍ خاصة ، ولا قطرٍ أو إقليم ، ولكني أخاطب رجل الأمن حيثما كان من بلاد الله تعالى الواسعة في كل بلاد الإسلام ، ولعل هذه من الحالات النادرة القليلة التي يخاطب فيها رجل الأمن ، فإن الناس عامتهم وخاصتهم في كثيرٍ من الأحيان تربوا على مجانبة هذا الميدان وعدم التعرض له بشيء . إنني أخاطب رجل الأمن في مِصر والجزائر وتونس والسودان وفي جميع الأصقاع والبقاع ، وأخاطب رجل المرور كما أخاطب رجل المباحث كما أخاطب رجل الطوارئ وجميع العاملين في أجهزة الأمن وقطاعاته .

لقد اعتاد الناس أن يسبوا هؤلاء ويتهموهم , ولعلهم ألا يسمعوا مني في هذه الليلة ما يسوؤهم - إن شاء الله تعالى - كما اعتاد الناس أن يلهجوا بالدعوات الحارةِ الصادقةِ ضدهم ، ولعلهم أن يظفروا مني ومنكم في هذا المجلس العامر المبارك بدعوات تنفعهم في دينهم أو تنفعهم في دنياهم .

ثانياً:

لعلك قد عرفت أخي يا رجل الأمن بحكم موقعك وطبيعةِ عملك أن القرارات الرسميةِ الكبيرة التي تصدر في بلادك على أعلى المستويات غالباً يكون وراءها تقارير ودراسات خفية خاصة ، صدرت منك أو من إدارتك أو من قطاعك أو ممن حولك ، فالعالم الإسلامي غالباً يُحْكم بتلك التقارير السريةِ الخاصة بل والعالم كله يقيم لهذه ألف اعتبار واعتبار في مشرقه أو مغربه . ولهذا ليس أحدٌ يلومك حينما اتجهت إلى ذلك العمل الضخم المؤثر ، بل الكل يدركون أنه أحياناً شر لا بد الخلاصُ منه كما يقال ، وهو أحياناً خير نافع للأمة والبلاد والعباد ، وهو بدون شك في أحوالٍ كثيرة شرٌ يجب الخلاصُ منه . من ذا الذي يشكك مثلاً في أهميةِ حماية المجتمع من المخدرات التي تعمل فيه ليل نهار ، من ذا الذي يشكك في أهميةِ حماية المجتمع من التزوير ، من ذا الذي يشكك في أهميةِ حماية المجتمع من الاضطرابات والقلاقل والفتن التي تزعزعُ أمنه وتقلقل استقراره ، من ذا الذي يشكك في أهميةِ حماية المجتمع من الجريمة أو من التطرف ؛ ولعلك تدري ماذا أعني بكلمة التطرف, فلست أستخدمها كما يستخدمها الإعلام العربي والعالمي ، وصمة عار يلحقها بكل متدين ؛ بل أعني التطرف الذي هو انحراف في الفكر وانحراف في السلوك وانحراف في التصرف ، يقع فيه العلمانيون ويقعُ فيه أعداء الدين ويقعُ فيهِ المتسلطون ويقعُ فيهِ أحياناً بعض المنتسبين إلى الدين .

إن استقرار الأمن في بلاد الإسلام كلها هو مطلب المخلصين الغيورين ، وإن العمل على دعم هذا الاستقرار هو أحد الأهداف الرئيسة التي يسعى لها دعاة الإسلام في كل مكان ، يسعون لها من خلال النظرة الشرعية التي تقرر أن ارتكاب الذنوب والمعاصي وأن انتشار المنكرات والموبقات وأن إعلان هذا وذاك هو السبب الأكبر في كل المصائب والنقم التي تقع في بلاد المسلمين ، والنظرة الشرعية التي تقرّر دون شك أن السكوت عن المنكرات المعلنة هو الموجب للعنة الله تعالى وغضبه ومقته وأليم عقابه ؛ العقاب الذي قد يأتي بصورة كساد اقتصادي وقد يأتي بصورة عدو خارجي وقد يأتي بصورة انشطار داخلي وتسليطِ بعض الناس على بعض وقد يأتي بصورة فيضاناتٍ أو زلازل أو ما شاء الله { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِكَ إلا هُو } ، فلا أحد يشك في الدور الكبير الذي يمكن أن تُؤديه أجهزة الأمن إذا أخلصت وصدقت وتوجهت إلى أهدافها الحقيقية واستقطبت الرجال الأُمناء المخلصين ؛ إن تقريراً صغيراً من فرد عادي يمكن أن يتطور ويتطور ليكون تقريراً كبيراً تبنى عليه أعظم النتائج .

ثالثا :

المهمة الأصلية لرجل الأمن هي حماية المجتمع من الداخل من جميع المخاطر والجرائم التي تهدد دين المجتمع وأمن المجتمع واستقرار المجتمع ، فالدين هو الهدف الرئيس في حمايته لأجهزة الأمن في جميع بلاد الإسلام . وبناءً عليه فإن الاعتداء على الدين هو الجريمةُ العظمى التي تأخذ رقم واحد ، والتي يجب أن يجعل رجل الأمن من جهده جهداً كبيراً في مقاومتها وكشفِ من يعملها أو يمارسها وإيقافه عند حده . وإذا سلم للناس دينهم فقد سلمت لهم دنياهم ، فإن الدين خيرٌ كله وكل خيرٍ في الدنيا فإن الدين جاء بضمانه وتحقيقه .
نعم ؛ الأمن بالدين , الاستقرار بالدين , والرفاهية الاقتصادية هي بالدين ، وكل خيرٍ يطمح إليه الإنسان فإنه لا يمكن أن يأتي حقاً ودون أي مضاعفات أو أخطاء إلا من خلال الدين والتزام السلوك الشرعي الصحيح .

لقد عاشت جمهوريات الاتحاد السوفيتي زماناً بشيءٍ من الاستقرار ، لكن ذلك الاستقرار كان بغير دين ، وكان من خلال أجهزة الأمن التي تعد عناصرها بالملايين ، والتي جندت من كافة الطبقاتِ والنوعيات ، وضرب بعضها ببعض وجعلت مهمتها تدمير الأخلاق وتدميرُ الأسر وتدميرُ المجتمعات وإزالة كل ألوان النخوةِ والشهامةِ والمروءة والرجولة ، واستطاعوا أن يحافظوا على الأمن سبعين سنة ، ولكن ذلك الأمن الذي حافظوا عليه لم يكن في صالحهم ؛ إذ دمر طاقات الشعوب واقتصادها وأخلاقها وأسرها وقضى على كل مقدراتها ، ثم كانَ المآل أن انفرط حبل الأمن وتمزقت تلك الدول ، وأصبحت كما يقال ( أيدي سبأ ) وأصبحت اليوم تعيش ألواناً من الانهيار الاقتصادي ، وأنواعاً من الخلافات والحروب المدمرة داخل تلك الدول – بما يعلمه الجميع – وهي على شفا بركان يوشكُ أن ينفجر صباحاً أو مساء .

فأولاً : ذلك الأمن الذي نعموا به سبعين سنه هل كان خيراً ؟ كلا.. بل إن الحرب التي يعيشونها الآن والدمار الذي يشهدونه ، هو في نظر جميع المسلمين بلا استثناء بل في نضر العالم كله ، هو خيرٌ من الأمن الذي كانوا يشهدونه من قبل ، لأن ذلك الأمن لم يكن لحماية الدين ولا لحماية الأخلاق ولا لحماية المجتمع ، ولكنه كان لحماية وحراسة الحزب الشيوعي الحاكم الوحيد في تلك البلاد .. هذا أولاً .
وثانياً: فإن ذلك الأمن لم يستقر ولكنه سُرعان ما زال وتهاوى ، والسبب في ذلك أنه كان أمناً استقر من خلال البطش والحديد والنار والستار الرهيب الذي أقاموه على شعوبهم ، فتململت هذه الشعوب بعد طول زمان حتى كان ما كان واستطاعوا أن يواجهوا تلك القوى العظمى .
إنه لم يغني الشيوعية أنها كانت تملك أكثر من ثلاثمائة ألف رأس نووي ، ولم تنفعها صواريخها العابرة للقارات ، ولم يغنها من الله شيئاً أن يكون جهاز الأمن فيها المعروف بجهاز ( الكي.جي.بي ) أنه يملك أكثر من ثلاثة ملايين عنصر مهمتها أن تحسب على الناس أنفاسهم وخطواتهم وأقوالهم وألفاظهم وعباراتهم بل ونياتهم ومقاصدهم ، فأنت تراهم اليوم وقد صاروا أحدوثة وأمثولة يتسلى الناس بأخبارهم ويتشمتُ بهم أعدائهم .

إن المهمة الأصلية لرجل الأمن في بلاد الإسلام هي حماية المجتمع من الداخل ، حمايةُ دين المجتمع وأخلاق المجتمع ووحدة المجتمع , حماية الأمن والاستقرار للأمة , حمايةِ الفرد والأسرة جميعاً ؛ كما أن مهمة الجيش في كل بلاد الإسلام ، هي حماية المجتمع من الأخطار المتمثلة بالغزو الخارجي الذي يهددها من الشمال أو الجنوب . ولعلك يا أخي يا رجل الأمن تشاطرني الرأي في أن كثيراً من بلاد الإسلام لم تعد تؤمنُ بهذه المهمة التي تحدثتُ عنها إيماناً صحيحا ، فقد أصبحت مهمة رجل الأمن في كثيرٍ من البلاد الإسلامية هي إرهاب المواطن وملاحقته وتهديده وإيذاؤه في نفسه أو أهله أو وضيفته أو عمله أو أُسرته أو دينه ؛ وأصبحت مهمة الجيش هي التهيؤ لنـزول للشوارع لتدعيم مهمة القمع التي يمارسها بعض رجال الأمن في هذا البلد أو ذاك مما تسمعه في الأخبار صباح مساء .
إني سائلك وأنت أخي وأنا أخوك وما بيني وبينك - إن شاء الله تعالى - إلا الودُ والمحبة ما صفت القلوب واتفقت الأرواح ورضينا بالمبدأ الأصل الذي هو الدين الذي ننتمي جميعاً إليه ، إني سائلك هل تعلم رجل الجيش في البلاد المجاورة لإسرائيل يتهيأُ للمعركة مع اليهود؟ ..كلا.. وكيف يتهيأ للمعركة مع اليهود وجلسات وجولات السلام بينهم وبينه تتقدم يوماً فيوماً إلى الأمام . إنهم يوجهونهم إلى شعوبهم ، أو على أحسن الأحوال يوجهونهم أحياناً إلى معركة مجهولة الأهداف مع الجيران ، فيوماً هنا ويومناً هناك وأحياناً ( على بكرٍ أخينا إذا لم نجد إلا أخانا ) ، فهم أسودٌ أشاوس على الضعفاء من بني جلدتهم أو بلادهم أو من جيرانهم ولكنهم حملانٌ وديعة أمام عدوهم الحقيقي الشرس من اليهود أو النصارى . ثم إني سائلك مرةً أخرى هل تعلم مهمة رجال الأمن في تلك الديار , هل تعلم لهم مهمةً أخرى غير اصطياد الشباب المتدين وملاحقتهم ؟ أما أنا فلا أعلم إلا هذا ! فهل يرضيك يا أخي وأنت المسلم الذي تعلم حرمة الدم المسلم وحرمة العرض وحرمة المال ، أن يحدث هذا ؟ أم يسرك وأنت تسمعُ قول الباري - جل وعز – { ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزائه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليهِ ولعنهُ وأعد له عذاباً عظيما } . إن الكثيرين ينسون أن الرجل المسلم المقتول غدراً في الشارع أو في الجامعة أوفي المسجد أو في المنزل ، أنه رجلٌ يجري في عروقه أيضاً دمٌ وليس ماءً ، وأنه بشر له حرمته وليس شيئاً آخر غير البشر ، وأن له أطفال ينتظرونه عند الباب صباح مساء ( متى يأتي بابا .. متى يأتي بابا ) وأن له أماً تذرف الدموع بعد الدموع على قرة عينها الذي طال انتظاره دون جدوى . فلماذا تنـزعج أخي أو ينزعج غيرك من خبرٍ يقول : مقتل ضابط أو شرطي في بلد كذا ؟ ثم تسر بخبرٍ يقول لك اقتحام منـزل وقتل عشرين من المتطرفين ، لقد اعترفوا بالقتل ويقبل اعترافهم على أنفسهم ، وهي جريمةٌ منكرة في جميع الشرائع ، بل وفي كل القوانين الأرضية . أما دعواهم أن هؤلاء من المتطرفين ، فهي دعوى لا بد لها من دليل وهؤلاء القتلى لا يمكن أن يمثلوا أمام محكمة ولا أن يظهر صوتهم في إذاعة ولا أن يراهم الناس عبر شاشة ولا أن يكتبوا في جريدة ، ليتحدثوا برأيهم ويدافعوا عن أنفسهم ! فأين الدليل الحقيقي على أن هؤلاء من المتطرفين ؟
لقد جاءت أخبارٌ مؤكدة أن الناس في بعض الدول العربية والإسلامية أصبحوا يعتصمون بالجبال ..قرى بأكملها ومدنٌ عن بكرة أبيها تعتصمُ بالجبال وتتركُ البيوت والحقول والمزارع والنساء والأطفال ، وهي مصممةٌ على الثأر ممن تعتبرهم الجناة ؛ فهل أدركت أخي رجل الأمن أي فجوة ضخمة خطيرة حفرها أولئك المغرضون المجرمون بينك وبين أخيك المسلم من وطنك وبلادك , بل ربما من أسرتك أو قبيلتك وربما من المدينة أو القرية التي كنت منها ؟ لقد خوفك به كما خوفوه بك ؛ قالوا لك لا خطر علينا من اليهود أو ما يسمى بإسرائيل فهي حليفتنا وصديقتنا وبيننا وبينها أوثقُ العلاقات ، ولا خطر علينا من النصارى فهم أصحابنا وأصدقاؤنا ، ولا خطر علينا من مجرم المخدرات فإنهم لا يضرون إلا أنفسهم ، الخطر كل الخطر من المتطرفين فاقتله ولو كان المتطرف متعلقاً بأستار الكعبة . هكذا قبل أيام طالب رئيس دولة عربية معروفة – الرئيسُ الليبي – طلب من الطلاب في كل مكان قتل المتطرفين دون محاكمة ، أتدري ما آية المتطرف عندهم ؟ إن إعفاء اللحية أو حمل المسواك أو التردد على المساجد ؛ إن هذا كافٍ في الدلالة على أن صاحب هذه الأعمال من المتطرفين ، فإذا قصر ثوبه أو قام يخطب في المسجد أو نصح أو ألف كتاباً أو ألقى درساً فحينئذٍ يكونُ تطرفه مما لا يقبل الجدل ولا النظر عند هؤلاء .

لقد ملؤوا قلبك أخي رجل الأمن خوفاً وذعراً , حتى أصبحت إذا رأيت ذا اللحية فكأنما رأيت بعبعاً مخيفاً أو شيئاً عنيفا ؛ وبالمقابل خوفوه بك ، وجعلوك سيفاً مسلتا على رقبته ، فصار ما إن يراك ببزتك وبدلتك حتى يرى الموت الأحمر ويدري أنه إن لم يَقتُل يُقْتَل ، وصرت أنت وإياه حينئذ ضدين لا يجتمعان .. إنه الدم , إنه القصاص قال الله تعالى { ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب } والقاتلُ مقتول ولو بعد حين ، وسيقضي القاتل أياً كان بقية عمره في قلق لا يهدأ وتوتر لا يسكن ، وذلك أن يزرع الله تعالى في قلب القاتل شقاء لا سعادة معه قط ، وإذا أمن عقوبة أهل الأرض فلا يأمن عقاب رب السماء ، ينتظره من يومه أومن غده ، نزيفاً في المخ أو سرطاناً أو جلطة أو حادثا مرورياً مدمراً أو أزمة قلبية أو إيدزاً أو مأساة مروعة على زوجة أو على أطفاله { فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد } .

رابعاً :

إن كل ما حدث ويحدث أخي رجل الأمن ، لم يكن لينسينا أنك أنت وأجهزتك ومن وراءك جزءٌ من مجتمعنا المسلم الممتد عبر هذه الرقعة الواسعة من العالم الإسلامي ، والتي تشكل خمس سكان الكرة الأرضية ، ففي هذه الأجهزة كما في غيرها - ونحن نعلم ذلك كما تعلمه أنت - فيها الخير والشر والحق والباطل والإيجابيات والسلبيات وفيها الأخيار الذين يتحرقون ألما على واقع أمتهم وبلادهم !!، ولكن واحدهم - ونرجوا أن تكون من هؤلاء - واحدهم كمؤمن آل فرعون ! يعمل في جو مشحون مضغوط ، ويدفع عن الخير وأهله بقدر ما يستطيع ، ولكنه يحاذر أن يرتاب فيه المرتابون ! أو يتصيدهُ المتربصون ! وفي هذه الأجهزة أيضاً الأشرار الذين يكيدون للخير وأهله من منطلق الحقد على دين الله عز وجل والبغضاء والمقت للمؤمنين ، وفيها الموظفون الذين لا يعنيهم إلا أمر الراتب في آخر الشهر ، ولا يعنيهم إلا أن يضبط الإنسان نفسه فلا يُساءَل عن تقصير في عمله أو إهمال في وظيفته ، وقد تكون أذهان هؤلاء مشحونة أو متأثرة بما يسمعون في أجهزة الإعلام أو في مكاتب العمل أو في مجالس الزملاء والأصدقاء !! وهذا يعني أن الإصلاح ممكن ، وأن التدارك وارد , إن لم يكن في كل مكان ففي بعض الرقاع والبقاع ؛ فأين الخطباء عن هذا ؟! وأين الدعاة الغيورين المخلصون ؟! وأين الشعراء ؟ وأين الموظفون ؟ وأين القادرون ؟ لماذا يبتعدون عن مثل هذه الأُمور ويكرسون الفجوة البعيدة بين المتدين وبين رجل الأمن ؟!!.
إن رجل الأمن جزءٌ من المجتمع بدينه .. بأخلاقه .. بنسبه .. بعلاقاته ، فهو أقرب ممن سواه ، ولذلك فإنك تجدهم في روسيا مثلاً كما أسلفت يجندون المجهولين – أجلنا الله وأجارنا وإياكم – يجندون أولاد الزنا الذين لا يعرف لهم نسب حتى يكونوا في قوات الكومندوز أو الصاعقة أو التدخل السريع أو مكافحة الشغب , لأنهم يعلمون أن هؤلاء يمكن أن يشحنوا بالأحقاد على مجتمعهم حيث لا رابط يربطه .. ولا علاقة .. ولا قرابة .. ولا أبوة .. ولا أخوة .. ولا صهر… ولا نسب .. ولا دين أيضا ! فيأخذون هؤلاء منذ الطفولة ويخضعونهم لتربية خاصة . وفي بعض البلاد العربية يقع مثل ذلك !! أما أنت يا أخي فأنت ابن هذا البلد ، تحمل دينه وهمه ومشاكله .. وتحمل مشاعره .. وتحمل أخلاقه ، وهؤلاء الناس هم إما أبوك أو أخوك أو قريبك أو صديقك أو جارك أو نسيبك ؛ فأي فرق بينك وبينهم ؟ ولماذا ترضى أن تسدد سهمك إلى أحد منهم ؟! أو تسدد قلمك إلى بعضهم ؟!! إنك أنت وهم في خندقٍ واحد والمصير مشترك وحقٌ عليك أن تطيل التفكير في هذا !!.

خامسا :

أنت مسلم تؤمن بالله تعالى واليوم الآخر ، وتعلم أن لك مصرعاً ينتظرك وتنتظره وهو آتيك صباحاً أو مساء ، فإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وأنت موقوف بين يدي الله - عز وجل - ومسؤول عن كل شيء كما قال الله تعالى { وقفوهم إنهم مسؤلون } . وقد تقول إنك مقصر ببعض الطاعات أو واقع في بعض المعاصي أو المنكرات ! فأقول حتى مع هذا وذاك فأنت بحمد الله لا زلت مؤمنا مسلما وكيف لا تكون كذلك ؟! وأنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولا تعبد إلا الله عز وجل ، وأنت مقيم للصلاة ومحافظ عليها إما في المسجد أو حتى في إدارتك أو جهاز عملك أو على انفراد ؛ فما تذكر يوماً أنك تركت الصلاة متعمداً ، فأنت حينئذ مسلم بحمد الله – عز وجل – يرجى لك خير كثير فكيف – وحالك هذا – ترضى أن تسمع من زميلك بسخرية بآيات الله – عز وجل – أو استهزاء برسله أو تشكيك بأمور الغيب من البعث أو الجنة أو النار أو المعجزات والآيات التي جرت على الأنبياء ؟!! ثم تلوذ بالصمت وربما كان جوابك عليه ضحكة طويلة مجلجلة !! ألا تذكر أن زميلك يوماً من الأيام شكك في أمر الإسراء والمعراج ! وقال هل رأيت ذلك بنفسك ؟! فما رددت عليه ولا ناقشته ولا ذكرته ولا خوفته !! أنت أيضاً قد وقـعت في خطأ وطولت إزارك أو (بنطلونك) فهلا أُعجبت بأخيك الذي قصر الإزار أو طواه تحرياً للسنة وطاعةً لله ورسوله ؟! إذا لم تفعل أنت فعلام السخرية والتندر إذاً ممن هم أهدى سبيلاً وأقومُ قيلا !!
أخي أنت تعلم أن الشرائع والعبادات أمورٌ مفروضة ، وأعجب منك وأنت تصلي وتعلم أن الصلاة دعاءٌ وأن الدعاء صلاةٌ كما قال الله – عزوجل – { وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } ومع ذلك سمعت زميلك وأخاك وقرينك في العمل يسخر من أمر الدعاء ، ويقول لو كان كل مظلوم دعا أستجيب له لما بقي ظالمٌ على وجه الأرض ! فسكتَّ عن ذلك وغمغمت وجمجمت وأحجمت ولم تبين له كم من مظلومٍ انتصر الله تعالى له في الدنيا قبل الآخرة ! ولكن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد }
أنت تعلم أخي أن الاستهزاء بآيات الله تعالى كفرٌ , وقد قال جماعة خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو فسخروا من القراء وطلبة العلم وقالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ! فأنزل الله تعالى من فوق سبع سماوات آيات كريمات تقرأ إلى يوم الدين تختم على هؤلاء بالكفر الصراح البواح وتهددهم بنار جهنم وبئس المصير !! { ولإن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياتهِ ورسولهِ كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذب طائفة } إن الاستهزاء بآيات الله تعالى أو رسله أو أنبيائه أو الغيب أو الجنة والنار أو بالصالحين هو كفرٌ بالله العظيم ، ولذلك لما ذكر عندك يا أخي يا رجل الأمن فلانٌ وفلانْ من أهل الخير والصلاح فتماجنت وأظهرت المرح والمزاح والدعابة وأن النكتة على طرف لسانك ! فضحكت على فلان وتندرت من شكله أوهيئته أو منطقه وكلامه أو تصرفاته وربما آذيته إن كان لك عليه سبيل .. أنت يا صاحب الجسم النحيل والعمر القليل والهم الكليل ، تقدر أن تحارب الله - جل وتعالى - ؟!! إن الله جل جلاله يقول ( من عادى لي ولياً فقد آذنتهُ بالحرب ) أي أعلنته على لسان رسولي بأنني محاربٌ له ( وليغلبنّ مغالبُ الغلابي ) والولي لا تحكم عليه أنت ولا أنا , الولاية سرٌ عند الله – عز وجل – والجدير بها أهل التقوى والإيمان { ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون * الذين ءامنوا وكانوا يتقون } فربما كان الولي بأسمال متواضعة ! وربما كان بدون مرتبٍ أو وظيفة .. وربما كان ضعيف الجسم .. وربما كان الولي في غياهب السجون !! فإياك .. إياك .. لا يستفزنك الشيطان فتطلق لسانك بالسوء على عباد الله : هذا متطرف .. وهذا أحمق .. وهذا يستغل الدين لمصالحه الشخصية ! وهذا يريد الشهرة ! وهذا يريد المنصب ! وهذا يريد السلطة .. وهذا .. وهذا.. هل جعلك الله تعالى رقيباً على قلوب العباد ؟!

أخي الكريم إنك قد تقول لي أنا لست من أهل هذا الشأن وما تكلمت في مؤمن قط ، ولكنني أقول لك هذا لا يكفينا منك ؛ بل نريدك رسولاً لمن ورآك أن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتقرأ عليهم آيات الله والحكمة . في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن العبد ليتكلمُ بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) وفي رواية ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ) وفي رواية ( يهوي بها سبعين خريفاً في نار جهنم ) أفيسرك أن تكون أنت من أهل هذا الوعيد العظيم الشديد ؟! سبعين عاماً يتجلجل في نار جهنم وما جرمه أو ذنبه إلا كلمةٌ قالها تندراً أو مجاملةً لزيدٍ أو عبيد !! وفي سنن الترمذي بسند جيد عن بلال ابن الحارث المزني أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( وإن الرجل ليتكلمُ بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت - لم يلق لها بالاً ولا وزناً ولا اعتبار وظنها كلمةٌ سهلةٌ يسيره وربما قال كلُ الناس يقولون هذا - يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ) تأمل نفسك يا أخي وتحسس جسدك .. هل عندك قدرةٌ أن تظل تعيش كل عمرك الذي بقي لك تتقلب في سخط الباري جل وعز ؟! الذي أنفاسك منه وعطاؤك منه ومالك منه وزوجك منه وكل خيرٍ بك فمنه { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } أفيسرك أخي أن تتقلب يوماً من الأيام على فراش المرض تئن من آلام مبرحة لو وزعت بين مائة رجل لأثقلتهم وأبكتهم وصاحوا منها ؟! أيسرك أن تتحمل هذه الآلام ؟ ثم تدعوا الله تعالى فلا يستجيب لك .. وتسأله فلا يعطيك .. وتستنصره وتستصرخه .. فلا يجيبك لماذا ؟! لأنك تتقلب في سخطه نظير كلمة سوءٍ قلتها في حق امرؤ مسلم .

سـادسـا :

رأيت جزاءً من حديثكم عن المتدينين ، بل إذا أرت أن أصارحك قد أصبح المتدينون شغلكم الشاغل في كثير من بلاد الإسلام وهمكم الأول بل والأخير ، وفي بعض الأصقاع النائية جُنِّد الجميع حتى قوات الدفاع المدني لهذه المهمة - مهمة مطاردة المتدينين - !! وأنا محدثك عن المتدينين بصراحة ، فقد كثر حديثكم عن أخطائهم ..
أولاً: المتدينون بشرٌ من البشر يخطئون ويصيبون ولكنهم يخطئون قليلا ويصيبون كثيرا ، فصوابهم أكثر من خطئهم ، ولكن افتراض الكمال فيهم غير وارد ، فهم يجتهدون ويخطئون أحياناً .. وقد يخطئون من غير اجتهاد أحياناً أخرى ، وربما يظهر بمظهر المتدينين من ليس منهم على الحقيقة ولكنه دعيٌ لصيقٌ فيهم تزيا بزيهم ودخل مجالِسَهم وليس منهم والناسُ ليس لهم إلى الله إصبعك .
ثانيا: أن مراقبة المتدينين وعد أنفاسهم وحسابَ حركاتهم سوف يجعلُ أخطائهم دائماً في الصوره فالخطأُ مهما صغر وقل يُعرف ويُكشف ويُراقب ويُضبط ثم يُكبَّر ويُكثَّر ويُكتب ويُضخم وينشر ويضمُ إلى نظيره ومثيله وقرينه حتى نجعل من الحبةِ قبه فيما يتعلقُ بالمتدينين . وأنا ضاربٌ لكَ مثلا : افترض أن مسؤولك سخط عليك يوماً من الأيام ووجد عليك في نفسه وأبغضك وهو لا يخافُ الله فصار يتربصُ بكَ الدوائر ويريدُ أن يؤذيك وينتظرُ الساعاتُ المباركه التي يقعُ منكَ الخطأ حتى يعاقبك وينتقم منك , أفيسرك أن يحدث هذا ؟ ..كلا .. إذاً فيجبُ أن تأتي إلى الناس الذي تحبُ أن يؤتى إليك . بل إنني أقولُ لك بصراحه إنّ بعض صواب المتدينين يتحولُ إلى خطأٍ بقطرةٍ يضيفها متبرعٌ من بعضِ أصحابك أو زملائك ! فإذا حذر المتدينُ عن المعاصي وعقوباتها قيلَ تشويش , وإذا تكلم عن خطرِ الكفار قيل إثاره , وإذا تحدث عن مأمرات العلمانيين قيل مبالغةٌ وتهويل أو تفريقٌ للصف وتمزيقٌ للمجتمع , وإذا أنكر منكراً ظاهراً واجب الإنكار قيل تشهير , وإذا نصح قالوا فضح فأين المهرب ؟!
ثالثا : إنها سنةُ الله عزوجل كما في حديثِ معاوية رضي الله عنه ( لا تتتبع عورات الناس فإنك إن تتبعت عوراتهم أفسدتهم أو كدت تفسدهم ) فالمتابعه والملاحقه هي نزعٌ للثقة وغرسٌ لبذور الشكِ والريبةِ بينكَ وبين هؤلاء , ولا يمكن أبداً أن أسمح لنفسي أن أتجاوز في حقِ الآخرين وأخطئَ عليهم وأتعدى وأُلاحقهم وأضرهم وأتجسسُ عليهم ثم أفترض في الناسِ دائماً الصبر والتحمل والعفوُ والإعراض وهدوء الأعصاب وطول النفس .
رابعا : هناك أشياءُ صحيحة لكنها تدخلُ في باب المسائل الشخصية , فمثلا : ربما توجه أخي رجل الأمن نقداً إلى نوعيةِ اللباس الذي يلبسه المتدين أو طريقته أو مظهره الشخصي , هذه أمور لا تدلُ على شيء ؛ نعم , حسنا لو كان المتدين مثلا أعلى في ذلك , وفي صحيحِ مسلم ( الله جميلٌ يحبُّ الجمال ) , ولكن أيضاً لا تنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - كما في حديث أبي أمامة الحارثي عند أحمد وابن ماجه وهو صحيح - ( البذاذةُ من الإيمان ) يعني التواضعُ في الملبس وعدم الفخرِ أو المبالغةِ فيه . ولا تنسَ أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رب أشعث أغبر ذي طمرينِ لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ) - والحديث أصله في مسلم وفي مسند أحمد وغيرهما عن أبي هريره رضي الله عنه - أشعث أغبر ذي طمرينِ لا يؤبه له , فشكله وملبسه وشعره وهندامه يجعلُ الناس يعرضون عنه ولكنه وليٌّ لو أقسم على الله في شيء لأجاب الله تعالى قسمه وأبره ولو دعى الله أو سأله لأعطاه . فهل تريد أن يكون خصمك هذا ؟ وهل تريد أن تسخر بمنظره وتغفل عن مخبره وقد يكون أقرب إلى الله زلفى ؟
خامسا: إنك تتحدث عن أخطاء المتدينين , أو على أقل تقدير تسمع زملائك يتحدثون ولكن اسمح لي أيها الأخ العزيز أن أسألك : ما حجم هذه الأخطاء الموجودة عند المتدينين بالقياس إلى الأخطاء الفادحة الموجودة عند غيرهم ؟ ألم تسمع أو تقرأ عمن يسمى بوحش الدار البيضاء ؟ رجل في أعلى المناصب , مسؤول في إدارة المباحث في تلك المدينة المغربية الشهيرة في أعلى الرتب والمناصب , فماذا كانت جريمته ؟ ليست جريمته في ملبسه أو في حذائه أو في سيارته , إنها مجموعة من الجرائم المسجل منها على أشرطة الفيديو بالصورة والصوت يزيد على خمسمائة جريـمة يهتك فيها أعراض النساء والرجال ويتعدى عليهم , ويقتادهم بالقوة ويغتصبهم , ويضع لهم الأحابيل ويستخدم كل الإمكانيات التي تحت يده , وكل الأفراد الذين تحت سلطته , يستخدمهم في التمكين لهذه الجريـمة والحصول عليها , ثم هو يعترف في المحكمة - على مرأى ومسمع من الناس - بأن الجرائم التي لم تسجل هي أكثر بكثير من الجرائم التي تم تسجيلها !! ثم هو ينتظر من المحكمة أن تعفو عنه لأن لهُ أطفالاً صغارا ينتظرونه في المنـزل ! فهل غابت عن ذهنك هذه الجريـمة المركبة العظيمة ؟ وهل تظن أن ذلك الرجل كان يعمل بمفرده وهو يتسنم ذلك المنصب الرفيع ؟ إنها لا تعدو أن تكون عينة لكثيرين ممن يحيطون به أو يشبهونه .
ثم ألم تسمع أو تقرأ أيضا عن تلك الفتاة الغجرية التي نشرت خبرها الصحف المصرية وكيف تورط بعلاقة الحب الحرام معها علية القوم وكبار المسؤلين , بما فيهم بعض رجال الأجهزة المسؤولة عن الأمن ؟ وكيف نشرت تلك الصحف الأخبار بالتفصيل ؟
ألم تقع على مثل هذه الأخبار ؟؟! وما هي إلا أشياء أو فضائح قليلة أصبح من المستحيل التستر عليها .
أما الجرائم التي دون ذلك فحدث ولا حرج . لعلك سمعت خبرا عن زميلك الذي قُبِض عليه في قضية أخلاقية ثم تُسُتِّرَ عليها بواسطة تدخل بعض الأطراف , فلماذا تريد أن يكون المتدينون صفحة بيضاء أبدا , وتغفل عن أنهم في الجملة أفضل ممن سواهم , وأن العبد لو تلفت إلى غيرهم حتى من زملائه أو معارفه لوجد شرا مستطيرا ؟
ولعلك أيضا لم تنس تلك العصابة المتآمرة التي كانت تتعاطى المخدرات وتبيعها وتهربها وتستغل مناصبها وعلاقاتها في تحقيق ذلك والتستر عليه . ثم إنك تعلم أن كثيرا ممن حولك يرتكبون ما حرم الله عز وجل في أمور غير مشروعة يفعلونها في حق الناس ؛ دعك من التجسس على المفسدين أو على المجرمين أو على أهل المخدرات أو على أهل الجرائم أو على من يُخشى أن يزعزعوا الأمن , ولكن ما بالك بغيرهم والله عز وجل يقول { ولا تجسسوا } والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من تسمع حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنكُ يوم القيامة ) والآنكُ هو الرصاص المذاب والحديث في صحيح البخاري .

سابعـاً :

نعم أعلم أخي أنك تكتب التقارير وأنك ملزم بذلك ، لكنك لست ملزما ولا مأذوناً أن تقرأ نيات الناس أو تتحدث عما في قلوبهم ! وليس يجوز لك أن تقرأ ما وراء الكلمات أو ما بين السطور أو الحروف فهذا لرب العالمين ومن نازع الله تعالى في ذلك عذبه ، إنما الغيب لله عالم الغيب .. إن الشرع حين وضع حدوداً على محارم الله - عز وجل - فرض لها أدق الشروط وأعظمها وأوفاها ، فهذا حد الزنا مثلاً لا يقام إلا بعدما يشهد أربعة شهود على حصول الجريمة ، لا يكفي أن يقولوا حصلت الخلوة .. بل ولا المداعبة .. بل ولا الضم ولا .. ولا.. ولا .. حتى يشهدوا بالجريمة تفصيلاً دقيقا يزيل أي التباس ليقام الحد بعد ذلك على المجرم . فأنت حين تكتب أو تدون لماذا تقرأ نيات الناس ؟! أو تتكلم عن مقاصدهم أو أهدافهم أو مراداتهم ؟!! دع هذا لرب العالمين , أما أنا وأنت فبشر ضعاف مهازيل لا نستطيع أن ندرك من ذلك لا الكثير ولا القليل .
ثم حين تكتب يا أخي الكريم لماذا تبحث عن رضا المسؤول ؟! لماذا لا تبحث عن رضا الله – عز وجل – ؟ ولماذا لا تستنير بالقاعدة النبوية الشريفة العظيمة , أنه من أرضى الناس بسخط الله – عز وجل – سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، ومن أرضى الله تعالى بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ؟! إنك إن أرضيت الناس ولو أسخطت الله – عز وجل – يوشك أن يعود حامدك ذاما لك يوما من الأيام ، ربما أخذ مسؤولك فكرة معينة عن فلان من جراء كلمة سمعها أو موقف بلغه أو ما أشبه ذلك ، فأصبح يعجبه أن تفسر أقواله وأعماله وتصرفاته على حسب الفكرة المسبقة المستقرة عنده .. ولكن هذه خيانة لنفسك ولمسؤولك واعتداء على ذلك الشخص الذي ظلمته !! إنها جناية على أخيك المسلم تؤاخذ بها في يوم لا درهم فيه ولا دينار ولا متاع وإنما هي الحسنات والسيئات , فيؤخذ من حسناتك فيوضع له فإن فنيت حسناتك قبل أن يقضى ما عليك , أخذ من سيئاته ثم طرحت عليك ثم طرحت في النار ، وحين إذ فأنت من المفلسين كما في الحديث الصحيح عن سيد المرسلين . وربما يرضى من فوقك أن تنقل له ما يعده هو أخطاء ، أو يسميه تجاوزات ، وأن تسكت عن الإيجابيات , ولكن هذا ليس من العدل في شيء !!
إن الذي يعلمه الناس أنك ربما أعملت هواجسك وظنونك في فلان أو فلان ، ثم رفعتها لمسؤولك وهي ظن أو تخمين لا يقين ، ولكن كم من ظن سوء كاذب أصبح عند من فوقك حقيقة لا تقبل الجدل , وواقع لا يقبل الشك , ثم بنى عليها قراراً بسجن فلان ونقل علان , وفصل هذا وتأديب ذاك , ومحاكمة هؤلاء وظلم أولئك ! فإياك إياك أن تظلم الناس للناس فإن شر الناس من ظلم الناس للناس ، وإياك إياك أن تظلم نفسك !!
أنت تتقلب على فراشك والعشرات من الناس يتقلبون وقد بللت دموعهم خدودهم وهم يتوسلون إلى الله العظيم الكريم الذي يسمع السر والنجوى أن ينـزل أليم سخطه وعظيم عذابه على من آذاهم , أو آذى إخوانهم و أقاربهم أو مشايخهم !! وهي دعوة مظلوم يرفعها الله عز وجل فوق الغمام , ثم يقول : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين . وفي الحديث المتفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) ، أتريد أن تكون التجربة في نفسك أنت ؟!! إياك إياك .
أخي أنت كغيرك .. أساء إليك فلان وأخطأ عليك علان الذي لقيته يوما من الدهر , وكان يمكن أن تأخذ حقك بالطرق الشرعية المرعية ، فما الذي حدا بك إلى استخدام أسلوب الوشاية أو الكيد الخفي لهؤلاء , واستغلال موقعك لتوريطهم في أشياء وأمور هم منها برآء ؟! أخي لا يحملنك الإغراء بالمرتبة أو العلاوة أو الترقية أو الجائزة أو البدل على أن تقفوا ما ليس لك به علم ، قال الله عز وجل { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان مسؤولا } . فسمعك موقوف ومسؤول , وبصرك ولسانك وهاجسك في قلبك , أنت مسؤول عن ذلك كله متى أنفذته وأعلنته في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم !! فإياك أن تجهد في إيقاع الآخرين فبئس المال مال جاء من أذية الناس وما عند الله تعالى من رزق لا ينال بمعصيتـه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به ) .

ثامــنـاً :

أخي الكريم , ليس حديثي معك الآن حديثا عن أخطاء العسكر من ضباط أو أفراد , ولا عن طبيعة العلاقة التي تسود بينهم , فهذه خصوصيات وأسرار لا أرى مصلحة في البوح بها الآن ، وإن كنت أنصح الأخوة جميعا بالحرص على الاحترام المتبادل بينهم ، وتنقية القلوب من جميع أنواع البغضاء فإنه لا أسعد من القلب النقي الذي لا يحمل الحقد ولا الحسد ولا الضغينة على الآخرين . يجب أن تفرح بما يصيب إخوانك المسلمين من خير وتهنئهم بقلب صادق ، وأن تثق بأن الذي أعطاهم سوف يعطيك خيرا من ذلك متى صبرت واحتسبت وآمنت . قال الله عز وجل { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله } .
ولكن لا بأس أن أعرض لك بعض الأمور الضرورية التي هي خلل لا بد من تداركه :
أولاً: الطاعة العمياء في كل شيء ، هذا غير جائز بالنسبة للبشر ، بل ربما يقول بعضهم : نفذ ثم اعترض !! يعني قم بالعمل الموكول إليك واعترض بعد ذلك . والطاعة المطلقة هي لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم , أما طاعة البشر - كل البشر - فهي محكومة بالشرع ولهذا قال الله تعالى { وأطيعوا الله وأطيعوا والرسول وأولي الأمر منكم } ثم قال سبحانه { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } . إذاً الطاعة المطلقة هي لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فحسب ، أما البشر فيطاعون في طاعة الله ويعصون في ما أُمِروا به من معصية الله تعالى .
إن الذين قتلوا المواطنين وواجهوهم، قتلوهم طاعة لبشر, فهل يجوز لك أخي أن تحقن دمك لتقتل أخاك المسلم ؟
والذين نزلوا للشوارع بأسلحتهم , نزلوا إرهابا لمواطنيهم وأقاربهم وجيرانهم , نزلوا طاعة لبشر ..
فهل يجيز الشرع لأحد أن يرهب أمه وأباه وأخته وأخاه وجاره وزميله في غير طائل , ولغير هدف واضح معروف ؟!
إن الطاعة لا تجوز أبداً إلا في المعروف ، ومن حق الفرد أن يراجع ويناقش . ومن أخطر الأساليب التربوية سحق شخصية الإنسان ، وتدمير طاقاته وتدريبه على التبعية المطلقة للآخرين ؛ إنها تدمير للمجتمع كله .
قال لي شخص : يا لهول المصيبة لو صحى الناس على "البيان رقم واحد" ، قلت له : أرأيت لو صحى شعب أمريكا من واشنطن على "البيان رقم واحد" : يعلن خلع الرئيس الجديد وإلغاء الانتخابات وتعليق العمل بالدستور , ويعلن أحد الضباط نفسه رئيسا لأمريكا ويفرض حالة الطوارئ على البلاد والعباد ويصدر تعليمات بتأميم أجهزة الأمن والتعليم والإعلام وغيرها؛ أرأيت لو حدث ذلك ! قال : محال أن يحدث في تلك البلاد . قلت له: لماذا ؟ قال : لأنها بلاد ناضجة . قلت : سبحان الله , أرأيت أن مصلحة نضج الشعوب هي مصلحة للحاكم والمحكوم والأمة كلها سواءً بسواء ؟ إن الأمة الناضجة الواعية القوية التي تعرف ما تأخذ وما تدع ، وتشارك بالرأي والمشورة وتحلل وتنظر وتأمر وتنهى ، وتعبد الله تعالى بذلك كله إنها هي الأمة التي تستطيع بإذن الله تعالى أن تضمن مستقبلها ، فلا يعتدي عليها أحد ولا يسوقها إلى حتفها أو مصيرها دون وعي أو شعور!!
إن من المحزن أيها الأخ الكريم أن التربية العسكرية في جميع البلاد الإسلامية ، تأخذ غالبا بالنظم الشيوعية الشرقية القاسية التي تنشئ و تربي العسكري على الذل المطلق لمن فوقه ، وعلى الاستكبار على من تحته ، فهو يتحمل ممن فوقه كل شيء ليتحمل منه من تحته كل شيء !! وهذه الإهانات التي يتلقاها ويأخذها من الكبار يقوم هو بسقيها وإطعامها للصغار !! ومنذ بداية الخدمة العسكرية يعطى الكثيرون الانطباع بأن الإهانة ضرورة عسكرية وأمنية لا بد منها ، وما يسمى بفترة الاستجداد تشهد تسرب الكثيرين - ولعلك أخي تعلم ذلك أكثر مما أعلمه أنا - من ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة الذين لم يطيقوا مثل هذه الإهانة ! نعم أنت وأمثالك ممن صبروا وتحملوا لكن هل نسيت زملاء دفعتك الذين دخلوا وكانوا نماذج حية للرجولة والإخلاص والإباء ثم انصرفوا لأنهم لم يحتملوا ذلك الوضع الصعب العسير ؟! إن التربية الغربية مع الأسف الشديد تختلف جذرياً عن ذلك فهي تحافظ على كرامة الفرد وعلى استقلاله ، وتنشئه نشأة طبيعية . أما التربية الإسلامية فهي لون آخر يقوم على احترام الآخرين وتحميلهم المسؤولية أمام الله عز وجل وعلى قبول النصيحة من كل أحد ، وعلى ربط الفرد بأهداف الأمة العليا ، فهو لا يحامي عن شخص , ولا يدافع عن قبيلة , ولا يقاتل عن حدود , بل الهدف الأول والأخير عنده هو حفظ الدين والأمة والوطن الإسلامي الكبير .
ومن الأخطاء أيضاً التي لا بد أنك أدركتها .. القسوة على الأفراد أحيانا أو على المرؤوسين أو على الصغار ، والتسرع في إيقاع أقسى العقوبات عليهم ، من حجزهم أو إيقافهم , أو مطالبتهم بالمشي أو الغرامات عليهم , أو ما أشبه ذلك مما يدخل في دائرة الظلم ، وأنت إن شاء الله تعالى حريص على العدل , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ويدعو أن من ولي من أمر الأمة شيئاً فرفق بهم رفق الله به ، فليكن لك حظٌ من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ترفق بمن حولك ممن هم رعية لك أو أنت مسؤول عنهم .
أيضاً من الأخطاء شغل وقت بعض العسكريين بما لا ينفع وبطريقة غريبة ، فإن هناك سياسة غربية تقول أشغل العسكري حتى لا يشغلك !! وبذلك قد يكون شغل لهم في أمور كثيرة أنت تعلم أنه لا طائل من ورائها ولا منفعة منها ، فلماذا لا تعطيهم وقتاً للراحة أو قراءة القرآن أو ذكر الله أو أي شيء آخر يفيدهم في دينهم أو دنياهم ، اللهم إذا كان ثمة عمل يحتاج إليه في ضبط الأمور أو في المسؤوليات الموكلة فهذا لا بأس به , أما شغلهم في أمور أنت تعلم أنه لا جدوى منها إلا مجرد إلهائهم ، فلا شك أن ذلك ليس من المصلحة في شيء .

تاسعا :

أخي العسكري .. في هذه الفقرة الأخيرة سوف أمر بتسع نصائح أزجيها لك في آخر هذا المجلس المبارك :
أولاً / الصلاة .. الصلاة .. فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ، والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ، وبين الرجل وبين الكفر الشرك ترك الصلاة ، فإياك أن تترك الصلاة مهما كانت ظروفك ! صل مع المسلمين ، فإن لم تستطع فَصَلِّ في إدارتك ، فإن عجزت فلو أن تصلي على أي حال تقدر أن تصلي عليها . المهم أن لا تفوت الصلاة عن وقتها ، وواجب عليك أن تصلي مع الجماعة متى كنت مستطيعا لذلك . ثم إن من واجبك أيضاً أن تأمر من تحت يدك بالصلاة , قال الله تعالى { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } , ألم تسمع أن بعض زملائك يعتبرون التردد على المسجد علامة على التطرف ؟! أو أن فلان الحريص على الصلاة قد يلقب بأنه مطوع !! أو ما أشبه ذلك من العبارات التي يريدون منها السخرية به ، أو تنقصه ؛ إن ذلك لا يجوز بحال وهو من الاستهزاء الذي أسلفت الحديث عنه .
ثانياً / بر الوالدين .. إن لوالديك عليك حقاً عظيما ، وقد أمرك الله تعالى بالوالدين إحسانا كما قال الله تعالى { وبالوالدين إحسانا } وقرن حقه جل وعز مع حقهما , فعليك أن تحرص على بر والديك والإحسان إليهما ما
استطعت .. ربما دعتك ظروفك إلى البعد عنهما ، وربما قصرت في زيارتهما ، وربما بعد عهدهما بك ، فعليك أن تكثر من الاتصال الهاتفي بهما ، وعليك أن تطمئن على أحوالهما ، وعليك أن ترفق بهما ، وتقدم لهما الهدية ، وتطعمهم وتكسوهم وترضيهم ، وتحرص على كسب رضاهم ما استطعت . فإن رضي عليك الوالدان فأنت على خير كثير إن شاء الله تعالى , فإن الجنة تحت أقدام الأمهات .
ثالثاً / تربية الأولاد .. وإذا كان والداك أصلاً لك فأولادك فرع عنك وبعد موتك هم باقون ، فتذكر بهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، و ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فربِّ أولادك تربية حسنة .. ربهم على العمل الصالح .. ربهم على الخلق الفاضل .. ربهم على تجنب الحرام .. ربهم على مخافة الله عز وجل , ربهم على محبة الخير وأهله ؛ وإياك أن تترك أمر التربية إلى خادمة أو إلى أجهزة الإعلام أو إلى المدرسة ، فإن هذا كله لا ينفع ولا يكفي ، بل ربما يضر في بعض الأحيان .
رابعاً / حسن الخلق .. إنك أحوج ما تكون إلى أن تتحلى بمكارم الأخلاق مع رؤسائك ومع زملائك ومع مرؤوسيك ومع سائر الناس , فالكلمة الطيبة والبسمة الصادقة والإحسان إلى الناس هي من الأشياء التي تزيل ما بينك وبينهم وتجعل المودة قائمة ، وربما تظفر بدعوة صادقه .. أحسنت .. جزاك الله خيرا .. أحسن الله إليك ؛ فهذه الدعوة قد يكون بها سعادة الأبد بالنسبة لك .
خامساً / طيب المطعم .. فإن الجسد الذي نبت على سحت مآله النار ! فلا تطعم نفسك ولا زوجتك ولا أولادك مالاً كسبته من حرام ، يقول الله عز وجل { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ويقول { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) ثم ذكر الآيات . فعليك أن تتحرى الحلال في مطعمك ومشربك ومأكلك وملبسك وزواجك وسكنك وغير ذلك .
كيف يقر لك قرار وفلتك التي عمرتها من حرام , وسيارتك من حرام , وحذاؤك من حرام , وملبسك من حرام , ومطعمك من حرام , ومشربك من حرام , فكيف يقر لك قرار ؟! وكيف تستغرب أن يسلط الله عليك رئيسك وجارك والأمراض وغير ذلك وأن تتبدل أمورك ما دامت هذه حالك ؟! إنني أعيذك بالله تعالى من هذا كله وأسأل الله تعالى أن يوفقك للمال الحلال .
سادساً / صدق الحديث .. فالصدق منجاة والكذب شؤم , ولعنة الله تعالى على الكاذبين ، فلا تحملنك ظروفك أو أحوالك أو مشاكلك أو مشاغلك على أن تقول كذباً يؤاخذ به غيرك أو تؤاخذ به أنت ، فإن العبد مسؤول عما قال ؛ فلا تقل إلا حقا ولو قطعت أو حرقت .
سابعاً / إياك ومعصية الله عز وجل , فإن العبد إذا عصا الله استوحش قلبه من ربه جل وعز .. لا تسمع الغناء فإنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، ولا تنظر إلى الحرام ، ولا تشرب المسكر ، فإن العبد إذا شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً .
ثامناً / ابحث عن الزوجة الصالحة فأنت كثير الغياب عن المنـزل ، كثير الأسفار .. وقد تدعى في ساعة متأخرةٍ من الليل ، فلا بد أن تكون زوجتك مأمونة ؛ ولا يكون الأمن والإيمان إلا عند المتدينين ، فابحث عن ذات الدين تربت يداك ، كما أرشدك إلى ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال كما في الصحيحين ( تنكح المرأة لأربع : لمالها وحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) . إنك أحوج من غيرك إلى الفتاة المتدينة التي تحفظك في نفسها وفي مالك وفي ولدك ، وتكون من بعدك حراسةً على بيتك وعلى عرضك وعلى أهلك وولدك .
تاسعاً / عليك بالجلساء الصالحين ، فإن الجليس الصالح هو كحامل المسك لا بد أن يحذيك أو تجد منه ريحا طيبة ، والعبد يحشر يوم القيامة مع من يجالسه { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } . احرص على أن يكون جلساؤك الأخيار الأبرار الأطهار ؛ وإياك ومجالس السوء التي يعصى فيها الله عز وجل .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل